المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدة: تعريفها: العدة شرعا أجل حدده الشارع لانقضاء ما بقي من آثار - أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضوعات:

- ‌الزواج

- ‌مدخل

- ‌مقدمات الزواج:

- ‌أركان الزواج:

- ‌شروط الزواج:

- ‌صيغة الزواج من حيث إطلاقها وتقييدها:

- ‌حكم الزواج:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌الوكالة بالزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها

- ‌مدخل

- ‌ المهر:

- ‌ نفقة الزوجة:

- ‌ عدم الإضرار بالزوجة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌حقوق الزوج على زوجته

- ‌مدخل

- ‌ الطاعة:

- ‌ ولاية التأديب:

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين:

- ‌زوج المسلم بالكتابيات

- ‌زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌الطلاق

- ‌مدخل

- ‌أحوال صيغة الطلاق:

- ‌أنواع الطلاق:

- ‌حكم الطلاق:

- ‌طلاق المريض مرض الموت:

- ‌تفويض الطلاق إلى الزوجة:

- ‌الخلع:

- ‌الحالات التي يطلق فيها القاضي:

- ‌فسخ الزواج:

- ‌العدة:

- ‌ثبوت النسب

- ‌ثبوت النسب بالفراش

- ‌ ثبات النسب بالإقرار:

- ‌ثبوت النسب بالبينة

- ‌اللقيط:

- ‌الرضاعة:

- ‌‌‌الحضانةوالنفقات

- ‌الحضانة

- ‌نفقة الأقارب:

- ‌مقارنة بين أنواع النفقات بعضها وبعض:

- ‌الحَجْر:

- ‌الولاية على المال:

- ‌المفقود:

- ‌المريض مرض الموت

- ‌مدخل

- ‌الهبة:

- ‌الوصية:

الفصل: ‌ ‌العدة: تعريفها: العدة شرعا أجل حدده الشارع لانقضاء ما بقي من آثار

‌العدة:

تعريفها:

العدة شرعا أجل حدده الشارع لانقضاء ما بقي من آثار الزواج بعد الفرقة، فالزوجة المدخول بها بعد حل عقدة زواجها بأي سبب كان تتربص وتنتظر ولا تتزوج بغير زوجها الأول، حتى تنقضي عدتها بانتهاء ذلك الأجل المحدود، والزوجة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول بها تتربص كذلك الأجل المحدود.

أما الزوج إذا فارق زوجته بأي سبب فليس عليه أن يتربص أي مدة ويمنع عن الزواج فيها إلا إذا كانت من يريد الزواج بها محرما لمن طلقها، فإن عليه أن ينتظر حتى تنقضي عدة مطلقته لئلا يكون جامعا بين المحرمين، وكذلك إذا كانت له زوجات أربع وطلق واحدة منهن لا يحل له التزوج قبل انقضاء عدتها، لئلا يكون جامعا بين أكثر من أربع.

سبب وجوبها:

وسبب وجوب العدة على الزوجة هو وقوع الفرقة بينها وبين زوجها سواء كانت الفرقة بالوفاء، أو بالطلاق، أو بالفسخ.

لكن إذا كانت الفرقة بسبب وفاة الزوج بزواج شرعي صحيح وجبت العدة على الزوجة مطلقا، سواء كانت وفاته بعد أن دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج، أو قبل أن يدخل بها لقوله تعالى في سورة البقرة:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} من غير تقييد الزوجات اللاتي يتربصن بكونهن مدخولا بها، فدل الإطلاق على أن كل زوجة شرعية توفي عنها زوجها وجبت عليه العدة. ولأن من حكمة إيجاب العدة على المتوفى عنها زوجها الوفاء لزوجها المتوفي بحدادها وحزنها عليه مدة بعد وفاته، وهذا الوفاء حق لكل زوج شرعي سواء توفي بعد الدخول بزوجته أو قبله.

