الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفقة الأقارب:
القرابة سبب لوجوب نفقة القريب على قريبه، كما أن الزوجية سبب لوجوب نفقة الزوجة على زوجها.
ولا توجب القرابة النفقة إلا إذا كانت محرمة للزواج، فإن كانت القرابة غير محرمة للزواج كقرابة أولاد الأعمام والعمات، وأولاد الأخوال والخالات، فلا توجب النفقة، وعلى هذا لا تجب نفقة الفقير على ابن عمه أو ابن خاله.
وإذا كانت الصلة بين الأقارب جزئية بعضهم من بعض تسمى قرابتهم قرابة الولاد كقرابة الأصول والفروع المنحصرة في عمود النسب، وإذا كانت الصلة ليست كذلك كقرابة الأقارب الخارجين عن عمود النسب، كالأخوة والأخوات تسمى قرابتهم قرابة غير الولاد، أو قرابة الحواشي، أو قرابة ذوي الأرحام1، وعلى هذا ينحصر بحث نفقة الأقارب فيما يأتي:
نفقة الفرع الواجبة له على أصله.
الأصل الواجبة له على فرعه.
الأقارب غير الأصول والفروع الواجبة لبعضهم على بعض.
النفقة الواجبة للفرع على أصله:
في حال وجود الأب: إذا كان الأب موجودا غير عاجز عن الكسب فنفقة أولاده المستحقين للنفقة واجبة عليه وحده لا يشاركه فيها غيره من أم أو جد أو سواهما.
1 ففي اصطلاح الفقهاء. ذوو الأرحام في باب النفقات هم الأقارب الذين ليسوا من الأصول والفروع كالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والخالات. وأما ذوو الأرحام في باب المواريث فهم الأقارب الذين ليسوا من أصحاب الفروض ولا من العصبة كالجد لأم والعمة والخال والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت.
دليل وجوبها:
والدليل على وجوبها قوله تعالى في سورة البقرة: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فقد أوجب سبحانه على المولود له رزق الوالدات وكسوتهن، وهذا الرزق وهذه الكسوة من نفقة الأولاد. وقد ورد في الحديث أن زوجة أبي سفيان قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
سبب وجوبها:
وسبب وجوبها الجزئية أي: كون الولد جزءا من أبيه، وكما تجب على الإنسان نفقة نفسه تجب عليه نفقة جزئه. وهذه الجزئية هي السبب في وجوب النفقة بين كل فرع وأصله. ولهذا تجب نفقة الأصول على فروعهم والفروع على أصولهم ولو لم يتحقق التوارث كما إذا اختلفوا في الدين لتحقق الجزئية وهي سبب الوجوب.
شرط وجوبها: ويشترط لوجوب نفقة الأولاد على أبيهم شرطان:
"الأول" أن يكون الأولاد فقراء، عاجزين عن الكسب؛ لأنهم إذا لم يكونوا فقراء بأن كان للولد منهم مال فنفقته في ماله عملا بالأصل العام. كل من له مال فنفقته في ماله ولا تجب على غيره نفقته، وإن كانوا فقراء غير عاجزين عن الكسب فلا تجب نفقة القادر منهم أن يكتسب، بل تكون نفقته في كسبه، والعجز عن الكسب يتحقق بكون الولد صغيرا. أو بكونه كبيرا ذا عاهة تمنعه من التكسب، أو بكونه أنثى؛ لأن الشأن في الإناث أن لا يعملن للكسب.
فالمستحقون للنفقة من الأولاد هم الفقراء الصغار، والفقراء الكبار العاجزون عن الكسب، والفقيرات من البنات مطلقا سواء كن صغيرات أو كبيرات قادرات على الكسب أو عاجزات عنه.
"الثاني" أن يكون الأب قادرا على نفقتهم بأن يكون غنيا أو كسوبا يكسب من عمله ما يفي بحاجته وحاجتهم: بناء على هذا تتفرع الأحكام الآتية:
الابن إذا كان فقيرا صغيرا وأبوه غني أو كسوب تجب نفقته على أبيه بأنواعها من طعام وكسوة وسكنى وأجرة رضاع وحضانة، وكل ما يحتاج إليه الصغير مما يقدر عليه أبوه.
