المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة دينية وأجوبتها - مجلة المنار - جـ ٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (4)

- ‌غرة ذو القعدة - 1318ه

- ‌فاتحة السنة الرابعة

- ‌الداء والدواء

- ‌رواية عربية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌(أميل القرن التاسع عشر)

- ‌المرأة الجديدة - تتمة التقريظ

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌انتقاد الأخلاق والعادات

- ‌ثناء

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تصحيح

- ‌من الإدارة

- ‌16 ذو القعدة - 1318ه

- ‌الفضائل والرذائل [

- ‌خطبة أساس البلاغة

- ‌قصيدة جحدر في الأسد

- ‌تقريظ المنار الأنورواقتراح طلاب الأزهر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌مهاجر أزهري

- ‌عريضة استرحام مسلمي بنغالة

- ‌كتاب الأمير عبد الرحمن خان

- ‌غرة ذو الحجة - 1318ه

- ‌مسألة الغرانيق وتفسير الآيات

- ‌مضار اللَّثْم والتقبيل

- ‌الحنين إلى الوطن

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌ إميل القرن التاسع عشر

- ‌ملكة الإنكليز

- ‌البدع والخرافات

- ‌تهنئة واستماحة

- ‌وسام الافتخار المرصع

- ‌غرة المحرم - 1319ه

- ‌الانتقاد

- ‌الطلاق في الإسلام [

- ‌الفقه الإسلامي

- ‌العشق وحرية العرب

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌حديث مع شيخ الأزهر والجمعيات الدينيةفي فرنسا

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌16 المحرم - 1319ه

- ‌أسئلة دينية وأجوبتها

- ‌الشيعة وأهل السنةاختلافهما

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌المسلمون في أفريقيا

- ‌استلفات لإزالة شبهة

- ‌تصحيح غلط

- ‌تنبيه

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلام

- ‌غرة صفر - 1319ه

- ‌السخاء والبخل

- ‌الأسئلة الدينية وأجوبتها

- ‌إظهار المدفون من تمثال فرعون

- ‌طُرَف الأعراب ونوادرهم

- ‌أسباب الحرب الروسية العثمانية

- ‌الوفد الإسلامي إلى الصين

- ‌زيارة القبور والمدرس المغرور

- ‌16 صفر - 1319ه

- ‌السخاء والبخل

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌(أميل القرن التاسع عشر)

- ‌تعليم العربية في المدارستأخره في تقدمه

- ‌نوادر البخلاء

- ‌جمعية ندوة العلماء في الهند

- ‌الطاعون في الكاب والمسلمون

- ‌غرة ربيع الأول - 1319ه

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌مكتوب في حق مسلوب

- ‌للفيلسوف الإسلامي

- ‌للشاعر العصري

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌مصاب الصحافةوفاة بشارة باشا تقلا

- ‌الواسطة والزيارةأو ابن تيمية والسبكي

- ‌16 ربيع الأول - 1319ه

- ‌التقليد

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌احتفال مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بمصر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌الواسطة والزيارةأو ابن تيمية والسبكي

- ‌قسم الموالد والمواسم

- ‌غرة ربيع الثاني - 1319ه

- ‌التطويع والتحصيل بالجامع الأعظم

- ‌مدرسة خليل أغااحتفالها السنوي

- ‌المساواة في الاشتراك بالمنار وإرجاء الجزء الآتي

- ‌جمعية ندوة العلماء في الهند

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادى الأول - 1319ه

- ‌علماء الدين وحديث صاحبي السماحة والفضيلةشيخ الإسلام ومفتي الديار المصرية

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌لائحة الفقه الإسلامي [*]

- ‌مقدمة ديوان حافظ

- ‌عفة نساء العرب وبلاغتهن

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌تنبيه

- ‌إصلاح الطرق وأهلها

- ‌16 جمادى الأولى - 1319ه

- ‌وظائف علماء الدين

- ‌شبهات التاريخ على اليهودية والمسيحيةوحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌لائحة الفقه الإسلامي

- ‌الأسئلة الدينية وأجوبتها

- ‌مقدمة ديوان حافظ

- ‌التقاريظ

- ‌عيد الجلوس السلطاني

- ‌قطع العلائق بين الدولة العلية وفرنسا

- ‌تعازٍ ووفيات

- ‌غرة جمادى الآخر - 1319ه

- ‌الرجال والنساء

- ‌الأسئلة والأجوبة الدينية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌16 جمادى الآخرة - 1319ه

