المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الولاية على المال: - أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضوعات:

- ‌الزواج

- ‌مدخل

- ‌مقدمات الزواج:

- ‌أركان الزواج:

- ‌شروط الزواج:

- ‌صيغة الزواج من حيث إطلاقها وتقييدها:

- ‌حكم الزواج:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌الوكالة بالزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها

- ‌مدخل

- ‌ المهر:

- ‌ نفقة الزوجة:

- ‌ عدم الإضرار بالزوجة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌حقوق الزوج على زوجته

- ‌مدخل

- ‌ الطاعة:

- ‌ ولاية التأديب:

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين:

- ‌زوج المسلم بالكتابيات

- ‌زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌الطلاق

- ‌مدخل

- ‌أحوال صيغة الطلاق:

- ‌أنواع الطلاق:

- ‌حكم الطلاق:

- ‌طلاق المريض مرض الموت:

- ‌تفويض الطلاق إلى الزوجة:

- ‌الخلع:

- ‌الحالات التي يطلق فيها القاضي:

- ‌فسخ الزواج:

- ‌العدة:

- ‌ثبوت النسب

- ‌ثبوت النسب بالفراش

- ‌ ثبات النسب بالإقرار:

- ‌ثبوت النسب بالبينة

- ‌اللقيط:

- ‌الرضاعة:

- ‌‌‌الحضانةوالنفقات

- ‌الحضانة

- ‌نفقة الأقارب:

- ‌مقارنة بين أنواع النفقات بعضها وبعض:

- ‌الحَجْر:

- ‌الولاية على المال:

- ‌المفقود:

- ‌المريض مرض الموت

- ‌مدخل

- ‌الهبة:

- ‌الوصية:

الفصل: ‌الولاية على المال:

‌الولاية على المال:

الصغير والمجنون والمعتوه تثبت الولاية شرعا على أموالهم لستة أشخاص بهذا الترتيب الأب ثم وصيه، ثم الجد ثم وصيه، ثم القاضي ثم وصيه.

والسفيه وذو الغفلة تثبت الولاية على أموالهما للقاضي، ثم للقيم الذي يعينه. فالصغير ومن في حكمه من الكبار غير المكلفين لجنون أو عته لا ولاية للقاضي ولا وصيه على أموالهم إذا كان لأحدهم ولي شرعي أب أو وصيه أو جد أو وصيه، والسفيه وذو الغفلة الولاية على أموالهما للقاضي أو القيم الذي يعينه، ولو كان لأحدهما أب أو جد.

والشرط العام في ولي المال أن يكون كامل الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية، وأن يكون متحدا في الدين مع المولى عليه، إذا إذا كان الولي القاضي فلا يشترط فيه اتحاد الدين؛ لأن اتحاد الدين إنما يشترط في الولاية الخاصة. أما الولاية العامة وهو ولاية القاضي فلا يشترط فيها اتحاد الدين.

والولاة الستة على أموال الصغار ومن في حكمهم لكل منهم حدود خاصة لولايته. وهذا البيان:

1-

ولاية الأب:

إذا كان أبو الصغار ومن في حكمهم من الكبار غير المكلفين معروفا بالعدالة، أو مستور الحال لا يعرف عنه ما ينفي عدالته، فله الولاية المطلقة على أموالهم لا فرق بين ذكورهم وإناثهم، ولا فرق بين أن يكونوا في حضانة حاضنتهم أو في يده. وعليه أن يحفظ مالهم ويستثمره. وله أن يتصرف فيه بكل ما فيه حفظه واستثماره، فله التجارة فيه. ودفعه لمن يعمل فيه على سبيل المضاربة. وله أن يؤجر منقولاته وعقاراته وأطيانه. وله أن يبيع مال الصغير عقارا أو منقولا ويشتري للصغير بماله عقارا أو منقولا، بشرط أن لا يكون في البيع أو الشراء غبن

ص: 243

فاحش، فإن باع مال الصغير بغبن فاحش بطل البيع، ولو أجازه الصغير بعد بلوغه لا تلحقه الإجازة؛ لأن الإجازة لا تلحق الباطل. وإذا اشترى للصغير بغبن فاحش نفذ الشراء، ولكن عليه هو لا على الصغير؛ لأن الشراء متى وجد نفاذا نفذ، ولا ضرر على الصغير في نفاذه على الأب، وله أن يرهن مال الصغير بدين عليه أو على نفسه. وله أن يودعه ويعيره لمن يحفظه. وله أن يبيع مال نفسه لولده. ويشتري مال ولده لنفسه، ويرهن ماله لولده ويرتهن مال ولده لنفسه. ويتولى هو طرفي العقد. وليس له أن يتبرع بمال الصغير، فلا يجوز له أن يهب شيئا منه بغير عوض. ولا أن يقرضه. ولا يقترضه ولا يقفه ولا يوصي به.

