الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال زفر: الزواج المؤقت زواج صحيح اقترن به شرط غير صحيح، وهو التوقيت فيصح العقد ويلغو الشرط. وإنما كان التوقيت شرطا غير صحيح؛ لأنه لا يلائم مقتضى العقد لما بينا أن الزواج للعشرة والقرار لا للمتعة الوقتية. والصحيح مذهب الإمام وصحابيه؛ لأن الصيغة لما اقترنت بالتوقيت أو اشتقت من مادة تفيد التوقيت لم تكن مما ينعقد به الزواج فيبطل لوجود الخلل في ركنه.
ومن صور الزواج المقترن بشرط غير صحيح زواج الشغار، وهو أن يزوج رجل موليته من آخر على أن يزوجه الآخر موليته، بحيث تكون كل واحدة مهرا للأخرى، فاشتراط أن يكون المهر ما ذكر شرط غير صحيح؛ لأن المشروط لا يصلح مهرا؛ لأنه ليس بمال متقوم وعلى ذلك يصح الزواج ويلغو الشرط ويعتبر العقد خاليا من ذكر المهر؛ ولهذا سمي زواج الشغار أي: الخلو؛ لخلوه من تسمية مهر صحيح، ويجب فيه مهر المثل.
حكم الزواج:
حكم التصرف أو العقد تارة يراد به وصفه الشرعي من الفرضية أو الوجوب أو الحرمة أو الكراهة، كما يقال: حكم البيع وقت النداء لصلاة الجمعة الحرمة، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} . وتارة يراد به أثره المترتب عليه شرعا، كما يقال: حكم البيع نقل الملكية في البدلين.
فأما حكم الزواج بمعنى وصفه الشرعي فإنه يكون فرضا على المسلم إذا قدر على المهر والنفقة وسائر واجبات الزوجية، وتيقن من حال نفسه أنه لو لم يتزوج وقع في معصية الزنا. ويكون واجبا عليه إذا قدر على ما ذكر، وخشي أنه لو لم يتزوج وقع في معصية الزنا. ويكون سنة له إذا قدر على ما ذكر، وكان في حال اعتدال بحيث لا يتقين الوقوع في الزنا لو لم يتزوج ولا يخشاه. ويكون حراما عليه الزواج إذا تيقن أنه لو تزوج ظلم زوجته وجار عليها في المعاملة. ويكون مكروها تحريما إذا خاف هذا الجور.
والأصل الذي بنيت عليه هذه الأحكام أن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به فهو فرض، وأنه إذا تعارض خوف الجور لو تزوج وخوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج قدم الأول وحظر الزواج؛ لأن الجور معصية متعلقة بالعباد والمنع من الزنا من حقوق الله، وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى سبحانه1.
وأما حكم الزواج بمعنى أثره المترتب عليه شرعا فإنه يختلف باختلاف العقد من حيث استيفاؤه شرائطه الشرعية أو عدم استيفائها، وهذا البيان:
حكم الزواج الباطل:
إذا حصل خلل في صيغة العقد كأن صدرت الصيغة بلفظين يعبر بهما عن المستقبل أو بما لا يدل على تمليك المتعة لا حقيقة ولا مجازا، أو حصل خلل في أصل أهلية العاقد لفقده التمييز بسبب جنون أو صغر، أو فقد أي شرط من شرائط الانعقاد كان الزواج باطلا. ولا يترتب على هذا العقد أثر ويعتبر وجوده كعدمه، ويجب عليهما الافتراق وإن لم يفترقا فرق بينهما القضاء. وإذا دخل الرجل بمن عقد عليها عقدا باطلا كان هذا الدخول بمنزلة الزنا غير أن شبهة العقد تسقط الحد، ولا عدة على المدخول بها بعد المتاركة، ولا يثبت به نسب ولا توارث، ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا طاعة ولا أي حق من حقوق الزوجية وواجباتها. وعلى قول من أثبت حرمة المصاهرة بالزنا ودواعيه تثبت بهذا الدخول حرمة المصاهرة. وسيتبين هذا في المحرمات.
حكم الزواج الفاسد: إذا اختل شرط من شروط صحة الزواج كما إذا عقد الزواج بغير حضور الشهود كان الزواج فاسدا. ويجب على الزوجين الافتراق وإن لم يفترقا فرق بينهما القضاء. ومجرد هذا العقد الفاسد لا يترتب عليه أثر، بمعنى أن المتزوجين زواجا فاسدا إذا افترقا قبل الدخول فلا عدة على الزوجة ولا مهر لها،
1 ولا يتوهم من حظر الزواج في هذه الحال إباحة الزنا فإن الزنا حرام لا يباح في أي حال بل على الإنسان في مثل هذه الحال أن يقوم أخلاقه ويقاوم شهواته.