فإذا بلغ الابن الفقير سنا يكون فيها أهلا للكسب سواء كانت سن البلوغ أو قبله، فإن كان قادرا على الكسب وليس به مانع يمنعه منه فلا تجب نفقته على أبيه، بل تكون نفقته في كسبه، وللأب أن يضعه في عمل أو حرفة يكتسب منها وينفق عليه من كسبه، فإن لم يف كسبه بنفقته فعلى الأب تكميل كفايته، وإن كان عاجزا عن الكسب لشلل أو عاهة أو أي مرض يعجزه عن الكسب فنفقته بأنواعها واجبة له على أبيه؛ لأن عجز الكبير عن الكسب يجعله في حكم الصغير. ومن الكبار العاجزين عن الكسب أولاد الأشراف الذين لا يستأجرون للأعمال. وطلبة العلم الذين يشغلهم تعلمه عن كسب الرزق ولا يهتدون إلى طرقه. فهؤلاء تجب لهم النفقة وهم كبار أصحاء.
وأما البنت فإذا كانت فقيرة صغيرة وأبوها غني، أو كسوب فنفقتها بأنواعها واجبة لها على أبيها، وكذلك إذا كبرت وهي فقيرة فنفقتها واجبة على أبيها، سواء كانت قادرة على الكسب أو عاجزة عنه، لكن إذا اكتسبت فعلا من وظيفة أو حرفة فلا تجب نفقتها على أبيها، بل تكون نفقتها فيما كسبته؛ لأنها استغنت به، إلا إذا كان ما كسبته لا يفي بحاجتها فعلى أبيها تكميل كفايتها.
فإذا تزوجت سقط وجوب نفقتها عن أبيها ووجبت نفقتها على زوجها، فإذا طلقت وانقضت عدتها من مطلقها وصارت لا نفقة لها على زوجها عاد وجوب نفقتها على أبيها، وكذلك إذا كانت زوجيتها قائمة وسقط وجوب نفقتها عن زوجها بسبب نشوزها مثلا تجب نفقتها على أبيها ما دامت ناشزا.
فنفقة البنت الفقيرة إما على أبيها، أو على زوجها، أو في كسبها إن كسبت فعلا.
وإذا كان الأولاد ممن لا يستحقون النفقة على أبيهم بأن كان لهم مال أو كسب، وأنفق عليهم أبوهم من ماله هو فهو متبرع ولا يرجع على أحد منهم بما أنفق، إلا إذا استأذن القاضي في الإنفاق عليهم ليرجع بما أنفق، أو أشهد عند الإنفاق أنه أنفق ليرجع، فلو أنفق الأب من ماله على ابنه الصغير الغني، أو على ابنه الكبير الكسوب، أو على ابنته المدرسة فهو متبرع بما أنفق، إلا إذا احتاط بالإشهاد عند الإنفاق، أو استئذان القاضي.
فإذا كان الأب فقيرا وقادرا على الكسب، ولكن لم ييسر له عمل يكتسب منه أو يسر له عمل يكتسب منه ولكن كسبه قليل، لا يفي بحاجته وحاجة من تجب عليه نفقتهم من أولاده، ففي هذه الحال تجب عليه النفقة لأولاده ولكن لا يؤمر هو بأدائها، بل تؤمر بأدائها لهم أمهم إذا كانت موسرة، ويكون ما تؤديه الأم دينا لها ترجع به على أبيهم إذا أيسر. وإذا كانت الأم غير موسرة أمر أبو الأب الموسر بالأداء. ويكون ما يؤديه دينا على الأب إذا أيسر.
وأما إذا كان الأب فقيرا وعاجزا عن الكسب لمرض أو كبر سن أو أي عاهة تعجزه عن الكسب، فيعتبر كالمعدوم وتجب النفقة على من عداه من أقارب الأولاد عند عدم أبيهم. على التفصيل الآتي في حال عدم وجود الأب.
فتنبه للفرق بين أب فقير قادر على الكسب، وأب فقير عاجز عن الكسب، فإن الأول لا يسقط وجوب النفقة عنه بل يحكم عليه بالنفقة، ولكن لا يؤمر بأدائها، وإنما يؤمر بأدائها الموسر من أقرب أقارب الأولاد. ليكون دينا على الأب. وأما الثاني فيعتبر كالمعدوم ويسقط وجوب النفقة عنه، ولا يحكم عليه بها، وإنما يحكم بها على الأقارب عدا الأب على ما يبين بعد.
في حال عدم وجود الأب:
وإذا لم يوجد للأولاد المستحقين للنفقة أب، أو كان لهم أب ولكنه فقير وملحق بالمعدوم لعجزه عن الكسب، وكان أقاربهم القادرون على الإنفاق عليهم كلهم من أصولهم سواء كانوا أصولا لهم من ناحية أبيهم، أو من ناحية أمهم فوجوب النفقة عليهم على هذا التفصيل.
