الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى محمد أيتها الإنسانية
…
أيها المسلمون!
......... أيها العرب!
............ أيها البشر!
ــ
أيها المسلمون! في مثل هذا اليوم انبثق النور الذي هداكم الله به إلى الإسلام، فأخرجكم من الضلمات إلى النور وجعلكم خير أمة أخرجت للناس مادمتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، فعودوا بالذكرى إلى حياة هذا النبي الكريم، فاستمدوا منها نور إيمانكم، وجددوا بها صرح توحيدكم، وحصنوا بها قلوبكم من جهالات الغفلة وظلمات الشرك ونزغات الشياطين، وانظروا إليه في نشأته، وقبل نبوته، كيف كان بعيدا عن حياة الجاهلية وهو بين أهله، كيف كان يتوجه إلى الله، والعرب غارقة في وثنيتها، وكيف كان يحمل مما يرى من الشرك والضلال أثقالا ينوء بحملها، حتى جاءه الحق الصريح، والهدى البين، والنبأ الصادق، والرسالة العامة، فقام بأعباء ما حمل، مبلغا عن الخالق، شاهدا على الخلق، مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فجاهد وجالد وصبر وصابر، وقضاها ثلاثا وعشرين سنة،
مثالا أسمى للإحسان والكمال ونورا ساطعا للأجيال، حتى تمم الله النعمة وأكمل الدين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتركها بيضاء نقية لن يهلك عليها إلا هالك. فإلى هذا الطريق أيها المسلمون، ففيه نجاتكم وسعادتكم إلى يوم الدين.
أيها العرب: في مثل هذا اليوم ولد النبي العربي، فتفتحت العروبة عن زهرة ماضميها، وبذرة مستقبلها، فوصل الله به مجدكم القديم بمجدكم الحديث، وأشاع لغتكم في الألسنة وتفكيركم في العقول، وعنصركم في الأمم، فخلدتم في التاريخ، خلود التاريخ، وبقيتم على الزمن، بقاء الزمن، فعودوا بالذكرى إلى حياة هذا العربى العظيم، كيف نشأ في صميم العروبة، وترعرع في أحضانها، ودرج على الكريم الصلب من أخلاقها، فحدب عليها، عمره كله، يهديها ويحوطها ويجمع أشتاتها ويؤلف وحدتها، يكونها ليكون الله الأمم بها، ويرشحها للسيادة، لتسود بها البشرية جمعاء. فما فارق الدنيا حتى تركها أمة شعرت بعزتها، وعرفت غايتها، وأخدت للحياة عدتها، وتقدمت للبشرية تحمل مشاعل العلم والحرية والإخاء العام، فمن حياة هذا العربي الصميم، استمدوا- أيها العرب- حياتكم، وعلى ما شاده من ماضيكم، ابنوا حاضركم ومستقبلكم ومن تاريخه الحافل، استوحوا مناهج حياتكم، ومن سيرته الجليلة، اجمعوا عناصر نهضتكم ومواد بنائكم القومي، فلسانه لسانكم، وقوميته قوميتكم، وتاريخه تاريخكم، فاتخذوه مثلكم الأسمى في الحياة، تتخذكم الحياة مثلما كنتم، مثلها الأسمى وقادتها الراشدين.
أيها البشر: في مثل هذا اليوم، ولد محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب فولدت الإنسانية ولادة جديدة وأشرق على الكون نور لم يلح من قبل، أضاء لبني آدم طريق العلم والعمل والحرية
والسلام في حظيرة الإخاء العام، فعودوا بالذكرى، إلى حياة هذا الرجل الإنساني، كيف ارضعته بدوية عربية وحضنته أمة حبشية، وتبنى مملوكا رقيقا ثم اتخذه أخا ومولى، ثم عقد ألوية الإمارة للموالي على العرب، غير مرة، وأدنى بلالا الحبشي وسلمان الفارسي وصهيبا الرومي، لفضلهم وسابقتهم على كثير من كبراء العرب وساداتهم وذاق آلام الإنسانية في اليتم والفقر والفقد، وباشر العمل في الرعى وتاجر، وبلا الحياة في الشدة والرخاء والسلم والحرب، فقضى حياته يرفع طبقات وضعها الظلم والجهل، ويخفض طبقات رفعها الطغيان والجبروت حتى سوى بين بني آدم، في الكرامة البشرية، وأسقط اعتبار الأجناس والألوان في الأفضلية، وأعلن أن لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله، فعودوا إلى الأصول التي جاء بها هذا الرجل، إنها جربت، فصحت تجربتها، فقد بنيت عليها مدنية، ما في مدنية اليوم من خير هو من أثرها.
ولن تسعد الإنسانية إلا بالاحترام والتسامح والتعاون وبالوفاء في التعاقد.
وتلك أمهات مما جاء به، فاتبعوه تعيشوا في رغد آمنين (1).
(1) البصائر العدد 164 السنة الرابعة 13 ربيع الأول 1358ه الموافق لـ 5 مايو 1939م.