الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون. ومعنى الحديث أنهم كانوا يتوسلون بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لهم في الاستسقاء ويودعون، ثم صاروا يتوسلون بالعباس فيدعو لهم ويدعون، فالتوسل هنا قطعا بدعائهما لا بذاتهما. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مرجوحية التوسل بالذات: أن الصحابة لم يقولوا في موقفهم ذلك: اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا، أي بذاته ومقامه، بل عدلوا عن ذلك إلى التوسل بالعباس يدعو لهم ويدعون كما كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم يفعل في الاستسقاء.
ولقد استدل بعضهم بعدول الصحابة عن التوسل بذات النبي- صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المقام على منعه. ونحن لما بينا قبل من دليل جوازه إنما نستدل بعدولهم على مرجوحيته.
ـ[سؤال آخر]ـ: قد عرفنا فيما تقدم مشروعية سؤال المؤمن من أخيه المؤمن في حياته أن يدعو له، فهل يشرع الذهاب إلى القبر وطلب الدعاء من الميت!
ـ[جوابه]ـ: لو كان هذا جائزا لفعله الصحابة في الحديث المتقدم، ولذهبوا لقبر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه أن يدعو لهم كما كان يدعو لهم في حياته، ولم يرد في حديث عن واحد منهم أنه كان يذهب إلى القبر النبوي ويطلب منه- صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو له. بل جاء عن ابن عمر- وهو من عرف بشدة اتباعه وتحريه- أنه كان يقف فيسلم على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم، ثم على أبي بكر، ثم على عمر رضي الله تعالى عنهما، ثم ينصرف، لا يزيد شيئا، خرجه مالك في الموطأ.
تلخيص وتحصيل:
تحصل لنا من جميع ما تقدم:
1 -
أن دعاء المخلوق وحده أو مع الله ممنوع.
2 -
وأن التوسل بدعائه في حياته -وهو من المؤمنين- مطلوب ومشروع.
3 -
وأن التوسل بذات النبي- صلى الله عليه وآله ومسلم- جائز مرجوح.
4 -
وأن التوسل بذات غيره من أهل المكانة المحققة له وجه في القياس.
5 -
وأن التوسل بذات غيره ممن ليس لنا اليقين القاطع بمقامه لا وجه له.
6 -
وأن طلب الدعاء منه بعد موته بدعة لم يفعلها الصحابة.
7 -
وأن الراجح في التوسل إلى الله هو التوسل إليه بأسمائه وصفاته وأعمال العبد في أنواع طاعاته.
هذه سبع مسائل كثر فيها هذه الأيام القال والقيل، وتعرض لها من الكتاب الأصيل والدخيل، وقد من الله بتحريرها على هذا الوجه الذي لم أره لغيري، وقد كنت في تحريرها -علم الله- باحثا منصفا متجردا، فما كان فيها من حق وصواب فهو من الله، وما كان فيها - عياذا بالله- من باطل وخطإ فهو مني، وأستغفر الله، والخير قصدت، وحسبنا الله ونعم الوكيل (1).
(1) ش: ج 3، م 8 - غرة ذي القعدة 1350هـ - مارس 1932م.