إذا كان هؤلاء الأصول كلهم وارثين تجب عليهم النفقة جميعا، بنسبة إرثهم سواء تساوت درجة قرابتهم أو اختلفت.
فمن له أم، وأبو أب، فنفقته عليهما بنسبة الإرث. على الأم ثلث نفقته، وعلى الجد ثلثاها.
ومن له أم أم، وأم أب، وأبو أب فنفقته عليهم بنسبة الإرث. على الجدتين سدسها، وعلى الجد خمسة أسداسها، إلا إذا كان أبو الأب قائما فعلا مقام الأب، بأن حجب من الإرث بعض العصبة الذين يحجبهم الأب، فحينئذ يكون بمنزلة الأب ويجب عليه وحده النفقة ولا يشاركه فيها أحد. فمن له أم، وعم، وأبو أب، فنفقته على جده وحده ولا شيء على الأم؛ لأن الجد لما حجب العم في هذه الصورة من الإرث كان فعلا كالأب، والأب لا يشاركه في الإنفاق على أولاده أحد.
وإذا كان هؤلاء الأصول كلهم غير وارثين بأن كانوا من الأجداد أو الجدات غير الصحيحة. تجب النفقة على أقربهم درجة للأولاد، فإن تساوت درجتهم وجبت النفقة عليهم جميعا.
فمن له أبو أم، وأو أم أب، فنفقته على أبي أمه؛ لأنه أقرب درجة.
ومن له أبو أم أم، وأبو أبي أم، فنفقته عليهما معا بالتساوي لتساويهما في الدرجة.
وإذا كان هؤلاء الأصول بعضهم وارثا وبعضهم غير وارث، فإن تساووا في الدرجة تجب النفقة على الوارثين منهم بنسبة إرثهم، ولا يجب على غير الوارثين منهم شيء.
فمن له أبو أب، وأم أب، وأم أم، وأبو أم، فنفقته على أصوله الوارثين بنسبة إرثهم، وهم جده الصحيح وجدتاه الصحيحتان، على الجد خمسة أسداسها وعلى الجدتين سدسها. ولا شيء منها على جده غير الصحيح وهو أبو الأم؛ لأنه جد غير وارث. وفي درجة الوارثين.
وإن اختلفوا في الدرجة تجب النفقة على أقربهم درجة ولو كان غير الوارث.
فمن له أبو أبي أب، وأبو أم، فنفقته على أقربهما درجة وهو أبو الأم. وإن كان الذي رثه إذا مات هو أبو أبي الأب. والعلة لهذا أن سبب استحقاق الفروع نفقة على الأصول هو الجزئية، وكلما قربت الدرجة قوي السبب فيرجح الأقرب في الوجوب عليه. وإن كان مثل هذه الصورة الأخيرة لا يتفق حكمها مع قاعدة "الغرم بالغنم" لأن الذي يرث لا تجب عليه نفقة، والذي تجب عليه النفقة هو من لا يرث.
النفقة الواجبة للأصل على فرعه:
إذا كان الأصل فقيرا1 سواء كان أبا أو أما أو جدا أو جدة، وله فروع قادرون على الإنفاق عليه، تجب نفقته على أقربهم له درجة. فإن تساووا في القرب فنفقته عليهم جميعا بالتساوي، من غير نظر إلى الإرث؛ لأن علة وجوب النفقة هي الجزئية كما قدمنا، فكلما تحقق السبب وهو الجزئية تحقق المسبب وهو الوجوب بصرف النظر عن الإرث، وكلما قوي السبب بقرب الدرجة ترجح.
فمن له بنت، وابن ابن فنفقته على بنته وحدها لقربها.
ومن له بنت، وابن فنفقته عليهما بالسوية.
1 يلاحظ أن الأصل يستحق النفقة إذا كان فقيرا، سواء كان قادرا على الكسب أو عاجزا عنه. وأما الفرع فلا يستحق النفقة إلا إذا كان فقيرا عاجزا عن الكسب، سواء كان عجزه لصغر أو مرض أو لكونه أنثى.
فالأب الفقير القادر على الكسب تجب له النفقة على ابنه الموسر، والابن الفقير الكبير القادر على الكسب لا تجب له النفقة على أبيه الموسر.
ومن له بنت بنت، وابن ابن فنفقته عليهما بالسوية.
