المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقَدْ جَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْكَلْبِ]

- ‌[بَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ]

- ‌[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابُ الضِّيَافَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ]

- ‌[بَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌[بَابُ النَّقِيعِ وَالْأَنْبِذَةِ]

- ‌[بَابُ تَغْطِيَةِ الْأَوَانِي]

- ‌[كِتَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ الْخَاتَمِ]

- ‌[بَابُ النِّعَالِ]

- ‌[بَابُ التَّرَجُّلِ]

- ‌[بَابُ التَّصَاوِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى]

- ‌[بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ]

- ‌[بَابُ الْكِهَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الرُّؤْيَا]

- ‌[كِتَابُ الْآدَابِ] [

- ‌بَابُ السَّلَامِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِئْذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[بَابُ الْقِيَامِ]

- ‌[بَابُ الْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَالْمَشْيِ]

- ‌[بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ]

- ‌[بَابُ الضَّحِكِ]

- ‌[بَابُ الْأَسَامِي]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ وَالشِّعْرِ]

- ‌[بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ]

- ‌[بَابُ الْوَعْدِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَاحِ]

- ‌[بَابُ الْمُفَاخَرَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْخَلْقِ]

الفصل: وَقَدْ جَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ

وَقَدْ جَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «إِذَا سَمِعْتُمْ أَصْوَاتَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؟ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا» "(وَأَقِلُّوا الْخُرُوجَ) : أَيْ مِنْ بُيُوتِكُمْ (إِذَا هَدَأَتِ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ سَكَنَتْ (الْأَرْجُلُ) : جَمْعُ رِجْلٍ أَيْ إِذَا قَلَّ تَرَدُّدُ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ بِاللَّيْلِ وَسَكَنَ النَّاسُ عَنِ الْمَشْيِ مِنَ الْهَدْأَةِ وَالْهَدْءُ السُّكُونُ عَنِ الْحَرَكَةِ (فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ) : أَيْ شَأْنُهُ (وَجَلَّ) : أَيْ بُرْهَانُهُ (يَبُثُّ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَنْشُرُ وَيُفَرِّقُ (مِنْ خَلْقِهِ) : أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْحَيَوَانَاتِ الْمُضِرَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْفَسَقَةِ وَالْحَرَامِيَّةِ (فِي لَيْلَتِهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: " فِي لَيْلَةٍ "(مَا يَشَاءُ) : مَفْعُولُ يَبُثُّ وَمِنْ خَلْقِهِ بَيَانُ " مَا " مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا (وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ) : أَيْ رُدُّوهَا وَأَغْلِقُوهَا (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى إِغْلَاقِهَا، وَفِي حَالِ رَدِّهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْأَبْوَابِ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا إِذَا أُجِيفَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: بَابًا أُجِيفَ أَيْ رُدَّ (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَيْ حِينَ رَدِّهِ (وَغَطُّوا الْجِرَارَ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ الْجَرَّةِ أَيِ الظُّرُوفَ وَالْأَوَانِيَ إِذَا كَانَ فِيهَا الْمَشْيُ (وَأَكْفِئُوا الْآنِيَةَ) : بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ، وَقِيلَ بِوَصْلِهَا فَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ: كَفَأْتُ الْإِنَاءَ إِذَا كَبَبْتَهُ وَأَكْفَأْتَهُ وَكَفَأْتُهُ أَيْضًا إِذَا أَمَلْتَهُ لِيُفْرَغَ مَا فِيهَا، وَفِي الْغَرِيبَيْنِ: الْمُرَادُ بِإِكْفَاءِ الْآنِيَةِ هَاهُنَا قَلْبُهَا كَيْلَا يَدِبَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ يُنَجِّسُهَا (وَأَوْكُوا الْقِرَبَ) : أَيْ شُدُّوا أَفْوَاهَهَا خُصُوصًا بِاللَّيْلِ، فَإِنَّهُ أَدْهَى لِلْوَيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمُ جُمْلَةِ أَوْكُوا عَلَى أَكْفِئُوا (رَوَاهُ) : أَيِ الْبَغَوِيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : وَغَالِبُ هَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ اخْتِلَافَاتٍ قَلِيلَةٍ أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي الْأَثْنَاءِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْرِجِينَ، وَلِهَذَا نَسَبَ الْحَدِيثَ إِلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ فِي كِتَابِهِ:(شَرْحِ السُّنَّةِ) : مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأُصُولِ الْمَشْهُورَةِ.

ص: 2762

4303 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ، فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخَمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا، فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ. فَقَالَ: " إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا ; فَيَحْرِقُكُمْ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ: عَنِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ

ــ

4303 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ) : بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ بَلْ هُوَ أَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَأَكْثَرُ (تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ (فَأَلْقَتْهَا) : عَطْفٌ عَلَى جَاءَتْ أَيْ فَرَمَتِ الْفَأْرَةُ الْفَتِيلَةَ الْمَجْرُورَةَ (بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ) : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ، وَهِيَ السَّجَّادَةُ وَهِيَ الْحُصْرُ الَّذِي يَسْجُدُ عَلَيْهِ سُمِّيَ بِهَا ; لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْأَرْضَ أَيْ تَسْتُرُهَا وَتَقِي الْوَجْهَ مِنَ التُّرَابِ.

وَفِي الْفَائِقِ: هِيَ السَّجَّادَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحَصِيرِ ; لِأَنَّهَا مُرَمَّلَةٌ مُخَمَّرٌ خُيُوطُهَا بِسَعَفِهَا (الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا، فَأَحْرَقَتْ) : أَيِ الْفَتِيلَةُ، وَالْمَعْنَى نَارُهَا (مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ. فَقَالَ: إِذَا نِمْتُمْ) : قَيَّدَهُ بِالنَّوْمِ لِحُصُولِ الْغَفْلَةِ بِهِ غَالِبًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَتِ الْغَفْلَةُ حَصَلَ النَّهْيُ (فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ) : أَيِ الْفَأْرَةَ (عَلَى هَذَا) : أَيِ الْفِعْلِ وَهُوَ جَرُّ الْفَتِيلَةِ (فَيُحْرِقُكُمْ) : أَيِ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِهَا، وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6](رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2762

[كِتَابُ اللِّبَاسِ]

ص: 2762

كِتَابُ اللِّبَاسِ

الْفَصْلُ الْأَوْلُ

4304 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهَا - الْحِبَرَةُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