وكل التصرفات النافعة، والدائرة بين النفع والضرر التي يقتضيها حفظ المال واستثماره يجوز له مباشرتها في مال ولده، وأما التصرفات الضارة فليس له مباشرتها.

أما إذا كان الأب معروفا بسوء الرأي وفساد التدبير فله الولاية أيضا على أموال ولده الصغير، ومن حكمه من الكبار غير المكلفين، ولكنه ليس مطلق التصرف كالأب العدل أو مستور الحال، بل لا يجوز تصرفه إلا إذا كان ظاهر النفع فله التصرف النافع نفعا محضا، وله التصرف الدائر بين النفع والضرر، بشرط التحقق من نفعه، بأن يبيع عقار الصغير بضعف قيمته ويشتري له العقار بنصف قيمته، ويبيع المنقول بزيادة نصف قيمته ويشتريه بنقص ثلث قيمته، بأن يبيع ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ويشتري ما يساوي خمسة عشر بعشرة. وهذا الاحتياط نتيجته في الحقيقة قصر تصرف الأب المعروف بفساد التدبير على النافع نفعا محضا؛ لأنه في الغالب لا يتيسر له تحقيق هذا الشرط في بيع العقار أو المنقول.

أما إذا كان الأب مبذرا متلفا مال ولده غير أمين على حفظه فإنه تسلب ولايته وينزع مال ولده الصغير، ومن في حكمه من يده ويعيه بدله وصي كما إذا لم يكن له أب.

ص: 244

وعلى هذا العمل الآن بالمجالس الحسبية، فالولي الشرعي له سلطة التصرف في أموال الصغير ومن في حكمه حسبما هو سائغ له شرعا، إلا إذا كان سيئ التصرف بحيث يحلق الضرر بمال الصغير، فتحد سلطته، ويلزم بالاستئذان في إجراء التصرفات المحتملة للنفع والضرر المنصوص عليها في المادة 21 من قانون المجالس الحسبية، فإن بلغ سوء تصرفه إلى درجة الخطر على أموال ولده تسلب ولايته ويعين وصي بدله. فلا سلطان للمجلس الحسبي على الولي الشرعي إلا إذا أساء التصرف بمقتضى ولايته، فإن أساء التصرف كان للمجلس الحسبي عليه سلطان الحد من سلطته، أو سلب ولايته.

وهذا نص المادة 28 من قانون المجالس الحسبية التي تقرر ذلك:

"لا يجوز الحكم بسلب ما للأولياء الشرعيين من السلطة على أموال الأشخاص المشمولين بولايتهم إلا بناء على طلب النيابة العمومية، وبشرط أن يكون سوء تصرفهم في أموال المذكورين ملحقا الضرر برأس مالهم نفسه، فإذا رأى المجلس أن عدم الثقة بالولي لا يبلغ درجة تبرر سلب جميع سلطته على تلك الأموال، فله أن يحظر عليه إجراء كل التصرفات المبينة في المادة الحادية والعشرين أو بعضها بدون إذن خاص".

2-

ولاية وصي الأب:

وهو المسمى الوصي المختار. وهو من يختاره الأب ويوصي إليه بأن يكون خلفا عنه بعد موته على أولاده يدير شئونهم، وهو بهذا الإيصاء تكون له على قُصَّر الموصي ولاية مالية فقط، وليست له ولاية على أنفسهم، ويكون في ولايته الماية مقدما على جدهم لأبيهم بحيث لو وجد أبو الأب ووصي الأب كانت الولاية على نفس القصر لجدهم وعلى مالهم لوصي أبيهم.

إقامته:

الإيصاء عقد يتم بايجاب من الموصي، وقبول من الوصي، والإيجاب يكون بأي لفظ يدل عليه. مثل: أوصيت إليك بأولادي، أو فلان وصي مالي

والقبول يكون بما يدل على الرضا من قول كأن يقول الوصي قبلت،

ص: 245

أو رضيت، أو تعهدت، أو فعل كأن يباشر شأنا من شئون تركة الموصي بعد موته، أو يشتري للورثة شيئا من حاجاتهم، أو يقضي بعض ديون الموصي، أو يقتضي بعضها.

فمتى صدر الإيجاب من الموصي وهو أهل له باستكماله أهليته تم الإيجاب من جانبه، سواء صدر منه في حال صحته أو مرضه، ومتى قبل الوصي لزمته الوصاية، فإن قبلها في حياة الموصي وعلم بقبوله، واستمر على هذا القبول حتى مات الموصي كانت الوصاية لازمة له لتمامها من جانبه، وليس له أن يخرج نفسه إلا إذا جعل له الموصي الحق في أن يخرج نفسه متى شاء، وإن ردها في حياة الموصي وعلم برده لم تلزمه، ويبطل الإيجاب حتى لو قبل بعد ذلك لا تتم، لعدم مصادفة القبول لإيجاب، وإن سكت في حياة الموصي ولم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي كان له بعد موته القبول أو الرد. وإذا لزمت الوصي الوصاية بقبوله إياها بعلم الموصي فليس له أن يعزل نفسه عنها في حياته إلا بعلمه، وليس له أن يعزل نفسه عنها بعد موته، إلا إذا كان له الحق بمقتضى الإيصاء أن يخرج نفسه متى شاء، والحكمة في هذا عدم التغرير بالموصي. ومتى تم عقد الإيصاء كان للوصي بعد موت الموصي الولاية على أمواله.

