المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

4382 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْكَلْبِ]

- ‌[بَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ]

- ‌[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابُ الضِّيَافَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ]

- ‌[بَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌[بَابُ النَّقِيعِ وَالْأَنْبِذَةِ]

- ‌[بَابُ تَغْطِيَةِ الْأَوَانِي]

- ‌[كِتَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ الْخَاتَمِ]

- ‌[بَابُ النِّعَالِ]

- ‌[بَابُ التَّرَجُّلِ]

- ‌[بَابُ التَّصَاوِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى]

- ‌[بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ]

- ‌[بَابُ الْكِهَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الرُّؤْيَا]

- ‌[كِتَابُ الْآدَابِ] [

- ‌بَابُ السَّلَامِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِئْذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[بَابُ الْقِيَامِ]

- ‌[بَابُ الْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَالْمَشْيِ]

- ‌[بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ]

- ‌[بَابُ الضَّحِكِ]

- ‌[بَابُ الْأَسَامِي]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ وَالشِّعْرِ]

- ‌[بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ]

- ‌[بَابُ الْوَعْدِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَاحِ]

- ‌[بَابُ الْمُفَاخَرَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْخَلْقِ]

الفصل: 4382 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ

4382 -

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ فِي قُبُورِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمُ الْبَيَاضُ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4382 -

(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ) : مَا مَوْصُوفَةٌ، أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَحْسَنَ شَيْءٍ زُرْتُمُ اللَّهَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ بِهِ. (فِي قُبُورِكُمْ) : أَيْ لِلْكَفَنِ (وَمَسَاجِدِكُمْ) : أَيْ لِلْعِبَادَةِ (الْبَيَاضُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَهَذَا فِي الْمَسَاجِدِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ وَأَمَّا فِي الْقُبُورِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَكْفَانُ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَلْقَى اللَّهَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ يَعْنِي حَيًّا وَمَيِّتًا (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) ، وَسَاقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَدْرِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى.

ص: 2796

[بَابُ الْخَاتَمِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

4383 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: " «اتَّخَذَ النَّبِيُّ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ " وَفِي رِوَايَةٍ: وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَلْقَاهُ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ نُقِشَ فِيهِ:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَقَالَ: " لَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا " وَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(1)

بَابُ الْخَاتَمِ

بِفَتْحِ التَّاءِ بِمَعْنَى الطَّابِعِ وَهُوَ مَا يُخْتَمُ بِهِ وَبِكَسْرِهَا اسْمُ فَاعِلٍ، وَإِسْنَادُ الْخَتْمِ إِلَيْهِ مَجَازٌ، وَسَيَأْتِي سَبَبُ اتِّخَاذِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رُوِيَ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ:«لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعَجَمَ لَا يَقْبَلُونَ إِلَّا كِتَابًا عَلَيْهِ خَاتَمًا، فَاصْطَنَعَ خَاتَمًا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي كَفِّهِ صلى الله عليه وسلم» -.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

4383 -

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا) : أَيْ أَمَرَ بِصِيَاغَتِهِ أَوْ وُجِدَ مَصُوغًا فَاتَّخَذَهُ وَلَبِسَهُ (مِنْ ذَهَبٍ) : أَيِ ابْتِدَاءً قَبْلَ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ، قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطِّئِهِ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَخَتَّمَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ وَلَا يَتَخَتَّمُ إِلَّا بِالْفِضَّةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا بَأْسَ بِتَخَتُّمِ الذَّهَبِ لَهُنَّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى إِبَاحَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ، وَعَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ. (وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ (وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَلْقَاهُ) : أَيْ طَرَحَهُ بَعْدَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِتَحْرِيمِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ تَبَدَّلَ الْأَمْرُ فِيهِمَا مِنْ بَعْدُ، أَحَدُهُمَا لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَصَارَ الْحُكْمُ فِيهِ أَيِ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَثَانِيهِمَا لُبْسُ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ، وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لُبْسَهُ فِي الْيَسَارِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله، فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ، وَأَحَادِيثُ بِلُبْسِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ مَنْسُوخٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ حَرَّكَهُ فِي يَسَارِهِ» . (ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتُسْكَنُ (نُقِشَ فِيهِ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) : بِجُمْلَتِهِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ. بِمَعْنَى أَمَرَ بِالنَّقْشِ فِيهِ، فَالْجُمْلَةُ مَفْعُولُهُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ أَوِ الرَّفْعِ عَلَى حِكَايَةِ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِيهِ (وَقَالَ: لَا يَنْقُشَنَّ) : بِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ أَيْ لَا يَفْعَلَنَّ خَاتَمَهُ (أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَارُّ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَيْ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نَاقِشًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي، وَمُمَاثِلًا لَهُ، أَوْ نَقْشًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ هَذَا الْقَوْلَ ; لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ إِلَى الْمُلُوكِ، فَلَوْ نَقَشَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ لَدَخَلَتِ الْمَفْسَدَةُ وَحَصَلَ الْخَلَلُ اهـ. وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أُمَمًا سَيُتَابِعُونَهُ فِي هَذَا كَمَا هِيَ عَادَتُهُمْ فِي كَمَالِ الْمُتَابَعَةِ، فَأَجَازَهُمْ بِاتِّخَاذِ الْخَاتَمِ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ضِمْنِ النَّهْيِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مُجَرَّدِ النَّقْشِ الْخَاصِّ لِمَا يَفُوتُهُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، (وَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ) : فِيهِ إِشْعَارٌ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ فِي الشَّمَائِلِ عَنْهُ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ، وَلَا يَلْبَسُهُ» . قَالَ مِيرَكُ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ، هُوَ

