المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌‌ ‌الحضانة والنفقات الحضانة … الحضانة: تعريفها: الحضانة شرعا تربية الطفل والقيام بشئونه في سن معينة - أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضوعات:

- ‌الزواج

- ‌مدخل

- ‌مقدمات الزواج:

- ‌أركان الزواج:

- ‌شروط الزواج:

- ‌صيغة الزواج من حيث إطلاقها وتقييدها:

- ‌حكم الزواج:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌الوكالة بالزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها

- ‌مدخل

- ‌ المهر:

- ‌ نفقة الزوجة:

- ‌ عدم الإضرار بالزوجة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌حقوق الزوج على زوجته

- ‌مدخل

- ‌ الطاعة:

- ‌ ولاية التأديب:

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين:

- ‌زوج المسلم بالكتابيات

- ‌زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌الطلاق

- ‌مدخل

- ‌أحوال صيغة الطلاق:

- ‌أنواع الطلاق:

- ‌حكم الطلاق:

- ‌طلاق المريض مرض الموت:

- ‌تفويض الطلاق إلى الزوجة:

- ‌الخلع:

- ‌الحالات التي يطلق فيها القاضي:

- ‌فسخ الزواج:

- ‌العدة:

- ‌ثبوت النسب

- ‌ثبوت النسب بالفراش

- ‌ ثبات النسب بالإقرار:

- ‌ثبوت النسب بالبينة

- ‌اللقيط:

- ‌الرضاعة:

- ‌‌‌الحضانةوالنفقات

- ‌الحضانة

- ‌نفقة الأقارب:

- ‌مقارنة بين أنواع النفقات بعضها وبعض:

- ‌الحَجْر:

- ‌الولاية على المال:

- ‌المفقود:

- ‌المريض مرض الموت

- ‌مدخل

- ‌الهبة:

- ‌الوصية:

الفصل: ‌ ‌‌ ‌الحضانة والنفقات الحضانة … الحضانة: تعريفها: الحضانة شرعا تربية الطفل والقيام بشئونه في سن معينة

‌‌

‌الحضانة

والنفقات

الحضانة

الحضانة:

تعريفها:

الحضانة شرعا تربية الطفل والقيام بشئونه في سن معينة ممن له حق في تربيته من محارمه.

من له حق الحضانة: لما كانت حاجة الطفل في أول أطوار حياته ترجع إلى تدبير طعامه وملبسه ونومه ونظافته، وأمثال هذه الحاجات التي تقدر عليها النساء أكثر من الرجال لوفور شفقتهن وصبرهن، كان الأحق بحضانة الطفل محارمه من النساء. فإن لم توجد له محرم من النساء، أو وجدت وليست أهلا لحضانته انتقل الحق في حضانته إلى محارمه من الرجال العصبة. فإن لم يوجد عاصب محرم له، أو وجد وليس أهلا لحضانته انتقل الحق في حضانته إلى محارمه من الرجال غير العصبة، ولما كانت أم الطفل أوفر محارمه شفقة به كانت أحق بحضانته ما دامت أهلا لها، سواء كانت زوجة لأبيه أو مطلقة منه، وكانت محارمه اللاتي ينتسبن إليه بأمه أحق بحضانته من محارمه اللاتي ينتسبن إليه بأبيه عند استواء المرتبة قربا. وعلى هذا فترتيب أرباب الحق في الحضانة من المحارم كما يأتي:

أحق النساء المحارم بحضانة الصغير أمه1. ثم أم أمه وإن علت، ثم أم أبيه وإن علت، ثم أخواته بتقديم الشقيقة فالأخت لأم. فالأخت لأب. ثم بنت أخته الشقيقة ثم بنت أخته لأم، ثم خالاته بتقديم الشقيقة فالخالة لأم فالخالة لأب، ثم بنت الأخت لأب، ثم بنات الأخوة بتقديم بنت الأخ الشقيق فبنت الأخ لأم فبنت الأخ لأب، ثم عماته بتقديم العمة الشقيقة، فالعمة لأم فالعمة لأب، ثم خالات أبيه، ثم عمات أمه، ثم عمات أبيه بتقديم الشقيقة في كل منهن فالتي لأم فالتي لأب:

فإن لم توجد من هاته المحارم واحدة، أو وجدت وليست أهلا للحضانة انتقل الحق في حضانة الصغير إلى العصبة المحارم من الرجال على حسب ترتيبهم في الإرث.