تثبيت الوصي المختار: على ما عليه العمل الآن بالمجالس الحسبية ليس مجرد اختيار الموصي للوصي المختار يجعل له حق التصرف في تركته بعد موته، بل لا بد من عرض أمر هذه الوصاية على المجلس الحسبي المختص، ليقرر تثبيت الوصي في الوصاية، بعد أن يتحقق من لياقته لها واستيفائه الشروط الواجب توفرها في الوصي، وإذا تبين للمجلس أن الموصي اختار للوصاية من لا يليق لعدم استيفائه تلك الشروط يعتبر هذا الاختيار كأن لم يكن، ويعين المجلس وصيا من قبله، كما إذا مات الموصي ولم يعين وصيا. وإذا ثبته ثم طرأ عليه ما يخل بلياقته. عزله وعين غيره. وإن رآه عاجزا عن القيام وحده بشئون التركة ضم إليه غيره.

ص: 246

ولذا جاء في المادة 3 من قانون المجالس الحسبية المبينة اختصاص المجالس. "وتثبيت الأوصياء المختارين اللائقين للوصاية. وتعيين المشرفين. وعزل جميع المتولين المذكورين. واستبدال غيرهم بهم".

شروط الوصي:

يشترط في الوصي شرعا أن يكون كامل الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية. متحدا في الدين مع المولى عليه. أمينا حسن التصرف. قادرا على إدارة شئون التركة.

وزاد قانون المجالس الحسبية ألا يكون محكوما عليه في جريمة سرقة أو خيانة أمانة أو نصب أو تزوير، أو في جريمة من الجرائم المخلة بالآداب أو غير ذلك من الجرائم الماسة بالشرف أو النزاهة، وألا يكون محكوما بإفلاسه إلى أن يحكم برد شرفه إليه. وألا يكون قد قرر الأب حرمانه من التعيين من قبل وفاته بإشهاد شرعي. أو بكتابة صادرة بخطه.

وهذه الشروط التي زيدت في قانون المجالس الحسبية هي تفصيل لشرط الأمانة المشترط شرعا، وهي تشترط في الوصي المختار، وفي الوصي الذي يعينه المجلس ما عدا الشرط الأخير فإنه خاص بالوصي الذي يعينه المجلس.

تخصيص الوصي المختار:

ذا خصص الأب الوصي الذي اختاره بنوع خاص من التصرفات، كأن اختاره ليكون وصيا في زراعة أطيانه أو إجارة عقاراته أو تحصيل ديونه، قال أبو حنيفة: لا يقبل الوصي المختار التخصيص بل يكون وصيا عاما، ولو اختار عدة أوصياء وخصص كل واحد منهم بنوع كان كل منهم وصيا عاما. وقال أبو يوسف: الوصي المختار يتخصص بما خصص به، ولا تكون له ولاية على غيره.

وجه قول الإمام أن الولاية لا تتجزأ، فمن ولي تصرفا ملك الولاية كاملة في كل أنواع التصرفات. وأن الموصي رضي برأي هذا المختار في بعض التصرفات، فيكون

ص: 247

أولى ممن لم يرض برأيه في تصرف ما، فتكون ولايته عامة. ووجه قول أبي يوسف أن تخصيص الموصي للوصي ببعض التصرفات دليل على أنه لا يثق برأيه فيما عداها، ورب امرئ يحسن تصرفا ولا يحسن آخر، فجعله وصيا عاما إهدار لمعنى التخصيص، وبَعُدَ عن غرض الموصي وهو أحرص الناس على شئون تركته. والفتوى على قول أبي حنيفة. والظاهر قول أبي يوسف.

تعدد الوصي المختار:

إذا أوصى الأب إلى أكثر من واحد، فإن نص في إيصائه على أن لكل منهم أن ينفرد بالتصرفات، أو نص على وجوب الاشتراك اتبع ما نص عليه، وإذا أطلق ولم ينص على اشتراك أو انفراد. فأبو يوسف يرى أن لكل منهما أن ينفرد بالتصرفات؛ لأن اختيار كل واحد منهما مع الإطلاق له أكسبه ولاية كاملة. والطرفان يريان أنه يجب عليهما الاشتراك في التصرفات، وإلا ضاع غرض الموصي من تعيين اثنين فأكثر، فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرف، إلا في المسائل التي لا تقتضي الاشتراك، وهذه المسائل ترجع إلى قسمين:

"الأول" التصرفات التي يخشى من تأخيرها الضرر كبيع ما يخشى عليه التلف، وشراء حاجات القصر الضرورية، وتجهيز المتوفى وتكفينه.