فإن كان الزواج غير صحيح شرعا وقبل أن يفترق الزوجان منه توفي الزوج ولم يكن قد دخل بزوجته لا تجب عليها العدة، وتحل للأزواج في الحال؛ لأن الآية في الذين يتوفون ويذرون أزواجا شرعيات بعقد صحيح. ولأن هذا الزوج بعقد غير صحيح ليس من حقه عليها الوفاء له، وإن توفي هذا الزوج غير الشرعي بعد أن دخل بمن تزوجها وجبت عليه العدة، ولكنها عدة للتحقق من براءة رحمها من الحمل لا للوفاء لهذا الزوج المتوفى. ولذا تكون عدتها في هذه الحال ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر لا أربعة أشهر وعشرة أيام.

وأما إذا كانت الفرقة بغير الوفاة بأن كانت بالطلاق أو بالفسخ فلا تجب العدة على الزوجة إذا رفعت هذه الفرقة بعد الدخول بها حقيقة أو حكما في الزواج

ص: 175

الصحيح، وحقيقة فقط في الزواج الفاسد أو الوطء بشبهة. فإن وقعت هذه الفرقة قبل الدخول فلا تجب على الزوجة العدة لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} . ولأن الحكمة الأولى لإيجاب العدة بعد الطلاق أو الفسخ هي التحقق من براءة الرحم من الحمل، منعا لاختلاط الأنساب، وهذا إنما يكون إذا وقعت الفرقة بعد الدخول، ولا كذلك الفرقة بالوفاة، فإن الحكمة الأولى لإيجاب العدة بها هي الوفاء، والوفاء حق لكل زوج شرعي توفي قبل الدخول أو بعده.

حكمة تشريعها: وحكمة إيجاب العدة تعرف براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب، وإعطاء الزوج فرصة يتمكن فيها من إعادة زوجيتها، كما أشار الله سبحانه إلى ذلك بقوله:{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} . وبقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} والحداد والأسف على الزوج المتوفى، فكل عدة أوجبت فهي لتحقيق حكمة أو أكثر من هذه.

أنواعها: أنواع العدة ثلاثة: حيض، وأشهر، ووضع حمل

العدة بالحيض: إذا كانت المرأة من ذوات الحيض وحصلت الفرقة بينها وبين زوجها بعد الدخول بها حقيقة أو حكما بسبب غير الوفاة، سواء أكان طلاقا أو فسخا ولم تكن حاملا وقت الفرقة فعدتها تنقضي بثلاث حيضات كوامل بعد الفرقة لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . والقرء الحيض.

ويؤخذ من تقييد الحيضات بثلاث كوامل أنه لو كانت الفرقة في أثناء حيضها لا تحتسب هذه الحيضة إحدى الثلاث؛ لأنها ليست حيضة كاملة، فلا بد أن تحيض ثلاث حيضات كاملة بعد طهرها من هذه الحيضة التي وقعت الفرقة في أثنائها.

وتنقضي عدتها بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة، فإذا انقطع لعشرة أيام من رؤيته وهي أكثر مدة الحيض انقضت العدة بمجرد انقطاعه. وأما إذا انقطع لأقل

ص: 176

من عشرة أيام فلا تنقضي العدة بمجرد انقطاعه، بل لا بد أن يعقب انقطاعه اغتسالها أو مضي وقت صلاة عليها حتى يتحقق من أنه انقطاع لا إلى عودة، وأقل مدة تصدق فيها المرأة أنها انقضت عدتها بحيضها ثلاث حيضات كوامل هي ستون يوما من تاريخ الفرقة، وقدمنا توجيه ذلك في الرجعة.

العدة بالأشهر: اللاتي تعتد بالأشهر من النساء اثنتان 1:

"الأولى" الزوجة التي ليست من ذوات الحيض، بأن كانت صغيرة أو مراهقة أو بلغت بالسن وهي خمس عشرة سنة ولم تحض، أو وصلت إلى سن الإياس وهي خمس وخمسون سنة ولم تحض، وحصلت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب غير الوفاة، ولم تكن حاملا وقت الفرقة تنقضي عدتها بثلاثة أشهر من تاريخ الفرقة لقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} .

