الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
تعليم العربية في المدارس
تأخره في تقدمه
أحسب الناس أن تقدم اللغة العربية بلغ من النجاح أن يُمتحن في فنونها مائتان
وخمسون طالبًا وأربعة نفر، فلا يخيب منهم إلا الأربعة والباقون نجحوا في
امتحانها؛ وأنها قد بلغت نصابها واسترجعت شبابها؟ كلا إن الناس متعجبون من
نتيجة الامتحان في هذا العام لا معجبون، وإنهم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم
فيه مختلفون، وإننا نشير إلى الحقيقة بمجمل من القول.
من المعلوم لأكثر الناس أن التلامذة لم يسألوا في هذه السنة إلا ثلاث مسائل
سهلة جدًّا، وكانوا يسألون في كل عام عشرة مسائل دقيقة كالألغاز ربما لا تخطر
في بال عالم؛ ولذلك كان الناس يشكون مع التلامذة من الإفراط في التشديد
بالامتحان، وكأن سكرتير المعارف المستر دنلوب أراد أن يزيل شكواهم، فأفرط
في التساهل حتى جعل الشكوى أعم وأكثر، ورجال لجنة الامتحان مستسلمون
لأمره، وإرادتهم فانية في إرادته.
والمتبادر أن المنوط بهم أمر الامتحان كانوا عازمين على جعل الامتحان في
هذا العام كما كان في العام الماضي لولا السكرتير، وإن أول من خضع للأمر مع
علمه بعدم كفاية المسائل الثلاث هو الشيخ ذو المكانة الأولى في اللجنة، والذي كان
يرجى أن يكون أعز أنصار اللغة العربية، ويقال: إن شابًّا من اللجنة تربى تربية
إنكليزية عارض في ذلك، ودافع عن اللغة العربية، أما حجة الشيخ في امتثال
الأمر فهي أن صيغة الأمر عند علماء الأصول حقيقة في الوجوب مجاز في غيره،
وأما حجة الشاب فهي أن هذا اجتهاد من السكرتير في المصلحة، وأن تقرير مسائل
الامتحان موكول إلى اجتهاد اللجنة؛ لأنها أعرف بالمصلحة، والمجتهد لا يقلد
مجتهدًا، وللشيخ في دفع هذا أنه لا بد من تنفيذ الأمر على ظاهره؛ لأن الاجتهاد لا
يصح أن يعارض النص كما هو مبيَّن في علم الأصول، وللشاب أن يقول في دفع
الدفع أنه يمكننا التوفيق بين أمر السكرتير وبين المصلحة بأن نضع ثلاث مسائل
جديدة تتضمن العشر، وبذلك نسلم من المخالفة ومن الغش في العمل، وينطبق قوله
هذا على قواعد الأصول، لقولهم بتأويل نصوص الكتاب والسنة إذا خالفت المعقول،
إلا أن يعود الشيخ فيدعي أن اجتهاده موافق لاجتهاد السكرتير في الاكتفاء بثلاث
مسائل بديهية عن عشرة عويصة؛ ولكن للشاب الحجة عليه بأنه كان مقررًا للعشر في
كل عام، فليس الانقلاب الآن عن اجتهاد؛ وإنما هو عن استسلام.
ويظهر أن سائر الأعضاء كانوا منقادين مع ذلك الشيخ الكبير إلى العمل
بظاهر الأمر من غير بحث في موافقته للمصلحة التي أنيطت بهم، كأنه أمر منزل
ونص قاطع لا يحتمل التأويل، ولولا ذلك لم يُنَفَّذْ ولكنه نُفِّذ كما يعلم من جميع
التلامذة، وهذا الاستسلام مبني على أنهم يعتقدون أن السكرتير أمر بما أمر وهو
عالم بأنه خلاف المصلحة فهم في الحقيقة خاضعون لما يظنون أنه يهواه ويميل إليه،
ولو كانوا يعتقدون أنه يقصد من الأمر بتيسير الامتحان المصلحة؛ ولكنه بالغ في
التيسير حتى صار مفسدة لراجعوه وبيَّنوا له الحد الوسط، ولو فعلوا ذلك بالاتفاق
لما خالفهم، وإن كان يُقصد إماتة اللغة العربية كما يقول الناس.