ص: 2796

أَنَّ جُمْلَةَ " وَلَا يَلْبَسُهُ " حَالٌ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ فِي حَالِ عَدَمِ اللُّبْسِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ مُطْلَقًا، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ إِظْهَارُ التَّوَاضُعِ وَتَرْكُ الْإِرَاءَةِ وَالْكِبْرِ ; لِأَنَّ الْخَتْمَ فِي حَالِ اللُّبْسِ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَبُّرٍ وَخُيَلَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ:(وَلَا يَلْبَسُهُ) مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ (يَخْتِمُ بِهِ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ لَا يَلْبَسُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ضَرُورَةَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ لِلْخَتْمِ بِهِ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَلُبْسُهُ حَالَ الْخَتْمِ بَعِيدٌ لَا يُحْتَاجُ لِنَفْيِهِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّدَ خَاتَمُهُ عليه الصلاة والسلام كَمَا يَكُونُ لِلسَّلَاطِينِ وَالْحُكَّامِ، وَكَانَ يَلْبَسُ مِنْهَا بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَتَعَقَّبَهُ الْعِصَامُ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُتَّخَذُ لِلْحَاجَةِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَتَّخِذَهُ صلى الله عليه وسلم مُتَعَدِّدًا اهـ. وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ التَّعَدُّدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ لُبْسَ الْخَاتَمِ مُطْلَقًا وَهُوَ شَاذٌّ. نَعَمْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَاتَّخَذُوا مِثْلَهُ طَرَحَهُ، فَطَرَحُوا خَوَاتِيمَهُمْ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَدْبِ الْخَاتَمِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الْخَتْمِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا طَرَحَهُ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَهْمٌ مِنَ الزُّهْرِيِّ رَاوِيهِ، وَأَنَّ مَا لَبِسَهُ يَوْمًا، ثُمَّ أَلْقَاهُ خَاتَمُ ذَهَبٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، أَوْ خَاتَمُ حَدِيدٍ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَاتَمُ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ» ، فَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي طَرَحَهُ، وَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ إِذَا قُصِدَ بِهِ الزِّينَةُ، وَآخَرُونَ يُكْرَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا لَبِسَهُ (جَعَلَ فَصَّهُ) : بِتَثْلِيثِ فَائِهِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَتَشْدِيدُ صَادِهِ مَا يُنْقَشُ فِيهِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فِي الْقَامُوسِ الْفَصُّ لِلْخَاتَمِ مُثَلَّثَةٌ، وَالْكَسْرُ غَيْرُ لَحْنٍ، وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَامَّةُ تَكْسِرُهَا، وَأَثْبَتُهَا بِضَمِّهِمْ لُغَةً، وَزَادَ بَعْضُهُمُ الضَّمَّ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمَلَكِ فِي الْمُثَلَّثِ. (مِمَّا يَلِي) : أَيْ يَقْرُبُ (بَطْنَ كَفِّهِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ وَالْإِعْجَابِ، وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ جَازَ جَعْلُ فَصِّفِهِ فِي ظَاهِرِ الْكَفِّ، وَقَدْ عَمِلَ السَّلَفُ بِالْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: لَعَلَّ وَجْهَ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْمُخَالَفَةِ عَدَمُ بُلُوغِهِمُ الْحَدِيثُ الْمُقْتَضِي لِلْمُتَابَعَةِ، قَالَ الْقَاضِيخَانْ: التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُبَاحُ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْخَتْمِ. قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ، وَإِذَا تَخَتَّمَ بِالْفِضَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَصُّ إِلَى بَاطِنِ الْكَفِّ مِنَ الْيُسْرَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ: الْإِبَاحَةُ وَعَدَمُهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2797

4384 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخْتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4384 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ)، تَقَدَّمَا (وَعَنْ تَخْتُّمِ الذَّهَبِ) : أَيْ عَنْ لُبْسِهِ لِلرِّجَالِ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ. وَقَالَ: " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» " وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ مَخَاتِيمُ ذَهَبٍ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ، لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ، فَإِنْ لَمْ تَجُدْ إِلَّا خَاتَمَ فِضَّةٍ تُصَفِّرُهُ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ. (وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ) . لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَسْبِيحٍ وَكَذَا حُكْمُ السُّجُودِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2797

4385 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ، فَطَرَحَهُ، فَقَالَ: " يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ؟ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4385 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ) : أَيْ أُصْبُعِهِ (فَنَزَعَهُ) : أَيْ فَأَخْرَجَهُ (فَطَرَحَهُ) : وَهَذَا أَبْلَغُ فِي بَابِ الْإِنْكَارِ ; وَلِذَا قَدَّمَهُ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: " «إِذَا رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» " الْحَدِيثَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا (فَقَالَ) : أَيْ نَاصِحًا (يَعْمِدُ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُفْتَحُ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ مُقَدَّرَةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْإِنْكَارَ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ، وَعَمَّمَ الْخِطَابَ بَعْدَ نَزْعِ الْخَاتَمِ مِنْ يَدِهِ وَطَرْحِهِ، فَدَلَّ عَلَى غَضَبٍ عَظِيمٍ وَتَهْدِيدٍ شَدِيدٍ اهـ: أَيْ أَيَقْصِدُ (أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ؟) : فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَيْهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ إِلَى جَمْرَةٍ، كَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِالتَّاءِ، وَضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ فِي " فَيَجْعَلُهَا " وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِغَيْرِ التَّاءِ، وَالضَّمِيرُ يُذَّكَرُ (فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ) : أَيْ بِبَيْعِهِ أَوْ بِإِعْطَائِهِ أَحَدًا مِنَ النِّسَاءِ (قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) . قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَعَدَمُ التَّرَخُّصِ فِيهِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الضَّعِيفَةِ. فَكَانَ تَرْكُ الرَّجُلِ أَخْذَ خَاتَمِهِ إِبَاحَةً لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ، فَمَنْ أَخْذَهُ صَارَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2797

4386 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا حَلْقَةَ فِضَّةٍ نُقِشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: كَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: (مُحَمَّدٌ) سَطْرٌ، وَ (رَسُولُ) سَطْرٌ، وَ (اللَّهِ) سَطْرٌ.

ــ

4386 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ) : أَيْ حِينِ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ (أَنْ يَكْتُبَ) : أَيْ يَأْمُرَ كُتَّابَهُ بِكِتَابَةِ الْمَكَاتِيبِ فِيهَا الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُرْسِلُهَا (إِلَى كِسْرَى) : بِكَسْرِ الْكَافِ وَيُفْتَحُ فَفِي الْمُغْرِبِ: بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، لَكِنَّ فِي الْقَامُوسِ كِسْرَى وَيُفْتَحُ مَلِكُ الْفُرْسِ مُعَرَّبُ " خُسْرُو " أَيْ وَاسِعُ الْمُلْكِ (وَقَيْصَرَ) : مَلِكُ الرُّومِ، وَلَمَّا جَاءَ كِتَابُهُ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ، فَدَعَا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْزِيقِ مُلْكِهِ. فَمُزِّقَ، وَإِلَى هِرَقْلَ مَلِكُ الرُّومِ حَفِظَهُ، حُفِظَ مُلْكُهُ (وَالنَّجَاشِيِّ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَيُكْسَرُ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَيُشَدَّدُ، وَهُوَ لَقَبُ مَلِكِ الْحَبَشَةِ. وَكَتَبَ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ وَاسْمُهُ " أَصْخَمَةُ " يَطْلُبُ إِسْلَامَهُ فَأَجَابَهُ، وَقَدْ أَسْلَمَ سَنَةَ سِتٍّ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَصَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ حِينَ كُشِفَتْ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ الَّذِي بَعْدَهُ وَكَتَبَ لَهُ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ اسْمٌ وَلَا إِسْلَامٌ، وَالْكِتَابَةُ هَذِهِ لِهَذَا وَأَنَّهُ غَيْرُ أَصْخَمَةَ عَلَى مَا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَكَتَبَ لِأَصْخَمَةَ كِتَابًا ثَانِيًا لِيُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها وَقَدْ صَوَّرْنَا صُوَرَ بَعْضِ الْمَكَاتِيبِ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْكِتَابِ، (فَقِيلَ) : أَيْ لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ قِيلَ: قَائِلُهُ مِنَ الْعَجَمِ، وَقِيلَ: مِنْ قُرَيْشٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُرْسَلِ طَاوُسٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ قُرَيْشًا هُمُ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ (إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ) : أَيْ بِطَرِيقِ الِاعْتِمَادِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِبَارِ (كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ) : أَيْ مَوْضُوعًا عَلَيْهِ بِخَاتَمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا عَلَيْهِ خَاتَمٌ أَيْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَاتَمٌ، وَقِيلَ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمٍ، قِيلَ: وَسَبَبُ عَدَمِ اعْتِمَادِهِمْ لَهُ عَدَمُ الثِّقَةِ بِمَا فِيهِ، أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ مَنْعَ شِعَارِ تَعْظِيمِهِمْ، وَهُوَ الْخَتْمُ أَوِ الْإِشْعَارُ بِأَنَّ مَا يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَتْمَ الَّذِي هُوَ شِعَارُهُمْ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ اطِّلَاعِ غَيْرِهِمْ، هُوَ خَتْمُ الْوَرِقِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ اصْطِنَاعَ الْخَاتَمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا) : أَيْ أَمَرَ بِصِيَاغَتِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: " فَاصْطَنَعَ خَاتَمًا " أَيْ أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لَهُ (حَلَقَةَ فِضَّةٍ) : بِالْإِضَافَةِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ بَدَلٌ مِنْ خَاتَمًا أَوْ بَيَانٌ لَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: حَلَقَتُهُ فِضَّةٌ. فَالْجُمْلَةُ وَصْفٌ لِلْخَاتَمِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ فَصَّهُ لَمْ يَكُنْ فِضَّةً (نُقِشَ فِيهِ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَقِيلَ بِالْفَاعِلِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) : سَبَقَ إِعْرَابُهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قَالَ الْبَغَوَيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَكَانَ هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ بَعْدَهُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرَيْسَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ، وَبِئْرُ أَرَيْسَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءَ عِنْدَ الْمَدِينَةِ اهـ. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا.

(وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ (كَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ) : أَيْ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ) : مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ (وَرَسُولُ) : بِالرَّفْعِ بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى الْحِكَايَةِ، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُضَافٌ، وَجُوِّزَ التَّنْوِينُ عَلَى الْإِعْرَابِ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (سَطْرٌ)، (وَاللَّهِ) : بِالرَّفْعِ أَوِ الْجَرِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَهُوَ أَوْلَى وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: (سَطْرٌ) . قَالَ مِيرَكُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ فَصُّ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَبَشِيًّا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» . وَعَرْعَرَةُ ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ فَزِيَادَةُ هَذِهِ شَاذَّةٌ وَكَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ سِيرِينَ بِزِيَادَةِ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ شَاذَّةٍ أَيْضًا، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ مُرْسَلِ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَغَيْرِهِمْ، لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " أَقُولُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَوْثِيقِهِ لَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الِاقْتِصَارِ، وَبَيَانُ مَا بِهِ الِامْتِيَازُ زَمَنَ تَخْصِيصِ اسْمِهِ، أَوْ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَوَاتِيمِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مِنْ غَيْرِ طَعْنٍ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ مِيرَكُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ، لَكِنَّ كِتَابَتَهُ عَلَى السِّيَاقِ الْعَادِيِّ، فَإِنَّ ضَرُورَةَ الْخَتْمِ بِهِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَحْرُفُ الْمَنْقُوشَةُ مَقْلُوبَةً لِيَخْرُجَ الْخَتْمُ مُسْتَوِيًا، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّيُوخِ: إِنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى فَوْقٍ يَعْنِي أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى الْأَسْطُرِ الثَّلَاثَةِ، وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا، فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، بَلْ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يُخَالِفُ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ " وَالسَّطْرُ الثَّانِي " رَسُولُ " وَالسَّطْرُ الثَّالِثُ " اللَّهِ " اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم نَقْشُ اسْمِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. أَقُولُ: لَكِنْ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لَا يَخْفَى، وَهُوَ تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يُمْتَهَنَ، وَلَوْ كَانَ أَحْيَانًا كَمَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ كِتَابَةِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى جُدْرَانِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَنَقْشِهِ عَلَى حِجَارَةِ الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ إِذَا كَانَ اسْمُ اللَّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَمِ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ.

ص: 2798

4387 -

وَعَنْهُ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4387 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ) : أَيْ فَصُّ الْخَاتَمِ (مِنْهُ) : أَيْ مِنَ الْفِضَّةِ، وَتَذْكِيرُهُ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيلِ الْوَرِقِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا صُنِعَ مِنْهُ الْخَاتَمُ وَهُوَ الْفِضَّةُ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " مِنْ " فِي " مِنْهُ " لِلتَّبْعِيضِ، وَالضَّمِيرُ لِلْخَاتَمِ أَيْ فَصُّهُ بَعْضٌ مِنَ الْخَاتَمِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ حَجَرًا، فَإِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مُجَاوِرٌ لَهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ:" مِنْ فِضَّةٍ كُلِّهِ ". قَالَ مِيرَكُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَوَاتِيمِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ، قَالَ: وَكَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» - يَعْنِي كَانَ أَمِينًا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ سَعْدٍ شَاهِدًا مُرْسَلًا عَنْ مَكْحُولٍ، «أَنَّ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ غَيْرَ أَنَّ فَصَّهُ بَارِزٌ» ، أَخْرَجَ مُرْسَلًا أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلَهُ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ، وَثَالِثًا مُسْنَدًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَبِسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَخِي خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَلَفْظُهُ قَالَ:«دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ كَانَ فِي الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " مَا هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ يَا عَمْرُو " قَالَ: هَذَا حَلَقَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَمَا نَقْشُهَا؟ " قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ لَبِسَهُ عُثْمَانُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحْفُرُ بِئْرًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَرَيْسَ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى شَفَتِهَا يَأْمُرُ بِحَفْرِهَا سَقَطَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يُكْثِرُ إِخْرَاجَ خَاتَمِهِ مِنْ يَدِهِ وَإِدْخَالِهِ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْخَاتَمَ هُوَ الَّذِي كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا حَيْثُ أُتِي بِهِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَرِقٍ أَيْ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَلَا يُلَائِمُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: كَانَ يَخْتِمُ بِهِ أَيْ أَحْيَانًا وَلَا يَلْبَسُهُ أَيْ أَبَدًا، قَالَ مِيرَكُ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَالِدٍ أَوْ عَمْرٍو لِئَلَّا يُشْتَبَهَ عِنْدَ الْخَتْمِ بِخَاتَمِهِ الْخَاصِّ، إِذْ نَقْشُهُ مُوَافِقٌ لِنَقْشِهِ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْخَتْمِ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي سَبَبِ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ، وَأَمَّا الَّذِي فَصُّهُ مِنْ فِضَّةٍ، فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصِيَاغَتِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَنَا صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا لَمْ يُشْرِكْنِي فِيهِ أَحَدٌ، نَقَشْتُ فِيهِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَكَانَ اتِّخَاذُهُ قَبْلَ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنْ خَالِدٍ أَوْ عَمْرٍو، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّهُ أَخْرَجَ لَهُمْ خَاتَمًا، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُهُ، فِيهِ تِمْثَالُ أَسَدٍ» ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَغَسَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَشَرِبَهُ، فَفِيهِ مَعَ إِرْسَالِهِ ضَعْفٌ ; لِأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، فَلَعَلَّهُ لَبِسَهُ مَرَّةً قَبْلَ النَّهْيِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَفِي الشَّمَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ» أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ لَابِسَهُ أَوْ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِلْخَتْمِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَيْ لِلْخَتْمِ بِهِ، أَوْ لِلتَّبَرُّكِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَيْ فِي أُصْبُعِهِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَبِسُوهُ أَحْيَانًا لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ بِهِ، وَكَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الْخَاتَمِ فِي أَيْدِيهِمْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فِي يَدِ فُلَانٍ وَهُوَ ذُو الْيَدِ أَيْ عِنْدَهُ فَيَأْبَى ظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى وَقَعَ أَيْ سَقَطَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرَيْسَ، ثُمَّ ظَاهَرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ، وَصَرِيحُ مَا وَرَدَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ، وَلَا تَنَافِيَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ اسْتَقْبَلَهُ بِأَخْذِهِ فَسَقَطَ، فَنُسِبَ سُقُوطُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرَيْسَ، فَأَخَرَجَ الْخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ نَنْزِحُ الْبِئْرَ، فَلَمْ نَجِدْهُ. وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ طَلَبَ الْخَاتَمَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ لِيَخْتِمَ بِهِ شَيْئًا، وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الْوَاقِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ نِسْبَةِ الْعَبَثِ بِهِ، حَيْثُ

