الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ثبات النسب بالإقرار:
الإقرار بالنسب نوعان:
إقرار يقتضي ثبوت نسب المقر له من نفس المقر ابتداء، ويتفرع عنه ثبوت نسبه من غير المقر، وإقرار يقتضي ثبوت نسب المقر له من غير المقر ابتداء، ويتفرع عنه ثبوت نسبه من المقر.
فإقرار الرجل الغلام أنه ابنه يقتضي أولا ثبوت نسب الغلام من هذا المقر. ويتفرع عنه أن يكون أبو المقر جدا له، وأولاد المقر إخوة له، وإخوة المقر أعماما له. ومثل هذا إقرار المرأة لولد أنه ابنها. وإقرار الولد لرجل أنه أبوه، أو لامرأة أنها أمه، وكل إقرار ببنوة أو أبوة أو أمومة.
وأما إقرار الرجل الآخر أنه أخوه فهذا يقتضي أولا ثبوت نسب المقر له من أبي المقر، ويتفرع عنه ثبوت إخوته للمقر؛ لأن معنى إخوته له أن أباهما واحد، وكذا الإقرار لآخر أنه عمه، أو ابن ابنه، أو ابن أخيه.
وهذا معنى قول الفقهاء الإقرار بالنسب نوعان: نوع فيه حمل النسب على نفس المقر. ونوع فيه حمل النسب على غيره. ولكل من النوعين حكم يخصه.
فأما الإقرار بالنسب الذي فيه تحميل ابتداء على نفس المقر كالإقرار بالبنوة أو الأبوة أو الأمومة فإنه يثبت به النسب؛ لأن الإقرار حجة على المقر.
وبناء على هذا من أقر بأن هذا الغلام ابنه أو هذه الطفلة بنته يكون إقراره حجة عليه، ويثبت بهذا الإقرار بنوة الغلام، أو الطفلة له، وأبوته لهما، ويكون لكل منهما عليه حقوق الأولاد على أبيهم، وله عليهما حقوق الأب على أولاده بشرط توافر شروط ثلاثة:
"الأول" أن يكون الغلام أو الطفلة مجهولي النسب لا يعرف لواحد منهما أب؛ لأنه إن كان أحدهما ثابتا نسبه من غير المقر لا يصح الإقرار؛ لأن النسب الثابت لا يقبل الفسخ.
"الثاني" أن يكون هذا الغلام أو هذه الطفلة ممن يولد مثله لمثل المقرن؛ لأنه إن كان أحدهما لا يولد مثله لمثل المقر، كأن كان يساويه في السن أو يدانيه كان الظاهر مكذبا هذا الإقرار فلا يصح.
"الثالث" أن يصادقه الغلام أو البنت إذا كانا أهلا للمصادقة بأن كانا في سن التمييز؛ لأن هذا الإقرار في الحقيقة هو اعتراف على نفس المقر بأنه أب، ودعوى على المقر له بأنه ابن، دعوى الإنسان على غيره لا تثبت إلا ببينة، أو بمصادقة المدعى عليه. فلهذا اشترطنا مصادقة المقر له إن كان مميزا. وأما إذا كان غير أهل للمصادقة بأن كان غير مميز، فإنه يعتبر مصادقا؛ لأن مصلحته في أن يكون ثابتا نسبه والشأن فيه أن يصادق.
ومن أقرت بأن هذا الغلام ابنها أو هذه البنت بنتها وتوافرت هذه الشروط الثلاثة، ثبت بهذا الإقرار أمومتها للغلام أو البنت وبنوتهما لها، ويكون لها عليهما حقوق الأم على أولادها ولهما عليها حقوق الأولاد على أمهم.
وإذا كانت هذه المقرة زوجة أو معتدة وصادقها زوجها على إقرارها كانت هذه المصادقة إقرارا منه بنسب الغلام أو البنت فيثبت بهذه المصادقة إبوته لهما
وبنوتهما له. وأما إذا لم يصادقها فإن قال ليس ابني من ولدته زوجتي أو معتدتي فهذا إنكار نسب ولد ثابت نسبه بالفراش وسبيله اللعان كما تقدم.
وأما إذا لم يصادقها بأن قال لم تلد أصلا وهذا المقر له لقيط، أو قال لم تلد هذا المقر له بعينه؛ لأن من ولدته بنت وهذا غلام، ففي هاتين الحالين يكتفى من الزوجة في الإثبات بشهادة القابلة العادلة.
وإذا أقر غلام مميز أو صغيرة مميزة بأن هذا الرجل أبوه أو هذه المرأة أمه وتوافرت الشروط الثلاثة ثبت بهذا الإقرار بنوة الغلام أو الطفل للمقر له، وأبوة الرجل وأمومة المرأة المقر، معاملة للمقر بإقراره وللمصادق بمصادقته.
هذه أحكام الإقرار بالبنوة أو الأبوة.
وأما الإقرار بالنسب الذي فيه تحميل النسب ابتداء على غير المقر كالإقرار بأن هذا أخوه، أو عمه، أو ابن ابنه، فهذا لا يثبت به النسب ممن حمل عليه، فلا يكون المقر له بالأخوة ابنا لأبي المقر، ولا يكون المقر له بالعمومة ابنا لجد المقر، ولا يكون المقر له الأخير ابنا لابن المقر؛ لأن الإقرار حجة قاصرة على نفس المقر، وليس حجة على غيره، إلا إذا صادفه هذا الغير أو أقيمت عليه بينة.
بناء على هذا من أقر لآخر أنه أخوه لا تثبت بهذا الإقرار أخوته، فلا يعتبر ابنا لأبيه، ولا أخا لأخوته، ولا عما لأولاده، وإنما يترتب على هذا الإقرار معاملة المقر نفسه بإقراره في حق نفسه فقط بحيث لا يكون لهذه المعاملة أثر في حق غيره. فإذا كان المقر له فقيرا والمقر غنيا تفرض له عليه نفقة الأخ على أخيه، وإذا مات المقر وليس له ورثة أصلا أو ورثته زوجته فقط استحق المقر له كل تركته في الحال الأولى وما بقي بعد نصيب الزوجة في الحال الثانية؛ لأنه ما دام لا ضرر على أحد في معاملة المقر بإقراره يعامل به فيكون المقر له أولى بتركة المقر، أو بما بقي بعد نصيب زوجته، وإذا مات أبو المقر فإن ما يرثه المقر من تركة أبيه يشاركه فيه المقر له، إما مناصفة أو للذكر مثل حظ الأنثيين حسب الفريضة الشرعية؛ لأن إقرار المقر لشخص بأنه أخوه هو اعتراف منه بأن له نصيبا في تركة أبيه، فيعامل باعترافه في حق نفسه فقط، ويشاركه المقر له في نصيبه، ويعتبر ما في أيدي سائر الورثة بمنزلة الهالك لعدم قيام حجة عليهم بإخوته، وكأن تركة المتوفى هي ما في يد المقر فقط فيشاركه فيه.