كِتَابُ اللِّبَاسِ

فِي الْقَامُوسِ: لَبِسَ الثَّوْبَ كَسَمِعَ لُبْسًا بِالضَّمِّ، وَاللِّبَاسُ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا لَبَسَ كَضَرَبَ لَبْسًا بِالْفَتْحِ، فَمَعْنَاهُ خَلَطَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 42] ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِلِالْتِبَاسِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

4304 -

(عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ) : بِالنَّصْبِ أَوِ الرَّفْعِ (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهَا) : قِيلَ: بَدَلٌ مِنَ الثِّيَابِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِدُونِ " أَنْ " فَقِيلَ: الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِأَحَبَّ أَوِ الثِّيَابِ وَخَرَجَ بِهِ مَا يَفْرِشُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلثِّيَابِ أَوْ لِأَحَبَّ، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ:" يَلْبَسُهُ "، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْ يَلْبَسَهَا مُتَعَلِّقٌ بِأَحَبَّ أَيْ كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ لِأَجْلِ اللُّبْسِ. (الْحِبَرَةُ) : لِاحْتِمَالِ الْوَسَخِ، ثُمَّ الْحِبَرَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْحِبَرَةُ مِنَ الْبُرُودِ مَا كَانَ مَوْشِيًّا مُخَطَّطًا. يُقَالُ: بُرْدٌ حِبَرَةٌ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ عَلَى الْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ، وَهُوَ بُرْدٌ يَمَانِيٌّ. قَالَ مِيرَكُ: وَالرِّوَايَةُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ رَفْعُ الْحِبَرَةِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ، وَ " أَحَبَّ " خَبَرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحُوهُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ. قُلْتُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ وَإِلَّا يُقَالُ: كَانَ الْحِبَرَةُ أَحَبَّ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ أَحَبَّ وَصْفٌ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ حُكْمًا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي زِيَادَةٌ مِنَ التَّحْقِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ، ثُمَّ الْحِبَرَةُ نَوْعٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ، رُبَّمَا تَكُونُ بِخُضْرٍ أَوْ زُرْقٍ، فَقِيلَ: هِيَ أَشْرَفُ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ تُصْنَعُ مِنَ الْقُطْنِ ; فَلِذَا كَانَ أَحَبَّ، وَقِيلَ لِكَوْنِهَا خَضْرَاءَ وَهِيَ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّهُ كَانَ أَحَبُّ الْأَلْوَانِ إِلَيْهِ الْخُضْرَةَ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنِ السُّنِّيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سُمِّيَتْ حِبَرَةً لِأَنَّهَا تُحَبِّرُ أَيْ تُزَيِّنُ وَالتَّحْبِيرُ التَّحْسِينُ. قِيلَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانَتْ هِيَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ زِينَةٍ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ احْتِمَالًا لِلْوَسَخِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْحِبَرَةِ، وَعَلَى جِوَازِ لُبْسِ الْمُخَطَّطِ. قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَيْهِ اهـ. وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ، ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ أَحَبَّ الثِّيَابِ عِنْدَهُ كَانَ الْقَمِيصَ، إِمَّا بِمَا اشْتُهِرَ فِي مَثَلِهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحَبِّ كَمَا قِيلَ فِيمَا وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ: أَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَإِمَّا بِأَنَّ التَّفْضِيلَ رَاجِعٌ إِلَى الصِّفَةِ، فَالْقَمِيصُ أَحَبُّ الْأَنْوَاعِ بِاعْتِبَارِ الصُّنْعِ، وَالْحِبَرَةُ أَحَبُّهَا بِاعْتِبَارِ اللَّوْنِ أَوِ الْجِنْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 2763

4305 -

وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4305 -

(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ،: أَيْ فِي السَّفَرِ (جُبَّةً) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ ثَوْبَانِ بَيْنَهُمَا قُطْنٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ صُوفٍ، فَقَدْ تَكُونُ وَاحِدَةً غَيْرَ مَحْشُوَّةٍ. وَقَدْ قِيلَ: جُبَّةُ الْبَرْدِ جُنَّةُ الْبَرْدِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا (رُومِيَّةً) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، لَا غَيْرُ قَالَ مِيرَكُ: وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ:" جُبَّةً مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ "، لَكِنْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " جُبَّةً شَامِيَّةً "، وَقَدْ ضَبَطَهَا الْعَسْقَلَانِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الشَّامَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، فَكَأَنَّهَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمُلْكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ هَيْئَتِهَا الْمُعْتَادِ لُبْسُهَا إِلَى أَحَدِهِمَا، وَنِسْبَةُ خِيَاطَتِهَا أَوْ إِتْيَانِهَا إِلَى الْأُخْرَى (ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ) : بَيَانُ رُومِيَّةٍ أَوْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهَذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ ذَكَرِيَّا ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ: " أَمَعَكَ مَاءٌ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ

ص: 2763

فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الْأَدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَصْلِ الْجُبَّةِ» ، وَلَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى:" «فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ، فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ، فَأَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ بَدَنِهِ» " بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَنُونٍ أَيْ جَنْبِهِ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَالْبَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ دِرْعٌ قَصِيرَةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ زَادَ مُسْلِمٌ: وَ " «أَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى كَتِفَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَخُفَّيْهِ» "، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ «عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى وَجَدَ النَّاسَ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ النَّاسَ، وَفِي أُخْرَى قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَرَدْتُ تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(. . .» ) ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: الِانْتِفَاعُ بِثِيَابِ الْكُفَّارِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ لَا يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ ; لِأَنَّ الْجُبَّةَ كَانَتْ شَامِيَّةً، وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ دَارَ كُفْرٍ، وَمِنْهَا: جَوَازُ لُبْسِ الصُّوفِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ لُبْسَهُ لِمَنْ يَجِدُ غَيْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّهْرَةِ بِالزُّهْدِ ; لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْعَمَلِ أَوْلَى قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّوَاضُعُ فِي لُبْسِهِ، لِمَنْ فِي الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِدُونِ ثَمَنِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّهْرَتَيْنِ رِقَّةِ الثِّيَابِ وَغِلَظِهَا وَلِينِهَا وَخُشُونَتِهَا وَطُولِهَا وَقِصَرِهَا، وَلَكِنْ سَدَادٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ السَّادَةِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ طَوَائِفِ الصُّوفِيَّةِ فَاخْتَارُوا لُبْسَ الصُّوفِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَسُوا لِحُظُوظِ النَّفْسِ مَا لَانَ مَسُّهُ وَحَسُنَ مَنْظَرُهُ، وَإِنَّمَا لَبِسُوا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْقُرِّ، فَاجْتَزُّوا بِالْخَشِنِ مِنَ الشَّعْرِ وَالْغَلِيظِ مِنَ الصُّوفِ، وَقَدْ وَصَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، بِأَنَّهُمْ كَانَ لِبَاسَهُمُ الصُّوفَ حَتَّى إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِيَعْرَقَ فِيهِ، فَيُوجَدُ مِنْهُ رِيحُ الضَّأْنِ إِذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَقَدْ نَقَلَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَ الصُّوفَ آدَمُ وَحَوَّاءُ لَمَّا هَبَطَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِي التَّعَرُّفِ قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «مَرَّ بِالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً، عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ» "، وَالرَّوْحَاءُ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ عِيسَى عليه السلام يَلْبَسُ الشَّعْرَ، وَيَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَيَبِيتُ حَيْثُ أَمْسَى. «وَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ عليه السلام يَلْبَسُ الشَّعْرَ» ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مَا كَانَ لِبَاسُهُمْ إِلَّا الصُّوفَ.

وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ أَنَّ فَرْقَدًا السَّبْخِيِّ دَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ وَعَلَى الْحَسَنِ حُلَّةٌ، فَجَعَلَ يَلْمِسُهَا فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَى ثِيَابِي؟ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَثِيَابُكَ ثِيَابُ أَهْلِ النَّارِ. بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ أَصْحَابُ الْأَكْسِيَةِ، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلُوا الزُّهْدَ فِي ثِيَابِهِمْ، وَالْكِبْرَ فِي صُدُورِهِمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَأَحَدُكُمْ لِكِسَائِهِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ. بِمِطْرَفِهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ حَيْثُ قَالَ:

تَصَوَّفَ فَازْدَهَى بِالصُّوفِ جَهْلًا

وَبَعْضُ النَّاسِ يَلْبَسُهُ مَجَانَةْ

يُرِيكَ مَهَانَةً وَيُرِيكَ كِبْرًا

وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَكْلِ الْمَهَانَةْ

تَصَوَّفَ كَيْ يُقَالَ لَهُ أَمِينٌ

وَمَا يُغْنِي تَصَوُّفُهُ الْأَمَانَةْ

وَلَمْ يُرِدِ الْإِلَهُ بِهِ وَلَكِنْ

أَرَادَ بِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْخِيَانَةْ

هَذَا: وَقِيلَ فِيهِ نَدْبِ اتِّخَاذِ ضَيِّقِ الْكُمِّ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ ; لِأَنَّ أَكْمَامَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَانَتْ وَاسِعَةً، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَحَرَّاهَا لِلسَّفَرِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلدِّفَاءِ مِنَ الْبَرْدِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنِ اتِّسَاعِ الْكُمِّ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَكْمَامَ جَمْعُ كُمٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَمْعُ كُمَّةٍ، وَهِيَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلُنْسُوَةِ، فَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ اتِّسَاعَ الْكُمَّيْنِ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى السِّعَةِ الْمُفْرِطَةِ وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ مُتَعَيِّنٌ ; وَلِذَا قَالَ فِي النَّتْفِ مَنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا: إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ اتِّسَاعُ الْكُمِّ قَدْرَ شِبْرٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

ص: 2764

4306 -

وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ:«أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها كِسَاءً مُلَبَّدًا وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4306 -

(وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهَمْزٍ فِي آخِرِهِ مَعْرُوفٌ (مُلَبَّدًا) : بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ. فِي النِّهَايَةِ: أَيْ مُرَقَّعًا. يُقَالُ: لَبَّدْتُ الْقَمِيصَ وَأَلْبَدْتُهُ (وَإِزَارًا غَلِيظًا) : وَفِي نُسْخَةٍ " رِدَاءً " وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْكِسَاءَ مَا يَسْتُرُ أَعَالِيَ الْبَدَنَ ضِدُّ الْإِزَارِ (فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ) : أَيْ فِي الثَّوْبَيْنِ، وَكَأَنَّهُ إِجَابَةٌ لِدُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم:" «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» ". قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ مَتَاعِهَا وَمَلَاذِّهَا، فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَقْتَدُوا، وَأَنْ يَقْتَفُوا عَلَى أَثَرِهِ فِي جَمِيعِ سَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم كِسَاءٌ مُلَبَّدٌ يَلْبَسُهُ، يَقُولُ:" «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ أَلْبَسَ كَمَا يَلْبَسُ الْعَبْدُ» ".

ص: 2765

4307 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا، حَشْوُهُ لِيفٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4307 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِكَسْرِ الْفَاءِ (الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا) : بِفَتْحَتَيْنِ اسْمُ الْأَدِيمِ، وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ (حَشْوُهُ لِيفٌ) : فِي الْقَامُوسِ: لِيفُ النَّخْلِ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةِ الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ: كَانَ فِرَاشُهُ مِسْحًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ بَلَاسًا عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ بَعْضِ آلِ أُمِّ سَلَمَةَ: كَانَ فِرَاشُهُ نَحْوًا مِمَّا يُوضَعُ لِلْإِنْسَانِ فِي قَبْرِهِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عِنْدَ رَأْسِهِ.

ص: 2765

4308 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ:«كَانَ وِسَادُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ مَنْ أَدَمٍ، حَشْوُهُ لِيفٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4308 -

(وَعَنْهَا) : أَيْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - (قَالَتْ: كَانَ وِسَادُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : بِكَسْرِ الْوَاوِ (الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ) : أَيْ عِنْدَ الِاسْتِنَادِ، أَوْ يَتَوَسَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْوِسَادُ الْمُتَّكَأُ الْمُخَلَّدُ كَالْوِسَادَةِ وَيُثَلَّثُ (مَنْ أَدَمٍ، حَشْوُهُ لِيفٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: كَانَ وِسَادَتُهُ الَّتِي يَنَامُ عَلَيْهَا مَنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْفِرَاشِ وَالْوِسَادَةِ، وَالنَّوْمِ عَلَيْهَا وَالِارْتِفَاقِ بِهَا.

قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ بِالِاسْتِحْبَابِ لِمُدَاوَمَتِهِ عليه السلام وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ الَّتِي قُصِدَتْ بِالنَّوْمِ لِلْقِيَامِ عَلَى النَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ.

ص: 2765

4309 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ:«بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4309 -

(وَعَنْهَا) : أَيْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ) : أَيْ آلُ أَبِي بَكْرٍ (جُلُوسٌ) : أَيْ جَالِسُونَ، (فِي بَيْتِنَا) : أَيْ بِمَكَّةَ (فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ) : أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ (قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ) : أَيْ مُبَشِّرًا لَهُ (هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا) : أَيْ مُتَوَجِّهًا (مُتَقَنِّعًا) : بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُغَطِّيًا رَأَّسَهُ بِالْقِنَاعِ أَيْ بِطَرَفِ رِدَائِهِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الْعَرَبِيِّ لِحَرِّ الظَّهِيرَةِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ التَّسَتُّرَ لِكَيْلَا يَعْرِفَهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَهُمَا حَالَانِ مُتَرَادِفَانِ أَوْ مُتَدَاخِلَانِ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2765

4310 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ. لِلشَّيْطَانِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4310 -

(وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَيْ لِجَابِرٍ فَهُوَ الْمَقُولُ لَهُ فِي الْمَقُولِ (فِرَاشُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: مُبْتَدَأٌ مُخَصِّصُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الثَّالِثُ لِلضِّيقِ أَيْ فِرَاشٌ وَاحِدٌ كَافٍ (لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ) : أَيْ آخَرُ (لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) : أَيْ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيهُ وَيَأْمُرُ لَهُ، فَكَأَنَّهُ لَهُ، أَوْ

ص: 2765

لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ كَانَ مَبِيتُهُ وَمَقِيلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ لَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ إِلَى الْمَجَازِ، وَكَانَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ هُنَا ; فَقَالَ: أَيْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَاتِّخَاذٍ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَالِ وَالْإِلْهَاءِ بِزِينَةِ الدُّنْيَا، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَكُلُّ مَذْمُومٍ يُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ، وَأَمَّا تَعْدِيدُ الْفِرَاشِ لِلزَّوْجِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى فِرَاشٍ عِنْدَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهُ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّوْمُ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَأَنَّ لَهُ الِانْفِرَادَ عَنْهَا بِفِرَاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ النَّوْمَ مِنَ الزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّ النَّوْمَ مَعَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ أَفْضَلُ: هُوَ ظَاهِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلِأَنَّ قِيَامَهُ مِنْ فِرَاشِهَا مَعَ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهَا مُتَوَجِّهًا إِلَى التَّهَجُّدِ أَصْعَبُ وَأَشَقُّ: وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ: " «عَجِبَ رَبُّنَا مِنَّ رَجُلَيْنِ، رَجُلٌ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقًا فِيمَا عِنْدِي» . " الْحَدِيثَ. قُلْتُ: لَا كَلَامَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْأَفْضَلِيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ سَائِرِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ صَحِيحٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ: أَبُو دَاوُدَ: النَّسَائِيُّ.

ص: 2766

4311 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4311 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا، عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى الزَّجْرِ، أَوْ مُقَيَّدًا بِابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ يَنْظُرَ نَظَرَ لُطْفٍ وَعِنَايَةٍ (إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَكَبُّرًا أَوْ فَرَحًا وَطُغْيَانًا بِالْغِنَى قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ جَرَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، يَكُونُ حَرَامًا، لَكِنَّهُ مُكْرَهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْهُ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا» ". رَوَاهُ احْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ:" «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلِ إِزَارِهِ» ".

ص: 2766

4312 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4312 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ) : وَهُوَ شَامِلٌ لِإِزَارِهِ وَرِدَائِهِ وَغَيْرِهِمَا (خُيَلَاءَ) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ: بِالْمَدِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ وَالْمَخْيَلَةُ وَالْبَطَرُ وَالْكِبْرُ وَالزُّهْوِ وَالتَّبَخْتُرُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ (لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ لَا يَرْحَمُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.

ص: 2766

4313 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4313 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ عُمَرَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ) : عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالضَّمِيرُ لِلرِّجَالِ أَيْ أُدْخِلَ فِي الْأَرْضِ (فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ) : بِجِيمَيْنِ أَيْ يَتَحَرَّكُ مُضْطَرِبًا وَمُنْدَفِعًا مِنْ شَقٍّ إِلَى شَقٍّ: وَالْجَلْجَلَةُ الْحَرَكَةُ مَعَ الصَّوْتِ: وَمِنْهُ الْجَلَاجِلُ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَسُوخُ فِيهَا أَبَدًا (فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) : قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَقَعُ: وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي لتَّحْقِيقِ وُقُوعِهِ: وَأَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَمَّنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ; وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَإِبْهَامِ الرَّجُلِ أَنَّهُ غَيْرُ قَارُونَ:(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2766

4314 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4314 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَسْفَلَ) : بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَا نَزَلَ (مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ) : بَيَانٌ لِمَا أَيْ مِنْ إِزَارِ الرَّجُلِ (فِي النَّارِ) : أَيْ فَهُوَ أَيْ صَاحِبُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ بِسَبَبِ الْإِسْبَالِ النَّاشِئِ عَنِ التَّكَبُّرِ وَالِاخْتِيَالِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: " مَا " مَوْصُولَةٌ وَصِلَتُهُ مَحْذُوفَةٌ وَهُوَ كَانَ، وَأَسْفَلَ مَنْصُوبٌ خَبَرًا

ص: 2766

لِكَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ أَسْفَلَ أَيِ الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ هُوَ أَفْعَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِعْلًا وَهُوَ مَعَ فَاعِلِهِ صِلَتُهُ أَيِ الَّذِي سَفَلَ مِنَ الْإِزَارِ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: وَيَجُوزُ كَوْنُ " مَا " شَرْطِيَّةً وَأَسْفَلَ فِعْلٌ مَاضٍ اهـ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِي غَيْرِهِ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَتُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ:(فَفِي النَّارِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُتَنَاوَلُ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِهِ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْآخَرُ: أَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ فِي النَّارِ أَيْ هُوَ مَعْدُودٌ وَمَحْسُوبٌ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْإِسْبَالُ يَكُونُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِسْبَالُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِالْخُيَلَاءِ لِدَلَالَةِ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مَنْعَ تَحْرِيمٍ، وَإِلَّا فَمَنْعُ تَنْزِيهٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" لَهُنَّ فِي إِرْخَاءِ ذُيُولِهِنَّ "، وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ فِيمَا يَنْزِلُ إِلَيْهِ طَرَفُ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ فَنِصْفُ السَّاقَيْنِ، وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ مَا تَحْتَهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَبِالْجُمْلَةِ يُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَالْمُعْتَادُ فِي اللِّبَاسِ مِنَ الطُّولِ وَالسِّعَةِ اهـ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ الشَّرْعِيُّ لَا الْمُعْتَادُ الْعُرْفِيُّ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ وَالطُّولِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْهُ:" «كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُسْتَوِيَ الْكُمَّيْنِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ» "، وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ.