ومن له ابنان مسلم، وغير مسلم وهو مسلم فنفقته عليهما بالسوية.
وإذا اجتمع للفقير أقارب قادرون من أصوله ومن فروعه تجب النفقة على أقربهم درجة. فإن تساووا في الدرجة تجب النفقة عليهم بنسبة الإرث.
فمن له أب وابن ابن فنفقته على الأب وحده لقربه درجة.
ومن له أبو أب، وابن ابن فنفقته عليهما معا بنسبة الإرث على الجد سدسها، وعلى ابن الابن خمسة أسداسها.
وكان مقتضى هذا أن من له أب وابن تكون نفقته على أبيه وابنه بنسبة الإرث لتساويهما في الدرجة. ولكن هنا تجب النفقة على الابن وحده؛ لأن للأب شبهة في مال ابنه بمقتضى الحديث "أنت ومالك لأبيك" فمتى وجد الابن القادر تجب عليه وحده نفقة أبيه الفقير وأمه الفقيرة وكل أصوله
الفقراء، ولا يشاركه فيها أحد، كما أنه إذا وجد الأب القادر تجب عليه وحده نفقة ابنه الفقير ولا يشاركه فيها أحد.
وإذا اجتمع للفقير أقارب قادرون من أصوله، ومن فروعه، ومن حواشيه أي: أقاربه الذين ليسوا من أصوله وفروعه كأخوته وأخواته وأعمامه، فلا يجب على الحواشي شيء من النفقة؛ لأنهم مع وجود
الفروع يعتبرون كعدمهم، وكأن الموجودين الأصول والفروع فقط.
وإذا اجتمع للفقير أقارب قادرون من أصوله، ومن فروعه، ومن حواشيه، فإن كان الصنفان وارثين فالنفقة عليهم
بنسبة الإرث.
فمن له أم وأخ شقيق تجب على الأم ثلث نفقته، وعلى أخيه ثلثاها بنسبة الإرث، وإن كان أحد الصنفين غير وارث فالنفقة على الأصول وحدهم ولو كانوا غير وارثين.
فمن له أبو أب، وأخ شقيق فنفقته على جده وحده، ومن له أبو أم، وأخ شقيق فنفقته على جده لأمه وحده لترجحه بالجزئية، وإن كان غير وارث والإرث للأخ الشقيق.
نفقة ذوي الأرحام بعضهم على بعض:
إذا كان الفقير المستحق للنفقة أقاربه القادرون كلهم من الحواشي أي: من الأقارب الخارجين عن عمود النسب، الذين ليسوا من أصوله ولا فروعه كأخوته وأخواته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، فهؤلاء تجب نفقته عليهم بنسبة الإرث، فالمحجوب من الإرث لا تجب عليه النفقة، والوارث تجب عليه النفقة بنسبة نصيبه في الإرث.
وهذا مقتضى الآية الكريمة إذ قال الله سبحانه في سورة البقرة: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . فقد أوجب سبحانه رزق الوالدات وكسوتهن على الوارث إذا لم يوجد المولود له، وعبر عنه بوصف الوارث إشارة إلى أن إرثه هو سبب وجوب النفقة عليه، عملا بقاعدة "الغرم بالغنم".
فمن له ثلاثة أخوة أشقاء قادرون فنفقته عليهم أثلاثا:
ومن له أخوات متفرقات شقيقة، ولأب، ولأم، فنفقته عليهن أخماسا، على الشقيقة ثلاثة أخماسها، وعلى الأخت لأب خمسها، وعلى الأخت لأم خمسها. ومن له عمة، وخال فنفقته عليهما على العمة ثلثاها وعلى الخال ثلثها.
ومن له أخ لأم وخال فنفقته على الأخ لأم فقط؛ لأنه الوارث وحده.
وبعض المذاهب يجعل نفقة جميع الأقارب بعضهم على بعض على أساس الإرث بلا تفريق بين قرابة الولاد وغيرها، فمن لا يرث بعد الممات لا تجب عليه النفقة في الحياة، ومن يرث تجب عليه النفقة بنسبة إرثه عملا بالقاعدة "الغرم بالغنم"
وهذا هو التقسيم الذي ذكره العلامة ابن عابدين في صفحة 727 من الجزء الثاني من حاشيته ونصه1:
"لا يخلو إما أن يكون الموجود من قرابة الولاد شخصا واحدا، أو أكثر. والأول ظاهر وهو أنه تجب النفقة عليه عند استيفاء شروط الوجوب. والثاني لا يخلو إما أن يكونوا فروعا فقط، أو فروعا وحواشي، أو فروعا وأصولا، أو فروعا وأصولا وحواشي، أو أصولا فقط، أو أصولا وحواشي. فهذه ستة أقسام وبقي قسم سابع تتمة الأقسام العقلية، وهو الحواشي فقط نذكره تتميما للأقسام، وإن لم يكن من قرابة الولاد".