"الثاني" التصرفات التي لا يحتاج فيها إلى الرأي كرد الودائع المعروفة إلى أصحابها. وقضاء الديون الثابتة المطلوبة. وتنفيذ الوصية المعينة الصحيحة لمعين.

تصرفات الوصي المختار:

إذا كانت التركة مشغولة بدين أو وصية فعليه أن يسدد الدين، وينفذ الوصية. وإذا كان الوفاء بالدين يقتضي بيع التركة كلها من منقول وعقار فله بيعها؛ لأنه لا تركة إلا بعد أداء الدين وتنفيذ الوصية الجائزة.

وإذا كانت التركة غير مشغولة بدين أو وصية والورثة كلهم كبار حاضرون، فليس للوصي المختار ولاية عليهم؛ لأنهم غير محجور عليهم، وكل ما يملكه بمقتضى الوصاية أن يقتضي ديون الموصي. ويقبض حقوقه ويدفعها إلى ورثته.

ص: 248

وإن كانوا كلهم كبارا غير حاضرين فله مع ذلك أن يبيع المنقولات فقط إذا رأى أن أثمانها أبقى منها؛ لأن هذا من باب الحفظ.

وإذا كان الورثة كلهم صغارا فله الولاية المالية عليهم، وله بمقتضى هذه الولاية أن يتصرف في أموالهم بما فيه حفظها واستثمارها من إجارة ومضاربة ومزارعة. وليس له أن يتبرع بشيء منها لا هبة ولا وصية ولا صدقة ولا وقفا. وكل ما يملكه الأب من التصرف المالي يملكه وصيه؛ لأنه قائم مقامه، إلا أن الأب له أن يبيع مال الصغير عقارا كان أو منقولا بثمن المثل، أو بغبن يسير ولو لم يوجد أحد المسوغات الشرعية لبيع العقار. وأما وصية فليس له أن يبيع العقار إلا بمسوغ شرعي. والمسوغات ترجع إلى قسمين:

"الأول" أن يتعلق بالتركة حقوق لا يمكن إيفاؤها إلا ببيع العقار كأن يكون على المتوفى دين، أو في التركة وصية ولا يفي بذلك بيع المنقولات.

"الثاني" أن يكون بيع العقار خيرا للصغير من بقائه. كأن يوجد راغب فيه يشتريه بضعف قيمته أو أكثر، أو تكون ضريبته وما يصرف عليه للصيانة، أو الزراعة تزيد على غلاته، أو يكون العقار مبنيا وبناؤه آيل إلى السقوط ولا نقود عند الوصي لترميمه وتلافي سقوطه، أو يحتاج القاصر إلى النفقة وليس في التركة نقود ولا عروض، ولا سبيل إلى تدبير نفقته إلا بيع عقاره، أو يخشى على العقار من متسلط يغصبه ظلما ولا يمكن دفعه عنه ولا استرداده منه بعد غصبه. ففي هذه الحالات وأمثالها يكون خير القاصر ومنفعته في بيع عقاره.

فالوصي المختار من الأب له أن يتصرف في أموال القصر التصرفات النافعة نفعا محضا، كقبض ما يوهب لهم أو يوصى إليهم به، وقبض ديونهم، وتحصيل غلاتهم. وله أن يتصرف التصرفات الدائرة بين نفع القصر وضررهم. فله أن يتجر لهم بأموالهم. وله أن يبيع منقولاتهم بمثل القيمة أو بغبن يسير. وله أن يشتري لهم عقارا أو منقولا بمثل القيمة أو بغبن يسير. وله أن يؤجر مالهم. وله أن يبيع

ص: 249

مال نفسه لليتيم، ويشتري مال اليتيم لنفسه، ويتولى هو طرفي العقد. وللاحتياط ودفع التهمة اشترط في هاتين الحالتين أن يكون في البيع والشراء نفع ظاهر للقاصر بأن يبيع للقاصر العقار بنصف قيمته، ويشتري منه العقار بضعف قيمته. وفي غير العقار بأن يبيع له ما يساوي خمسة عشر بعشرة، ويشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر. وليس له أن يتصرف في أموالهم تصرفا ضارا فلا يتبرع بشيء من مال الصغار بأي نوع من التبرع، ولا يتنازل عن حق ثابت لهم، ولا يقر بحق غير ثابت عليهم، وغير ذلك مما فيه إضرار ظاهر بالقصر.

ومن هذا يتبين أن تصرفات الوصي المختار تخالف تصرفات الأب في مسألتين: "الأولى" أن الأب له بيع منقولات أولاده القُصر وعقاراتهم بثمن المثل أو بغبن يسير. وأما وصيه المختار فله بيع منقولاتهم فقط بثمن المثل أو بغبن يسير. وأما عقاراتهم فليس له بيعها إلا بمسوغ شرعي من المسوغات التي بيناها. "الثانية" أن الأب إذا تولى طرفي العقد بينه وبين ولده بأن باع مال نفسه لولده، أو اشترى مال ولده لنفسه، فلا يشترط تحقق النفع الظاهر في المبادلة بالمعنى الذي بيناه، بل يكفي أن لا يكون في المبايعة غبن فاحش. وأما الوصي فإذا تولى طرفي العقد بينه وبين القاصر فلا بد من تحقق النفع على ما بيناه.