"الثانية" المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملا، سواء أكانت من ذوات الحيض أم ليست منهن تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إلا إذا كان زواجها فاسدا فعدتها ثلاث حيضات لا بالأشهر كما قدمنا.

العدة بوضع الحمل: إذا كانت الزوجة حاملا وقت الفرقة فسواء أكانت الفرقة بالوفاة أم بغيرها، وسواء أكانت الفرقة من زواج صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة، فإن عدتها تنقضي بوضع حملها، ولو كان الوضع بعد الفرقة بلحظة بشرط أن ينفصل الحمل ظاهرا كل خلقه أو بعضه حتى يصدق عليها إنها وضعت حملا وتنقضي عدتها به. قال تعالى:{وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

1 إذا وجبت العدة في غرة الشهر تحتسب بالأشهر، ولو نقص الشهر عن ثلاثين يوما، وإذا وجبت في أثناء الشهر تحتسب بالأيام فلا تنقص عن تسعين يوما أو 130 يوما.

ص: 177

أما إذا انفصلت منها علقة أو مضغة غير مخلقة فلا تنقضي عدتها به؛ لأنه لا يصدق عليها أنها وضعت؛ ولأنه لا جزم بأنها كانت حاملا والعدة لا تنقضي بالشك.

تحول العدة من نوع إلى نوع:

قد تجب العدة بالأشهر ثم يطرأ ما يوجب الاعتداد بالحيض، وقد تجب بالحيض ثم يطرأ ما يوجب الاعتداد بالأشهر، وقد يجب الاعتداد بثلاثة أشهر أو ثلاث حيض ثم يطرأ ما يوجب الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام. ويتبين ذلك في المسائل الآتية:

1-

إذا كانت المعتدة ممن تعتد بالأشهر بأن كانت مراهقة أو آيسة وبعد الفرقة بدأت عدتها بالأشهر، ثم حاضت في أثناء مدة العدة وجب عليها أن تستأنف الاعتداد بالحيض، ولا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيضات كوامل، ولا تعتبر المدة التي مضت بعد الفرقة من العدة؛ لأنها قد وجب عليها الاعتداد بالأشهر على اعتبار أنها ليست من ذوات الحيض، فلما تبين قبل تمام عدتها أنها من ذوات الحيض وجب عليها أن تتربص ثلاثة قروء؛ لأنها الأصل الاعتداد بالحيض والشهور خلف عنها.

وأما إذا حاضت بعد تمام عدتها بالأشهر فالعدة التي تمت قد انقضت وليس عليها أن تعتد بدلها بثلاث حيضات، ولكنها صارت من ذوات الحيض بحيث لو تجب عليها في المستقبل عدة تكون بثلاثة قروء.

2-

إذا كانت المعتدة من ذوات الحيض ثم استمر نزول الدم عليها بدون انقطاع، بحيث لا يمكن تمييز أيام طهرها من أيام حيضها، ولا تحديد ثلاث حيضات كوامل بعد الفرقة، وليس لها عادة معروفة لطهرها وحيضها أو لها عادة ونسيتها فهذه المتحيرة أو ممتدة الدم تنقضي عدتها بسبعة أشهر بعد الفرقة، على اعتبار ثلاث حيضات في شهر؛ لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام وثلاثة أطهار في ستة شهور لكل طهر شهران للاحتياط فتلك سبعة أشهر، وقيل تنقضي عدتها بثلاثة أشهر ولكن المفتى به هو الأول وإن كان الظاهر هو الثاني.

ص: 178

3-

إذا كانت المعتدة من ذوات الحيض ثم انقطع حيضها ولم تعد تراه فإنها تستمر معتدة حتى تحيض ثلاث حيضات، أو تبلغ سن الإياس خمسا وخمسين سنة، فتصير من ذوات الأشهر وتعتد بثلاثة شهور وتسمى هذه ممتدة الطهر.