ص: 2767

4315 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، أَوْ يَجْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4315 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ) : أَيْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ، وَقِيلَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ عَلَى مَا سَبَقَ، (أَوْ يَمْشِيَ) : عَطْفٌ عَلَى يَأْكُلَ وَ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ (فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّهُ تَشْوِيهٌ وَمُخَالِفٌ لِلْوَقَارِ، وَإِنَّ الرِّجْلَ الْمُنَعَّلَةَ تَصِيرُ أَرْفَعَ مِنَ الْأُخْرَى، فَيَعْسُرُ مَشْيُهُ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ (وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ) : بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتُشَدُّ الْمِيمُ وَبِالْمَدِّ أَيْ وَنَهَى عَنِ اللِّبْسَةِ الصَّمَّاءِ وَهِيَ عِنْدَ الْعَرَبِ تَجْلِيلُ الْجَسَدِ كُلِّهِ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ بِلَا رَفْعِ جَانِبٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْيَدُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ يَجْعَلُ اللَّابِسِ كَالْمَغْلُولِ، وَسُمِّيَتْ صَمَّاءَ ; لِأَنَّهَا سَدَّتِ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا صَدْعٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَلُفَّ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ رَأْسَهُ وَسَائِرَ جَسَدِهِ، وَلَا يَدَعُ مَنْفَذًا لِيَدَيْهِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِزَارِ مَعَ ذَلِكَ؟ عَنْ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ، وَعَنْ غَيْرِهِ لَا. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْفُقَهَاءُ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعُهُ عَلَى أَحَدِ مَنْكِبَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يَنْكَشِفُ بِهِ بَعْضُ عُرْوَتِهِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، (أَوْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ) : أَيْ عَنْ عَوْرَتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الِاحْتِبَاءُ بِالْمَدِّ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصُبَ سَاقَيْهِ، وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهِمَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِيَدِهِ، وَهُوَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي مَجَالِسِهِمْ اهـ. فَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ بِقَيْدِ الْكَشْفِ، وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «نَهَىَ عَنِ الصَّمَّاءِ، وَالِاحْتِبَاءِ، فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» ". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: " «نُهِيَ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَأَنْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» ".

ص: 2767

4316 -

، 4317، 4318، 4319 - وَعَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4316 -

، 4317، 4318، 4319 - (وَعَنْ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي أُمَامَةَ) : رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِسْنَادًا مُتَّحِدَةً مَتْنًا (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ) : أَيْ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ (فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ) : مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ قَبْلَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ: تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِينَ هُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ الْفَائِزِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ جُوَيْرِيَةَ: "«مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» " (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ.

ص: 2767

4320 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4320 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) : أَيْ لَا حِصَّةَ أَوْ لَا حَظَّ كَامِلًا (فِي الْآخِرَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي النَّعِيمِ، وَثَانِيهُمَا: لَا حَظَّ لَهُ فِي الِاعْتِقَادِ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَلَى الْآخَرِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ لَا نَصِيبَ لَهُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَظَاهِرٌ، وَفِي الْمُؤْمِنِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ اهـ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ابْتِدَاءً أَوْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذَّبَ بِثَوْبٍ مِنْ نَارِ الْمَشِيئَةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ اهـ. فَيُنْظَرُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ هُوَ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ عُمَرُ، أَوِ ابْنُ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 2768

4321 -

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: " «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4321 -

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ نَوْعٌ مِنْهُ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الِاسْمِ، فَتَخْصِيصُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُسَمَّى لَا بِالِاسْمِ كَمَا سَبَقَ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدًا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إِلَى الْحَرِيرِ فِي قَوْلِهِ:(وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ) : أَيْ نَحْنُ وَغَيْرُنَا تَبَعٌ لَنَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانَ: لُبْسُ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتِ حَرَامٌ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، وَكَمَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ الْبَالِغِ يُكْرَهُ لِبَاسُ الصِّبْيَانِ الذُّكُورِ أَيْضًا، وَيَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ لِلْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ سَدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ وَلُحْمَتُهُ حَرِيرٌ يُكْرَهُ لُبْسُهُ عِنْدَهُمْ، وَجَازَ لُبْسُهُ فِي الْحَرْبِ، أَمَّا مَا كَانَ سَدَاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ فِي كُلِّ حَالٍ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا الْوَسَائِدُ وَالْمَرَافِقُ وَالْبُسُطُ وَالسُّتُورُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَمَاثِيلُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَا بَأْسَ، فَإِنَّ الْوَرِعَ مَنْ يَدَعُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ:" «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» ". وَكَأَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ مَا حَصَلَ لَهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى كَوْنِ نَهْيِهِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالنُّصُوصُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَا تَشْمَلُهُ ; لِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ، فَلِهَذَا حَكَمَ بِالتَّنْزِيهِ، وَهَذَا مِنْ وَرَعِهِ فِي الْفَتْوَى، وَأَمَّا عَمَلُهُ بِالتَّقْوَى فَمَشْهُورٌ لَا يَخْفَى، وَمَذْكُورٌ فِي مَنَاقِبِهِ مِمَّا لَا يُحْصَى. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2768