ص: 2799

كَانَ سَبَبُ الْعَبَثِ بِهِ هُوَ التَّفَكُّرُ الْبَاعِثُ عَلَى التَّحَيُّرِ فِي الْأَمْرِ، وَالِاضْطِرَابِ فِي الْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ الْخَاتَمِ مِنَ الْيَدِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى تَغَيُّرِ حَالِهِ، وَاضْطِرَابِ النَّاسِ فِي إِبْقَاءِ نَصْبِهِ، وَإِنْشَاءِ عَزْلِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَبَثًا صُورَةً، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ نَشَأَ عَنْ فِكْرَةٍ وَفِكْرَةُ مِثْلِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْحَيْرَةِ، وَهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الشِّيعَةِ عَلَيْهِ رضي الله عنه قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْسِ مَلَابِسِهِمْ وَجَوَازُ لُبْسِ الْخَاتَمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوَرَّثْ، إِذْ لَوْ وَرَّثَ لَدَفَعَ الْخَاتَمَ إِلَى وَرَثَتِهِ، بَلْ كَانَ الْخَاتَمُ وَالْقَدَحُ وَالسِّلَاحُ وَنَحْوُهَا مِنْ آثَارِهِ الصُّورِيَّةِ صَدَقَةً لِلْمُسْلِمِينَ تَصَرُّفُهَا مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ حَيْثُ رَأَى الْمَصَالِحَ، فَجُعِلَ الْقَدَحُ عِنْدَ أَنَسٍ إِكْرَامًا لَهُ بِخِدْمَتِهِ، وَمِنَ الْمُرَادِ التَّبَرُّكُ بِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَجُعِلَ بَاقِي الْأَثَاثِ عِنْدَ نَاسٍ مَعْرُوفِينَ، وَاتُّخِذَ الْخَاتَمُ عِنْدَهُ لِلْحَاجَةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ اهـ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْعَسْقَلَانِيُّ وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، فَانْتَقَلَ لِلْإِمَامِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا صُنِعَ لَهُ. قُلْتُ: الْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَأَمَّلْ. وَفِي الْبَابِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ اسْتَوْفَيْنَا بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ.

ص: 2800

4388 -

وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4388 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ) : أَيْ فِي أَوَائِلِ زَمَانِهِ (فِيهِ) : أَيْ مُرَكَّبٌ فِي الْخَاتَمِ (فَصٌّ حَبَشِيٌّ) : قِيلَ: صَانِعُهُ أَوْ صَانِعُ نَقْشِهِ حَبَشِيٌّ أَوْ أُتِيَ بِهِ مِنَ الْحَبَشِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ فَصِّهِ مِنْهُ عَلَى أَنَّ التَّعَدُّدَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، مِنْهَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنَّهُ أَصَحُّ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: مَعْنَاهُ أَسْوَدُ اللَّوْنِ يَعْنِي الْعَقِيقَ اهـ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْوَدُ عَلَى لَوْنِ الْحَبَشَةِ بِأَنْ تَضْرِبَ حُمْرَتُهُ إِلَى السَّوَادِ، وَإِلَّا فَمَعْدِنُ الْعَقِيقِ هُوَ الْيَمَنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ قَاضِيخَانْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ، وَكَانَ فِي شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ وَالْعَقِيقِ سُنَّةً، لَكِنْ قَالَ شَارِحُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْعَقِيقِ قِيلَ: حَرَامٌ لِكَوْنِهِ حَجَرًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: " «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ ; فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» " اهـ.

الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحَلَقَةِ لَا الْفَصِّ، حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ الْفَصُّ مِنَ الْحَجَرِ، وَالْحَلْقَةُ مِنَ الْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ فِي رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ: أَنَّ فَصَّ خَاتَمِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَقِيقًا. وَفِي النِّهَايَةِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنَ الْجَزْعِ أَوْ مِنَ الْعَقِيقِ ; لِأَنَّ مَعْدِنَهُمَا الْيَمَنُ وَالْحَبَشَةُ، أَوْ نَوْعًا آخَرَ يُنْسَبُ إِلَيْهَا اهـ، وَقِيلَ: كَانَ جَزْعًا أَوْ عَقِيقًا، وَقِيلَ حَبَشِيًّا ; لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِمَا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَهُوَ مِنْ كُورَةِ الْحَبَشَةِ وَقِيلَ: مَعْنَى فَصِّهُ مِنْهُ أَنَّ مَوْضِعَ فَصِّهِ مِنْهُ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ فَصِّهِ حَجَرًا.

قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ وَأَنَّهُ مُبَارَكٌ، وَأَنَّ مَنْ تَخْتَّمَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي خَيْرٍ، فَكُلُّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحُفَّاظُ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ: أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: حَدِيثُ: " «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ ; فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» " رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَابْنُ لَالٍ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَكَثْرَةُ الطَّرْقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيِّ فِي الْكَامِلِ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ:" «تَخْتَّمُوا بِالْعَقِيقِ ; فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ» ". (كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَحَدِيثُ " كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا. قَالَ الْقَاضِي: رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ لُبْسُ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَقَدْ رَوَى ثَالِثٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى» ، وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنِهِمَا لِجَوَازِ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ، فَكَانَ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَمِينِ مَرَّةً وَفِي الْيُسْرَى أُخْرَى حَسْبَمَا اتَّفَقَ، وَلَيْسَ، فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى الْمُدَاوَمَةِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْسُوخٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدَيٍّ وَغَيْرُهُ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَخْتَّمَ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ حَوَّلَهُ فِي يَسَارِهِ» اهـ. فَكَأَنَّ مَنْ فَعَلَ خِلَافَهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ النَّسْخُ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يُقَالَ: التَّخَتُّمُ فِي الْيُسْرَى أَفْضَلُ " كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا ; لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْإِعْجَابِ وَالزَّهْوِ كَجَعْلِ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ، وَعَلَى جَوَازِهِ فِي الْيُسْرَى، وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ، وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّهُ زِينَةٌ، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَأَحَقُّ بِالزِّينَةِ وَالْإِكْرَامِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْصِدَ بِلُبْسِهِ الزِّينَةَ، فَإِنَّهُ قِيلَ بِكَرَاهَتِهِ، بَلْ يَلْبَسُهُ لِلْحَاجَةِ أَوْ مُتَابَعَةً لِلسُّنَّةِ.