1 المراد الشخص الصغير سواء كان بنتا أو غلاما فلا فرق بين طفل وطفلة وصغير وصغيرة.

ص: 207

فالأحق بحضانة الصغير من عصبته المحارم أبوه، ثم أبو أبيه وإن علا. ثم أخوه الشقيق، ثم أخوه لأب. ثم ابن أخيه الشقيق، ثم ابن أخيه لأب، ثم عمه الشقيق، ثم عمه لأب، ثم عم أبيه الشقيق، ثم عم أبيه لأب.

فإن لم يوجد من عصبته الرجال المحارم أحد، أو وجد وليس أهلا للحضانة انتقل حق حضانته إلى محارمه من الرجال غير العصبة على هذا الترتيب.

للجد لأم، ثم للأخ لأم، ثم لابن الأخ لأم، ثم للعم لأم، ثم للأخوال بتقديم الشقيق، فالخال لأب فالخال لأم.

فمن هذا يتبين أن الحق في حضانة الطفل لأقربائه المحارم من النساء والرجال بتقديم محارمه النساء، فمحارمه الرجال العصبة، فمحارمه الرجال غير العصبة، على أن يراعى في الترتيب بين أفراد كل فريق ما قدمناه.

واذًا فقريباته وأقاربه غير المحارم لا حق لهم في حضانته، فلا حق لبني العم والعمة والخال والخالة في حضانة الصبية لعدم المحرمية ولهم الحق في حضانة الصبي. ولا حق لبنات العم والعمة والخال والخالة في حضانة الصبي ولهن الحق في حضانة الصبية. والمحارم غير القريبات كالأم رضاعا، والأخت رضاعا لا حق لهن في الحضانة.

الأهلية للحضانة: يشترط في الحاضنة أما كانت أو غير أم شروط ثمانية إذا توفرت فيها مع توفر شفقتها بقرابتها المحرمية تحقق الغرض المقصود وهو تربية الصغير والقيام بشئونه خير قيام. وهي أن تكو حرة؛ لأن المملوكة مشغولة بخدمة مالكها عن تربيته، عاقلة؛ لأن غير العاقلة لا تحسن القيام بشئونه ويخشى عليه منها، بالغة؛ لأن أخته الصغيرة مثلا في حاجة إلى الحضانة. قادرة على تربيته والمحافظة عليه، فلو كانت كفيفة أو مريضة بأي مرض يعجزها عن القيام بشئونه والمحافظة عليه لا تكون أهلا لحضانته، أمينة عليه، فلو كانت كثيرة المغادرة لمنزلها ومهملة شئون

ص: 208

الأولاد بحيث يترتب على هذا خشية ضياعهم أو لحوق الضرر بهم لا تكون أهلا للحضانة، غير مرتدة؛ لأن المرتدة عن الإسلام تحبس حتى تعود إليه فلا تقدر على الحضانة، غير متزوجة بأجنبي من الصغير، بأن تكون غير متزوجة أصلا، أو متزوجة بقريب محرم من الصغير كعمه مثلا؛ لأن زوجها إذا كان أجنبيا منه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية بتربيته، غير مقيمة في بيت فيه من يبغضه؛ لأن في مقام الطفل مع من يبغضه للخطر والضرر.

وكذلك إذا انتقل حق الحضانة إلى الرجال المحارم. سواء كانوا العصبة أو غيرهم لا يكون المحرم منهم أهلا لحضانة الصغير إلا إذا كان أمينا عليه، قادرا على تربيته، فلو كان فاسقا أو مفسدا أو غير قادر على تربيته لجنون أو عته أو مرض، فلا حق له في حضانته.

والحاضنة أما كانت أو غير أم، لا يشترط في أهليتها لحضانة الصغير اتحادها معه في الدين، فلو كانت أم الصغير المسلم غير مسلمة فهي أحق بحضانته؛ لأن الشفقة الباعثة على قيام الأم بشئون ابنها أو الأخت بشئون أخيها لا تختلف باختلاف الدين، إلا إذا ظهر أن في وجوده معها خطرا على إسلامه فلا تكون أهلا لحضانته. وأما إذا انتقلت الحضانة للعصبة من الرجال المحارم فيشترط في أهلية العاصب منهم لحضانة الصغير اتحاه معه في الدين؛ لأن حق حضانتهم يعتمد على التوارث ولا توارث مع اختلاف الدين.