- ‌شبهات المسيحيين على الإسلاموحجج الإسلام على المسيحيين

- ‌تهاني العلماء والأدباءلفضيلة مفتي الديار المصرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة رجب - 1319ه

- ‌كم حكمة لله في حب المحمدة الحقة [

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌ريشة صادق

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌رزء عظيم إسلاميوفاة أمير الأفغان

- ‌سقوط الشيخ أبي الهدى أفندي

- ‌عودة أحمد عرابي

- ‌من إدارة المنار

- ‌مفاسد لا موالد

- ‌16 رجب - 1319ه

- ‌الاستقلال والاتكال

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌تغزل النساء

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌من إدارة المنار

- ‌غرة شعبان - 1319ه

- ‌الشعور والوجدان وشعائر الأمم والأديان

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌رثاء الأمير عبد الرحمن خان

- ‌انتقاد المقتطفوكتاب القسطاس المستقيم

- ‌تصحيح

- ‌الاحتفال بقدوم الجناب العالي الخديوي

- ‌الموالد والشعور الديني وضرر الخرافات

- ‌16 شعبان - 1319ه

- ‌الإصلاح والإسعاد على قدر الاستعداد

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في بلاد سيرالونمدرسة إسلامية في فوله

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة رمضان - 1319ه

- ‌فلسفة وعرفان في الصيام والإيمان

- ‌السياسة والساسة

- ‌الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌نساء المسلمين [

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1319ه

- ‌السياسة والساسةمن نحن ومن غيرنا

- ‌الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية [*]

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌أخبار

- ‌16 شوال - 1319ه

- ‌حياة أمة بعد موتها

- ‌الأمراء والحكامبلاء الأمة بهم

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌طهارة الأعطار ذات الكحولوالرد على ذي فضول

- ‌مشروع التعليم باللغة العامية المصرية

- ‌نساء المسلمين

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌غرة ذو القعدة - 1319ه

- ‌نساء المسلمين وتربية الدينورأيا كاتبة أوربية وأميرة مصرية

- ‌المسلمون في أفريقيا

- ‌طهارة الأعطار ذات الكحولوالرد على ذي فضول

- ‌مؤتمر التربية والتعليم في الهند

- ‌العربية الفصحى والعامية المصريةمناظرة

- ‌وصف الشام

- ‌16 ذو القعدة - 1319ه

- ‌الخمر أم الخبائث

- ‌حرمة الخمر [*]

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌نساء المسلمين

- ‌مدرسة محمد علي الصناعية

- ‌الدول في سلطنة مراكش

- ‌الرقص والعفة والحجاب

- ‌الأميرة ناظلي هانم وتربية البنات

- ‌غرة ذو الحجة - 1319ه

- ‌إصلاح الدولة العلية

- ‌الإسلام والمسلمون

- ‌خبر سلمان الفارسي وإسلامه

- ‌ أميل القرن التاسع عشر

- ‌سوانح وبوارح

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌الاستهزاء بالعلم والعلماء وإهانة القرآن العزيز

- ‌خاتمة السنة الرابعة

الفصل: ‌أسئلة دينية وأجوبتها

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌أسئلة دينية وأجوبتها

فضل سيدنا محمد على سائر الأنبياء

(س) : حضرة الأستاذ الفاضل صاحب المنار الأغر

رجل يدَّعي بأنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن نبينا

محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله حقًّا، وخاتم الأنبياء صدقًا؛ لكنه لا يصدق

بأنه سيد الأنبياء والمرسلين إلا بالدليل القطعي الذي لا شبهة فيه، وهو كتاب الله

عز وجل.

وإذ كانت جريدتكم الغراء هي الوحيدة في خدمة الدين والملة لزم ترقيمه

لحضرتكم راجيًا إيضاح الحجة القوية قطعًا لألسنة المعارضين من أمثال ذلك الغر

الجهول، وخدمة للدين القويم، وأن يكون ذلك إن استحسنتم مسطورًا على صفحات

جريدتكم الغراء؛ إذ فيه هدى لقوم لا يشعرون.

...

...

...

...

...

... كاتبه

...

...

...

...

عبد المجيد محمد

...

...

...

...

...