"القسم الأول" الفروع فقط، والمعتبر فيهم القرب والجزئية أي: القرب بعد الجزئية دون الميراث. ففي ولدين لمسلم فقير ولو أحدهما نصرانيا أو أنثى تجب نفقته عليهما سوية، للتساوي في القرب والجزئية، وإن اختلفا في الإرث. وفي ابن، وابن ابن على الابن فقط لقربه، وكذا تجب في بنت، وابن ابن على البنت فقط لقربها، ويؤخذ من هذا أنه لا ترجيح لابن ابن على بنت بنت، وإن كان هو الوارث لاستوائهما في القرب والجزئية، ولتصريحهم بأنه لا اعتبار للإرث في الفروع، وإلا لوجبت أثلاثا في ابن وبنت، ولما لزم الابن النصراني مع الابن المسلم شيء وبه ظهر أن قول الرملي في حاشية البحر أنها على ابن الابن، لرجحانه مخالف لكلامهم.
"القسم الثاني" الفروع مع الحواشي والمعتبر فيه أيضا القرب والجزئية دون الإرث، ففي بنت، وأخت شقيقة على البنت فقط وإن ورثتا، وتسقط الأخت لتقديم الجزئية. وفي ابن نصراني، وأخ مسلم على الابن فقط، وإن كان الوارث هو الأخ أي: لاختصاص الابن بالقرب والجزئية. وفي ولد بنت، وأخ شقيق على
1 ذكرت نص هذا التقسيم ليرجع إليه من أراد الوقوف على بعض التفصيل في نفقة الأقارب.
ولد البنت، وإن لم يرث أي لاختصاصه بالجزئية، وإن استويا في القرب لإدلاء كل منهما بواسطة. والمراد بالحواشي هنا من ليس من عمود النسب، أي: ليس أصلا ولا فرعا فيدخل فيه ما في الذخيرة لو له بنت، ومولى عتاقة فعلى البنت فقط، وإن ورثا أي: لاختصاصها بالجزئية.
"القسم الثالث" الفروع مع الأصول والمعتبر فيه الأقرب جزئية، فإن لم يوجد اعتبر الترجيح، فإن لم يوجد اعتبر الإرث. ففي أب، وابن تجب على الابن لترجحه بأنت ومالك لأبيك، أي: وإن استويا في قرب الجزئية. ومثله أم، وابن لقول المتون ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد. قال في البحر: لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص؛ ولأنه أقرب الناس إليهما ا. هـ. فليس ذلك خاصا بالأب كما يتوهم بل الأم كذلك، وفي جد؟ وابن ابن على قدر الميراث أسداسا للتساوي في القرب، وكذا في الإرث وعدم المرجح من وجه آخر، وظاهره أنه لو له أب وابن ابن أو بنت بنت، فعلى الأب؛ لأنه أقرب في الجزئية، فانتفى التساوي ووجد القرب المرجح وهو داخل تحت الأصل المار عن الذخيرة والبدائع. وكذلك تحت قول المتون ولا يشارك الأب في نفقة ولده أحد.
"القسم الرابع" الفروع مع الأصول والحواشي وحكمه كالثالث، لما علمت من سقوط الحواشي بالفروع لترجحهم بالقرب والجزئية، فكأنه لم يوجد سوى الفروع والأصول، وهو القسم الثالث بعينه.
"القسم الخامس" الأصول فقط فإن كان معهم أب فالنفقة عليه فقط لقول المتون، ولا يشارك الأب في نفقة ولده أحد، وإلا فإما أن يكون بعضهم وارثا، وبعضهم غير وارث أو كلهم وارثين، ففي الأول يعتبر الأقرب جزئية لما في القنية له أم، وجد لأم، فعلى الأم أي: لقربها ويظهر منه أن أم الأب كأبي الأم. وفي حاشية الرملي: إذا اجتمع أجداد وجدات فعلى الأقرب وإن لم يدل به الآخر ا. هـ. فإن تساووا في القرب فالمفهوم من كلامهم ترجح الوارث، بل هو صريح قول البدائع
في قرابة الولاد إذا لم يوجد الترجيح اعتبر الإرث ا. هـ. وعليه ففي جد لأم وجد لأب تجب على الجد لأب فقط اعتبارا للإرث. وفي الثاني أعني لو كان كل الأصول وارثين فكالإرث، ففي أم وجد لأب تجب عليهما أثلاثا في ظاهر الرواية.