التربية الإنكليزية
سيقول الذين يسيئون الظن بالإنكليز عامة، وبالمستر دنلوب خاصة،
ويتهمونهم بالسعي في إماتة اللغة العربية؛ لأنها لغة الدين الإسلامي: ما بال هذا
الشاب هو الذي تصدى للمدافعة عن اللغة العربية، مع أنه لا يتميز على الأستاذ إلا
بكونه تربى وتعلم في البلاد الإنكليزية، والإنكليز لا يُعَلِّمون المصريين في بلادهم
إلا ليستعينوا بهم على تنفيذ مقاصدهم في مصر؟ وللإنكليز أن يجيبوا هؤلاء بقولهم:
إن الذي نعلمه ونربيه لا يخلو من أحد حالين: إما أن يتعلم منا كيف يخدم بلاده
ويعلي شأن أمته؛ لأننا نحب ذلك، أو لا نعارض فيه، وإما أن يأخذ عنا من
الاستقلال في الفكر وفي الإرادة ما يمكنه أن يجاهدنا به في ميدان الحياة، فإذن لا
نجاح لكم إلا بالتربية الإنكليزية، لا سيما إذا ترشح لها الخيار منكم.
كلمتا اللورد كرومر
وحكمدار الهند
أما الدليل على ترجيح الشطر الأول فهو ما قاله الفيكونت كرومر وكيل دولتنا
عندكم في تقريره عن مصر، وما قاله حكمدار الهند في خطبته في كلية عليكدة،
أما الأول فقد قال بعد الحث على التعليم الصناعي، وتعليم البنات، وموافقة شورى
القوانين على توسيع نطاق المدارس الأهلية ما ترجمته:
(من الشواذ الكثيرة في هذا القطر، بل من أغربها أن الشبان المصريين
يهتمون الآن بتعلم اللغة الإنكليزية أكثر مما يهتم الإنكليز بتعليمهم إياها؛ وسبب ذلك
واضح، وهو أن المصريين عمومًا يحسبون أن حصولهم على وظائف الحكومة
يكون أسهل عليهم وهم يعرفون الإنكليزية منه وهم يجهلونها، والمرجح أنهم
مصيبون في ذلك إلى حد محدود، أما الإنكليز الذين يعرفون أحوال المصريين وما
يحتاجون إليه، فينظرون إلى هذه المسألة من وجه تعليمي ولا رغبة لهم في جعل
البلاد إنكليزية، بل يودون الاقتصار من تعليم الإنكليزية والفرنساوية على ما تمس
إليه الحاجة ويفيد المصريين أنفسهم، ولا يضلهم الرأي السطحي وهو أن درس
الفرنساوية والإنكليزية يتضمن إيجاد الأميال السياسية؛ لأن هذا الرأي خطأ في
الغالب على ما أرى) .
إلى أن قال:
(ويظهر من آخر إحصاء أن الذين يتعلمون لغات أجنبية في المدارس التي
تحت إدارة نظارة المعارف العمومية هم 5835 ذكورًا وإناثًا، ومن هؤلاء 4984؛
أي: 85 في المائة يتعلمون اللغة الإنكليزية، ولا بد من تعليم هؤلاء بلغة أجنبية،
ومن أسباب ذلك أنه ليس في العربية كتب للتعليم في العلوم التي يتعلمها التلامذة؛
ولكن التوسع فيه وراء هذا الحد غير محمود العاقبة؛ ولذلك أحذر بكل جهدي من
جعل اللغات الأجنبية مما يعلم في الكتاتيب، ويجب أن يبقى التعليم الآن باللغة
العربية وحدها، وخلاصة القول في هذا الموضوع أن اجتهاد الذين يهمهم أمر
التعليم في هذا القطر يجب أن يكون مصروفًا بنوع خاص إلى إصلاح التعليم
الصناعي وتوسيع نطاقه، وإلى تعليم البنات وترقية التعليم الابتدائي بواسطة
الكتاتيب حتى يرتفع مقياس المعرفة في البلاد كلها؛ إذ لا يخفى أن الإحصاء
الأخير دل على 89.5 في المائة من ذكور المصريين، و 99.7 في المائة من
إناثهم لا يعرفون القراءة والكتابة) اهـ.