4322 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: " «أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً سِيَرَاءَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا، فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4322 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ) : بِالتَّنْوِينِ،: وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ إِزَارًا وَرِدَاءً، وَقَدْ يُنَوَّنُ ; وَلِذَا جَاءَ صِفَتُهُ (سِيَرَاءَ) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِفْرَادُهَا مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مَوْصُوفِهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ تَحْتِيَّةٍ، ثُمَّ رَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ، بُرْدَةٌ يُخَالِطُهَا حَرِيرٌ، وَقِيلَ: هِيَ حَرِيرٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَشْبَهُ لِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِمُسْلِمٍ: " حُلَّةٌ مِنْ دِيبَاجٍ "، وَفِي أُخْرَى مِنْ سُنْدُسٍ، وَلِأَنَّهَا هِيَ الْمُحَرَّمَةُ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِطَةُ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، فَفِيهِ كَلَامٌ سَبَقَ (قَالَ) : عَلِيٌّ (فَبَعَثَ بِهَا) : أَيْ فَأَرْسَلَهَا (إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا) : أَيْ وَجِئْتُهُ، لَابِسًا (فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ) : وَهُوَ إِمَّا لِأَنَّ أَكْثَرَهَا أَوْ كُلَّهَا إِبْرَيْسِيمٌ ; أَوْ لِأَنَّهُ رضي الله عنه لَمْ يَتَفَكَّرْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ثِيَابِ الْمُتَّقِينَ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهَا وَيُقَسِّمَهَا، فَلَمَّا

ص: 2768

غَفَلَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَبِسَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُهَا لَمَا أَرْسَلَهَا إِلَيْهِ غَضِبَ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا) : بِكَسْرِ الْقَافِ الْأُولَى الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لِتُقَطِّعَهَا (خُمُرًا) : بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ خِمَارٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهُ وَهُوَ الْمِقْنَعَةُ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ: خِطْتُهُ قَمِيصًا، وَقَوْلُهُ:(بَيْنَ النِّسَاءِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، أَوْ صِفَةً لِخُمُرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْمَعْنَى لِتُقَطِّعَهَا قِطْعَةً قِطْعَةً، كُلُّ قِطْعَةٍ قَدْرَ خِمَارٍ، وَتُقَسِّمَهَا بَيْنَ النِّسَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ:" بَيْنَ الْفَوَاطِمِ "، وَهِيَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ الْبَتُولُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيٍّ وَجَعْفَرَ وَعَقِيلٍ وَطَالِبٍ، وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ بِهَاشِمِيٍّ، وَفَاطِمَةُ أُمُّ أَسْمَاءَ بِنْتِ حَمْزَةَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2769

4323 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْنِ: الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4323 -

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا) : أَيْ قَدْرَ إِصْبَعَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ عَلَمًا أَوْ فَرَاوِيزَ (وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ: السَّبَّابَةَ) : أَيِ الْمُسَبِّحَةَ (وَالْوُسْطَى) : بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِإِصْبَعَيْهِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِتَقَدُّمِ الْوُسْطَى عَلَى السَّبَّابَةِ (وَضَمِّهِمَا) : عَطْفٌ عَلَى " وَرَفَعَ "، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ قَدْ حَالٌ وَفِي الْمَعْنَى عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ " هَكَذَا "(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2769

4324 -

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَنَّهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ» .

ــ

4324 -

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَنَّهُ) : أَيْ عُمَرَ (خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ) : بِالْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَدِينَةٌ بِالشَّامِ (فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ) : أَيْ مِقْدَارَ إِصْبَعَيْنِ (أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ) : فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِبَاحَةُ الْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، قَالَ قَاضِيخَانُ: رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ دُونَهَا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ فِي السِّيَرِ: لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَمْ يُقَدِّرْ اهـ. وَلَعَلَّ عَدَمَ تَقْدِيرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَرْبَابِ الشَّرْعِ.

ص: 2769

4325 -

«وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفُرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، وَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرَضِ نَسْتَشْفِي بِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4325 -

(وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ) : بِالْإِضَافَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَصْفِ وَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ جَمْعُ طَيْلَسَانٍ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مُعَرَّبُ " تَالَسَانٍ "، وَهُوَ مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ، وَجَمْعُ التَّفَارِيقِ الطَّيَالِسَةُ لُحْمَتُهَا وَسَدَاهَا صُوفٌ وَالتَّاءُ فِي جُبَّةٍ لِلْمُوَحَّدَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: جُبَّةُ صُوفٍ سَوْدَاءُ، هَذَا زُبْدَةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ (كِسَرْوَانِيَّةٍ) : بِكَسْرِ الْكَافِ وَيُفْتَحُ مَنْسُوبٌ إِلَى كِسْرَى مَلَكِ فَارِسَ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ صِفَةٌ لِجُبَّةٍ، وَقِيلَ مَجْرُورَةٌ صِفَةُ طَيَالِسَةٍ عَلَى رِوَايَةِ الْإِضَافَةِ، هَذَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْجُبَّةُ ثَوْبَانِ بِطَارِقَانِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا حَشْوٌ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَا لَا حَشْوَ لَهُ إِذَا كَانَتْ ظِهَارَتُهُ مِنْ صُوفٍ. وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ إِضَافَتُهَا إِلَى الطَّيَالِسَةِ، وَفُسِّرَتْ بِالْخَلِقِ كَأَنَّهُمْ كَنَّوْا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الطَّيَالِسَةِ عَنِ الْخِلِقِ ; لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَلِقِ لَمْ يَكُنْ لِيَلْبَسَهُ إِلَّا بِطَيْلَسَانٍ لِيُوَارِيَ مَا تَخَرَّقَ مِنْهُ، (لَهَا) : أَيْ لِلْجُبَّةِ (لِبْنَةُ دِيبَاجٍ) : بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَنُونٍ رُقْعَةٌ تُوضَعُ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةُ كَمَا مَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ شَارِحٌ: هِيَ مَا يُرَقَّعُ بِهِ قَبُّ الثَّوْبِ، وَيُقَالُ لَهُ الْجَرَيَانُ أَيْضًا وَهُوَ مُعَرَّبٌ كَرَبَيَانٍ، وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا تُوضَعُ تَحْتَ الْإِبِطِ (وَفُرْجَيْهَا) : بِضَمِّ الْفَاءِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِفَتْحِهَا أَيْ شِقَّيْهَا شِقٌّ مِنْ خَلْفُ وَشِقٌّ مِنْ قُدَّامُ (مَكْفُوفَيْنِ) : أَيْ مُخَيَّطِينِ (بِالدِّيبَاجِ) : أَيْ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ خُيِّطَ عَلَى طَرَفِ كُلِّ شِقٍّ قِطْعَةٌ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلُ: قَالَ شَارِحٌ لِلْمَصَابِيحِ: أَيْ خُيِّطَ شِقَّاهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، وَالْكَفُّ عَطْفُ أَطْرَافِ الثَّوْبِ. يُقَالُ: ثَوْبٌ مُكَفَّفٌ أَيْ مَوْقِعُ جَيْبِهِ، أَطْرَافُ كَفَّيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّيبَاجِ وَنَصَبَ