وهذا الحكم كان مصار الشكايات وكانت تستولي به المعتدة على نفقة العدة عدة سنوات، ولكن هذا تدورك أخيرا بالمادة 17 من القانون رقم 25 سنة 1929 التي نصت على أنه "لا تسمع الدعوى لنفقة عدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلاق" بعد أن عولج أولا بانقضاء عدتها بسنة بيضاء، ولم تقطع الشكوى؛ لأن بعض المعتدات كانت تأخذ نفقة لمدة خمس سنوات.

4-

إذا طلقت الزوجة طلاقا رجعيا ثم مات زوجها وهي في العدة يجب عليها أن تعتد عدة الوفاة، وتنهدم عدة الطلاق؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملكا ولا حلا والزوجية بعد قائمة، ما دامت الزوجة في العدة فيصدق عليها أنها متوفى عنها زوجها فتعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام.

أما إذا طلقت طلاقا بائنا ثم مات زوجها في العدة فإنها تتم عدة طلاقها؛ لأن الطلاق البائن قطع الزوجية من حين صدوره، فقد توفي مطلقها وهي مبانة منه فلا تعتد عدة وفاة، إلا إذا كان طلقها بائنا وهو في مرض موته وتحققت الشروط التي يعد بها فارا بحيث ترثه إذا مات، وهي في العدة، ففي هذه الحال متى مات وهي لا تزال في عتدها، تعتد بأبعد الأجلين من عدة الوفاء وعدة الطلاق فأيتهما كانت أطول فهي عدتها؛ وذلك لأننا إذا رايعنا أنها مبانة كانت زوجيتها غير قائمة وليس عليها عدة وفاة، وإذا رايعنا أنها وارثة كانت زوجيتها قائمة وعليها عدة وفاة، فمراعاة للاعتبارين قررنا أنها تعتد العدتين عدة الطلاق وعدة الوفاة، على أن تتدخل أقلهما في أطولهما، وهذا معنى قولنا تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق، أو الوفاة. وقال أبو يوسف: تعتد عدة الطلاق فقط ككل مبانة والفتوى بالأول.

ص: 179

5-

إذا طلق الرجل زوجته المدخول بها طلاقا بائنا بينونة صغرى ثم تزوجها وهي في العدة وبعد أن دخل بها في الزواج الثاني طلقها فعليها عدة مبتدأة بهذه الفرقة؛ لأنها فرقة بعد الدخول ولها المهر الثاني كله؛ لأنه تأكد بالدخول.

أما إذا طلقها قبل أن يدخل بها في الزواج الثاني فمذهب الشيخين كذلك عليها عدة مبتدأة، ولها المهر كاملا؛ لأنها لما عادت إلى عصمته بالعقد الجديد كأنها عادت إلى حالها الأولى وحالها الأولى كانت مدخولا بها، فكأنها بعد العقد الثاني مدخول بها، فإذا طلقت فعليها العدة ولها المهر الكامل وهذا هو المفتى به. ومذهب محمد عليها إتمام العدة الأولى ولها نصف المهر؛ لأنها طلقت قبل الدخول في الزواج الثاني فلا عدة عليها من فرقته فتستمر في إتمام عدتها الأولى حتى تنقضي ولها نصف المهر الثاني؛ لأنه الواجب بالطلاق قبل الدخول. ومذهب زفر لا عدة عليها أصلا؛ لأن العدة الأولى انهدمت بزواجه الثاني، والفرقة من زواجه الثاني فرقة قبل الدخول لا توجب العدة، ولها نصف المهر؛ لأنه الواجب بالإطلاق قبل الدخول، وقول زفر مبني على مقدمة غير صحيحة؛ لأن الزواج الثاني لم يهدم العدة مطلقا، بل هدمها في حق المطلق نفسه فقط، فإذا انقطع هذا الهادم عاد وجوبها.