وأما الثاني فقد قال في خطابه: وها نحن أولاء قد فتحنا باب القرن العشرين
وكيفما تكون النتائج والتقلبات التي تظهر في هذا القرن، فلا خلاف في أنه سيكون
مملوءًا بالحركة العلمية، مفعمًا بأنوار العلوم والمعارف، ومثل الذي يوجد في هذا
القرن بغير تربية مثل الفارس الأعزل في القرون الوسطى التي لم يكن للإنسان فيها
أنفع من سلاحه مدافعًا عن حقوقه، أو حافظًا لكيان وجوده؛ ولذلك أرى أن أحسن
سياسة ترقى بالأمة المحكومة إلى طريق الفلاح هي سياسة تساعدها على حفظ
كيانها بين تيارات المنافسات، وازدحام الأقدام في عالم المباراة، ولهذا ينشرح
صدر كل حاكم في الهند حينما يرى المسلمين فيها من سنيين وشيعيين على حد
سواء آخذين بأهداب العلم في سبيل التعليم والتربية، وأنهم جاوزوا نقطة الابتداء
في وقت تقدمهم به منافسوهم في حلبة هذا السباق، نعم يمكن للمسلمين أن يسابقوا
غيرهم إذا هم تعلموا كيف يسابقون، وهو ما عرفوه مرة قبل هذا الوقت في أيام
كان فيها للمسلمين السطوة والسلطان، وكان قضاتهم يحكمون بالعدل بين الناس،
وفلاسفتهم وأئمتهم يؤلفون الكتب النفيسة، إلا أن طريقة السباق القديمة أصبحت
اليوم متأخرة، ويحتاج الإنسان إلى حركة أخف وأنشط من الأولى، فيلزمكم أن
تذهبوا إلى المدارس، فتُلقنوا عن الأساتذة الماهرين في الصناعة الحديثة كيف
تكون خفة الأقدام، ودقة السيقان اللازمة للمسابقة في مستقبل الأيام، وإنني أعتقد
بناءً على ذلك أن المرحوم السير سيد أحمد خان ومن ساعدوه في هذه النهضة لم
يبرهنا على صدق وطنيتهم وحميتهم فقط، بل برهنوا أيضًا على أنهم نظروا نظرة
سياسية دقيقة، وعرفوا أن الواسطة الوحيدة والعلاج الناجع الذي يعيد للمسلمين
شيئًا من سابق مجدهم هو العلم والتربية، ولو كنت أميرًا من أمراء المسلمين، أو
غنيًّا من أغنيائهم لما أضعت خمس دقائق تمر علي لا أفكر بها في أية وسيلة أفيد
بها أبناء ملتي، وأرقي بواسطتها إخواني المسلمين في هذه الديار، وكنت أحصر
مساعيَّ في التعليم والتربية، أجل في التعليم والتربية لا سواهما.