... بمصر

ج (المنار)

ليس في القرآن نص صريح في تفضيل سيدنا محمد على سائر الأنبياء عليه

وعليهم الصلاة والسلام بلفظ السيادة أو التفضيل، وذكر اسمه الصريح، ولكن فيه

آيات كثيرة صريحة في معنى التفضيل لا تنطبق على غيره عليه الصلاة والسلام،

والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة وأشهرها حديث: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا

فخر، وما من نبي؛ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي) وفي رواية للبخاري وغيره:

(أنا سيد الناس يوم القيامة) نعم هذه الأحاديث لا تفيد القطع؛ لأنها رواية آحاد

غير متواترة، إلا أن من لا شبهة له في روايتها يصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم

قالها، ومتى صدَّق بالرواية تعين عليه الإيمان بمضمونها؛ لأن دلالتها قطعية لا

تحتمل التأويل.

أما الآيات التي استدلوا بها على تفضيله عليه أفضل الصلاة والسلام فكثيرة،

منها آية العهد والميثاق وهي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم

مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ

أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 81) ولم يجئ رسول يصدق عليه ما ذكر غير محمد صلى الله

عليه وسلم، ومن ثم اتفقوا على أنه هو، ومنها الآيات الدالة على عموم بعثته

وكونه خاتم النبيين ورحمة للعالمين كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ

بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: 28)، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقوله:{وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:

40) وأحسن بيان لوجه التفضيل من كونه خاتم النبيين ما جاء في رسالة التوحيد

لفضيلة مفتي الديار المصرية لهذا العهد؛ فإنه بيَّن أن الأديان ارتقت بارتقاء البشر،

وأن الأديان السابقة إنما منحها الله تعالى لنوع الإنسان عندما كان النوع في أوائل

طور التمييز، وأنه لما بلغ رشده منح الإسلام الذي هو دين الفطرة ومبدأ المدنية

الكاملة.

وأما وجه التفضيل من كونه دينًا عامًّا باقيًا ما بقي العالم فلا أراه يحتاج

إلى بيان، ولا يلتفت إلى دعوى المسيحيين أن دينهم عام؛ فإن الإنجيل الذي في

أيديهم ينطق بلسان السيد المسيح عليه الصلاة والسلام بقوله: (لم أبعث إلا إلى

خراف إسرائيل الضالة) وهو حصر لا ينافيه قول إنجيل يوحنا: (واكرزوا

بالإنجيل في الخليقة كلها) ؛ لأن اللام في الخليقة لا يصح أن تكون للاستغراق؛

لأنه يدخل فيها حينئذ الحيوان الأعجم والنبات والجماد، فيتعين أن تكون للعهد ولا

معهود إلا (خراف إسرائيل الضالة) ، وبهذا يرتفع التناقض، ومنها قوله تعالى:

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110) الآية، وتفضيل الأمة

يستلزم تفضيل نبيها؛ لأن خيريتها ما جاءتها إلا من هدايته، ومن كانت هدايته

خيرًا كان خيرًا وأفضل، ومنها قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى

بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة: 253) فقد قالوا: إن هذا

البعض هو محمد صلى الله عليه وسلم، نعم إن اللفظ ليس نصًّا معينًا؛ ولكن

القرائن الحالية الوجودية تعينه، والمقام يحتمل التطويل وفي هذا القدر كفاية، والله

أعلم.

_________

ص: 177

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌شبهات المسيحيين على الإسلام

اطَّلعنا على صحيفة كبيرة لأحد المشتغلين بقراءة الكتب التي نشرتها البعثات

النصرانية في الطعن بدين الإسلام، يسأل فيها كاتبها كشف شبهات علقت في ذهنه

في مطالعة تلك الكتب، ومن الواجب أن نجيب عن هذه الشبهات؛ لأن المدافعة

عن الدين أهم ما أنشئ له المنار؛ ولكن سنتنا التي جرينا عليها من أول يوم هي

مسالمة المخالفين لنا في الدين لا سيما المسيحيين، بل السعي في إزالة الأحقاد،

والاتفاق على ما فيه نجاح البلاد، ونود أن لا يطعن أحد في دين الآخر لا قولاً ولا

كتابة؛ ولكن المسيحيين لا يوافقوننا على هذا كما يوافقنا المسلمون؛ ولذلك نراهم

يعقدون الجمعيات للطعن اللساني في الإسلام، وينشرون الجرائد (كراية صهيون)