مبدأ العدة:

بما أن سبب وجوب العدة هو الفرقة فابتداؤها يكون من حين الفرقة فورا من الزواج الصحيح، سواء كانت الفرقة بطلان أو فسخ ويكون ابتداؤها من حين المتاركة أو تفريق القاضي في الزواج الفاسد، ويكون ابتداؤها عقب الموت مطلقا في زواج صحيح أو فاسد.

ولا يتوقف ابتداؤها على علم الزوجة؛ لأن المسبب يترتب على سببه بلا توقف؛ ولأن العدة أجل حدده الشارع بعد الفرقة فلا يشترط العلم بمضيه حتى لو لم تعلم الزوجة بالوفاة أو الطلاق إلا بعد مضي أجل العدة انقضت عدتها شرعا.

ص: 180

وإذا ادعت الزوجة على زوجها أنه طلقها في وقت معين وأنكر الزوج دعواها فأثبتتها الزوجة بالبينة، وحكم لها القاضي بما ادعته ثبت الطلاق مسندا إلى الوقت المعين بدعواها، ويكون ابتداء العدة من ذلك الوقت لا من وقت الحكم.

وأما إذا ادعت عليه أنه طلقها في وقت معين فأقر بدعواها أو أقر هو ابتداء أنه طلقها منذ كذا من الزمن، فإن العدة تبتدئ من وقت إقراره لا من الوقت المسند إليه الطلاق.

والفرق أنه لما ثبت بالبينة المتصل بها القضاء إن الطلاق وقع في وقت معين كان ذلك الوقت هو وقت الفرقة حتما، فتبتدئ منه العدة. لكن لما كان في الحالة الثانية سند الإضافة إلى الوقت المعين هو مجرد الإقرار احتمل أن يكونا متواطئين على الإضافة إلى زمن سابق، لتقر بانقضاء عدتهاحتى تصير أجنبية فتنفذ وصيته لها، أو يصح إقراره لها بالدين أو غير ذلك، فلا جزم بحصول الفرقة في الوقت المسندة إليه فتبتدئ العدة من المقطوع بحصول الفرقة فيه وهو وقت الإقرار.

واجب المعتدة:

يجب على المعتدة أمران:

"الأول" أن تنقضي عدتها في المنزل الذي كانت تسكنه حال قيام الزوجية حتى إذا وقعت الفرقة وهي خارج هذا المنزل وجب عليها أن تعود إليه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} . فاعتداد المطلقة في منزل العدة حق قرره الشارع لتكون المطلقة على مقربة من مطلقها يراقب حفظها وصيانتها حتى ينتهي ما بقي من آثار زوجيتها بانقضاء عدتها، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ولتكون الأرملة على ذكر من زوجها المتوفى فتقوم بواجب الوفاء له، وليس للمعتدة من طلاق أو وفاة أن تسكن في غير منزل العدة إلا إذا وجد عذر يمنع من إقامتها فيه، كأن ينهدم أو يخشى سقوطه أو تخاف فيه على نفسها أو مالها

ص: 181

أو يخرجها الورثة منه أو يأبى مالكه أن يؤجره أو لا تقدر هي على دفع أجرته، أو غير ذلك من الضرورات التي تبيح لها أن تقضي عدتها في غير هذا المنزل، وإذا وجدت ضرورة تبيح لها الانتقال منه، فإن كانت معتدة وفاة وجب عليها أن تسكن في أقرب منزل من مسكن العدة، لتكون على ذكر من المتوفى ما أمكن، وإن كانت معتدة طلاق تسكن حيث يسكنها مطلقها.

وإن سكنت في غير منزل العدة بلا عذر يبيح لها الانتقال منه تعتبر ناشزة ولا تستحق نفقة العدة.

"الثاني" أن تحد المبانة، والمتوفى عنها زوجها وهذا الحداد يكون أن تترك الزينة ولا تلبس حليا ولا تمس طيبا ما دامت في عدتها إظهار للأسف على وفاة زوجها أو على انقطاع زوجيتها بهذه الإبانة، وهذا واجب خلقي من باب الوفاء للعشير وخاص بالمعتدة من وفاة أو طلاق بائن. أما المعتدة من طلاق رجعي فلم تنقطع زوجيتها حتى تلبس ثوب الحداد على فوات نعمة الزواج، بل يستحب لها أن تتزين ليرجعها زوجها إلى عصمته.