وكون هذه خطتكم هو مما لا مُشَاحَّةَ فيه كما سمعت اليوم من الخطبة التي
تليت أمامي، فأنتم تقولون فيها أنه لا أمل لكم في إعادة شيء من ماضي مجدكم
وعزكم إلا بضم العلوم العصرية إلى علومكم، حقًّا لقد أصبتم كبد الحقيقة، تمسكوا
بدينكم الذي اجتمعت فيه أصول الرفعة والشرف ومنابع الحقيقة، واجعلوا ذلك
أساسًا لتربيتكم وتعليمكم؛ لأن التربية بغير أساس ديني كبنيان القصور على الهواء،
وإن كان أولاد المدارس الابتدائية والعالية صغار السن لا يدركون معنى هذه
الحقيقة، هكذا تمسكوا بهذا المبدأ وهذه القواعد حتى تجنوا ثمرة شجرة التربية التي
كانت نامية أحسن نمو في الحدائق الشرقية، والآن صارت تنمو في الغربية اهـ
المراد منه، ومما تقدم يعلم أن جُلّ بلاء المسلمين من أنفسهم.
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
هدايا وتقاريظ
(الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية)
كان شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى مجدد علم الدين،
ومحيي السُّنة في أول القرن الثامن للهجرة الشريفة، وكان قد بعد عهد المسلمين
بأخذ أحكام دينهم من الكتاب والسنة، كما كان سلفهم في القرون الثلاثة، فأراد
الرجوع بهم إلى ذلك فألَّف في أهم المسائل كتبًا ورسائل يستمد فيها من ذلك الينبوع
الأعظم، ويذكر أحيانًا خلاف الأئمة المشهورين، ومن أعظم تصانيفه فائدة رسالة
الحسبة، أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي رسالة تبلغ زهاء 100
صفحة، وقد طُبعت في مطبعة المؤيد على أجود ورق، فينبغي أن يطَّلع على هذه
الرسالة كل مسلم؛ لأن ركن الحسبة هو الركن الذي يحفظ سائر الأركان الإسلامية،
وإهمال الأمر والنهي هو الذي أضاع الدين، ولو أقيم لقام عليه بناؤه إلى يوم الدين.
***
(معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول)
وهذه الرسالة للإمام ابن تيمية أيضًا، وهي من أحسن ما كتبه، ومن أحسن ما
خدم به الإسلام، وقد تعرض فيها للرد على الذين حكَّموا أهواءهم في الدين من
الفلاسفة وبعض المتصوفة وغيرهم من الفرق الذين لم يرضهم أخذ الدين ببساطته
التي كان عليها في عهد السلف الصالح رضي الله عنهم، كما أقام الحجة على من لم
يرض الإسلام دينًا بالمرة، فنحث كل مسلم قارئ على مطالعتها.
***
(المظالم المشتركة)
طُبعت رسالة المعارج المنوَّه بها آنفًا في مطبعة المؤيد، وطُبع معها في الذيل
رسالة المظالم المشتركة، أي: التي تُطلب من الشركاء، وقد بين حكمها وكيفية
مراعاة العدل فيها بالنسبة للطالب والمطلوب، ولا يستغني المتدين المبتلى بهذه
المظالم من الاطلاع على هذه الرسالة، والمشتغلون بالعلم الإسلامي أحوج الناس
إلى الوقوف عليها، جزى الله مؤلف هذه الرسائل وناشرها خيرًا.
***
(كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة ومعرفة جيد الأعراض من رديها
وغشوش المدلسين فيها)
من يطلع على اسم الكتاب أو يسمع به، يظن قبل العلم بمؤلفه أنه من وضع
المتأخرين؛ لأن جهل الأكثرين منا بتاريخ سلفنا يوهمهم أنه لم يكن للتجارة عند
السلف من الشأن ما يحملهم على التأليف فيها؛ ولكن الكتاب من تأليف الشيخ أبي
الفضل جعفر بن علي الدمشقي من علماء القرون المتوسطة، وقد وجد في أحد نسخ
الكتاب أنه تم في سنة 570، والظاهر أن هذا تاريخ تأليفه لا نسخه، وفي الكتاب
فوائد اقتصادية نافعة، ويُعْرَف منه تاريخ التجارة وحالها في تلك الأيام، فنحث
القراء على مطالعته.