والظاهر أنه إذا انتقل حق الحضانة إلى المحارم الأقارب من الرجال غير العصبة لا يشترط اتحاد الدين؛ لأن علة الاستحقاق هي القرابة المحرمية لا التوارث.

وإذا وجد أكثر من واحدة أو واحد كلهم أهل لحضانة الصغير ودرجة قرابتهم به واحدة، كعدة أخوات شقيقات أو عدة أخوة أشقاء فالأحق منهم بحضانته أصلحهم، لتربيته، فإن تساووا من كل جهة يختار القاضي من بينهم من يشاء.

ص: 209

ومجرد فسق الحاضنة أو سوء سلوكها لا يجعلها غير أهل لحضانة الصغير، إلا إذا كان يؤدي ذلك إلى ضياع الولد أو اعتياده أخلاقا تضره.

مدة الحضانة:

أصل المذهب أن مدة الحضانة للصغير والصغيرة تنتهي باستغنائهما عن خدمة النساء، وقدرة الواحد منهما على أن يقوم وحده بحاجاته الأولية من أكل ولبس ونظافة. ولم تقدر لهذا سن معينة، ولكن مجتهدي المذهب قدروا سن الاستغناء للغلام بسبع سنين، وللبنت بتسع سنين وهذا ما عليه الفتوى. وعليه تنتهي مدة حضانة الغلام إذا أتم سبع سنين، وتنتهي مدة حضانة البنت إذا أتمت تسع سنين، ولكن رئي أن الحاجة داعية لأن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع، والصغيرة بعد تسع، فإن رأى مصلحتهما في بقائهما في حضانة النساء قضى بذلك إلى تسع في الصغير، وإحدى عشرة في الصغيرة. وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء. ولهذا وضعت المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ونصها:"للقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع. وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك". وتقدير هذه المصلحة موكول إلى القاضي.

أجرة الحضانة:

أجرة الحضانة كأجرة الرضاعة لا تستحقها الأم حال قيام الزوجية حقيقة أو حكما؛ لأن لها نفقة الزوجية أو نفقة العدة، وتستحقها بعد انقضاء عدتها، أو منعها من المطالبة بنفقة عدتها لمضي سنة من تاريخ طلاقها على ما استظهرناه. وأما غير الأم فتستحق أجرة الحضانة مطلقا، وهي أيضا من نفقة الصغير كأجرة رضاعه. والفصل فيها من اختصاص المحاكم الشرعية الجزئية المصرية تارة بصفة نهائية وتارة بصفة ابتدائية على ما بينا في أجرة الرضاعة. وتكون هذه الأجرة حقا لمن تقوم بالحضانة من حين قيامها بها بلا توقف على القضاء؛ لأنها جزاء على عمل. وتكون دينا صحيحا لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء. ويصح لمن تستحقها أن تصالح

ص: 210

أبا الصغير عنها على بدل تأخذه ويلزم الأب بهذا البدل؛ لأن أجرتها دين صحيح هو خالص حقها.

وإذا لم يكن للحاضنة مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير، فلها أن تطلب من الأب إعداد مسكن لحضانته فيه أو فرض أجرة مسكن.

وإذا احتاجت في حضانته إلى خادم وأبوه موسر فلها أن تطالبه بإحضار خادم أو فرض أجرة خادم.

وعلى هذا فقد يحكم للصغير على أبيه بنفقة لإصلاحه. وأجرة لرضاعه. وأجرة لحضانته. وأجرة مسكن لحاضنته. وأجرة خادم له. وبدل فرش وغطاء.

الحضانة فيها حق للصغير وللحاضنة:

الحضانة بمعنى تربية الطفل في سن معينة فيها حق للطفل نفسه، وحق لمن تقوم بتربيته؛ لأن الشارع قدر مصلحة الصغير في أن يقوم بتربيته في أطوار صغره من هو أقدر على تربيته، فجعل لأمه وسائر قريباته المحارم الحق في أن تمسكنه في سن هن أقدر على تدبير شئونه فيها. وجعل لأبيه وسائر أقاربه المحارم من عصبته الحق في أن يمسكوه في سن بعد ذلك هم أقدر على تدبير شئونه فيها.