ويؤلفون الكتب للطعن الكتابي، وإننا نصبر على هذا التعدي، ونكتفي بكشف

شبهات السائلين من أهل ديننا مع مراعاة الأدب فنقول:

إننا قد عجبنا لهذا المسلم المطالع كتب المسيحيين، كيف اكتفى بمطالعتها من

غير أن يطالع الكتب الإسلامية التي تقابلها بالمثل وتدفع شبهاتها وتورد عليها ما لا

دافع له، ككتاب (إظهار الحق) ، وكتاب (السيف الصقيل) وغيرها؟ فأول

جواب نجيبه به أن عليه أن يطالع تلك الكتب، وبعد مطالعتها والموازنة بينها وبين

كتب المسيحيين التي طالعها يسأل عما يشتبه عليه إن بقيت له شبهة؛ لأن الجريدة

التي طلب أن تنشر فيها الأجوبة عن شبهاته لا يمكنها استيفاء الكلام في مواضيعها؛

لأنها تستلزم الطعن الذي تتحاماه، خلافًا لما جاء في آخر صحيفته، ثم إن شبهاته

تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

(أحدها) : مخالفة بعض نصوص الدين الإسلامي لما ورد في كتب اليهود

والنصارى.

(ثانيها) : ورود أشياء في القرآن لم ترد في تلك الكتب، وإن تعجب،

فعجب اشتباه هذا المسلم في هذا النوع؛ فإن السكوت عن الشيء لا يُعد إنكارًا له،

فكيف يشتبه بما يعتقد أن الله أخبر به؛ لأن أولئك المؤرخين لم يذكروه؟ ! !

(ثالثها) : ورود أشياء في الكتاب والسنة مخالفة للواقع، أو لما ثبت في

العلوم الحديثة بزعم من تلقى عنهم، وإننا نجيب عن القسمين الأول والثالث،

وحسبنا في الجواب عن الثاني ما ذكرنا من أنه لا وجه للاشتباه به، ونبدأ الجواب

بمسألة وجيزة في اعتقاد المسلمين بالتوراة والإنجيل فنقول:

إن السائل يحتج على كون التوراة والإنجيل من عند الله تعالى بالقرآن تبعًا

لدعاة النصرانية، الذين ولع بسماع كلامهم وقراءة كتبهم، ولعمري إنه لا تقوم على

ذلك حجة إلا شهادة القرآن، فشهادة القرآن حجة على أن الله تعالى شرع على لسان

موسى عليه السلام شريعة سماها التوراة، وهذه الشهادة شبهة على القرآن؛ لأنها

شهادة بحقية شيء يشهد العقل والعلم والوجود ببطلانه، بل يشهد هو ببطلان نفسه،

أما شهادته ببطلان نفسه فبما فيه من التناقض والتعارض، وأما شهادة العقل والعلم

والوجود فبمخالفة تلك الكتب التي تسمى عند القوم توراة لها، وإذا أراد السائل أن

يعرف هذا تفصيلاً فليطالع ما كتب فيه من الإنسكلوبيديا الفرنسوية الكبرى وغيرها

من الكتب التي ألفها علماء أوروبا، ومثل إظهار الحق من كتب المسلمين.

وأما الجواب عن هذه الشبهة الذي يُظهر صحة شهادة القرآن، فهو أن التوراة

التي يشهد لها القرآن هي كتاب شريعة وأحكام، لا كتاب تاريخ مقتبس من

ميثولوجيا الآشوريين والكلدانيين وغيرهم، فنبالي بتكذيب علم الجيولوجيا وعلم

الآثار العادية له، أو موافقة هذا لبعض ما ورد فيه، ولا تاريخ طبيعي فنبالي

بتكذيب ما ثبت بالتجارب الوجودية من مخالفته كثبوت كون الحيات لا تأكل التراب،

وإن جاء في سفر التكوين أن الرب قال للحية: (وترابًا تأكلين كل أيام حياتك) ،

فضلاً عما فيه من نسبة ما لا يليق بالله إليه تعالى ككونه ندم على خلق الإنسان

ونحو ذلك، فالتوراة حق، وهي الشرائع والأحكام التي كان يحكم بها موسى ومن

بعده من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام وأحبارهم كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا

التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ

وَالأَحْبَارُ} (المائدة: 44) ولم يشهد القرآن لهذه الكتب الكثيرة التاريخية التي

منها ما لم يُعلم مؤلفه وكاتبه، وكلها كتب بعد موسى صاحب التوراة بزمن طويل،

وبهذا الجواب تصح شهادة القرآن وتبطل أسئلة المشتبه في الخلاف التاريخي بين

القرآن وكتاب حزقيال وأشعيا ودانيال وغيرهم؛ لأن هذه الكتب لم يشهد لها

القرآن.