***
(السياسة الشرعية في حقوق الراعي وسعادة الرعية)
كتاب وجيز ألفه بالتركية العلامة الشهير جمال الدين أفندي قاضي مصر
السابق تغمده الله برحمته، ونشره بالعربية بإذن الورثة الأديب الملقب بأصمعي،
والكتاب مشتمل على مسائل نافعة، ومباحث مفيدة في مشروعية السياسة، وأداء
الأمانة، واختيار العمال، والاستشارة، والقضاء، والإمارات والمصالح المرسلة،
ويتلو هذا فصل في الحقوق العمومية، يتكلم فيه عن الحبس والعقوبات والعمل
بالقرائن وبالفراسة، وأقسام المتهمين وعن الرشوة والسعاية، ويتكلم في فصل آخر
عن شروط الإمامة، وفي فصل آخر عن المشورة وتنظيمات أوربا، وفي فصل
آخر عن العدل والظلم، وفي فصل آخر عن الولايات والوزارات والحرب، وفي
فصل آخر عن الفضائل والرذائل، وفي فصل آخر عن تأثير الدين في الأخلاق،
ويلي ذلك فصول في الوعظ، وفي الإنسان، وفي السياسة، وفي طبائع البشر،
وفي أسباب ضعف الحكومات الإسلامية وانحطاطها، وفي الخلفاء الأمويين
والعباسيين والفاطميين، وفصل فيما أنتج اختلاف العلماء على الأمة وعدم
اجتماعهم على مصلحتها وما فيه نجاحها.
ومما نذكره مع الشكر لله تعالى، ثم للمؤلف أن في الكتاب اقتباسًا كثيرًا من
مجلتنا المنار، لا سيما في هذه الفصول الأخيرة؛ فإن معظمها مأخوذ بحذافيره من
مجلد السنة الأولى، وحسبنا حجة على المقلدين والموسوسين أن مثل هذا العالم
الكبير موافق لنا في رأينا، لا سيما في العلماء واختلافهم وعدم تكاتفهم على ما ينفع
الملة والدين، والكتاب مطبوع طبعًا متقنًا في مطبة دار الترقي العامرة، وثمنه
خمسة قروش أميرية، وهو ثمن بخس، ويباع في مكتبة الترقي ومكتبة الشعب في
شارع محمد علي وغيرهما.
***
(فصل الخطاب في المرأة والحجاب)
مصنف جديد ظهر في هذه الأيام لحضرة الفاضل محمد طلعت بك حرب،
وضعه للرد على كتاب (المرأة الجديدة) كما ألَّف كتاب (تربية المرأة والحجاب)
للرد على كتاب (تحرير المرأة) ، وقد سلك في هذا المصنف مسلك الإلزام،
فعرَّب بعض ما كان كتبه الفاضل قاسم بك أمين في المدافعة عن الحجاب ردًّا على
الدوق داركور الفرنسوي، واحتج من جهة الدين برسالة الاحتجاب التي ألفها قاضي
مصر السابق، ثم بجملة من شرح نهج البلاغة لصاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ
محمد عبده مفتي الديار المصرية، ثم بنبذ من ثلاثة أجزاء من المنار.
وبعد أن ذكر حكم المنار بغلو قاسم بك أمين في مسألة الحجاب واعتذاره عنه
بأنه إفراط في مقابلة التفريط في التشدد بالحجاب، حتى جعل مانعًا من العلم، وأن
غرضه الرجوع إلى الاعتدال وقوله - أي المنار -: فإذا انتهت هذه المناقشات
بانصراف همة الأمة إلى تربية وتعليم مع بقاء الحجاب نتقدم إلى الأمام، قال:
(هذا ما قاله حضرة صاحب المنار، وهو أحسن اعتذار يقدم من صديق لصديقه بما
ربما لم يكن في الحسبان، أو يخطر له على بال، فما داعية التحير والاختباط إذن
والمسألة بسيطة قد حلها أئمة الدين، والمغترفون من بحرهم - حتى الذين يقدِّس
رأيهم محرر المرأة - أعظم حل وأسهله) .
