الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محيي الدين البيروتي
سوانح وبوارح
من نظم الشاعر العصري الأديب الأستاذ الشيخ محيي الدين الخياط البيروتي
ذكرت بالفضاء ربعًا ودارا
…
فهي تأبى دون الفضاء ديارا
ذكرت ظعنها فهاجت وهامت
…
فهي تأبى التهويم إلا غرارا
خلها للظعين تفري الفيافي
…
تقترى أثره وتبري القفارا
هزها الشوق والغرام حداها
…
فهي تأبى دون القرار قرارا
نزعت تضمر الرهان بقفر
…
هي فيه لن تبلغ المضمارا
ملعب دونه الصوافن حسرى
…
مثلما دونه القلوب حسارى
أيها الصافن الجريُّ رويدًا
…
صافنات الأفكار ليست تجارى
تبتغي قبة الأثير مجالاً
…
لخطاها فاحذر عليها العثارا
يرجع الطرف خاسئًا عن مداها
…
حيث لا يدرك المجلّي الغبارا
هي ترجو كشف السرار ولكن
…
أين منها أن تدرك الأسرارا
موقف عنده الأنام حيارى
…
وسكارى وما هم بسكارى
موقف كم به خواطر شتى
…
خطرت وهي ترقب الأخطارا
ولجت في محيط لج فخاضت
…
في دجاه الخُضارم الزخارا
ركبت صهوة الفضاء فزلت
…
ثم راحت تستصرخ الآثارا
فلكًا دائرًا وشمسًا وبدرًا
…
ونجومًا منازلاً أدوارا
روضة من بنفسج عقد الأفـ
…
ـق عليها من زهره أزهارا
خيمة من زمرد أو غدير
…
سندسي يموج بالشهب نارا
يا لنهر على المجرة يسقى
…
نرجس الأفق من سناه جمارا
سرطان يعوم فيه وحوت
…
وترى النسر حام يبغي وجارا
ويصب الميزان بالشط منه
…
ما عهدنا كنهره أنهارا
والثريا كطائر من نضار
…
أو كجام بمحفل الأفق دارا
وسهيل ظمآن يبغي ورودًا
…
أو مشوق يستطلع الأخبارا
زُهرة الزُّهر بين ريا الخزامى
…
ذكرتنا زهر الربى والعرارا
وكأن الجوزاء شجرة تبر
…
حولها الفرقدان طيران طارا
وكأن السماك في رمح نار
…
ثار يبغي من الدجنة ثارا
وذُكاء سبيكة من لجين
…
في زجاج تذوِّب الأنوارا
وهلال كمخلب من عقاب
…
منجل الأفق يحصد الأعمارا
وبنات السماء تحمل نعشًا
…
مستديرًا فوق الرؤوس استدارا
رب ورقاء فوق خوطة بان
…
جددت لي بسجعها تذكارا
ذكرت إلفها فحنت وأنت
…
وتغنت تهيج الأطيارا
أعربت لحنها فكادت بشجو
…
وشجون تستنطق الأشجارا
بلسان الزمان تطلب مني
…
شرح حالي وحالتيه جهارا
قلت: ذاتَ الهديل هيهات عني
…
أن تميطي أو تهتكي الأستارا
حالتي لو عقلتِ يا ذاتَ طوق
…
لاختصرت المقال فيها اختصارا
أو تفكرت في المنى والمنايا
…
لنسيت الآمال والأفكارا
أبنات الغدير غادرت طرفي
…
ذا شؤون ولم يكن غدارا
ردِّدي النوح يا حمام فقلبي
…
بين نوح الحمام والوجد طارا
حدثي النفس فالحديث شجون
…
عل منك الحديث يشفي الأُوارا
عل منك الهديل يرجع قلبًا
…
قُلبًا بالغرام طار فحارا
ليس بدعًا أن حار فالكون هادٍ
…
مرشد والأنام فيه حيارى
أمم حالها عجيب ودنيا
…
هي منهم والله أعجب دارا
في فيافي الوجود تاهوا قديمًا
…
وهم الآن يقطعون القفارا
يعجب الدارس الحقائق عنهم
…
وهو يتلو من خلقهم أطوارا
لو يأوبون للضمير جميعًا
…
لرأينا الملائك الأبرارا
غرّمنا الأغرار عصر حديث
…
سل بالأحداث الظبي والغرارا
ملك اللب حيَّر الأفكارا
…
أدهش السمع أذهل الأبصارا
لقَّبوا علمه بعلم الترقي
…
صح هذا لو لم ندنسه عارا
