المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين - مجلة المنار - جـ ٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (4)

- ‌غرة ذو القعدة - 1318ه

- ‌فاتحة السنة الرابعة

- ‌الداء والدواء

- ‌رواية عربية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌(أميل القرن التاسع عشر)

- ‌المرأة الجديدة - تتمة التقريظ

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌انتقاد الأخلاق والعادات

- ‌ثناء

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تصحيح

- ‌من الإدارة

- ‌16 ذو القعدة - 1318ه

- ‌الفضائل والرذائل [

- ‌خطبة أساس البلاغة

- ‌قصيدة جحدر في الأسد

- ‌تقريظ المنار الأنورواقتراح طلاب الأزهر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌مهاجر أزهري

- ‌عريضة استرحام مسلمي بنغالة

- ‌كتاب الأمير عبد الرحمن خان

- ‌غرة ذو الحجة - 1318ه

- ‌مسألة الغرانيق وتفسير الآيات

- ‌مضار اللَّثْم والتقبيل

- ‌الحنين إلى الوطن

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌ إميل القرن التاسع عشر

- ‌ملكة الإنكليز

- ‌البدع والخرافات

- ‌تهنئة واستماحة

- ‌وسام الافتخار المرصع

- ‌غرة المحرم - 1319ه

- ‌الانتقاد

- ‌الطلاق في الإسلام [

- ‌الفقه الإسلامي

- ‌العشق وحرية العرب

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌حديث مع شيخ الأزهر والجمعيات الدينيةفي فرنسا

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌16 المحرم - 1319ه

- ‌أسئلة دينية وأجوبتها

- ‌الشيعة وأهل السنةاختلافهما

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌المسلمون في أفريقيا

- ‌استلفات لإزالة شبهة

- ‌تصحيح غلط

- ‌تنبيه

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلام

- ‌غرة صفر - 1319ه

- ‌السخاء والبخل

- ‌الأسئلة الدينية وأجوبتها

- ‌إظهار المدفون من تمثال فرعون

- ‌طُرَف الأعراب ونوادرهم

- ‌أسباب الحرب الروسية العثمانية

- ‌الوفد الإسلامي إلى الصين

- ‌زيارة القبور والمدرس المغرور

- ‌16 صفر - 1319ه

- ‌السخاء والبخل

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌(أميل القرن التاسع عشر)

- ‌تعليم العربية في المدارستأخره في تقدمه

- ‌نوادر البخلاء

- ‌جمعية ندوة العلماء في الهند

- ‌الطاعون في الكاب والمسلمون

- ‌غرة ربيع الأول - 1319ه

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌مكتوب في حق مسلوب

- ‌للفيلسوف الإسلامي

- ‌للشاعر العصري

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌مصاب الصحافةوفاة بشارة باشا تقلا

- ‌الواسطة والزيارةأو ابن تيمية والسبكي

- ‌16 ربيع الأول - 1319ه

- ‌التقليد

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌احتفال مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بمصر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌الواسطة والزيارةأو ابن تيمية والسبكي

- ‌قسم الموالد والمواسم

- ‌غرة ربيع الثاني - 1319ه

- ‌التطويع والتحصيل بالجامع الأعظم

- ‌مدرسة خليل أغااحتفالها السنوي

- ‌المساواة في الاشتراك بالمنار وإرجاء الجزء الآتي

- ‌جمعية ندوة العلماء في الهند

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادى الأول - 1319ه

- ‌علماء الدين وحديث صاحبي السماحة والفضيلةشيخ الإسلام ومفتي الديار المصرية

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌لائحة الفقه الإسلامي [*]

- ‌مقدمة ديوان حافظ

- ‌عفة نساء العرب وبلاغتهن

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌تنبيه

- ‌إصلاح الطرق وأهلها

- ‌16 جمادى الأولى - 1319ه

- ‌وظائف علماء الدين

- ‌شبهات التاريخ على اليهودية والمسيحيةوحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌لائحة الفقه الإسلامي

- ‌الأسئلة الدينية وأجوبتها

- ‌مقدمة ديوان حافظ

- ‌التقاريظ

- ‌عيد الجلوس السلطاني

- ‌قطع العلائق بين الدولة العلية وفرنسا

- ‌تعازٍ ووفيات

- ‌غرة جمادى الآخر - 1319ه

- ‌الرجال والنساء

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌16 جمادى الآخرة - 1319ه

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌تهاني العلماء والأدباءلفضيلة مفتي الديار المصرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة رجب - 1319ه

- ‌كم حكمة لله في حب المحمدة الحقة [

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌ريشة صادق

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌رزء عظيم إسلاميوفاة أمير الأفغان