ولا تثبت بينهما حرمة المصاهرة ولا النسب، ولا يتوارثان لو مات أحدهما، ولا يترتب على مجرد هذا العقد أي أثر.
أما إذا دخل الزوج دخولا حقيقيا بمن تزوجها زواجا فاسدا فإنه يترتب على هذا الدخول أربعة آثار من آثار الزوجية وهي:
1-
وجوب المهر على الزوج. إما مهر المثل إن لم يكن سمي في العقد مهر، أو الأقل من المسمى ومن مهر المثل إن سمي في العقد مهر؛ وذلك لأن الدخول الحقيقي بالمرأة لا بد أن يترتب عليه في الشريعة الإسلامية أحد أمرين: المهر أو الحد. وحيث انتفى هنا الحد لشبهة العقد فيجب المهر، وهذا معنى قول الفقهاء: الوطء شرعا لا يخلو من عُقر أو عَقر، أي: من حد أو مهر.
2-
ثبوت نسب الولد الذي تحمل به من الدخول في هذا الزواج الفاسد، وذلك احتياطا لإحياء الولد وعدم ضياعه.
3-
وجوب العدة على الزوجة بعد التفريق بينهما ومبدؤها من وقت التفريق. وحكمة وجوبها اتقاء اختلاط الأنساب.
4-
حرمة المصاهرة فيحرم على زوجها أصولها وفروعها وتحرم هي على أصوله وفروعه.
وما عدا هذا من آثار الزواج الشرعي لا يترتب على الدخول بعد العقد الفاسد، فلا تجب به نفقة ولا طاعة ولا يتوارث الزوجان ولا يحل استمتاع أحدهما بالآخر.
فعلى هذا يشترك كل من الزواج الباطل والفاسد في وجوب الافتراق على الزوجين رفعا لهذا البطلان أو الفساد، فإن افترق الزوجان من تلقاء أنفسهما فبها وإلا رفع الأمر إلى القضاء الشرعي ليحكم بالتفريق بينهما. وهذا من المواضع التي ترفع فيها الدعوى حسبة؛ لأنها من باب إزالة المنكر مع مراعاة ما نص عليه في المنشور
1رقم 35 سنة 1981. ويشتركان أيضا في أن مجرد العقد فيهما لا يترتب عليه أثر، وفي أن العقد شبهة تسقط الحد -ويختلفان فيما إذا دخل الزوج بزوجته على ما بينا.
وقد قدمنا أن من شروط صحة الزواج كون الزوجة غير محرمة على زوجها بأي سبب من أسباب التحريم المؤبد أو المؤقت. ومقتضى هذا أن الزواج الذي فقد هذا الشرط يكون فاسدا ويكون حكمه كما ذكرنا من وجوب التفريق وعدم ترتب أثر ما على مجرد العقد، وترتب الآثار الأربعة على الدخول الحقيقي بعد العقد. ولكن يعترض هذا ما نص عليه فقهاء الحنفية من أنه إذا تزوج أحد إحدى محارمه نسبا أو رضاعا أو مصاهرة أو زوجة غيره أو معتدته، ودخل بها عالما بالحرمة فلا عدة على المرأة بعد التفريق، ولا يحرم وقاعها على الزوج الأول لو متزوجة، وإن دخل بها غير عالم بالحرمة تجب عليها العدة، ويحرم على زوجها الأول وقعاها قبل انقضائها. فمقتضى هذا أن زواج المحارم مع العلم بالحرمة يكون باطلا ولا عدة في الباطل.
وزواجهن مع عدم العلم بالحرمة، كما إذا تزوجها غير عالم أنها أخته رضاعا أو غير عالم أنها معتدة غيره، يكو فاسدا وتجب في الفاسد العدة بعد المتاركة والدخول.
فتكون الخلاصة من هذا أن الزواج الباطل هو ما حصل خلل في ركنه أو أهلية عاقديه أو فقد شرط من شروط انعقاده. ويلحق به في الحكم ما إذا حصل خلل في المعقود عليها بأن كانت محرمة على زوجها معلوما للعاقدين وقت العقد أنها حرام عليه.