ويتفرع على أن الحضانة فيها حق للصغير، أنه ليس للأم أن تصالح أباه على أن تتركه عنده في مدة حضانته في أي مقابل؛ لأن هذا صلح فيه تفويت حق الصغير، فلا يصح الصلح ولا يستحق بدله. وأنه لو اختلعت الأم مع زوجها على أن تترك ولدها عنده مدة الحضانة فالخلع جائز والشرط باطل، لما فيه من تفويت حق الصغير، وأنه إذا امتنعت الحاضنة عن الحضانة مع تعينها لها لعدم وجود غيرها تجبر عليها مراعاة لحق الصغير.

ويتفرع على أن الحضانة فيها حق للحاضنة، أنه إذا أرضعت الطفل مرضعة غير حاضنته يجب عليها أن ترضعه عند حاضنته حتى لا يفوت عليها حقها. وأنه

ص: 211

ليس للأب أن ينقل الصغير من البلد الذي تقيم فيه حاضنته؛ لأن في هذا تفويت حقها. وأنه ليس للأب أن يأخذه من يد حاضنته المستوفية شروط الحضانة ليعطيه من دونها في المرتبة؛ لأن هذا إضاعة لحقها، إلا في حال المتبرعة على التفصيل الآتي.

ويراعى التفريق بين نفس الحضانة والأجرة عليها. فالحضانة نفسها ليست حقا خالصا للحاضنة بل فيها حقها وحق الصغير على ما بينا. وأما الأجرة عليها فهي خالص حقها فلها أن تصالح عليه وتختلع نفسها بها وتتنازل عنها؛ لأن صاحب الحق يتصرف في خالص حقه كيف شاء.

التبرع بالحضانة: إذا أبت أم الصغير أن تحضنه إلا بأجر ووجدت من محارمه من هي أهل لحضانته. كجدته لأبيه أو عمته تتبرع بحضانته، فإن كان الأجر مستحقا على الصغير في ماله بأن كان له مال ونفقته بأنواعها واجبة فيه، فإنه يسلم للمتبرعة؛ لأن في هذا صيانة ماله من غير إضرار به؛ لأن المتبرعة بحضانته ليست أجنبية عنه بل هي من محارمه.

وإن لم يكن للصغير مال وكان أجر حضانته مستحقا على الأب، فإن كان الأب موسرا لا يعطى للمتبرعة بل يبقى عند أمه، ويجبر الأب على دفع أجرتها؛ لأن حضانة الأم أصلح للولد من حضانة غيرها لوفور شفقتها، ولا ضرر على الأب لأنه موسر. وإن كان معسرا يعطى للمتبرعة؛ لأن في إلزامه بالأجر مع إعساره إضرار به، ولا تقتضيه ضرورة مع وجود المتبرعة من المحارم.

ومن المقارنة بين التبرع بالرضاعة والتبرع بالحضانة يتبين أن بين أحكامها فرقا من وجهين:

"الأول" أنه لا فرق في المتبرعة بالرضاعة بين أن تكون قريبة للطفل أو أجنبية منه. وقد اشترطنا في المتبرعة بالحضانة أن تكون من محارم الصغير التي هي أهل لحضانته، بحيث إذا كانت المتبرعة بحضانته أجنبية منه أو محرما فاقدة شرطا من شروط الحاضنة لا يلتفت إليها، وكأنه لم توجد متبرعة.

ص: 212

"والثاني" أنه عند وجود متبرعة بالرضاعة يعطى لها سواء كان للطفل مال أو لا، وسواء كان الأب موسرا أو معسرا. وأما عند وجود متبرعة بالحضانة فلا ينزع من أمه، ويعطى لها إلا إذا كان الصغير لا مال له والأب موسر. ومنشأ التفريق أن الغرض من الرضاعة تغذية الطفل، وهو يتحقق من الأم كما يتحقق من غيرها قريبة أو أجنبية فلا فرق بين متبرعة وأخرى، ولا مبرر لإلزام الصغير أو أبيه بمال لا ضرورة له. وأما الحضانة فالغرض منها التربية ممن هي أهل لها. وهذه الأهلية لا تكون إلا بالقرابة المحرمية مع استيفاء الشروط، فإذا لم تكن المتبرعة فيها هذه الأهلية فات الغرض ولم يتحقق معنى الحضانة. ولا شك أن قيام الأم بهذه التربية خير للطفل من قيام حاضنة أخرى بها، فلا يعدل عن خير الطفل إلا لموجب وهو عسر الأب أو عدم إضاعة مال الولد.

