المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المريض مرض الموت ‌ ‌مدخل … المريض مرض الموت: قدمنا أن مرض الموت هو: المرض - أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضوعات:

- ‌الزواج

- ‌مدخل

- ‌مقدمات الزواج:

- ‌أركان الزواج:

- ‌شروط الزواج:

- ‌صيغة الزواج من حيث إطلاقها وتقييدها:

- ‌حكم الزواج:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌الوكالة بالزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها

- ‌مدخل

- ‌ المهر:

- ‌ نفقة الزوجة:

- ‌ عدم الإضرار بالزوجة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌حقوق الزوج على زوجته

- ‌مدخل

- ‌ الطاعة:

- ‌ ولاية التأديب:

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين:

- ‌زوج المسلم بالكتابيات

- ‌زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌الطلاق

- ‌مدخل

- ‌أحوال صيغة الطلاق:

- ‌أنواع الطلاق:

- ‌حكم الطلاق:

- ‌طلاق المريض مرض الموت:

- ‌تفويض الطلاق إلى الزوجة:

- ‌الخلع:

- ‌الحالات التي يطلق فيها القاضي:

- ‌فسخ الزواج:

- ‌العدة:

- ‌ثبوت النسب

- ‌ثبوت النسب بالفراش

- ‌ ثبات النسب بالإقرار:

- ‌ثبوت النسب بالبينة

- ‌اللقيط:

- ‌الرضاعة:

- ‌‌‌الحضانةوالنفقات

- ‌الحضانة

- ‌نفقة الأقارب:

- ‌مقارنة بين أنواع النفقات بعضها وبعض:

- ‌الحَجْر:

- ‌الولاية على المال:

- ‌المفقود:

- ‌المريض مرض الموت

- ‌مدخل

- ‌الهبة:

- ‌الوصية:

الفصل: ‌ ‌المريض مرض الموت ‌ ‌مدخل … المريض مرض الموت: قدمنا أن مرض الموت هو: المرض

‌المريض مرض الموت

‌مدخل

المريض مرض الموت:

قدمنا أن مرض الموت هو: المرض الذي يعجز الرجل عن القيام بمصالحه خارج بيته، ويعجز المرأة عن القيام بمصالحها داخل بيتها. ويغلب فيه الهلاك. ويتصل به الموت. وأن من كان صحيحا ولكن وجد في حال يغلب هلاكه فيه، ثم مات حكمه وهو في حالته الخطرة حكم المريض مرض الموت. ومن هذا يؤخذ أن المرض لو أعجز صاحبه عن القيام بمصالحه، ولكن حصل الشفاء منه لا يعتبر مرض موت. وكذلك لو أعجز صاحبه، ولكن لم يكن بحيث يغلب فيه الهلاك، أو لم يعجزه ولم يغلب فيه الهلاك، تكون تصرفات المريض فيه تصرفات الصحيح. وقالوا إن المريض إذا طالت علته بأن مضت عليه سنة فأكثر من غير تغير وازدياد، يعتبر مرضه مرضا لا يغلب فيه الهلاك، وتكون تصرفات المريض بعد ظهور تطاول مرضه بمضي السنة عليه كتصرفات الصحيح. فلا يمكن الحكم على المريض بأنه مريض مرض موت إلا بعد موته، وما دام حيا لا اعتراض لأحد على أي تصرف له لاحتمال أن يبرأ من مرضه، فلا يكون مرض موت وتكون تصرفاته فيه كتصرفات الأصحاء.

تصرفاته:

بما أن المريض مرض الموت تتعلق بماله وحقوق دائنيه وورثته. وهو في مرضه عرضة للتهمة في تصرفه. فلا يكون حر التصرف في ماله، بل تكون أحكام تصرفاته على هذا التفصيل المقصود منه المحافظة على حقوق الدائنين والورثة ونفي التهمة.

فأما تصرفاته الإنشائية التي هي معاوضات محضة، وليس فيها محاباة في العوض ولا أي تبرع، مثل البيع والإجارة ببدل المثل، فهذه نافذة ولا حق لدائن أو وارث في الاعتراض على تصرف منها بعد موت المريض؛ لأن ما خرج عن ملك المريض دخل في ملكه بدله، وحقهم إنما تعلق بمالية ملكه لا بخصوص أعيانها، فبيعه وإجارته

ص: 263

وكل مبادلاته ما دامت بثمن المثل فهي نافذة. ولكن إذا كان بيعه لأحد ورثته توقف نفاذ البيع بعد موته على إجازة سائر الورثة نفيا للتهمة ولو كان البيع بثمن المثل1.

وأما تصرفاته الإنشائية التي هي تبرعات كالهبة والوقف والضمان والمحاباة في المعاوضات، فهذه تصرفات تضر بحقوق الدائنين، والورثة؛ لأنها تخرج شيئا من ملك المريض بغير عوض. ولذلك يكون حكمها حكم الوصية وإن صدرت منجزة. فإذا وهب المريض مرض الموت أو وقف أو ضمن أو حابى في مبادلة كان هذا التصرف منه بمنزلة الوصية، فإن مات مدينا بدين مستغرق تركته توقف نفاذ تصرفه على إجازة دائنيه. وإن مات غير مدين، وكان تبرعه لوارث توقف نفاذه على إجازة سائر الورثة، أيا كان المقدار المتبرع به. وإن مات غير مدين وكان تبرعه لغير وارث نفذ في ثلث تركته وتوقف فيما زاد عنه على إجازة سائر الورثة. مع مراعاة التفريق بين وقفه ووصيته كما هو مبين في موضعه.