وعلة التفريق واضحة؛ لأن شفقة الأب وحرصه على مصلحة أولاده لا حاجة معهما إلى ضمان آخر، ولا كذلك الوصي فإنه قد يؤثر مصلحة نفسه على مصلحة القاصر. ولذلك إذا كان بيعه مال القاصر لأجنبي أو شراؤه له من أجنبي لم تشترط الخيرية بالمعنى السابق، بل إن كان المبيع منقولا بثمن المثل أو بغبن يسير. وإن كان عقارا صح بوجود المسوغ.

2-

ولاية الجد:

إذا آلت الولاية للجد الصحيح وهو أبو الأب وإن علا، ملك التصرفات التي يملكها الوصي المختار من الأب. إلا أن الجد ليس له أن يبيع من التركة لا من عقاراتها ولا منقولاتها لتسديد دين على المتوفى أو تنفيذ

ص: 250

وصية له، مع أن الوصي المختار له أن يبيع التركة كلها من عقار ومنقول إذا اقتضى ذلك إيفاء ما على المتوفى من ديون أو تنفيذ وصاياه الجائزة. وإنما يملك الجد بيع التركة لقضاء ديون القصر أنفسهم. وبناء على هذا إذا كان على المتوفى دين أو في تركته وصية والولاية للجد، فالدائن أو الموصى له لا يطالب الجد ببيع شيء من التركة لسداد الدين أو تنفيذ الوصية، وإنما يرفع الأمر إلى القاضي ليجري هو بيع ما يفي بالسداد أو التنفيذ.

وهذا تفريق لا يظهر له وجه. ولذا قال محمد: الجد يملك عند عدم الأب أو وصيه كل ما يملكه الأب من التصرفات -وهذا القول هو الظاهر- ولكن المفتى به هو الأول.

4-

ولاية وصى الجد:

إذا اختار الجد وصيا على أولاد ابنه من بعده، كان هذا الوصي المختار من الجد له الولاية المالية التي كانت للجد على مال أولاد ابنه، وملك من التصرفات المالية ما يملكه الجد؛ لأنه مستمد ولايته منه. وأحكامه من حيث إقامته، والشروط الواجب توافرها فيه، وتثبيته من المجلس الحسبي المختص، وعدم تخصصه بالتخصيص، وما يجوز له عند التعدد من الانفراد أو عدم الانفراد، هي الأحكام التي قررناها للوصي المختار من الأب.

5-

ولاية القاضي ووصيه:

إذا كان فاقدو الأهلية وناقصوها من الصغار ومن في حكمهم من الكبار غير المكلفين لجنون أو عته ليس لهم ولي شرعي لا أب ولا وصيه، ولا جد ولا وصيه، تكون الولاية على أموالهم للقاضي، وقد حل محل القاضي الآن المجلس الحسبي. فمن ليس له ولي شرعي على ماله من القصر ومن في حكمهم، فالولاية الشرعية على أموالهم للمجلس الحسبي المختص، وبما أن القاضي قديما والمجلس الحسبي حالا لا يستطيع أن يباشر شئون هذه الولاية بنفسه، ولا أن يتصرف في أموال القصر بيده، كان لا بد أن يعين عنه وصيا يدير شئون القصر

ص: 251

المالية نيابة عنه. وهذا هو الوصي المعين، وهو شرعا متى عين صارت له الولاية المالية وملك من التصرف المالي ما يملكه الوصي المختار من كل تصرف نافع نفعا محضا، أو دائر بين النفع والضرر على ما فصلناه، وليس له أن يتصرف أي تصرف مالي ضار بالقصر. إلا أن الوصي المعين يفترق شرعا عن الوصي المختار في مسائل:

1-

الوصي المختار لا يقبل التخصيص على المفتى به، ولكن الوصي المعين يقبل التخصيص، فإذا عين وصي لإدارة شئون الأطيان الزراعية فقط تخصص بها، ولم تكن له ولاية على غيرها؛ لأن ولاية القاضي تتخصص فكذلك ما استمد منها.

2-

الوصي المختار له أن يبيع مال نفسه للقاصر، ويشتري مال القاصر لنفسه، بشرط أن تتحقق الخيرية في المعاوضة بالقدر الذي بيناه، ولكن ليس للوصي المعين أن يعقد هذه المعاوضة لا لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادتهم له كابنه وأبيه؛ لأنه نائب عن القاضي، والقاضي لا يملك ذلك؛ لأنه فعله قضاء وهو لا يقضي لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادتهم له دفعا للتهمة، فمثله من استمد الولاية منه.