ص: 2800

4389 -

وَعَنْهُ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4389 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ وَعَنْ أَنَسٍ (قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ فِي آخِرِ الْأَمْرَيْنِ (فِي هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ) : وَهُوَ أَصْغَرُ أَصَابِعِ الْيَدِ (مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2801

4390 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4390 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَخَتَّمَ) : أَيْ أَلْبَسَ الْخَاتَمَ (فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ) : أَوْ لِلتَّنْوِيعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ هَذِهِ لَيْسَتْ لِتَرْدِيدِ الرَّاوِي بَلْ لِلتَّقْسِيمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، (فَأَوْمَأَ) : بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ " فَأَوْمَى " أَيْ فَأَشَارَ (إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا) : أَيِ الْمُسَبِّحَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَيَثْبُتُ نَدْبُهُ فِي الْخِنْصِرِ، وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ ذَكَرَهُ مِيرَكُ. وَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّ لُبْسَهُ فِي الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ مَنْهِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ جَعْلُ الْخَاتَمِ فِي الْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِيهَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا التَّخَتُّمُ فِي الْأَصَابِعِ كُلِّهَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2801

الْفَصْلُ الثَّانِي

4391 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

4391 -

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2801

4392 -

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ.

ــ

4392 -

(وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه) .

ص: 2801

4393 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِه» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4393 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَدِيثُ: كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَنَسٍ. وَأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَحَدِيثُ: كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ:«كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ حَوَّلَهُ فِي يَسَارِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ عَدَيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ عَائِشَةَ.

ص: 2801

4394 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4394 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا) : أَيْ ثَوْبَ حَرِيرٍ (فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذَيْنِ) : أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) : وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قِيلَ: الْقِيَاسُ حَرَامَانِ إِلَّا أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَهُوَ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، أَوِ التَّقْدِيرُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامٌ فَأُفْرِدَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْجَمْعُ. قُلْتُ: وَهْمُ الْجَمْعِ فِي الْإِفْرَادِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُتَبَادَرِ إِلَى الْفَهْمِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ وَاثِلَةَ:«الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ حِلٌّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحَرَامٌ عَلَى ذُكُورِهَا» .

ص: 2801

4395 -

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4395 -

(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ) : أَيْ جُلُودِهَا. وَقَدْ سَبَقَ وَهُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا الْغَالِبُ وُقُوعُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: نَهَى عَنِ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ النِّمَارِ فَقَطْ. وَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. (وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ) : أَيْ لِلرِّجَالِ (إِلَّا مُقَطَّعًا) : بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُكَسَّرًا قِطَعًا صِغَارًا مِثْلَ الضِّبَابِ عَلَى الْأَسْلِحَةِ وَالْخَوَاتِيمِ الْفِضِّيَّةِ وَأَعْلَامِ الثِّيَابِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَوَّلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، وَأَحَلَّهُ مَحَلَّ التَّنْزِيهِ وَالْكَرَاهَةِ، فَجَعَلَ النَّهْيَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ مَصْرُوفًا إِلَى النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَرَادَ بِالْمُقَطَّعِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ نَحْوَ السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ، وَكَرِهَ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرَ الَّذِي هُوَ عَادَةُ أَهْلِ السَّرَفِ، وَزِينَةُ أَهْلِ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَهَذَا تَقْدِيرٌ جَيِّدٌ، غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَا هُوَ بِمُنْبِئٍ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا تَمَيُّزَ فِي صِيغَةِ النَّهْيِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَتَّبَ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَوَى النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْيَسِيرَ التَّافِهَ مِنْهُ إِذَا رُكِّبَ عَلَى الْفِضَّةِ الَّتِي أُبِيحَتْ لِلرِّجَالِ فَتُحَلَّى بِهِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ، أَوْ حَلَقَةُ الْمِنْطَقَةِ، أَوْ يُشَدُّ بِهِ فَصُّ الْخَاتَمِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي النَّهْيِ قِيَاسًا عَلَى الْيَسِيرِ مِنَ الْحَرِيرِ، فَاسْتَدْرَكَ ذَلِكَ بِالْإِنْشَاءِ مِنْ كَلَامِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْخَطَّابِيُّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بَيَانَ الْيَسِيرِ مِنْهُ لَا أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ زَكَاةً أَيَّ قَدْرٍ كَانَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ أَيْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَوْلَهُ: عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ فَقَطْ.

ص: 2802

4396 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ: " مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟ " فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: " مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ " فَطَرَحَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله: وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: "«الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» "

ــ

4396 -

(وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ الصُّفْرَ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ " يُقَالُ لَهُ: بَرْبَخُ سُمِّيَ بِهِ لِشَبَهِهِ بِالذَّهَبِ لَوْنًا. وَفِي الْقَامُوسِ: الشَّبَهُ مُحَرَّكَةٌ النُّحَاسُ الْأَصْفَرُ وَيُكْسَرُ. (مَا لِي) : مَقُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وَنَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُخَاطَبُ أَيْ مَا لَكَ (أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟) ; لِأَنَّ الْأَصْنَامَ كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنَ الشَّبَهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ. (فَطَرَحَهُ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَيَأْتِي أَوِ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ (ثُمَّ جَاءَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ: فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟) : بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ الْحُلِيِّ أَيْ زِينَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا أَوْ زِينَتَهُمْ فِي النَّارِ بِمُلَابَسَةِ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَتِلْكَ فِي الْمُتَعَارَفِ بَيْنَنَا مُتَّخَذَةٌ مِنَ الْحَدِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَجَلِ نَتَنِهِ (فَطَرَحَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " مِنْ وَرِقٍ) : أَيِ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ (وَلَا تُتِمَّهُ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ مِيمِهِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ وَلَا تُكَمِّلْ وَزْنَ الْخَاتَمِ مِنَ الْوَرِقِ (مِثْقَالًا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلْمُظْهِرِ: هَذَا نَهْيُ إِرْشَادٍ إِلَى الْوَرَعِ ; فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ أَقَلَّ مِنْ مِثْقَالٍ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ السَّرَفِ. قُلْتُ: وَكَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمِثْقَالِ، لَكِنْ رَجَّحَ الْآخَرُونَ الْجَوَازَ، مِنْهُمُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ عَلَى التَّنْزِيهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : أَيْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، بَلْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا مِنْهُمْ: قَاضِيخَانْ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ كَرَاهَتَهُمَا، وَعَنِ الْمُتَوَلِّي لَا يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ:" اطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ. قُلْتُ: سَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ " قَالَ: وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُدَ: «وَكَانَ خَاتَمُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ» . قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ ضَعِيفٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدُ عِدَّةٌ إِنْ لَمْ تُرَّقِهِ إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ لَمْ تَدَعْهُ يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحُسْنِ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 2802

(قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَقَالَ (مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله: وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّدَاقِ) : أَيْ فِي بَابِ الصَّدَاقِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَيُكْسَرُ وَهُوَ الْمَهْرُ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ) : أَيْ مِمَّنْ أَرَادَ النِّكَاحَ (الْتَمِسْ) : أَيِ اطْلُبْ لِلصَّدَاقِ الْمُعَجَّلِ (وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَذْلِ مَا يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُهُ لِلنِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَاهُ فِي بَابِهِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَعْطِنِي وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، وَخَاتَمُ الْحَدِيدِ، وَإِنَّ نُهِيَ عَنِ التَّخَتُّمِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ، هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّكِيرُ عَنِ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الْحَدِيدِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ:(الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) ; لِأَنَّ حَدِيثَ سَهْلٍ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ السُّنَنِ وَاسْتِحْكَامِ الشَّرَائِعِ، وَحَدِيثَّ بُرَيْدَةَ بَعْدَ ذَلِكَ.

