الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرى المولد النبوي الكريم
في (نادي الترقي) بالعاصمة
ألقى الأستاذ الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس في هذه الذكرى خطابا ارتجله ارتجالا في ذلك المقام وقد نشرناه فيما يلي حسبما بقي في الذهن فكان طبق أصله إلا في القليل:
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى اسم الجزائر الراسخة في إسلامها، المتمسكة بأمجاد قوميتها وتاريخها- افتتح الذكرى (1) الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانية ورسول الرحمة سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله- عليه وعلى آله الصلاة والسلام- في هذا النادي العظيم الذي هو وديعة الأمة الجزائرية عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها.
لسنا وحدنا في هذا الموقف الشريف لإحياء هذه الذكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمور كلهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيد العالمين.
(1) نحن في سنة 1348 من الهجرة وعاش هو-صلى الله عليه وآله وسلم 53 سنة في مكة قبل الهجرة فتلك: 1401 سنة فمولد هذه السنة هو الواحد بعد الأربعمائة والألف كما ذكرنا.
قلوب خمسمائة مليون! هذه قوة كبيرة في هذا العالم مرتبطة بالحب متدرعة بالإيمان. فلو شعرت حقيقة الشعور ببعضها لأثمرت للإنسانية فوائد كبرى وعملتلها أعمالا عظيمة.
بل تشاركنا في موقفنا هذا الإنسانية كلها وإذا لم يكن بلسان مقالها فبلسان حالها. فمن الإسلام الذي جاء به صاحب هذه الذكرى عرفت الإنسانية وذاقت حرية العقول والرقاب، ومنه عرفت وذاقت العدل على أتم معناه، ومنه عرفت وذاقت المساواة بين العباد فيما هم متساوون فيه، وبهذه الأصول العظيمة أمكن اشتراك أمم كثيرة تحت راية الإسلام في خدمة العلم والمدنية حتى أزهرت رياضهما وسمت صروحهما في الشرق والغرب واغترفت من معينهما أبناء الإنسانية جمعاء.
نقلت المدنية الإسلامية أصول المدنيات السابقة نقل الأمين، ونخلتها نخل الناقد البصير، وزادت عليها من نتائج أفكارها وثمار أعمالها ما كان الأساس المتين لمدنية اليوم.
هذا الذي نقوله يعترف به العلماء المنصفون من الغربيين أنفسهم ويشهد به مثل قانون ابن سينا الذي لا زال يدرس إلى القرن الثامن عشر في جامعاتهم ومثل مقدمة ابن خلدون التونسي تلميذ مواطنينا شيوخ تلمسان، واضع علم الاجتماع المترجمة إلى جميع لغاتهم.
كنا نسمع هذا الاعتراف من الأفراد، ولكننا اليوم صرنا نسمعه من الأمم ففي العام الماضي كان احتفال إسبانيا أمتها وحكومتها بانقضاء ألف سنة على تأسيس الخلافة الإسلامية في قرطبة، ومعنى ذلك الاعتراف لهذه الخلافة الإسلامية العربية بفضلها على مدنية اليوم، ورفعها منار العلم والعمران أيام كانت أمم الغرب في همجية عمياء، وفي هذه السنة كان