ثم أورد من مؤلف قاسم بك في الرد على الدوق داركور نبذًا في فضائل
الحجاب ومحاسنه وضرر التبرج والتهتك لم يأت بمثلها أحد ممن رد على كتابيه،
وفيها من التأثير في التنفير عما عليه نساء الإفرنج، والترغيب في الصيانة والعفاف
المقرونين بالحجاب، ما لم يوجد ما يقاربه في كلام مناقشيه، فدلنا هذا على أن
قاسمًا من أعلم الناس بمنافع الحجاب الشرعي، وبمضار الغلو فيه، وأنه يخاطب
كل قوم غلوا في طرف بالمبالغة في الطرف الآخر، فلما رأى الإفرنج يذمون
الإسلام والمسلمين لأجل الحجاب ألف كتابًا في منافعه بلغتهم ألقمهم فيه الحجر، ولم
يشرح فيه ما يعتقده من مبالغة المسلمين فيه، وجعلهم الجهل ضربة لازب على
النساء لأجله؛ ولكنه بيَّن هذا وبالغ فيه، بل تغالى للمسلمين ولم يذكر لهم شيئًا من
منافع الحجاب التي يعلمها ليرجعهم إلى الحد الوسط وهو الحجاب الشرعي الذي
يقطع السبيل على الفساق الذين يجنون على العفة في الخلوات، ويهتكون حرمة
الصيانة من وراء الأستار، ولا يقطع على النساء طريق التربية والتعليم اللذين
يصلن بهما إلى الكمال الممكن لهن، والاستقلال في شؤون الحياة، وبهذا تبين أن
اعتذارنا، بل بياننا قد أصاب كبد الحقيقة.
والقول الفصل: إنه يجب العناية بتربية النساء وتعليمهن، وإننا في التربية
النفسية أحوج، وإن أفضل سجايا النفس - لا سيما في النساء - العفة والصيانة،
وإنه لا يتم ذلك إلا بالتربية الدينية، وإن التربية قوامها وملاكها القدوة بالمعاشرة،
فإذا كان من يُراد تربيته يعاشر فاسدي الآداب والأخلاق يتربى على مثل ما هم عليه،
وإن أكثر بلادنا مبتلون بهذا الفساد نساءً ورجالاً، والنتيجة الصحيحة أنه يجب
حجب البنات اللائي يُراد تربيتهن عن النساء بقدر الإمكان، فما بالك بالرجال،
ومتى عمت التربية الصحيحة، أو غُلِّبت يكون لها حكم آخر، فليعمل لكل وقت ما
يصلح له العاملون {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 3) .
***
(رحلة الصيف)
تشرف بالسفر مع حاشية الجناب العالي الخديوي إلى أوروبا في العام الماضي
صديقنا الأديب الفاضل عزتلو لبيب بك البتنوني، وقد زار كثيرًا من العواصم
الشهيرة، وطاف كثيرًا من المعاهد، وشاهد أبدع المشاهد، وكتب فيما رآه واختبره
بنفسه رحلة مطولة أودعها من فنون الفوائد وصنوف الاعتبارات ولطائف الفكاهات
ما تصبو إليه كل نفس، ويود الاطلاع عليه السياسي والاجتماعي والعالم والأديب
والمؤرخ، وطبعها طبعًا متقنًا على ورق جيد، وأهدى نسخها إلى فقراء المسلمين
بتقديمها إلى الجمعية الخيرية الإسلامية، فنحث أهل الفضل على مطالعتها لما فيها
من الفوائد التي يحن إليها كل ذي فضل، ونحث أهل الغيرة الإسلامية على اقتنائها
لما في ذلك من المساعدة على البر والإحسان، وهي تُباع في مكتبة الجمعية في قبة
الغوري، وفي جميع المكاتب الشهيرة، وسنتحف القراء ببعض فوائدها في جزء
آخر.
_________