وإذا أبت أم الصغير الحضانة إلا بأجر ولا توجد متبرعة من محارمه، وليس للصغير مال، والأب معسر تجبر الأم على القيام بحضانته وتكون أجرتها دينا على أبيه. وكذلك الحال في أجرة الرضاعة إذا لم توجد متبرعة، وليس للصغير ولا لأبيه مال.

سفر الحاضنة بالولد:

إذا كانت الحاضنة الأم وزوجيتها بأبي الولد قائمة، فليس لها الانتقال إلى أي بلد آخر إلا بإذن زوجها؛ لأن قرارها في المسكن الشرعي الذي أعده لها حق له واجب عليها. وإذا كانت في عدة طلاقه الرجعي أو البائن فليس لها الانتقال مطلقا لا بإذنه ولا بغير إذنه؛ لأن اعتدادها في مسكن العدة حق للشرع واجب عليها. وإذا كانت مطلقة انقضت عدتها فلها أن تسافر بولدها بغير إذن أبيه إلى بلدها الذي هو وطنها، وكان عقد زواجهما فيه، سواء كان هذا البلد قريبا من بلد الأب أو بعيدا عنه، وسواء كان مصرا أو قرية؛ لأن مقتضى عقده عليها في بلد هو وطنها التزامه الرضا بإقامتها فيه. وليس لها أن تسافر به بغير

إذن أبيه إلى بلد انتفى فيه الأمران أو أحدهما، بأن كان لا هو وطنها ولا عقد عليها فيه، أو كان وطنها ولم يعقد عليها فيه، أو عقد عليها فيه وليس وطنها، إلا إذا كان هذا

ص: 213

البلد الذي انتفى فيه الأمران أو أحدهما مصرا قريبا بحيث يمكن الأب أن يذهب إليه، ويرى ولده ويعود قبل أن يدخل الليل. فإن كان مصرا بعيدا أو قرية مطلقا، سواء كانت قريبة أو بعيدة فليس لها أن تنتقل إليها إلا بإذن الأب.

وأما غير الأم من الحاضنات فليس لها الانتقال بالولد من محل حضانته إلا بإذن أبيه مطلقا.

والحكمة في هذا مراعاة مصلحة الصغير بالجمع بين حضانته بواسطة أمه وقريباته المحارم. وبين إشراف أبيه على تربيته حتى لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده، ولا يحرم صغير من شفقة حاضنته ورعاية أبيه.

ولهذه الحكمة نفسها ليس للأب أن يخرج الصغير من البلد الذي تقيم فيه أمه ما دام في حضانتها التي هي أهل لها؛ لأن في هذا الإخراج تفويت حقها وحق الصغير فيمنع منه سواء كان البلد الذي يريد نقله إليه قريبا من أمه أو بعيدا. إلا إذا سقط حق الأم في الحضانة لسبب من الأسباب، ولم يكن في البلد الذي هي فيه من ينتقل إليه حق حضانة الصغير، فله أن ينقله من بلد أمه إلى البلد الذي فيه من لها الحق في حضانته. وإذا زال المانع من أهلية الأم للحضانة وعاد إليها استحقاقها وجب على الأب أن يعيده إليها حيث تقيم. ومثل الأم في هذا غيرها من الحاضنات.

وفي كل حالة لا يكون للحاضنة حق السفر بالصغير إذا أبت إلا أن تسافر سقط حقها في حضانته، وانتقل الحق إلى من يليها من الحاضنات.