ويؤخذ من هذا أن تبرعات المريض مرض الموت سواء صدرت منجزة، أو مضافة إلى ما بعد الموت حكمها حكم الوصية. وأما تبرعات الصحيح، فإن صدرت مضافة إلى ما بعد الموت فهي وصية. وإن صدرت منجزة فهي نافذة ولا يسري عليها حكم الوصية.

وأما تصرفه الإخباري وهو إقراره بحق على نفسه لغيره، فإن صدر إقراره هذا لأحد ورثته، كما إذا أقر لزوجته بأن لها عليه ألف جنيه، أو أقر لأحد أبنائه بمثل ذلك، يعتبر هذا الإقرار منه حكمه حكم تبرعه، فيتوقف على إجازة سائر ورثته بعد موته، أيا كان مقدار المقر به لاحتمال أنه أراد إيثار بعض الورثة على بعض. ولما لم يملك التبرع عمد إلى صورة الإقرار فيرد قصده عليه، ويعتبر إقراره لوارثه وصية دفعا للتهمة. وأما إن

1 وهذا قول الإمام والعلة الابتعاد عن الشبهات، وعن إيثار بعض الورثة ببعض الأعيان. وقام أبو يوسف: البيع للوارث بثمن المثل صحيح نافذ؛ لأنه ما دام بثمن المثل فلا شبهة. ولا حق لسائر الورثة في الاعتراض عليه بعد موت مورثهم.

ص: 264

كان إقراره لأجنبي فهو صحيح نافذ؛ لأنه لا تهمة، فيعتبر مجرد إخبار عن ملك سابق للمقر له، لا إنشاء تمليك في الحال.

ويستثنى من عدم نفاذ إقرار المريض لوارث، إلا إذا أجازه سائر الورثة ثلاث مسائل، الإقرار في كل واحد منها لم يحدث شيئا جديدا يجعل المقر موضع تهمة:

فيكون نافذا بعد موت المقر بدون توقف على إجازة سائر الورثة.

"الأولى" إذا كان للوارث وديعة معلومة عند مورثه المريض، فأقر المريض بها نفذ إقراره؛ لأنه لو لم يقر ومات مجهلا للوديعة كانت مضمونة في تركته، وكان الوارث أخذ مثلها أو قيمتها؛ لأن الأمين يضمن بموته مجهلا، فالإقرار لم يحدث شيئا جديدا.

"الثانية" إذا كان الوارث عنده وديعة للمورث، فأقر المورث في مرضه بأنه أخذها نفذ؛ لأن الوارث أمين، ولو قال رددتها له يصدق.

"الثالثة" إذا كان الوارث وكيلا عن المورث في قبض ماله من الديون، فأقر المورث في مرضه بأنه أخذ الديون من وكيله نفذ؛ لأن الوكيل أمين، ولو قال دفعت إليه ما قبضته يصدق.

ففي هذه المسائل الإقرار لم يحدث شيئا، فعدم تنفيذه لا أثر له، وإذًا يكون نافذا.

والمراد هنا بالوارث الذي لا ينفذ إقرار المريض له من قام به سبب الإرث وقت الإقرار، ولم يمنع من إرثه مانع وقت الموت، كما إذا أقر لزوجته ومات وهي على عصمته، ولم يمنعها من إرثها منه اختلاف دين أو أي مانع، أو أقر لأخيه الشقيق ولم يوجد عند الموت من يحجبه من الميراث. وغير الوارث هو من فقد فيه الأمران بأن كان أجنبيا وقت الإقرار والموت، أو أحدهما بأن وجد فيه سبب الإرث وقت الإقرار، ولكن منع من إرثه مانع وقت الموت، أو ورث وقت الموت ولم يكن قام به سبب الإرث وقت الإقرار، وهذا بخلاف الوارث في باب الوصية فإن الوارث هناك من ورث فعلا وقت موت الموصي، سواء قام به السبب وقت الوصية، أم لا. وغير الوارث من لا يرث فعلا وقت موت الموصي.

ص: 265

ديون الصحة وديون المرض:

دين المرض هو الدين الذي ثبت على المريض بإقراره في مرضه بمعنى أنه لم يكن طريق لثبوته غير إقرار المريض به. أما الدين الذي يثبت على المريض بغير إقراره كأن يثبت بالبينة. والدين الذي يثبت على الصحيح، سواء كان بإقراره أو بالبينة فهو دين صحة. فالدين يعتبر دين مرض في صورة ودين صحة في ثلاث صور.

وبما أن المريض مرض الموت إذا كان مدينا يتعلق حق دائنيه بذمته وبأمواله، فليس له أن يقضي دين بعض غرمائه دون بعض، فإن قضى دين بعض دائنيه كان لباقيهم حق الاعتراض، لتعلق حقهم جميعا بماله. وهذا إذا كانت الديون كلها متساوية بأن كانت كلها ديون صحة أو كانت كلها ديون مرض. وأما إذا اختلفت بأن كان بعضها ديون صحة، وبعضها ديون مرض فلا حق لدائن المرض في الاعتراض على قضاء دين الصحة؛ لأن ديون الصحة مقدمة في الإيفاء على ديون المرض. ولهذا إذا كانت تركة المريض بعد موته لا تفي بسداد جميع ديونه يبدأ بتسديد ديون الصحة، فإن وفت بها وفيت، وإن لم تف بها قسمت بين دائينيها قسمة تناسبية. وإن وفت بها وبقي بعد ذلك الإيفاء شيءٌ يفي بديون المرض وفيت، وإن لم يف قسم بين دائنيه قسمة تناسبية.

والعلة في هذا أن دين المرض موضع اتهام فيقدم عليه دين الصحة الذي لا تهمة فيه. وإن الغرماء المتساوين في ديونهم تتعلق بمال المريض حقوقهم على السواء. فلا ينفذ إيثار بعضهم بالإيفاء إلا برضا الباقين.

ص: 266