الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرطهم على الحوض. فليذادن رجال عن حوضي كلما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك. فأقول: فسحقا، فسحقا، فسحقا».
تعليق:
قد أتينا هذه المرة بحديث فيه طول. ولكن ما فيه من الفوائد نعتقد أنه يكون حافزا للقارىء إلى حفظه. وليس حفظ الحديث الجليل بكثير على همة المستفيدين وفوائد هذا الحديث:
أولاها: جواز زيارة القبور، غير أن الجواز مقيد بكونها على الصفة التي وقعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أصحابه - رضوان الله عليهم-وصفة الزيارة في هذا الحديث مركبة من ثلاثة أشياء:
أحدها حق الدعاء للموتى.
ثانيها الإعتبار بحالهم.
ثالثها دعاء الزائر لنفسه بحسن الخاتمة.
الأول مستفاد من جملة السلام عليكم. والثانى مستفاد من جملة وإنا بكم لاحقون. والثالث مستفاد من جملة إن شاء الله. فقد قال أبو القاسم الجوهري: معناه (لا نبدل ولا نغير، نموت كل ما متم عليه إن شاء الله تعالى) نقله الباجي في شرح الموطأ.
الفائدة الثانية: تسميته- صلى الله عليه وآله وسلم لمن لم يره من أمته بإخوانه، فنحن من إخوانه- صلى الله عليه واله وسلم- وكفى بهذه النسبة شرفا، فما على المسلم إلا أن يعمل بسنة نبيه- صلى الله عليه وآله وسلم حتى تتحقق فيه هذه النسبة، وليس من الأدب ولا من الإيمان أن يستضعف المسلم
هذه النسبة ويحاول تقويتها بنسبة أخرى إلى شخص آخر ككونه خوني فلان أو حبيبه أو درويشه.
وعدم تسميته- صلى الله طيه واله وسلم- لأصحابه بالإخوان يدل على فضل الصحبة وأن لها مزية زائدة على مطلق الأخوة، وهذا لا خلاف فيه.
الفائدة الثالثة: عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم بأمته في الآخرة، كما كان حريصا على هدايتهم في الدنيا، يدل على هذه العناية قوله:(وأنا فرطهم على الحوض) قال الباجى في شرحه: يريد أن يتقدمهم إليه ويجدونه عنده. رواه ابن حبيب عن مالك. يقال فرطت القوم إذا تقدمتهم لترتاد لهم الماء وتهيىء لهم الماء والرشاء.
الفائدة الرابعة: أن عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم بأمته في الآخرة خاصة بالثابتين على سنته منهم، فأما المبتدعون الذين بدلوا سنته وأحلوا محلها بدعتهم فإنه- صلى الله عليه وآله وسلم يبعدهم عنه بقوله:(فسحقا، فسحقا، فسحقا).
ثم هذا الابعاد معناه الحرمان من ماء الحوض في وقت شدة الحاجة إليه، فإن كان الابتداع والتبديل بالمروق من الدين فالابعاد حرمان من الشفاعة أيضا، ويبقى ذلك المبتدع مخلدا في النار، وإن كان الابتداع لا يخرج من الدين، فالابعاد عن الحوض لا يمنع المبتدع أن تناله الشفاعة، غير أن في الابعاد عن الحوض عذابا بالظما وخزيا بالطرد. نسأل الله أن يحيينا على سنة رسوله الكريم، وأن لا يحرمنا من ماء حوضه العذب ولا من شفاعته المرجوة (1).
(1) الصراط: السنة الأولى العدد 13، شعبان 1352ه ديسمبر 1933م.