3-

الوصي المختار له ولاية التصرف بنفسه في حياته، وله أن يوصي إلى غيره من بعده ويكون هذا الوصي الثاني وصيا في التركتين في تركة الوصي نفسه وفي التركة التي هو وصي فيها، ولكن الوصي للعين لا يملك أن يعين وصيا من بعده على التركة التي هي معين فيها، إلا إذا جعل له الحق في هذا التعيين؛ لأنه يتخصص بالتركة وبنوع التصرف.

فمما تقدم يؤخذ أن ولاية الأب المالية أشمل من ولاية وصيه المختار، وأن ولاية وصيه المختار أشمل من ولاية الجد، وإن ولاية الجد ووصيه حدودهما واحدة، وولاية الوصي المعين أضيق الولايات حدودا. ومنشأ هذا كما قدمنا الاحتياط لمصلحة القصر، والتفريق بين ولاية الولي الشرعي ومن اختاره، وبين ولاية الأجنبي المعين من قبل القضاء.

ص: 252

ويؤخذ أيضا أن تصرفات الولاة الماليين الستة مقيدة بالمصلحة. ولذا حظر عليهم كل تصرف ضار بمصلحة الصغير ومن حكمه. وأبيح لهم التصرف النافع والدائر بين النفع والضرر، مع وجوه الاحتياط التي فصلناها في ولاية كل منهم. والأصل في هذا قوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . وقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} .

ما عليه العمل الآن: كل ما قدمناه من الأحكام في حدود الولاية على المال هو ما تقرر في مذهب أبي حنيفة، تحديدا لسلطان الولاة الماليين وبيانا للفروق بينهم.

وقانون المجالس الحسبية الجاري به العمل الآن وهو الصادر في أكتوبر سنة 1925 قد وضع حدود الولاية المالية على أسس هذه الأحكام. وزاد بعض ما اقتضته رعاية مصلحة القصر من الأحكام. ونحن نبين بالإجمال ما سنه قانون المجالس الحسبية المذكور. ومنه يتضح أن الخلاف إنما هو في وسائل الاحتياط.

إذا كان للقصر ولي شرعي أب أو جد صحيح، فلا تكون للمجالس الحسبية ولاية على أموال هؤلاء القصر، وإنما الولاية لوليهم الشرعي أبيهم أو جدهم. وليس للمجالس الحسبية سلطان على هذا الولي الشرعي، فله أن يتصرف في أموال القصر بكل ما يسوغ له شرعا أن يتصرف فيه، بدون استئذان المجلس أو رجوع إليه. وليس له أن يتصرف ما حظر عليه شرعا. ولكن إذا أساء الولي الشرعي التصرف في أموال القصر بحيث تكون تصرفاته مضرة بهذه الأموال، كان على المجلس أن يتدخل في ولايته، فإن رأى تصرفات مضرة بهذه الأموال، كان على المجلس أن يتدخل في ولايته، فإن رأى تصرفات الولي تجعله غير أمين وغير موثوق به قرر سلب ولايته على أموالهم، وصار القصر كأنهم لا ولي لهم وعيّن المجلس الحسبي من يختاره وصيا عليهم. وإذا رأى أن تصرفاته لا تبلغ من السوء درجة تجعله غير أمين وأن لا مبرر لسلب

ص: 253

ولايته، فله أن يتخذ الاحتياط لتصرفه بحيث يحظر عليه التصرفات الدائرة بين النفع والضرر "وهي الواردة بالمادة 21" كلها أو بعضها إلا بإذن المجلس "المادة 28 من قانون المجالس الحسبية".

وإذا لم يكن للقصر ولي شرعي كانت الولاية على أموالهم للمجلس الحسبي المختص، غير أنه إذا كان الولي الشرعي قد اختار قبل وفاته وصيا على القصر المشمولين بولايته كان على المجلس أن ينظر في هذا الوصي المختار، فإن تبين أنه لائق للوصاية بتوافر شروط الوصي فيه ثبته فيها وكانت له الولاية. وإن رآه غير لائق لها لعدم استيفائه الشروط عيّن وصيا من قبله، وكأن هذا الاختيار لم يكن. وإذا لم يكن للولي الشرعي وصي مختار من قبله، أو كان له وصي مختار ولم يثبته المجلس. عيّن المجلس الحسبي من يشاء ممن استكمل الشروط الواجب توفرها شرعا وقانونا في الوصي.

والوصي المختار بعد تثبيته، والوصي المعين بعد تعيينه، سيان في الخضوع لرقابة المجلس الحسبي، ووجوب تقديمهما الحساب له. وما يجوز لهما من التصرف في أموال القصر، وما لا يجوز.

فالتصرفات الضارة ضررا محضا كالهبة: والإقراض، والإعارة، والإقرار على الصغير بدين غير ثابت، والتنازل عن حق ثابت. وكل ما فيه إخراج شيء من ملك القاصر بغير عوض، أو تعريض ماله أو حقه للضياع. ليس للوصي مطلقا مختارا كان أو معينا. ولا للقيّم على المحجور عليه. ولا للوكيل عن الغائب أن يباشر شيئا منها، وإذا باشر شيئا منها كان تصرفه باطلا بطلانا جوهريا لا تلحقه إجازة المجلس لو أجازه، ولا إجازة القاصر بعد بلوغه "مادة 22 من قانون المجالس الحسبية".

