الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التبني: كل موضع يثبت فيه نسب اللقيط ممن ادعاه يكون ابنا شرعا لمدعيه، ويكون لكل منهما على الآخر ما للأب على ابنه وما للابن على أبيه؛ لأنه مجهول النسب وهذه الدعوة إقرار بنسبه. وهذا بخلاف ما إذا كان ولد معروفا نسبه وتبناه رجل غير أبيه، فهذا التبني لا يثبت به نسب من المتبني؛ لأن النسب الثابت كما قدمنا لا يقبل الفسخ، وعلى هذا لا يكون المتبنَّى "ويسمى الدَّعِي" ابنا لمن تبناه، ولا يجب لأحد منهما على الآخر حق أبوة ولا بنوة، قال تعالى في سورة الأحزاب:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} .
الرضاعة:
للرضاع أحكام من حيث هو سبب من أسباب تحريم الزواج. وأحكام من حيث هو واجب للطفل في أول حياته.
الرضاع الموجب للتحريم:
فأما الرضاع الذي هو سبب من أسباب تحريم الزواج فهو مص الرضيع اللبن من ثدي آدمية في مدة الرضاع التي هي الحولان الأولان من حياته. لقوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} . وقول سبحانه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} . فإذا رضع الطفل من المرأة في أثناء الحولين الأولين من عمره كانت هذه المرضعة أما له من الرضاعة، وأولادها أخوة له من الرضاعة سواء ولدتهم قبل الرضاعة أو وقته أو بعده، وزوجها الذي كان سببا في إدرار لبنها أبا له من الرضاعة، وحرم بهذا الرضاع ما يحرم بالنسب والمصاهرة. على ما تقدم بيانه في المحرمات من النساء.
وأما إذا رضع الطفل من المرأة بعد الحولين الأولين من عمره، فهذا الرضاع لا يكون سببا من أسباب التحريم سواء كان الطفل قد فطم أو لم يفطم. وعلة هذا
أن السبب في التحريم بالرضاع هو كون الإرضاع يجعل الرضيع كجزء من مرضعته، فيكون بمنزلة المولود من والدته، وهذه الجزئية إنما تتحقق إذا تغذى الطفل بهذا اللبن في الوقت الذي لا ينبت فيه لحمه وعظمه غالبا إلا به، وهو الحولان الأولان من عمره فالرضاعة في الحولين الأولين هي وحدها في الغالب سبب تكوين الطفل فتثبت بها الجزئية والتحريم. وأما بعد الحولين فلا تكون في الغالب غذاء الطفل وحدها ولا تثبت بها البعضية ولا التحريم، ولا فرق بين قليل الرضاع وكثيره متى تحقق حصوله في مدة الرضاع؛ لأن الله سبحانه قال في بيان المحرمات:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} . وبالمرة والمرات والقليل والكثير يصدق أنها أرضعت، فلا يشترط للتحريم عدد من الرضعات ولا مقدار من لبن المرضعة، وإنما الشرط للتحريم أن يتحقق من وصول لبن المرضعة إلى جوف الطفل في مدة الرضاعة سواء كان بطريق امتصاصه ثديها، أو سقيه له، فإذا لم يتحقق من وصول اللبن إلى جوفه بأن التقم الثدي ولم يدر أرضع أم لا، فلا يثبت التحريم؛ لأنه لا يثبت بالشك.
وإذا اختلط لبن الآدمية بطعام ونضج بالنار فلا يتعلق به تحريم. وأما إذا خلط بسائل آخر من لبن أو ماء أو دواء، فإن كان هو الغالب يتعلق به التحريم، وإن كان مغلوبا لا يتعلق به التحريم.
وإذا اختلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى تعلق التحريم بأغلبهما. فإن استويا حرمتا. وقال محمد تحرمان مطلقا الغالب لبنها وغيرها، وهذا هو الظاهر.
وإذا تزوج رجل امرأة ثم تبين أنها تحرم عليه رضاعا وجب عليهما الافتراق رفعا لهذا الزواج الفاسد، وإن لم يفترقا رفع أي إنسان بطريق الحسبة دعوى تفريق. فإذا افترقا أو حكم بالفرقة كان الحكم حكم الفرقة بعد أي زواج فاسد.
متى تجب على الأم الرضاعة:
إرضاع الأم ولدها واجب عليها شرعا تجبر على القيام به إذا تعينت له بأن كان ولدها لا يقبل ثدي غيرها. أو لا توجد من ترضعه سواها. أو لم يكن للولد ولا لأبيه مال تستأجر به مرضعة. لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} أي: يجب عليهن الإرضاع، كما في قوله سبحانه:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . أي: يجب عليهن التربص.
فإذا لم تتعين أم الطفل لإرضاعه بأن لم توجد حال من الحالات الثلاث السابقة فلا يجب عليها إرضاعه ولا تجبر على القيام به إذا امتنعت منه. وعلى أبيه في هذه الحالة أن يستأجر مرضعة له، وأجرتها عليه في ماله إذا لم يكن للطفل مال؛ لأنها من نفقته، والأب ملزم بنفقة ابنه الصغير الفقير.