بعد انتهاء مدة الحضانة:

الغلام إذا انتهت مدة حضانته بأن بلغت سنه سبعا أو تسعا صار الأحق بإمساكه أبوه. فإن لم يكن له أب فالأحق بإمساكه جده لأبيه. فإن لم يكن له أب ولا جد فالأحق بإمساكه أقرب عصبته من الرجال، سواء كانوا محارم كأخوته أشقائه، أو غير محارم كأبناء عمه؛ لأن الغلام بعد بلوغه هذه السن يستغني عن خدمة النساء، ويصير في حاجة إلى التأديب والتثقيف والتخلق بأخلاق الرجال والأخذ في أسباب الحياة. وأبوه وسائر عصبته من الرجال أقدر على تدبير هذا من أمه وسائر قريباته من النساء.

ص: 214

ولا خيار للغلام ولا لأبيه وسائر عصبته في ذلك بل يجبر الغلام على أن يكون عند أبيه أو عاصبه في هذا الطور من عمره، ويجبر أبوه أو أقرب عصبته على إمساكه إذا امتنع من طلبه؛ وذلك لأن الشراع رأى مصلحة الصغير في أن يمسكه أبوه أو عاصبه بعد تجاوزه سن الحضانة ليهذبه ويربيه، فليس للغلام أن يختار غير ما رآه الشارع، وليس لأبيه أو عاصبه أن يمتنع عن القيام به؛ لأن حق الشرع لا يملك أحد تفويته. وإذا لم يكن للغلام أب ولا عاصب ولا وصي يبقى عند حاضنته إلا إذا رأى القاضي مصلحته في أخذه منها، وإبقائه عند غيرها ممن يختاره.

ويستمر هذا الحق ثابتا على الغلام لعصبته إلى أن يبلغ الحلم.

فإذا بلغ الغلام الحلم بأن بلغت سنه خمس عشرة سنة أو رأى أمارة من أمارات البلوغ قبلها، وكان عاقلا ذا رأي يستغني به صار أحق بنفسه وليس لأبيه ولا لأي واحد من عصبته إمساكه جبرا عنه، بل يكون مخيرا إن شاء انفرد بإقامته. وإن شاء أقام مع أبيه أو أمه أو غيرهما، إلا إذا كان بعد بلوغه الحلم مفسدا لا يؤمن على نفسه فإن لأبيه أو عاصبه الحق في إمساكه للمحافظة عليه، ودفع الفتنة والعار وتأديبه إذا وقع منه شيء يستوجب التأديب حتى يصير مأمونا على نفسه.

وأما البنت فإذا انتهت مدة حضانتها بأن بلغت سنها تسعا أو إحدى عشرة سنة صار الأحق بإمساكها أبوها، ثم جدها لأبيها، ثم أقرب عصبتها من الرجال المحارم كأخوتها الأشقاء وأعمامها، وليس لعصبتها من الرجال غير المحارم كأبناء عمها حق في إمساكها؛ لأن البنت بعد تجاوزها سن الحضانة واستغنائها عن خدمة النساء تكون حاجتها إلى المحافظة عليها وتأديبها وصونها وتحصينها. وعصبتها من الرجال المحارم أقدر على هذا من قريباتها من النساء. ولا خيار للبنت ولا لأبيها أو عاصبها المحرم في ذلك بل تجبر هي على أن تكون عند عاصبها المحرم، ويجبر عاصبها المحرم على إمساكها إذا امتنع؛ لأن هذا حق الشرع لا يملك أحد تفويته.

ص: 215

ويستمر هذا الحق ثابتا على البنت لأبيها أو عاصبها المحرم إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت صار حق إمساكها لزوجها. لكن إذا بلغت البنت الحلم ولم تتزوج وكانت بكرا مسنة، واجتمع لها رأي وعفة، أو كانت ثيبا تؤمن على نفسها، فإن كل واحدة من هاتين تكون أحق بنفسها، وليس لعاصبها المحرم أن يجبرها على الإقامة عنده بل تكون في هذا كالغلام إذا بلغ الحلم عاقلا ذا رأي يكون أحق بنفسه.

وفي كل موضع يكون للأب أو العاصب الحق في إمساك الغلام أو البنت، إنما يثبت له هذا الحق إذا كان أمينا غير مفسد لا يخشى على أحدهما منه، فإن كان غير مأمون عليهما؛ لأنه مفسد مستهتر لا تتحقق مصلحة الصغير بإمساكه فلا حق له ويعتبر كعدمه وينتقل الحق إلى من يليه.

ص: 216