نفقة المعتدة:

المعتدة ما دامت في العدة فهي محتبسة لحق زوجها لا يحل لها أن تتزوج بغيره حتى تنقضي عدتها، ولهذا تجب لها على مطلقها النفقة بأنواعها الثلاثة من طعام وكسوة وسكنى، ويراعى فيها ما روعي في نفقة الزوجة فتقدر بحسب حال الزوج يسارا وإعسارا، وحال الأسعار غلاء ورخصا. ويشترط لاستحقاقها أن لا يفوت احتباسها بسبب من قبلها، كأن تخرج من مسكن العدة بغير عذر يبيح لها ترك الإقامة فيه، وتعتبر دينا صحيحا للمطلقة التي تستحقها من تاريخ الطلاق فلا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، ولا تتوقف على القضاء بها أو التراضي عليها.

من لا تستحق النفقة من المعتدات: ثلاث من المعتدات لا نفقة لهن أصلا وهن معتدة الوفاة، والمعتدة بسبب فرقة جاءت من قبلها وهي محظورة

ص: 182

غير مشروعة، والمعتدة من فرقة بعد زواج فاسد أو دخول بشبهة؛ وذلك لأن معتدة الوفاة لا سبيل لإيجاب نفقتها على أحد لا على الزوج؛ لأنه بعد الوفاة لا ملك له وليس أهلا للإيجاب عليه ولا على ورثته؛ لأن نفقة الزوجية حق شخصي على الزوج لا ينوب عنه فيه ورثته؛ ولأن من جاءت الفرقة من قبلها بسبب محظور كأن ارتدت عن دينها أو فعلت بأصول زوجها أو فروعه ما يوجب حرمة المصاهرة تستحق الزجر والعقاب بحرمانها من حقها في نفقة العدة؛ ولأن الزواج الفاسد والشبهة لا يفيد أحدهما الاحتباس شرعا، فالزواج الفاسد لا يفيد احتباسا شرعيا فلا يوجب النفقة لا قبل الافتراق ولا بعده.

من تستحق النفقة منهن:

من عدا هذه الثلاث من المعتدات تستحق النفقة وهما المعتدة لفرقة من قبل الزوج سواء كانت طلاقا أو فسخا بسبب محظور أو غير محظور، والمعتدة لفرقة من قبل الزوجة بسبب غير محظور كأن اختارت نفسها عند البلوغ أو فسخ الزواج لنقصان المهر عن مهر المثل.

والفرقة التي تصدر من القاضي في الأحوال التي يطلق فيها أو يفسخ العقد فيها تعتبر من قبل الزوج؛ لأنه في الحقيقة ينوب عنه في تطليق زوجته.

ويراعى في كل موضع تستحق فيه المعتدة نفقة عدة أنها إنما تستحقها إذا لم تكن ناشزا بأن لم تخرج من مسكن العدة بغير عذر.

ويراعى في كل موضع لا تستحق فيه المعتدة النفقة أن الذي لا يستحق إنما هو نفقة الطعام والكسوة، وأما السكنى في مسكن العدة فهو كما قدمنا حق الشرع لا يسقط بأي حال إلا لعذر يتعذر معه السكنى فيه، ولهذا لو أبرأت مطلقا من نفقة عدتها صح عن طعامها وكسوتها؛ لأنهما حقها تتصرف فيهما ولا يشمل السكنى؛ لأنها حق الشرع فلا تملك إسقاطه.