وهذا يطابق الحكم الشرعي تمام المطابقة.

والتصرفات النافعة نفعا محضا مثل قبول الهبات والوصايا له. وما يقتضيه استثمار الأعيان وصيانتها وحفظها، مثل التأجير للمدة القصيرة التي تقل عن ثلاث سنوات، وتحصيل الإيراد، ودفع الضرائب والديون الثابتة، وبيع المنقولات التي يكون حفظ

ص: 254

ثمنها خيرا من بقائها، وتسجيل العقود، وترميم البناء. يجوز للوصي مطلقا سواء كان مختارا أو معينا أن يباشرها من غير توقف على إذن المجلس.

وهذا أيضا يطابق الحكم الشرعي تمام المطابقة.

والتصرفات الدائرة بين النفع والضرر، لا يجوز للوصي على القصر مختارا كان أو معينا، ولا للقيّم على المحجور عليه، ولا للوكيل عن الغائب، أن يباشر شيئا منها إلا بإذن المجلس، بحيث إذا باشر شيئا منها بدون إذنه كان تصرفه باطلا، ولكنه بطلان نسبي، فلو أجازه المجلس نفذ لأن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق. وهذه التصرفات عدها القانون في المادة 21 وهذا العد ليس حصرا، وإنما هو بيان لما يكثر وقوعه.

وهذا هو ما دون بالمادة 21 المذكورة:

1-

شراء العقارات، أو بيعها أو استبدالها، أو ترتيب حقوق عينية عليها.

2-

التصرف بالبيع أو الرهن في الأوراق المالية.

3-

تقليل التأمينات المقررة لمنفعة القاصر، أو المحجور عليه، أو الغائب.

4-

الاعتراف بدين سابق على الوفاة، أو الحجز، أو الغيبة.

5-

الصلح أو التحكيم.

6-

إجراء القسمة بالتراضي.

7-

طلب القسمة القضائية عند عدم الاتفاق.

8-

قبول الهبة إذا كانت مقترنة بشرط.

9-

التأجير لمدة أكثر من ثلاث سنوات.

10-

الاقتراض.

11-

شراء شيء لأنفسهم من ملك القاصر، أو المحجور عليه، أو الغائب، أو بيع شيء من ملكهم لواحد منهم.

12-

استئجار ملك القاصر، أو المحجور عليه، أو الغائب.

13-

قبول التنازل لهم عن حق، أو دين على القاصر، أو المحجور عليه، أو الغائب.

ص: 255

ووجوب حصول الوصي على إذن خاص لمباشرة هذه التصرفات الدائرة بين النفع والضرر يغاير ما قدمناه من الحكم الشرعي الذي يسوغ هذه التصرفات للوصي المختار. والوصي المعين بمقتضى الإيصاء بدون توقف على إذن. ولكن إذا روعي أن الوصي المعين من قبل المجلس الحسبي يستمد ولايته من المجلس، وأنه يتخصص بما خصصه به، وتتقيد ولايته بالحدود الذي حدها له. وأن الوصي المختار لا يملك الولاية إلا بعد تثبيت المجلس له، وهو بهذا التثبيت يتقيد بما قيده به. وأن الشارع أباح التصرفات الدائرة بين النفع والضرر مع إيجاب احتياطات خاصة في التصرفات. وأن الغرض من توقف التصرف على إذن المجلس هو التحقق من رعاية هذا الاحتياط وتوفير مصلحة الصغير ومن في حكمه، يتبين أن توقف هذه التصرفات على الإذن لا يخرج عن حدود ما قررته الشريعة من اتخاذ الاحتياط لمصلحة القاصر، وأن لا يقرب ماله إلا بالتي هي أحسن.

فعلى أساس هذا الاحتياط نص القانون على ما لا يجوز للوصي من التصرفات في المادة 22، وعلى ما يجوز له بإذن خاص في المادة 21، ومفهومه أن ما عدا المنصوص عليه في المادتين المذكورتين يجوز له مباشرته بدون إذن خاص، وهي التصرفات التي ترجع إلى حفظ التركة واستثمارها وجلب النفع للقاصر نفعا محضا.