والمرضعة التي تستأجر لإرضاع الطفل تسمى الظئر. وعقد الإجارة معها على إرضاعه عقد صحيح، يلزم أباه بالأجر المتفق عليه. ويلزمها بأن ترضع الطفل في المدة المتفق عليها، وعلى حسب الاتفاق يكون إرضاعها له. فإما أن تقيم به عند حاضنته أما كانت أو غيرها، وإما أن ترضعه عندها ثم تذهب وتعود، وإما أن يحمل إليها في منزلها لترضعه. وإذا لم يتفق على شيء من هذا فعليها أن ترضعه عند حاضنته حتى لا يفوت على الحاضنة حقها في حضانته. وإذا انقضت مدة إجارة الظئر والطفل لا يقبل ثدي غيرها تجبر على مدة الإجارة حتى يقبل ثدي غيرها، أو يستغنى عن لبنها بأية وسيلة صيانة له من الهلاك.
وإذا كان الطفل يقبل ثدي أمه وغيرها وأرادت أمه إرضاعه فهي أحق بإرضاعه، وليس لأبيه أن يعطيه لغيرها ترضعه إلا بمبرر شرعي كأن توجد من تتبرع بإرضاعه وتأبى أمه أن ترضعه إلا بأجر.
أجرة الرضاعة:
إذا أرضعت الطفل أمه سواء كان إرضاعه واجبا عليها فيما إذا تعينت له، أو غير واجب عليها فيما إذا لم تتعين له، وكانت زوجيتها بأبيه قائمة حقيقة. أو كانت في عدة طلاقه الرجعي أو البائن. فلا تستحق أجرة على هذا الارضاع؛ لأن لها على أبيه نفقة الزوجية أو نفقة العدة، فلا تستحق مع نفقتها أجرة إرضاع ولدها، وفي المذهب قول آخر راجح يقضي بأن معتدة الطلاق البائن تستحق أجرة إرضاع ولدها؛ لأنها بالبائن انقطعت زوجيتها. ولكن عمل المحاكم الشرعية على الأول بلا فرق بين معتدة الرجعي والبائن؛ لأن لكل منهما النفقة فلا تستحق معها أجرة رضاعة.
وأما إذا أرضعت الطفل أمه بعد انقضاء عدتها من أبيه فإنها تستحق أجرة على إرضاعه؛ لأنها انقطعت زوجيتها ولا نفقة لها على أبيه. قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . والظاهر أن المعتدة التي مضت عليها سنة من تاريخ الطلاق وصارت لا حق لها في المطالبة بنفقة العدة حسب المادة 17 من القانون رقم 25 لسنة 1929 تستحق بعد تمام السنة أجرة الرضاعة؛ لأنها بمنعها من المطالبة بنفقة العدة لمضي سنة صارت مثل التي انقضت عدتها في أنها لا نفقة لها.
وأما إذا أرضعت الطفل غير أمه سواء كانت قريبة له أو أجنبية منه فإنها تستحق الأجرة على إرضاعه في كل حال.
وأجرة الرضاع هي من نفقة الصغير والفصل فيها من اختصاص المحاكم الشرعية الجزئية المصرية، ويكون حكمها فيها نهائيا إذا لم يزد ما يطلب الحكم به على مائة قرش في الشهر، أو لم يحكم بأكثر من ذلك إن كان الطلب غير معين. ويكون حكمها فيها ابتدائيا قابلا للاستئناف إذا زاد المطلوب أو المحكوم به عن ذلك.
وفي الحالة التي تستحق فيها الأم أجرة الرضاع، وهي فيما إذا انقضت عدتها تكون هذه الأجرة حقا لها من حين قيامها بالإرضاع ولا يتوقف استحقاقها لها
على عقد إجارة مع الأب. وتكون من الديون الصحيحة التي لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء. ولا تسقط بموت الرضيع ولا بموت الأب، وتكون مستحقتها دائنة له أسوة غرمائه. ويصح لها أن تصالح أباه على شيء معين تأخذه بدلا عنها؛ لأن هذه الأجرة المستحقة لها دين صحيح خالص حقها فتصطلح على أخذ بدل عنه كيفما تشاء، وعلى الأب أن يؤدي لها البدل الذي اصطلحا عليه.
أما في الحال التي لا تستحق فيها أم الطفل أجرة الرضاع، وهي فيما إذا كانت زوجة لأبيه أو معتدته فلا يكون لها حق قبله على إرضاعه، وإذا صالحها على بدل لا يصح الصلح ولا يلزم بشيء.
التبرع بالرضاعة: إذا أبت الأم أن ترضع طفلها إلا بأجر معين، ووجدت امرأة قريبة له أو أجنبية منه ترضعه مجانا أو بأقل من أجر أمه فالمتبرعة أو الراضية بالأجر الأقل أولى؛ لأن الغرض تغذية الطفل بإرضاعه وفي إعطائه للمتبرعة تحقيق هذا الغرض من غير إضرار الأب بإلزامه أجرا لا تقتضيه ضرورة: قال تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} وإذًا فالأم تخير بين أن ترضعه تبرعا أو بالأجر الأقل وبين أن تسلمه للمتبرعة، وعلى المتبرعة أن ترضعه عندها حتى لا يفوت عليها حقها في حضانته. ومحل هذا إذا كانت الأم غير متعينة لإرضاعه بأن كل الطفل يقبل ثديها وثدى غيرها، وستأتي مقارنة بين المتبرعة بالرضاعة والمتبرعة بالحضانة.