ص: 183

وعلى ما عليه العمل الآن بالمحاكم الشرعية تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 17 من القانون رقم 25 لسنة 1929 لا تأخذ المعتدة نفقة عدة لأكثر من سنة من تاريخ الطلاق، فإذا مضت عليها سنة بعد الطلاق تؤمر قضاء بالكف عن المطالبة بنفقة عدة؛ لأنه لا حق لها فيها بعد ذلك. وهذا نص ما جاء في المذكرة الإيضاحية بشأن هذه الفقرة: "بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن بمقتضى القانون رقم 25 لسنة 1920 تستطيع المطلقة أن تأخذ نفقة عدة مدة طويلة بدون حق، فإنها إذا كانت مرضعا قد تدعي أن الحيض لم يأتها طول مدة الرضاعة وهي سنتان، ثم تدعي بعد ذلك أنه لا يأتيها إلا مرة واحدة كل سنة وقولها مقبول في ذلك، وتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة خمس سنين، وإذا كانت غير مرضع قد تدعي أن الحيض يأتيها مرة واحدة في كل سنة، فتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة ثلاث سنين، فقطعا لهذه الادعاءات الباطلة، وبناء على ما قرره الأطباء من أن أكثر مدة الحمل سنة وضعت الفقرة الأولى من المادة 17 ومنعت المعتدة من سماع دعواها نفقة العدة لأكثر من سنة من تاريخ الطلاق1.

1 يلاحظ الفرق بين انقضاء العدة شرعا وبين استحقاق الحق المالي المترتب عليها وهو النفقة، فانقضاء العدة شرعا للمطلقة هو ما بيناه، للحامل بوضع حملها، وللصغيرة التي لم تحض والآيسة التي انقطع حيضها بثلاثة أشهر، ولمن تحيض بثلاث حيضات. وإذا انقطع حيض واحدة من ذوات الحيض لعارض من العوارض انتظرت معتدة حتى تحيض ثلاث حيضات أو تدخل في سن اليأس فتعتد بثلاث أشهر، ولكن لما شاع في النساء الكذب وادعاء انقطاع الحيض، والجرأة على اليمين الباطلة لإرهاق الرجال بنفقة العدة سنين طويلة، عولج أخيرا أمر العدة بالنسبة للنفقة فقط بمنع المعتدة من استحقاق نفقة العدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلاق، فهو تحديد لمدة استحقاق النفقة فقط، وليس تحديدا لأجل انقضاء العدة؛ لأن هذا لا يملكه الشارع الوضعي، ولو أن مطلقة من ذوات الحيض مضت عليها سنة من تاريخ الطلاق ولم تر فيها العادة إلا مرة واحدة أو مرتين، فهي شرعا لا تزال معتدة، ولا يحل لها أن تتزوج بغير مطلقها، وإن كانت قانونا ليس لها بعد السنة أن تطالب بنفقة عدة.

ص: 184

الأولاد:

قدمنا أن الحكمة الأولى في تشريع الزواج هي بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء، وذلك بالتوالد بين الزوجين. وانتساب كل مولود لأبيه. والتزام كل أب بشئون بنيه، وبعد أن بينا الزواج، وأحكامه، وحقوق الزوجين، وما يطرأ على الزوجية من فرق، وما يترتب على الفرقة من آثار، نبين أحكام الأولاد الذين هم ثمرة الزوجية وأهم أغراضها.

وقد شرع الله سبحانه أحكاما تحفظ الأولاد وتكفل رعايتهم من حين ولادتهم إلى أن يبلغوا رشدهم، فشرع أحكاما لثبوت نسبهم، وتدبير رضاعتهم، وحضانتهم، والإنفاق عليهم حتى يبلغوا حد الكسب، وإدارة شئونهم المالية حتى يبلغوا سن الرشد.

والحكمة الإجمالية في تشريع هذه الأحكام هي حماية الأنساب من الضياع، وصيانتها عن الاختلاط، حتى لا يحرم ولد من عاطفة والده، ولا ينسب إلى والد غير والده، ورعاية الطفل في طوري رضاعه وحضانته حتى يبلغ السن التي يستطيع فيها أن يستغني عن غيره، ويتولى شئون نفسه، وحفظ أمواله حتى يبلغ رشده ويقدر على التصرف فيها وحده.

ص: 185