ص: 2769

فُرْجَيْهَا بِمُقَدَّرٍ مِثْلُ وَجَدْتُ، وَالرِّوَايَةُ الْفَاشِيَةُ بِالرَّفْعِ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ فِي الْحِسَانِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمَكْفُوفَ بِالْحَرِيرِ أَنَّهُ رُبَّمَا رَأَى الْكَرَاهَةَ فِي الْكَرَاهَةِ ; لِأَنَّ فِيهِ مَزِيدَ تَرَفُّهٍ وَتَجَمُّلٍ، وَلَمْ يَرَهَا فِي الْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ اهـ. وَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ قَوْلٍ ضَعِيفٍ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ هَكَذَا إِذَا اتَّصَلَ بِالْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا، هَذَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ: وَفُرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ، وَهُمَا مَنْصُوبَانِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْتُ. وَوَافَقَهُ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إِخْرَاجُ أَسْمَاءَ جُبَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَكْفُوفَةَ بِالْحَرِيرِ، فَقَصَدَتْ بِهِ بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ اهـ، وَفِيهِ أَنَّ مِقْدَارَ الْحَرِيرِ فِي الْجُبَّةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَمُعَيَّنٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَلَوْ قُدِّرَ قَدْرٌ زَائِدٌ لَقُلْنَا بِهِ كَمَا قُلْنَا بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ بَعْدَ تَجْوِيزِهِ قَدْرَ إِصْبَعَيْنِ، مَرَّةً أَنَّ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ مِنْهَا مُحْتَمَلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَالَتْ) : عَطْفٌ عَلَى " أَخْرَجَتْ "، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ " فَقَالَتْ " (هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ) : لَعَلَّهَا بِالْهِبَةِ لَهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِعَدَمِ الْإِرْثِ فِي الْأَنْبِيَاءِ (فَلَمَّا قُبِضَتْ) : أَيْ تُوُفِّيَتْ (قَبَضْتُهَا) : أَيْ أَخَذْتُهَا بِالْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا (وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا) : أَيْ أَحْيَانًا (فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى) : وَنَسْقِي مَاءَ غَسْلِهَا لَهُمْ (نَسْتَشْفِي بِهَا) : أَيْ. بِمَائِهَا أَوْ بِالْجُبَّةِ نَفْسِهَا بِوَضْعِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَالتَّبَرُّكِ بِلَمْسِ الْيَدَيْنِ، وَتَقْبِيلِ الشَّفَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2770

4326 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ بِهِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: «إِنَّهُمَا شَكَوَا الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ» .

ــ

4326 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ) : بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ لِحُكَاكٍ (بِهِمَا) لِجَرَبٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحِكَّةَ كَانَتْ حَاصِلَةً بِسَبَبِ الْقَمْلِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَيَأْتِي مِنَ الرِّوَايَةِ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ اجْتِمَاعًا وَافْتِرَاقًا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ جَوَازُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلْجَرَبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: دَلَّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ، وَأَمَّا لُبْسَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْجَرَبِ أَوْ دَفْعِ الْقَمْلِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، كَمَا إِذَا فَاجَأَهُ الْجَرَبُ أَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ كَالْجَرَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُنْكَرٌ، وَيَجُوزُ لِدَفْعِ الْقَمْلِ فِي السَّفَرِ، وَكَذَا فِي الْحَضَرِ عَلَى الْأَصَحِّ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . (وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ) : أَيْ أَنِّي (إِنَّهُمَا شَكَوَا الْقَمْلَ) : وَهُوَ أَفْصَحُ مَنْ شَكَيَا، فَفِي الْقَامُوسِ: شَكَيْتُ لُغَةً فِي شَكَوْتُ (فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ) : بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمِيمِ جَمْعُ قَمِيصٍ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرَ فَوْقَ الْقَمِيصِ لَا يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

ص: 2770

4327 -

«وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ. فَقَالَ: " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهُمَا ". وَفِي رِوَايَةٍ: قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: " بَلْ أَحْرِقْهُمَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَائِشَةَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ فِي " بَابِ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ــ

4327 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ) : أَيْ عَلَى بَدَنِي

(ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ مَصْبُوغَيْنِ بِالْعُصْفُرِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ: الْمَنْهِيُّ الْمَصْبُوغُ بَعْدَ النَّسْجِ، دُونَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ، فَإِنَّهُ مُرَخَّصٌ عِنْدَ الْبَعْضِ اهـ. وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ (فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ) : إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ (مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ) : أَيِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ، وَلَا يُفَرِّقُونَ فِي اللِّبَاسِ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ (فَلَا تَلْبَسْهُمَا) : مَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنَّمَا نُهِيَ الرِّجَالُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ (وَفِي رِوَايَةٍ: قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟) : أَيْ لِتَرُوحَ رَائِحَتُهُمَا، وَتَذْهَبَ بَهْجَتُهُمَا وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةٌ فِي أَوَّلِهِ. (قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا) : الْأَمْرُ لِلتَّغْلِيظِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْغَسْلِ ; لِأَنَّ الْمُعَصْفَرَ وَإِنْ كُرِهَ لِلرِّجَالِ لَمْ يُكْرَهْ لِلنِّسَاءِ، فَغَسْلُهُ

