الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3) من أسد إلى أسد
روى ابن وضاح عن غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات: إعلم أي أخي إنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدعة وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين.
فأبشر أي أخي بثواب ذلك وأعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسوله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" وضم بين أصبعيه.
وقال: "أيما داع دعا إلى هذا فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة" فمن يدرك أجر هذا بشيء من عمله؟
وذكر أيضا أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا لله يذب عنها وينطق بعلاماتها.
فاغتمنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه وقال: لأن يهدي الله بك رجلا خيرٌ لكَ من كذا وكذا- واعظم القول فيه- فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حادث، فيكونون أئمة بعدك فيكون ذلك ثواب لك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر.
فاعمل على بصيرة ونية وحسبة فرد الله لك المبتدع المفتون الزائغ الحائر فتكون خلفا من نبيك صلى الله عليه وسلم فإنك
لن تلقى الله بعمل يشبهه وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء الأثر (من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام). وجاء "ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى". وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا وكلما ازدادوا اجتهادا وصوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا، فارفض مجالسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده".
هذا مثال من رسائل الأوائل يريك عناية السلف بالسنة والذب عنها، وبغضهم للبدعة ومحاربتهم لأهلها، ومن عرف مقام الأسدين المخاطِب والمخاطَب عرف مكانة تلك الرسالة.
فالمخاطِب (بالكسر) هو أسد بن موسى بن إبراهيم ابن الخليفة الوليد بن عبد المالك بن مروان. كان ثقة حافظا يلقب بأسد السنة. استشهد به البخاري واحتج به أبو داود والنسائى.
وذكر الحافظ الذهبي في الميزان أنه لا يعلم به بأسا وأن ابن حزم الظاهري ضعفه وتضعيفه مردود- وكانت وفاته سنة 212.
والمخاطَب (بالفتح) هو أسد بن الفرات بن سنان، تفقه بأصحاب مالك، ثم ارتحل فسمع من مالك موطأه وغيره وأخذ عن أصحاب أبي حنيفة. قال في الديباج:"وكان ثقة لم يزن ببدعة" وتوفى غازيا بصقلية سنة 312 (1).
(1) السنة - السنة الأولى العدد 7، محرم 1352ه، ماي 1933م.