- ‌سقوط الشيخ أبي الهدى أفندي

- ‌عودة أحمد عرابي

- ‌من إدارة المنار

- ‌مفاسد لا موالد

- ‌16 رجب - 1319ه

- ‌الاستقلال والاتكال

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌تغزل النساء

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌من إدارة المنار

- ‌غرة شعبان - 1319ه

- ‌الشعور والوجدان وشعائر الأمم والأديان

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌رثاء الأمير عبد الرحمن خان

- ‌انتقاد المقتطفوكتاب القسطاس المستقيم

- ‌تصحيح

- ‌الاحتفال بقدوم الجناب العالي الخديوي

- ‌الموالد والشعور الديني وضرر الخرافات

- ‌16 شعبان - 1319ه

- ‌الإصلاح والإسعاد على قدر الاستعداد

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في بلاد سيرالونمدرسة إسلامية في فوله

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة رمضان - 1319ه

- ‌فلسفة وعرفان في الصيام والإيمان

- ‌السياسة والساسة

- ‌الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌نساء المسلمين [

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1319ه

- ‌السياسة والساسةمن نحن ومن غيرنا

- ‌الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية [*]

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌أخبار

- ‌16 شوال - 1319ه

- ‌حياة أمة بعد موتها

- ‌الأمراء والحكامبلاء الأمة بهم

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌طهارة الأعطار ذات الكحولوالرد على ذي فضول

- ‌مشروع التعليم باللغة العامية المصرية

- ‌نساء المسلمين

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌غرة ذو القعدة - 1319ه

- ‌نساء المسلمين وتربية الدينورأيا كاتبة أوربية وأميرة مصرية

- ‌المسلمون في أفريقيا

- ‌طهارة الأعطار ذات الكحولوالرد على ذي فضول

- ‌مؤتمر التربية والتعليم في الهند

- ‌العربية الفصحى والعامية المصريةمناظرة

- ‌وصف الشام

- ‌16 ذو القعدة - 1319ه

- ‌الخمر أم الخبائث

- ‌حرمة الخمر [*]

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌نساء المسلمين

- ‌مدرسة محمد علي الصناعية

- ‌الدول في سلطنة مراكش

- ‌الرقص والعفة والحجاب

- ‌الأميرة ناظلي هانم وتربية البنات

- ‌غرة ذو الحجة - 1319ه

- ‌إصلاح الدولة العلية

- ‌الإسلام والمسلمون

- ‌خبر سلمان الفارسي وإسلامه

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌سوانح وبوارح

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌الاستهزاء بالعلم والعلماء وإهانة القرآن العزيز

- ‌خاتمة السنة الرابعة

الفصل: ‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌شبهات المسيحيين على الإسلام

وحجج الإسلام على المسيحيين

نبذة ثالثة تابعة لما في الجزء الخامس والجزء العاشر

بيَّنا في الجزئين الخامس والعاشر المراد بالتوراة والإنجيل عند المسلمين،

وهما اللذان يشهد لهما القرآن الكريم، وبيَّنا أنه لا تنهض للمسيحيين حجة على

إثبات دينهم وكتابيهما، ونبوة سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام، إلا من

القرآن ولا يكون القرآن حجة إلا إذا كان من عند الله تعالى، فعليهم أن يؤمنوا به

ويأخذوا بإصلاحه ليكونوا معنا موحدين لله تعالى، نعبده وحده من دون البشر

كالمسيح وغيره، وندعو سائر الوثنيين إلى هذا الإيمان الذي هو غاية ارتقاء العقل

البشري، وفيه السعادة والنجاة في الآخرة مع العمل الصالح الذي يستلزمه، وقد

بيَّنا بالدليل المعقول نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، وكون ما جاء به وحيًا في

درس التوحيد الذي نشر في الجزء الماضي وسنزيده بيانًا في الدروس الآتية إن

شاء الله تعالى، هؤلاء المبشرون يدعوننا إلى البحث في الدين، أو يدعوننا أن

نؤمن بأن بعض الأنبياء إله كامل وإنسان كامل، وأن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة

حقيقة، وإن كان العقل ينكر ذلك ويحيله وهو محل الإيمان، وأن ننكر بعض

الأنبياء ونجحد نبوته بالمرة وإن قام عليها أقوى البراهين، فإن كانوا يبحثون

لإظهار الحق لأجل اتباعه فليجعلوا العقل أصلاً ويحكِّموه في الدلائل، وإلا فبماذا

يميز بين الحق والباطل؟

إن قالوا: كتب الدين، نقول (أولاً) : بماذا تثبت هذه الكتب؟ فإن قالوا:

بالعقل، نقول: لزمكم أن العقل هو الأصل، ولا يتأتى أن يحكم بصحة كتاب يشتمل

على ما هو مستحيل عنده، و (ثانيًا) : إذا كانت كتب الأديان التي تناظرون فيها

متفقة فالدين واحد، وإلا فبماذا يرجح بعضها على بعض؟ أليس بالعقل الذي يبين

أيها أهدى وأنهض بما يحتاج إليه البشر من الدين.