شوَّه الله وجه علم علينا
…
شوَّه الدين شوش الأفكارا
ليت شعري ماذا جنينا منه العلـ
…
ـم وماذا جنى بنوه ثمارا
هل جنينا غير التفنن بالأز
…
ياء والبذخ والفجور اختيارا
أم جنينا منه التفنن بالمكسـ
…
ـيم والرشاش الذي لا يبارى
بل فقدنا الأخلاق والدين فيه
…
وعدمنا عفافنا والوقارا
ولبسنا ثوب الغواني دَرِيسا
…
وخلعنا عذارنا للعذارى [1]
أن تُقِر الحرية اليوم هذا
…
فابك يا رق واندب الأحرارا
أبهتك الستار سُدنا البرايا
…
أم بذات الخمار شِدنا الفخارا
أنماري حكم النواميس جهرًا
…
ونواري الحقائق استكبارا
ونساوي من لا يساويه شيء
…
أو يساوي الأضداد والأغيارا
أو يعيد الأوضاع وضعًا جديدًا
…
أو يخطِّي الوجود والأقدارا
نعرف الداء والدواء ولكن
…
لم تراع الأزمان والأدوارا
لم نراع الأخلاق والأطوارا
…
لم نراع الأجسام والأفكارا
نعرف الداء والدواء وننسى
…
أن داء الأساة زاد انتشارا
نعرف الداء والدواء وننسى
…
أن جرح الأساة أمسى جُبارا [2]
نعرف الداء والدواء ونبغي
…
أخذه صُبْرة وننسى البوارا [3]
أيُنَاجى من شأنه أن يناغى
…
أم يُمارى من شأنه أن يُجارى
أيها العصر أي علمك أجدى
…
دعة راحة ذمامًا ذمارا
أنت عصر العلوم لكن عليه
…
قذف الجو ريحه إعصارا
لا تُذَم العلوم منك ولكن
…
سنذم الآثام والأوزارا
أيها المنكر المكابر عفوًا
…
كبرت يُوح بالضحى توارى [4]
إن أردت الدليل دون انحياز
…
أبلجا ناصعًا يضاهي النهارا
هذه الناس والشعوب جميعًا
…
لك كالدرس فاختبرها اختبارا
وانتخب أعرق الجميع علومًا
…
ونفوذًا وسطوة واقتدارا
ثم قابل أعماله والترقي
…
بعلوم الأخلاق تلق اعتبارا
غمض حق ونقض عهد وجورًا
…
وفجورًا وأُثرة وختارا
لا يرى غيره من الناس إلا
…
مثلما يرى الهَصُورَ الفُرارا [5]
كل حكم له شذوذ وخرق الـ
…
ـحكم في الخلق سنة لا تبارى
وبحكم المجموع حكم البرايا
…
وعليه لا تنكر الأخيارا
حكمت سنة البقاء قديمًا
…
أن تجاري الشعوب من كان جارا
وتضحِّى على هياكل ضعف
…
هكذا الضعف يقصف الأعمارا
لا تُرَع أيها اليراع فعهدي
…
أن تروع المهند البتارا
إن فوق الطروس منك صريرًا
…
يستبيل الغضنفر الزارا [6]
وإذا ما جرى خميسك بالخمـ
…
ـس يقل العرمرم الجرارا
زعموا الدين والترقي محالاً
…
زعموا باطلاً وقالوا كُبَّارا
إن أسفار كل دين دليل
…
إن أرادوا فلينظروا الأسفارا
إن آثار ديننا هي فيهم
…
إن أرادوا فلينظروا الآثارا
وليُحَيُّوا وسطى القرون وما قـ
…
ـبل فقد يحمد السراة السرارا
دار مصر والقيروان وغرنا
…
ط وفاس وبصرة عمت دارا
وسمرقند من دمشق وبغدا
…
د عليك الديار تبكي الديارا
لعب ذكرنا القديم وهزؤ
…
إنما ذكره يعد اعتبارا
ليس يجدي المجد القديم ولكن
…
يتأسى من ينشد الأشعارا
_________
(1)
الثوب الدريس: هو الخَلِق البالي.
(2)
الجُبار: الهدر أي أن جرح الأساة وهم الأطباء لا قصاص فيه.
(3)
أخذه صبرة: أي بلا وزن ولا كيل.
(4)
يوح: اسم للشمس.
(5)
الفرار: البهم الكبار، واحدها فرفور، والهصور: الأسد يهصر فريسته، أي يجذبها ويكسرها.
(6)
الغضنفر: الأسد، ويستبيل: يوقفه ليبول، أي يخيفه ويفزعه.