محاسبة الوصي: إذا بلغ القاصر رشيدا فله أن يحاسب الوصي عن إدارته في مدة وصايته، ومصروفات المحاسبة عليه؛ لأنها في مصحلته. وإذا كان الوصي معروفا بالأمانة اكتفى منه بالحساب الإجمالي وصدق بيمينه فيما يدعيه من إيراد أو مصروف إذا كان الظاهر لا يكذبه، فإن كان الظاهر يكذبه فلا يصدق بيمينه، بل لا بد من البينة إلا إذا بين سببا مقبولا لمخالفة الظاهر. مثلا إذا قدم الوصي في الحساب أنه أنفق على القاصر في الشهر مائة جنيه في نفقته، وكان الظاهر يكذبه فلا يصدق بيمينه، إلا إذا بيّن سببا مقبولا بأن قال إن ثيابه سرقت وجدد بدلها أو احتاج إلى علاج استنفذ مبالغ كبيرة، أو غير ذلك مما يحتمل أن يصرف فيه هذا

ص: 256

القدر. وإن كان غير معروف بالأمانة فلا يكتفى منه بالحساب الإجمالي، بل لا بد من حساب تفصيلي لأبواب الإيراد وأبواب الصرف، ويصدق بيمينه فيما لا يكذبه فيه الظاهر من كل تصرف سائغ له شرعا. وفيما عدا ذلك لا يصدق إلا بالبينة. هذا هو الحكم الشرعي في محاسبة الوصي، وهو مبني على أنه أمين والأمين يصدق.

وكذلك للقاصر إذا بلغ رشيدا أن يحاسب وليه الشرعي أباه أو جده، ويعامل كل منهما في المحاسبة على أساس أنه أمين يصدق فيما يدعيه من إيراد ومصروف ما لم يكذبه الظاهر.

أما الذي عليه العمل الآن بمقتضى المادة 24 وما بعدها، فإن كل وصي ملزم بأن يقدم حسابا تفصيليا في آخر كل سنة إلى المجلس الحسبي التابع له، وبأن يرفق بهذا الحساب جميع المستندات التي تؤيده. وملزم بأن يقدم الحسابات النهائية إلى المستحق، أو الذي يولى إدارة التركة بدله. بلا تفريق بين وصي مختار ومعين، ولا بين معروف بالأمانة وغير معروف بها. واعتماد المجلس الحسبي للحساب المقدم من الوصي لا يمنع ذوي الشأن من الطعن فيه أمام المحاكم المختصة؛ لأن نظر المجلس في الحساب وتصديقه من باب الرقابة لا من باب القضاء به، فهو لا يأخذ قوة الشيء المحكوم به1.

أجرة الوصي:

للوصي أجرة مثل عمله إن كان فقيرا محتاجا. وإن كان غنيا فلا أجر له. قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} . ولكن لتغير الأيام صار المفتى به أن الوصي مطلقا غنيا أو فقيرا له الأجر إذا أبى أن يعمل إلا بأجر. والقاضي يقدره بما يراه.

والجاري عليه العمل الآن أن الوصي إذا طلب تقدير أجر على عمله يعين له المجلس الحسبي هذا الأجر بمراعاة قيمة الأموال التي يديرها. والعمل الذي استوجبته إدارتها. والفائدة التي عادت على القاصر منها. ويكون ذلك بقدر الإمكان بتقدير

1 بعض الدوائر القضائية رأت أن القاصر إذا بلغ رشده ليس له أن يحاسب الوصي على حساب اعتمده المجلس الحسبي، بناء على أن المجلس نائب عن القاصر، فهو يمثله في المصادقة على الحساب المقدم من الوصي.

ص: 257

مبلغ معين في المائة من صافي الإيراد السنوي المتحصل، على أن لا يزيد الأجر على كل حال عن ثمانية في المائة من صافي الريع، أو من جملة الإيراد بعد خصم الأموال ومصاريف الزراعة، ومصاريف صيانة العقار.

موت الأب أو وصيه مُجَهِّلا:

المراد بموت أحدهما مجهلا أن يموت من غير أن يبين ما للقاصر من عقار ومنقول ونقود وديون، وتصرفاته بمقتضى ولايته، بيانا يجعل كل شيء للقاصر معروفا محفوظا. والقاعدة الفقهية أن الأمين ملزم بالحفظ وضامن بالتعدي. وأن إهماله بتجهيله الأمانة نوع من التعدي يكون به ضامنا. وعلى هذا وضعت القاعدة -الأمين يضمن بموته مجهلا- ولكن الأب ووصيه مع كون كل منهما أمينا في مال القاصر الذي تحت يده مستثنيان من هذه القاعدة. فإذا مات أحدهما مجهلا مال القاصر، فما وجد من هذا المال أخذ، وما لم يوجد لا يكون مضمونا في تركة أحدهما؛ وذلك لأن كل واحد منهما له ولاية التصرف في مال القاصر، فيحتمل أنه اتجر فيه فخسر. أو باع منه شيئا فضاع الثمن. أو تصرف أي تصرف من التصرفات الجائزة له فكانت سببا في ضياع شيء منه بخلاف سائر الأمناء، فإن عليهم الحفظ وليس لهم التصرف، فما لم يوجد من المال الذي تحت يدهم بعد موتهم يكون مضمونا عليهم.

والظاهر أن الجد ووصيه في هذا مثل الأب ووصيه؛ لأن كلا منهما أمين له ولاية التصرف فَعِلَّة الاستثناء متحققة.

ص: 258