1 "إعلانات دعاوى التفريق بين الزوجين بطريق الحسبة يجب أن تحال بمجرد تقديمها للمحكمة على وزارة الحقانية لتتولى عمل التحريات التمهيدية اللازمة في ذلك ثم تعاد الإعلانات إلى المحكمة مرفقة بأوراق التحريات لتستعين بها المحاكم في تقدير النزاع المطروح أمامها حق قدره وفهمه على حقيقته من أن هذه الدعوى يراد بها حقيقة رفع المنكر، أو لا يراد منها إلا التشهير بالغير أو الانتقام منه، أو غير ذلك من المقاصد التي لا تتفق مع مشروعية الحسبة، كالتحايل لإعادة النظر في قضية طلاق سبق الفصل فيها بين الزوجين" نص المنشور 35 سنة 1918.
وأن الزواج الفاسد هو ما لم تحضره شهود أو حصل خلل في المعقود عليها، ولكن لم يكن هذا الخلل معلوما للعاقدين وقت العقد، بأن جهل أنها محرمة. وبهذا يوفق بين الأحكام.
حكم الزواج الموقوف:
قال ابن عابدين: "وحكم الدخول في الزواج الموقوف كالدخول في الفاسد فيسقط الحد ويثبت النسب، ويجب الأقل من المسمى ومهر المثل"؛ وذلك لأن الزواج الموقوف استوفى شرائط انعقاده وصحته فما دام موقوفا، أي: لم يجزه الولي ولم يبطله، تترتب على الدخول الحقيقي فيه الآثار الأربعة التي تترتب على الدخول الحقيقي في الزواج الفاسد. فإذا زوج المعتوه مثلا نفسه وقبل أن يرد وليه هذا الزواج أو يجيزه دخل بزوجته ترتب على هذا الدخول وجوب العدة على الزوجة بعد المتاركة، ووجوب المهر على الزوج، وثبوت النسب، وحرمة المصاهرة. أما بعد أن يرد وليه هذا الزواج فإنه يصير باطلا، وبعد أن يجيزه يكون نافذا.
حكم الزواج الصحيح النافذ:
أما عقد الزواج الصحيح النافذ فبمجرد تمامه تترتب عليه آثار الزوجية من حقوق وواجبات بدون توقف على دخول الزوج بزوجته حقيقة أوحكما.
فنفس العقد الصحيح النافذ يوجب للزوجة على زوجها ما يأتي:
1-
المهر إما المسمى إن سمي تسمية صحيحة وإما مهر المثل إن لم توجد تسمية صحيحة، فيكون المهر بمجرد العقد دينا واجبا لها في ذمته وجوبا على شرف التنصيف أو السقوط حتى يوجد ما يقرره، أي: إنه واجب بالعقد ولكنه عرضة؛ لأن يسقط أو ينصف، كما سيبين في أحكام المهر.
2-
والنفقة بجميع أنواعها من طعام وكسوة ومسكن، فتكون بالعقد حقا واجبا لها عليه ما لم تمتنع من طاعته بغير حق؛ لأن من لم يقم بالواجب عليه لا يستحق حقه.
3-
وعدم الإضرار بها بفعل أو قول أو أي معاملة.
4-
والعدل بينها وبين ضرائرها إذا تعددت الزوجات.
ويوجب للزوج على زوجته:
1-
دخولها في طاعته في المسكن الشرعي الذي يهيئه لها متى أوفاها معجل صداقها وكان أمينا على نفسها ومالها.
2-
وثبوت نسب ولدها منه بالشروط الآتية في ثبوت النسب؛ لأنه بمجرد العقد الصحيح يتحقق الفراش.
3-
وقرارها في بيته وعدم خروجها منه بغير حق شرعي إلا بإذنه وامتثالها له فيما لا يمنع مانع شرعي من الامتثال فيه.
4-
وولاية تأديبها بالمعروف شرعا.
ويوجب لكل منهما:
1-
التوارث، فإذا مات أحدهما بعد العقد ولو قبل الدخول ورثه الحي منهم، ما لم يمنع من إرثه مانع شرعي.
2-
وحرمة المصاهرة، فبالعقد تحرم الزوجة على أصول زوجها وفروعه، ويحرم على الزوج أصول زوجته، وأما فروعها فلا تحرم عليه إلا أن دخل بها.
3-
وحل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المأذون به شرعا ما لم يمنع مانع شرعي من حيض أو نفاس أو غيرهما.
4-
وحسن معاشرة كل منهما لصاحبه.