للدين ثلاثة مقاصد: تصحيح العقائد التي بها كمال العقل، وتهذيب الأخلاق

التي بها كمال النفس، وحسن الأعمال التي تُناط بها المصالح والمنافع وبها كمال

الجسد، فإذا حكَّمنا عاقلاً لم يسبق له تقليد المسلمين ولا تقليد النصارى في الدين،

وكلَّفناه أن ينظر أي الدينين وفَّى هذه المقاصد الثلاثة حقها بحسب العقل السليم

فبماذا يحكم؟

يرى المسلمين مجمعين على أن العقائد لا بد أن تكون أدلتها يقينية؛ لأن

كتابهم يقول في الظن الذي هو دون مرتبة اليقين في العلم {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ

الحَقِّ شَيْئاً} (يونس: 36) ويقول في الذين احتجوا على شركهم بمشيئة الله

تعالى {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَاّ تَخْرُصُونَ} (الأنعام: 148) ويقول {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:

111) ويقول عند ذكر الآيات التي يقيمها على العقائد إن {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ

لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد: 4){إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى} (طه: 54)

أي العقول، ويرى المسيحيين مجمعين على أن أصل اعتقادهم فوق العقل، وأنه

يحكم باستحالته وعدم إمكان ثبوته، ولا شك أنه هذا العاقل يحكم بأن عقائد

المسلمين هي الحقة الصحيحة، ولا يلتفت إلى قول صاحب أبحاث المجتهدين

وغيره: إن ذلك بحث في كنه ذات الله تعالى، ولا يعرف كنه الله باتفاق المسلمين

وغيرهم؛ لأن فرقًا عظيمًا بين ما يثبته العقل بالدليل؛ ولكنه لا يعرف كنهه، وبين

ما ينفيه ويجزم بعدم إمكان تحققه، ومثال ذلك أننا نثبت المادة بصفاتها وخواصها

وآثارها، ولا نشك في وجودها؛ ولكننا لا نعرف كنه حقيقتها، بل لم يصل العقل

إلى معرفة كنه شيء من هذه المخلوقات؛ وإنما عرف الظواهر والصفات، كذلك

التوراة تصف الله تعالى بصفات يرفضها العقل كقوله في الباب السادس من سفر

التكوين (فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه، فقال: امحوا

عن وجه الأرض الإنسان الذي عملته) وهذا يدل على أنه كان جاهلاً وعاجزًا

تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

ثم ينظر هذا العاقل والحكم العادل في المقصد الثاني، وهو تهذيب الأخلاق،

فيرى التعاليم الإسلامية فيه قائمة على أساس العدل والاعتدال من غير تفريط ولا

إفراط، مع استحباب العفو والصفح والإحسان لقول كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ

تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) فسَّر البيضاوي الفحشاء بالإفراط في قوة الشهوة

البهيمية، والمنكر بالإفراط في قوة الغضب الوحشية، وقوله: {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ

لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: 237) وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ

يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (الفرقان: 67) إلى غير ذلك من

الآيات الكثيرة عامة وخاصة، ويرى التعاليم المسيحية مبنية على التفريط والإفراط

يقول كتابهم: (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم) كما في إنجيل متَّى (5: 44)

وهذا إفراط في الحب لا يقدر عليه البشر؛ لأن قلوبهم ليست في أيديهم، ويقول في

إنجيل لوقا (19-27) : أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أحكم عليهم فائتوا بهم

إلى هنا واذبحوهم تحت أقدامي) وفي الباب 14 من إنجيل لوقا 25: (وقال لهم إن

كان أحد يأتي إليَّ، ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته حتى نفسه أيضًا،

فلا يصلح أن يكون لي تلميذًا) وهذا تفريط في الحب إفراط وغلو في البغض ومثل

هذا كثير، ولا شك أن هذا العاقل يحكم لدين الاعتدال على دين التفريط والإفراط؛

لأن الأول يرقي البشرية ويعزها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8) والآخر يدليها ويذلها كما قال: (من ضربك على خدك الأيمن

فأدر له الأيسر) وغير ذلك مما في معناه.

