الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعظم قائد
يرجع إلى رأي جندي
(1)
ــ
ارتحل النبي- صلى الله عليه وآله وسلم من مبيته صبيحة يوم بدر حتى نزل على أدنى ماء إليه وبقي الماء أمامه لو جاء العدو لنزل عليه فيكون الجيشان على ماء. وكان الصحابة يعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف بالوحي فيكون تصرفه حتما ويتصرف بالنظر في السياسة والحرب فيشاور ويراجع وهو المعصوم فلا يقر على الخطأ فانبرى الحباب بن المنذر بين الجموع يبدي رأيه وما يعتقده صوابا في مكان النزول فقال: (يا رسول الله أرأيت المنزل هذا أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟).
فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» فقال الحباب: "إن هذا ليس بالنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نعور ما وراءه من القلب (2) ثم نبني عليه حوضا نملؤه ماء ثم
(1) من سيرة ابن هشام وغيرها.
(2)
القلب ج قليب وهو بير غير مطوية أي مبنية وعور القليب إذا ردمه بالتراب.
نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون". أراد أن يستولي الجيش على الماء ويمنع منه العدو فيكون ذلك أنكى فيه وأعون عليه وهذا هو الرأي الموافق لما تقتضيه الحرب من تضعيف العدو ومكايدته بالأسباب التي تسرع بقهره.
وظهر هذا للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: «لقد أشرت بالرأي» ونهض بالناس حتى نزل المنزل الذي أشار به الحباب وفعل ما أشار به ورجع أعظم قائد إلى رأي جندي من جنوده لما ظهر له صواب إشارته.
قد عصم الله نبيه- صلى الله عليه وآله وسلم فلا يستقر أمره في جميع سياسته وتدبيره إلا على أحسن الوجوه بما يهدي إليه من نفسه- وهو الكثير- وما يرجع إليه مما يشير به أصحابه- وهو القليل- والحكمة في هذا القليل أن يسن لأمته حرية إبداء الرأي في الشؤون العامة من الكبير والصغير، والرجوع للصواب إذا ظهر من أي أحد كان.
هذا الأصلان: حرية إبداء الرأي من جميع أفراد الرعية والرجوع إلى الصواب من رعاتها، عليهما تبنى سعادة الأمة وعظمتها، وبهما تشعر الأمة والوحدة بين الرعية ورعاتها، ومنهما تستمد الأمة النظم اللازمة لها في حياتها، وقد قررهما الإسلام وبينهما النبي- صلى الله عليه وآله وسلم تبيينا عمليا في هذه القصة (1).
(1) ش: ج 1، م 11 - غرة محرم 1354ه - أفريل 1935م.