ولا تغترن بتسمية القوم لجميع كتب العهد بالتوراة، فذلك اصطلاح جرى

على سبيل التغليب، بل إننا نرى النصارى كثيرًا ما يسمون مجموع كتب العهدين

العتيق والجديد التوراة عندما تكون مجتمعة.

وأما الإنجيل فهو في اعتقاد المسلمين ما أوحاه الله تعالى إلى السيد المسيح

عليه الصلاة والسلام من المواعظ والحكم والأحكام، وكان يعظ به ويُعَلِّم الناس،

وما زاد على ذلك من هذه الكتب التي يسمونها إنجيلاً فهو في نظر المسلمين من

التاريخ، إن كان خبرًا وإن كان حكمًا أو عقيدة فهو لمن قاله، وأنت تعلم أن

النصارى يسمون مجموع كتب العهد الجديد إنجيلاً، ويعترفون بأنها كُتبت بعد

المسيح بأزمنة مختلفة، وليس لها ولا لكتب العهد العتيق أسانيد يحتجون بها.

والقرآن يشهد على النصارى بأنهم لم يحفظوا جميع ما وعظهم به المسيح من

الوحي المسمى بالإنجيل حيث قال: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ

فَنَسُوا حَظاًّ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (المائدة: 14) والإنجيل يطلق على بعض ذلك الوحي،

كما يُطلق لفظ القرآن أو قرآن على بعضه، تقول: كان فلان يقرأ القرآن، ومثل

هذا الاستعمال معروف حتى في الكتاب والسنة، وكان القرآن يسمى قرآنًا قبل تمام

نزوله.

ولما كانت أحكام التوراة وحكم الإنجيل موجودة عند اليهود والنصارى بلا

شبهة، كان القرآن يحتج عليهم بعدم إقامتها ولا يمنع من هذا الاحتجاج مزجهم إياها

بالتاريخ؛ ولكن هذا المزج هو السبب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا

تصدِّقوهم ولا تكذِّبوهم) ؛ أي: عندما يعرضون عليكم شيئًا من كتبهم؛ وذلك لأنه

ليس عندنا فرقان نميز به بين الأحكام الأصلية الموحى بها، وبين ما مُزج بها في

التأليف، نعم إننا نرجح بعقولنا أن الأحكام المسندة إلى سيدنا موسى في سفر الخروج

وسفر اللاويين وسفر العدد وسفر التثنية كلها أو جلها من التوراة؛ لأنها إن لم تكن هي

فأين هي؟ ونرجح مثل ذلك في وعظ المسيح على الجبل كما في تاريخ إنجيل مَتَّى

وغير ذلك من المواعظ كما رجح بعض العلماء في أوربا والشرق أن جزءًا كبيرًا من

الإنجيل الحقيقي دخل في كتاب أشعيا، وأما الأخبار التي عند القوم فما خالف منها

القرآن نقطع بكذبه ولا غرو، فالله يصدق والمؤرخون يكذبون، وهو معنى قوله

تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المائدة: 48) وإننا نكتفي الآن بهذا القدر وموعدنا الجزء الآتي، وإن كان للسائل

شبهة فيما كتبنا فليكتب إلينا نزيده إيضاحًا، وكنا نحب أن يجيئنا إلى إدارة المنار،

ويأخذ الأجوبة الشفاهية؛ لأن حرية اللسان أكبر من حرية القلم، ولولا أن فقهاءنا

يحكمون بكفر من يعلم أن مسلمًا شاكًّا في دينه، وهو قادر على إزالة شكه ولم يفعل

لما كتبنا شيئًا مما كتبنا؛ لأننا خطباء وفاق ووئام، وطلاب مودة والتئام، ولكن ديننا

أوجب علينا هذا لا سيما وأن السائل كتم اسمه، وطلب أن يجاب في المنار فتعين

علينا ذلك.

_________

ص: 179