وأما المقصد الثالث، وهو الأعمال الحسنة التي ترقي النوع الإنساني في

روحه وجسده، فيرى أن في الإسلام كل عبادة منها مقرونة بفائدتها، ككون الصلاة

تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكون الصيام يفيد التقوى وكون العبادة في الجملة

ترضي الله تعالى لقوله: {وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} (الممتحنة: 1) إلى غير ذلك مما

يزكي النفس ويرقي الروح، ولا يرى مثل هذا في كتب الآخرين، وإنما يرى في

التوراة - التي هي كتاب الأحكام المسيحية؛ ولكن المسيحيين يؤمنون بها قولاً لا

فعلاً - أن أحكام العبادات معللة بالحظوظ الدنيوية كقولها في الباب الرابع من سفر

التثنية (40: واحفظ فرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم لكي يحسن إليك وإلى أولادك

من بعدك) وكتعليل مشروعية الأعياد في الباب 23 من سفر الخروج من العدد 14-

16 بالحصاد والزراعة، وبالخروج من مصر، فأين هذا من بيان حكمة عيد الفطر

في قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185) .

يرى أحكام المعاملات الإسلامية مبنية على أساس قاعدة درء المفاسد وجلب

المنافع باتفاق المسلمين، وأن كليات هذه الأحكام خمس يسمونها الكليات الخمس،

وهي حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال، ويرى أن الشريعة الإسلامية

ساوت في الحقوق بين من يدين بها وغير من يدين بها ويراها تأمر بكشف أسرار

الكون واستخراج منافعه بمثل قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي

الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} (الجاثية: 13) ويرى التوراة والإنجيل لم يجمعا هذه

المنافع في أحكامها، بل يخالفانها كثيرًا، فالوصية التاسعة: (لا تشهد على قريبك

بالزور) فأين هذا التقييد بالقريب من أمر القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا

قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِياًّ أَوْ

فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ

بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء: 135) وغير ذلك من الآيات، وفي الباب الرابع

عشر من سفر تثنية الاشتراع إباحة المسكر وسائر الشهوات على الإطلاق ونصه:

(وأنفق الفضة في كل ما تشتهي نفسك في البقر والغنم والمسكر، وكل ما تطلب

منك نفسك وكُلْ هناك أمام الرب وافرح أنت وبيتك) وفي الباب السادس من

إنجيل متى (25: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وتشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون)

وفي موضع آخر: (لا تشتغلوا من أجل الخبز الذي يفنى) يأمرهم بهذا مع أن

الخبز أهم المهمات عندهم حتى أمروا أن يطلبوه في صلاتهم بقوله: (خبزنا

بأكفافنا أعطنا اليوم) فما هذا التناقض.

لا تأمر هذه الكتب بترك الأعمال للدنيا فقط، بل ليس للأعمال الصالحة فيها

قيمة ولا منفعة مطلقًا قال بولس في رسالته إلى أهل رومية (14 - 4: أما الذي

يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين (5) وأما الذي لا

يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرِّر الفاجر فإيمانه يحسب له برًّا) هذا والله يقول في القرآن:

{لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ

الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى

وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ

بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ} (البقرة: 177)

الآية، فهل تنجح الأمم بهذه الأعمال أم بإيمان لا قيمة للعمل معه؟

وأثبت هذا المعنى بولس في الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية حيث

ذكر أن أعمال الناموس تحت لعنة، وأنه لا يتبرر أحد عند الله بالناموس، وأن

الناموس لا لزوم له بعد مجيء المسيح، والمسيح نفسه يقول: (ما جئت لأنقض

الناموس وإنما جئت لأتمم) ؛ ولكن المسيحيين عملوا بقول بولس فتركوا التوراة

وأحكامها بالمرة، وقد أباح لهم الرسل جميع المحرمات ما عدا الزنا والدم المسفوح

والمخنوق والمذبوح للأصنام (أعمال 15: 28 و29) وكأنهم رأوا أن شريعة

التوراة لا تصلح للبشر كما قال حزقيال في الباب العشرين عن الرب أنه لما غضب

على بني إسرائيل قال: (23 ورفعت أيضًا يدي لهم في البرية لأفرقهم في الأمم

وأذريهم في الأراضي 24 لأنهم لم يصنعوا أحكامي، بل رفضوا فرائضي ونجسوا

سبوتي، وكانت عيونهم وراء أصنام آبائهم 25 وأعطيتهم أيضًا فرائض غير

صالحة وأحكامًا لا يحيون بها) وصرح حزقيال قبل هذا بأن بني إسرائيل عبدوا

الأصنام بعد ما أنجاهم الله من مصر، فليعتبر بهذا ذلك المبشر المسيحي، وذلك

اليهودي اللذان أنكرا عليَّ ما كتبته في العدد العاشر من طلب بني إسرائيل عبادة

الأصنام، وزعما أنه لم يقل بذلك إلا القرآن.

للكلام بقية

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 411