ص: 2803

4397 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ: الصُّفْرَةَ - يَعْنِي: الْخَلُوقَ - وَتَغْيِيرَ الشَّيْبِ، وَجَرَّ الْإِزَارِ، وَالتَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، وَالتَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحِلِّهَا، وَالضَّرْبَ بِالْكِعَابِ، وَالرُّقَى إِلَّا بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَعَقْدَ التَّمَائِمِ وَعَزْلَ الْمَاءِ لِغَيْرِ مَحِلِّهِ، وَفَسَادَ الصَّبِيِّ غَيْرَ مُحَرِّمِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4397 -

(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ خِلَّةٍ بِمَعْنَى خِصْلَةٍ (الصُّفْرَةَ) : بِالنَّصْبِ وَجُوِّزَ رَفْعُهُ وَجَرُّهُ وَنَهْيُهُ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، هِيَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ (يَعْنِي: الْخَلُوقَ) : وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّوَاةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ طِيبٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَتَغْلُبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ. وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بِإِبَاحَتِهِ، وَتَارَةً بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَالنَّهْيُ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طِيبِ النِّسَاءِ وَكُنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا لَهُ مِنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ نَاسِخَةٌ (وَتَغْيِيرَ الشَّيْبِ) : عَطْفٌ عَلَى الصُّفْرَةِ وَهُوَ ثَانِي الْعَشَرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي خِضَابَ الشَّيْبِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ بِهِ إِلَى السَّوَادِ فَيَتَشَبَّهُ بِالشَّبَابِ إِخْفَاءً لِشَيْبِهِ وَتَعْمِيَةً عَلَى أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ دُونَ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ تَغْيِيرٌ لَا يُلْتَبَسُ مَعَهُ حَقِيقَةُ الشَّيْبِ اهـ.

وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ: لَا نَرَى بِالْخِضَابِ بِالْوَشْمَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالصُّفْرَةِ بَأْسًا، وَإِنْ تَرَكَهُ أَبْيَضَ فَلَا بَأْسَ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ اهـ. وَقِيلَ: أَرَادَ تَغْيِيرَهُ بِالنَّتْفِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ التَّسْوِيدُ الْمُلَبَّسُ دُونَ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَمَا يُضَاهِيهِ إِذْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ:" «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ وَلَفْظُهُ:" «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَقْرُبُوا السَّوَادَ» ". (وَجَرَّ الْإِزَارِ)، أَيْ إِسْبَالَهُ وَغَيْرَهُ خُيَلَاءَ كَمَا سَبَقَ (وَالتَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ) : أَيْ لِلرِّجَالِ (وَالتَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ) : أَيْ إِظْهَارَ الْمَرْأَةِ زِينَتَهَا وَمَحَاسِنَهَا لِلرِّجَالِ (لِغَيْرِ مَحِلِّهَا) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَمَحَارِمِهَا، وَالْمَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ لَهَا إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَبَيَّنَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، (وَالضَّرْبَ بِالْكِعَابِ) : بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَعْبٍ، وَهُوَ فُصُوصُ النَّرْدِ، وَيُضْرَبُ بِهَا عَلَى عَادَتِهِمْ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَهُوَ حَرَامٌ كَرِهَهُ عليه الصلاة والسلام وَالصَّحَابَةُ. وَقِيلَ: كَانَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَلْعَبُ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَرَخَصَّ فِيهِ ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَلَى غَيْرِ قِمَارٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا " «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". وَفِي مَعْنَاهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا، مُبَاحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِشُرُوطٍ مُعْتَبَرَةٍ لَهُمْ. (وَالرُّقَى) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ رُقْيَةٍ (إِلَّا بِالْمُعَوِّذَاتِ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُفْتَحُ وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ وَالتَّعَوُّذِ بِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ. وَقِيلَ: الْمُعَوِّذَتَانِ وَالْإِخْلَاصُ وَالْكَافِرُونَ. (وَعَقْدَ التَّمَائِمِ) : جَمْعُ تَمِيمَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا التَّعَاوِيذُ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ وَأَلْفَاظٍ لَا يُعْرَفُ.

ص: 2803

مَعْنَاهَا، وَقِيلَ: التَّمَائِمُ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَدْفَعُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى (وَعَزْلَ الْمَاءِ لِغَيْرِ مَحِلِّهِ) : اللَّامُ بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ إِخْرَاجَ الْمَنِيِّ عَنِ الْفَرَجِ وَإِرَاقَتَهُ خَارِجَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى لِغَيْرِ مَحِلِّهِ بِغَيْرِ الْإِمَاءِ، فَإِنَّ مَحِلَّ الْعَزْلِ الْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ، وَهُوَ فِي الْحُرَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ إِذْنِهَا، وَقِيلَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِإِتْيَانِ الدُّبُرِ أَيْ صَبِّهِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحِلُّ أَنْ يَصُبَّ فِيهِ، إِذْ مَحِلُّ الْمَاءِ فَرْجُ الْمَرْأَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَمِعْتُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَزْلَ الْمَاءِ عَنْ مَحِلِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ مَاءَهُ عَنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مَحِلُّ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ النَّسْلِ، وَالْمَكْرُوهُ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَائِرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ، فَأَمَّا الْمَمَالِيكُ فَلَا بَأْسَ بِالْعَزْلِ عَنْهُنَّ، وَلَا إِذْنَ لَهُنَّ مَعَ أَرْبَابِهِنَّ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: يَرْجِعُ مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَعْنِي إِثْبَاتَ لَفْظِ عَنْ وَغَيْرِهِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي مَحِلِّهِ يَرْجِعُ إِلَى لَفْظِ الْمَاءِ، وَإِذَا رُوِيَ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ يَرْجِعُ إِلَى لَفْظِ الْعَزْلِ (وَفَسَادَ الصَّبِيِّ) : وَهُوَ أَنْ يَطَأَ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ، فَإِذَا حَمَلَتْ فَسَدَ لَبَنُهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ الصَّبِيِّ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَزَادَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ فَيُخِلُّ بِالرَّضِيعِ وَبِقُوَّةِ اللَّبَنِ. (غَيْرَ مُحَرِّمِهِ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ الْقَاضِي: (غَيْرَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَكْرَهُ أَيْ يَكْرَهُهُ غَيْرَ مُحَرِّمٍ إِيَّاهُ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِفَسَادِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: يَعْنِي كُرْهَ جَمِيعِ هَذِهِ الْخِصَالِ وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: (غَيْرَ مُحَرِّمِهِ) عَائِدٌ إِلَى فَسَادِ الصَّبِيِّ فَقَطْ ; فَإِنَّهُ أَقْرَبُ، وَإِلَّا فَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ لَقَالَ مُحَرِّمِهَا اهـ.

وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِلْفِعْلِ فَمَا أَمْكَنَ تَعَلُّقُهُ بِهِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ خَصَّهُ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: فِي مِثْلِ هَذَا تَرْكُ الْعَمَلِ فِيهِ لِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يُتْرَكْ فِي الْبَاقِي، وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ لَقَالَ (مُحَرِّمِهَا) ، فَجَوَابُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُفْرَدَ وُضِعَ مَوْضِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ اهـ. وَمَآلُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مُعَاوِيَةَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّوْحِ وَالشِّعْرِ وَالتَّصَاوِيرِ وَجُلُودِ السِّبَاعِ وَالتَّبَرُّجِ وَالْغِنَاءِ وَالذَّهَبِ وَالْخَزِّ وَالْحَرِيرِ» .