"القسم السادس" الأصول مع الحواشي، فإن كان أحد الصنفين غير وارث اعتبر الأصول وحدهم ترجيحا للجزئية، ولا مشاركة في الإرث حتى يعتبر فيقدم الأصل سواء كان هو الوارث، أو كان الوارث الصنف الآخر. مثال الأول ما في الخانية لو له جد لأب وأخ شقيق فعلى الجد ا. هـ. ومثال الثاني ما في القنية لو له جد لأم وعم فعلى الجد ا. هـ. أي: لترجحه في المثالين بالجزئية مع عدم الاشتراك في الإرث؛ لأنه هو الوارث في الأول والوارث هو العم في الثاني. وإن كان كل من الصنفين أعني الأصول والحواشي وارثا اعتبر الإرث ففي أم وأخ عصبي أو ابن أخ كذلك أو عم كذلك على الأم الثلث وعلى العصبة الثلثان.
ثم إذا تعددت الأصول في هذا القسم بنوعيه ننظر إليهم، ونعتبر فيهم ما اعتبر في القسم الخامس مثلا لو وجد في المثال الأول المار عن الخانية جد لأم مع الجد لأب نقدم عليه الجد لأب، لترجحه بالإرث مع تساويهما في الجزئية. ولو وجد في المثال الثاني المار عن القنية أم مع الجد لأم نقدمها عليه لترجحها بالإرث وبالقرب، وبهذا يسقط الإشكال الذي سنذكره عن القنية كما ستعرفه، وكذلك لو وجد في الأمثلة الأخيرة مع الأم جد لأم نقدمها عليه لما قلنا، ولو جد معها جد لأب بأن كان للفقير أم وجد لأب وأخ عصبي أو ابن أخ أو عم كانت النفقة على الجد وحده، كما صرح به في الخانية، ووجه ذلك أن الجد يحجب الأخ وابنه والعم، لتنزيله حينئذ منزلة الأب، وحيث تحقق تنزيله منزلة الأب صار كما لو كان الأب موجودا حقيقة، وإذا كان الأب موجودا حقيقة لا تشاركه الأم في وجوب النفقة فكذا إذا كان موجودا حكما فيجب على الجد فقط بخلاف ما لو كان للفقير
أم، وجد لأب فقط، فإن الجد لم ينزل منزلة الأب. فلذا وجبت النفقة عليهما أثلاثا في ظاهر الرواية كما مر.
"القسم السابع" الحواشي فقط والمعتبر فيه الإرث بعد كونه ذا رحم محرم، وتقديره واضح في كلامهم كما سيأتي:
ثم هذا كله إذا كان جميع الموجودين موسرين، فلو كان فيهم معسر فتارة ينزل المعسر منزلة الميت، وتجب النفقة على غيره، وتارة ينزل منزلة الحي وتجب على من بعده بقدر حصصهم من الإرث -انتهى تقسيم ابن عابدين.
زوجة المستحق للنفقة:
إذا كان الأب مستحقا للنفقة على ابنه فنفقة زوجته أيضا تجب على ابنه، إذا كان الأب في حاجة إليها ولا يمكنه أن يستغني عنها، لعاهة أو مرض أو نحوهما، وإذا كان غير محتاج إليها فلا تجب نفقتها على ابنه. ولهذا لا يجب على الابن إلا نفقة زوجة واحدة لأبيه؛ لأن الواحدة تندفع بها حاجته.
وأما إذا كان الابن مستحقا للنفقة على أبيه فنفقة زوجته لا تجب على أبيه، إلا إذا كان كفيلا بها، فإنها تجب نفقتها عليه بمقتضى الكفالة، وإنما يؤمر بأداء النفقة المفروضة لها على ابنه ليرجع بها عليه إذا أيسر.
ومثل زوجة الابن زوجة سائر من تجب لهم النفقة.
أما الخادم فإن كان ضروريا لمستحق النفقة ومن تجب عليه النفقة موسر، فهو من النفقة الواجبة لا فرق بين أب على ابنه وابن على أبيه.