ص: 2804

4398 -

وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه: «أَنَّ مَوْلَاةً لَهُمْ ذَهَبَتْ بِابْنَةِ الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي رِجْلِهَا أَجْرَاسٌ، فَقَطَعَهَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانٌ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4398 -

(وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ) : الظَّاهِرُ مِنْ إِطْلَاقِهِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ (أَنَّ مَوْلَاةً) : أَيْ مَعْتُوقَةً (لَهُمْ) : أَيْ لِلزُّبَيْرِيِّينَ أَوْ لِأَهْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (ذَهَبَتْ بِابْنَةِ الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي رِجْلِهَا أَجْرَاسٌ) : جَمْعُ جَرَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ (فَقَطَعَهَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانٌ) : أَيْ يُزَيِّنُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " "«الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» " هَذَا وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى الْفَصْلِ مِمَّا لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِتَرْجَمَةِ الْبَابِ.

ص: 2804

4399 -

وَعَنْ بُنَانَةَ مَوْلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْصَارِيِّ، «كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِذْ دُخِلَتْ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ، وَعَلَيْهَا جَلَاجِلُ يُصَوِّتْنَ. فَقَالَتْ: لَا تُدْخِلُنَّهَا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ تُقَطِّعُنَّ جَلَاجِلَهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4399 -

(وَعَنْ بُنَانَةَ) : بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَخِفَّةِ النُّونَيْنِ (مَوْلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيَّانَ) : بِفَتْحِ حَاءٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) : تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْهَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَحَدِيثُهَا فِي الْجَلَاجِلِ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذْ دُخِلَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُدْخِلَتْ (عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى عَائِشَةَ (بِجَارِيَةٍ) : أَيْ بِنْتٍ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَائِبُ فَاعِلِ دُخِلَتْ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَجْرُورَ مُؤَنَّثٌ (وَعَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ الْجَارِيَةِ (جَلَاجِلُ) : بِفَتْحِ.

ص: 2804

الْجِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ - جَمْعُ جُلْجُلٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ لِعُنُقِ الدَّابَّةِ، أَوْ بِرِجْلِ الْبَازِيِّ، وَالْمَعْنَى أَجْرَاسٌ (يُصَوِّتْنَ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ يَتَحَرَّكْنَ وَيَحْصُلُ مِنْ تَحَرُّكِهِنَّ أَصْوَاتٌ لَهُنَّ (فَقَالَتْ) : أَيْ عَائِشَةُ (لَا تُدْخِلُنَّهَا عَلِيَّ) : بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْغَائِبَةِ، أَيْ لَا تُدْخِلُنَّهَا عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ الْحَاضِرِ (إِلَّا أَنْ تُقَطِّعُنَّ جَلَاجِلَهَا) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمَكْسُورَةِ مَعَ ضَمِّ التَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ مُخَفَّفَةٍ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهَا وَالنُّونُ مُؤَكِّدَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَخْفِيفِهَا عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ، وَالْفَاعِلُ غَائِبَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمُخَاطَبَةٌ عَلَى الثَّانِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا أُدْخِلَ نُونُ التَّأْكِيدِ فِي الْمُضَارِعِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْأَمْرِ، كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُصِيبَنَّ} [الأنفال: 25] : عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25] تَشْبِيهًا لَهُ بِالنَّهْيِ قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ. (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ) : أَيْ بِالتَّأْنِيثِ وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ أَيْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ (بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ عَنْ بُنَانَةَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 2805

4400 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ، «أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ رضي الله عنه قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4400 -

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ) : بِفَتْحَتَيْنِ (أَنَّ جَدَّهُ عَرَفَجَةَ بْنَ أَسَدٍ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ طَرَفَةُ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ ذَهَبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ اهـ، وَلَمْ يَذْكُرْ طَرَفَةَ وَلَا أَبَاهُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ، وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُوهِمٌ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ، وَأَنَّهُ شَهِدَ الْقَضِيَّةَ حَيْثُ قَالَ:(قُطِعَ أَنْفُهُ) : أَيْ أَنْفُ جَدِّهِ عَرَفَجَةَ (يَوْمَ الْكُلَابِ) : وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ مَاءٍ، كَانَ هُنَاكَ وَقْعَةٌ، بَلْ وَقْعَتَانِ مَشْهُورَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا: الْكُلَابُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: مَاءٌ عَنْ يَمِينِ جَبَلَةَ وَالشَّامِ وَهُمَا جَبَلَانِ وَيَوْمُهُ يَوْمَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلِلْعَرَبِ بِهِ يَوْمَانِ مَشْهُورَانِ فِي أَيَّامِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَوْمَ الْكُلَابِ اسْمُ حَرْبٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ حُرُوبِهِمْ. ( «فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» ) : وَبِهِ أَبَاحَ الْعُلَمَاءُ اتِّخَاذَ الْأَنْفِ ذَهَبًا، وَكَذَا رَبْطُهُ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2805

4401 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلَقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلَقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ، فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4401 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ فَقَوْلُهُ (حَبِيبَهُ) : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَرَفْعِهِ وَأَرَادَ بِهِ الْمَحْبُوبَ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهَا (حَلْقَةً) : بِسُكُونِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ وَنَصْبِهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ حَلَقَةً كَائِنَةً (مِنْ نَارٍ) : أَيْ بِاعْتِبَارِ مَآلِهَا (فَلْيُحَلِّقْهُ حَلَقَةً مِنْ ذَهَبٍ) : أَيْ لِأُذُنِهِ أَوْ لِأَنْفِهِ (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ بِطَوْقٍ مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مَنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ وَيُفْتَحُ عَلَى مَا سَبَقَ (حَبِيبَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ، فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّحْلِيقُ فِي الْحَدِيثِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِمْ: إِبِلٌ مُحَلَّقَةٌ إِذَا كَانَ وَسْمُهُ الْحِلْقَ، وَلَا يُحْمَلُ هَذَا النَّكِيرُ عَلَى التَّهْدِيدِ، بَلْ عَلَى.

ص: 2805

النَّظَرِ لَهُ، وَالْمَعْنَى، أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِحَبِيبِهِ مَضَرَّةَ النَّارِ (وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ) : هُوَ لِلتَّرْغِيبِ (بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا) : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّحْلِيَةَ الْمُبَاحَةَ مَعْدُودَةٌ فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْأَخْذِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اللَّعِبُ بِالشَّيْءِ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ أَيِ اجْعَلُوا الْفِضَّةَ فِي أَيْ نَوْعٍ شِئْتُمْ مِنَ الْأَنْوَاعِ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، إِلَّا التَّخَتُّمَ وَتَحْلِيَةَ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

ص: 2806

4402 -

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلُهَا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خُرْصًا مِنْ ذَهَبٍ جَعَلَ اللَّهُ فِي أُذُنِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4402 -

(وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) : أَيِ ابْنِ السَّكَنِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلَادَةً) : بِكَسْرِ الْقَافِ (مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلُهَا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خُرْصًا) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُكْسَرُ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْخُرْصُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْحَلَقَةُ الصَّغِيرَةُ وَهِيَ مِنْ حُلِيِّ الْأُذُنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْخُرْصُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقِيلَ بِكَسْرِ الْخَاءِ، قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْخُرْصُ بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ حَلَقَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ حَلَقَةُ الْقِرْطِ أَوِ الْحَلَقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ. (جَعَلَ اللَّهُ فِي أُذُنِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ ثُمَّ نُسِخَ وَأُبِيحَ لِلنِّسَاءِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ إِنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ الذَّهَبِ دُونَ مَنْ أَدَّاهَا، قَالَ الْأَشْرَفُ: لَوْ كَانَ هَذَا الْوَعِيدُ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَمَا خَصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبَ بِالذِّكْرِ، وَلَا رَخَصَّ فِي الْفِضَّةِ حَيْثُ قَالَ:" وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا " ; إِذْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيثَانِ يُنَادِيَانِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي يُصَاغُ مِنَ الذَّهَبِ إِذَا أُرِيدَ أَنْ يُصَاغَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَكَانَ حَجْمُهُ مِثْلَ حَجْمِهِ، وَوَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ بِقَرِيبٍ مِنْ نِصْفِهِ، فَالذَّهَبُ يَبْلُغُ مَبْلَغَ النِّصَابِ بِخِلَافِ الْفِضَّةِ اهـ. وَمَا قَالُوهُ كُلُّهُمْ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ دُونَ مَذْهَبِهِمْ حَيْثُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لِأَجْلِ الْإِسْرَافِ فِي الزِّينَةِ فَمَرْدُودٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ)

ص: 2806

4403 -

وَعَنْ أُخْتٍ لِحُذَيْفَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تُحَلَّيْنَ بِهِ؟ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4403 -

(وَعَنْ أُخْتٍ لِحُذَيْفَةَ) : الظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ فَلَا تَضُرُّ جَهَالَتُهَا. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ: أَمَا لَكُنَّ) : الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ أَيْ أَلَيْسَ لَكُنَّ كِفَايَةٌ (فِي الْفِضَّةِ مَا تُحَلَّيْنَ بِهِ؟) : بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ وَيُفْتَحُ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ لَامٍ مَفْتُوحَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجِيمِ بَدَلَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمَا هَذِهِ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَكُنَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَا حَرْفُ التَّنْبِيهِ (أَمَا) : بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَلَا (إِنَّهُ) : أَيِ الشَّأْنَ (لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُحَلَّى ذَهَبًا) : أَنْ تَلْبَسَ حُلِيَّ ذَهَبٍ (تُظْهِرُهُ) : أَيْ لِلْأَجَانِبِ أَوْ تَكَبُّرًا أَوِ افْتِخَارًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ تُظْهِرُهُ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] وَالنَّهْيُ مُنْصَبٌّ عَلَى الْجُزْأَيْنِ مَعًا، فَلَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّبَرُّجِ بِالْفِضَّةِ (إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ) : وَالتَّعْذِيبُ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ وَالْإِظْهَارِ مَعًا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا إِنَّهُ مَنْسُوخٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2806

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4404 -

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ، وَيَقُولُ: " إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهَا فِي الدُّنْيَا» ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4404 -

(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ) : أَيْ مِنْ إِكْثَارِهَا أَوْ مِنْ أَصْلِهُمَا زُهْدًا فِيهِمَا (وَيَقُولُ: " إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا) : أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ (فَلَا تَلْبَسُوهَا) : أَيِ الْحِلْيَةَ كَثِيرًا أَوْ مُطْلَقًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ، وَإِلَّا فَظَاهَرُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: فَلَا تَلْبَسُوهَا (فِي الدُّنْيَا) : فَإِنَّ الْأَمْرَ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: " «مَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» " وَكَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «أَشْبَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَجْوَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى، وَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ» " قَالَ الْبَغَوَيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " «أَحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي» ". (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 2807

4405 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا، فَلَبِسَهُ قَالَ: " شَغَلَنِي هَذَا عَنْكُمْ مُنْذُ الْيَوْمَ، إِلَيْهِ نَظْرَةٌ، وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ " ثُمَّ أَلْقَاهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

4405 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا) : أَيْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (فَلَبِسَهُ، قَالَ: " شَغَلَنِي هَذَا) : أَيِ الْخَاتَمُ عَنْكُمْ أَيْ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكُمْ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِكُمْ (مُنْذُ الْيَوْمَ) : بِنَصْبِ الْيَوْمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهِ،: فِي أُخْرَى بِجَرِّهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مُنْذُ الْيَوْمَ ظَرْفٌ لَشَغَلَنِي مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةٍ حُذِفَ صَدْرُهَا تَقْدِيرُهُ، مُنْذُ كَانَ الْيَوْمُ، هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُنْذُ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِكَ مُنْذُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمُذْ يَوْمَانِ تَلْقَى أَوَّلَ الْمُدَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَمِيعُ الْمُدَّةِ يَوْمَانِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، قِيلَ: إِنَّهُ وَهْمٌ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ، فَإِنَّكَ مُخْبِرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُدَّةِ بِأَنَّهُ يَوْمَانِ، وَكَذَا اللَّفْظُ لِأَنَّ يَوْمَانِ نَكِرَةٌ لَا مُصَحِّحَ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأً، فَإِنَّ الظَّرْفَ إِنَّمَا يَكُونُ مُصَحِّحًا لِلْمُبْتَدَأِ إِذَا كَانَ ظَرْفًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا لَهُ لَكَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ: الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى طَرِيقِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ (إِلَيْهِ نَظْرَةٌ وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ) : الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِي نَظْرَةٌ إِلَيْهِ وَلِي نَظْرَةٌ إِلَيْكُمْ، وَالْجُمْلَتَانِ مُبَيِّنَتَانِ لِقَوْلِهِ: شَغَلَنِي (ثُمَّ أَلْقَاهُ) : أَيْ طَرَحَ الْخَاتَمَ مِنْ يَدِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ» ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الزُّهْرِيِّ ; لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَاتَمَ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ لَا الْوَرِقِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ; إِنَّ الزُّهْرِيَّ وَهِمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْوَهْمِ بِأَجْوِبَةٍ، أَقْرَبُهَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمَ الذَّهَبِ لِلزِّينَةِ، فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهِ وَافَقَ تَحْرِيمُهُ فَطَرَحَهُ ; وَلِذَا قَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ تِبَعًا لَهُ، وَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ بِهِ، فَاتَّخَذَهُ مِنَ الْفِضَّةِ وَنَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ الْكَرِيمَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، فَرَمَى بِهِ حَتَّى رَمَى النَّاسُ كُلُّهُمْ تِلْكَ الْخَوَاتِيمَ الْمَنْقُوشَةَ عَلَى اسْمِهِ، لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ النَّقْشِ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ، فَلَمَّا عُدِمَتْ خَوَاتِيمُهُمْ بِرَمْيِهَا رَجَعَ إِلَى خَاتَمِهِ الْخَاصِّ بِهِ، فَصَارَ يَخْتِمُ بِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ:«إِنَّمَا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ» اهـ.

وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ - أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ تَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لَبِسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ عَلَى قَصْدِ الزِّينَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْشٍ، فَتَبِعَهُ النَّاسُ مُحَافَظَةً عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ، فَرَأَى فِي لُبْسِهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ فَرَمَاهُ، فَرَمَاهُ النَّاسُ، فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ لَهُ لَبِسَهُ، وَقَالَ لِلنَّاسِ:" «إِنَّمَا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا لِلْمَصْلَحَةِ فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ اسْمَنَا، بَلْ يَنْقُشُ اسْمَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ» " وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْخَاتَمِ لِغَيْرِ الْحُكَّامِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» .

ص: 2807