ص: 2770

تَضْيِيعٌ اهـ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالرَّائِحَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلَّوْنِ وَهُوَ لَا يَذْهَبُ بِالْغَسْلِ وَلَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعٌ، هَذَا، وَفِي فَتَاوَىَ قَاضِيخَانَ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ أَرَادَ بِالْإِحْرَاقِ إِفْنَاءَ الثَّوْبَيْنِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، وَلَعَلَّهُ اسْتَعَارَ بِهِ عَنْهُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّشْدِيدِ فِي النَّكِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْذَنْ فِي الْغَسْلِ ; لِأَنَّ الْمُعَصْفَرَ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِلرِّجَالِ فَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنِّسَاءِ، فَيَكُونُ غَسْلُهُ تَضْيِيعًا وَإِتْلَافًا لِلْمَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رُوِيَ: أَنَّهُ أَتَى أَهْلَهُ وَهُمْ يَسْجُرُونَ التَّنُّورَ فَقَذَفَهَا فِيهِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: أَفَلَا كَسَوْتَهُمَا بَعْضَ أَهْلِكَ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِمَا لِلنِّسَاءِ؟ ، قُلْتُ: وَكَوْنُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَالَّةً عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ مَحَلُّ بَحْثٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَا فَعَلَ لِمَا رَأَى مِنْ شِدَّةِ كَرَاهَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِفَهْمِهِ الظَّاهِرِ، أَوْ لِتَوَهُّمِهِ عُمُومَ الْكَرَاهَةِ اهـ. وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَخِيرِ أَوْلَى.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي الثِّيَابِ الَّتِي صُبِغَتْ بِالْعُصْفُرِ، فَأَبَاحَهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: غَيْرُهَا أَفْضَلُ مِنْهَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى هَذَا ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ قُلْتُ: هُوَ مُؤَوَّلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَّةِ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَحْمَرِ، قَالَ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِالْعُصْفُرِ» "، قُلْتُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ. قَالَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّهْيُ يُصْرَفُ إِلَى مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ. قُلْتُ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، قَالَ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ هُنَا عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوِ الْمُعْتَمِرِ ; لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "«نُهِيَ الْمُحْرِمُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» ". قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ حُرْمَتُهُ بِالْغَسْلِ إِلَى أَنْ تَنْفَضَّ رَائِحَتُهُ، وَمَعَ إِبْقَائِهَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءِ. قَالَ: وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ فَأَتْقَنَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ: نَهْىَ الشَّافِعِيُّ الرَّجُلَ عَنِ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ، فَقَالَ: أَيِ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا رُخِّصَتْ فِي الْمُعَصْفَرِ ; لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: نَهَانِي، وَلَا أَقُولُ: نَهَاكُمْ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّ لَنَهَاهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادٍ مَا صَحَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صَحَّ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَدَعُوا قَوْلِي فَهُوَ مَذْهَبِي. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ كُلِّ مُسْلِمٍ. قَالَ: وَأَمَّا الْأَمْرُ بِإِحْرَاقِهِمَا فَقِيلَ: هُوَ عُقُوبَةٌ وَتَغْلِيظٌ لِزَجْرِهِ وَزَجْرِ غَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، وَنَظِيرُهُ أَمْرُهُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتِ النَّاقَةَ فَأَرْسَلَهَا أَيْ وَأَخْرَجَهَا مِنَ الْقَافِلَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَمَّا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِرِوَايَةِ الْخَطِيبِ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مِلْحَفَةٌ مَصُوغَةٌ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ يَدُورُ بِهَا عَلَى نِسَائِهِ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ هَذِهِ رَشَّتْهَا بِالْمَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ هَذِهِ رَشَّتْهَا، فَقَدْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْتَحِفُ بِهَا، أَوْ كَانَتْ تَفْتَرِشُ لَهُ أَوْ لَهُمَا، أَوْ تُسْتَثْنَى تِلْكَ الْهَيْئَةُ وَالْحَالَةُ، أَوْ تُعَدُّ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَائِشَةَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ) : أَيْ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَجَّلٌ. . إِلَخْ، وَسَيَأْتِي ضَبْطُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا أَيْضًا. (فِي بَابِ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَبْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) .

ص: 2771

الْفَصْلُ الثَّانِي

4328 -

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصَ» .

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

4328 -

(عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ) : بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ ; وَلِذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ، وَالثَّوْبُ اسْمٌ لِمَا يَسْتُرُ بِهِ الشَّخْصُ نَفْسَهُ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَجَمْعُهُ الثِّيَابُ بِإِبْدَالِ الْوَاوِ يَاءً لِإِنْكَارِ مَا قَبْلَهَا، وَ " أَحَبُّ " أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ أَفْضَلَهَا (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصَ) بِالنَّصْبِ أَوِ الرَّفْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمُ كَانَ، وَالثَّانِيَ خَبَرُهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ. وَالْقَمِيصُ: اسْمٌ لِمَا يُلْبَسُ مِنَ الْمَخِيطِ

ص: 2771

الَّذِي لَهُ كُمَّانِ وَجَيْبٌ، هَذَا وَقَدْ قَالَ مِيرَكُ قِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: نَصْبُ الْقَمِيصِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ مَرْفُوعًا بِالِاسْمِيَّةِ، وَأَحَبَّ مَنْصُوبًا بِالْخَبَرِيَّةِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ تَعْيِينَ الْأَحَبِّ، فَالْقَمِيصُ خَبَرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ حَالِ الْقَمِيصِ عِنْدَهُ عليه السلام فَهُوَ اسْمُهُ، وَرَجَّحَهُ الْعِصَامُ بِأَنَّ أَحَبَّ وَصْفٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ حُكْمًا، وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ بِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالْبَابِ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِإِثْبَاتِ أَحْوَالِ اللِّبَاسِ، فَجَعَلَ الْقَمِيصَ مَوْضُوعًا، وَإِثْبَاتُ الْحَالِ لَهُ أَنْسَبُ مِنَ الْعَكْسِ، فَلَيْسَ بِذَاكَ ; لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَذْكُرِ الْحَدِيثَ فِي الْبَابِ الْمُنْعَقِدِ لِلِّبَاسِ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الثَّوْبَ مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْفِرَاءِ، وَأَمَّا السُّتُورُ فَلَيْسَ مِنَ الثِّيَابِ وَالْقَمِيصِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ وَغَيْرُهُ ثَوْبٌ مَخِيطٌ بِكُمَّيْنِ غَيْرُ مُفَرَّجٍ يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَمِيصُ مَعْلُومٌ، وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْقُطْنِ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَلَا اهـ. وَلَعَلَّ حَصْرَهُ الْمَذْكُورَ لِلْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَوْنَهُ مِنَ الْقُطْنِ مُرَادًا هُنَا؛ لِأَنَّ الصُّوفَ يُؤْذِي الْبَدَنَ وَيُدِرُّ الْعَرَقَ، وَرَائِحَتُهُ يُتَأَذَّى بِهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ الدِّمْيَاطِيُّ:«كَانَ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُطْنًا قَصِيرَ الطُّولِ وَالْكُمَّيْنِ» ، ثُمَّ قِيلَ وَجْهُ أَحَبِّيَّةِ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ مُؤْنَةً وَأَخَفُّ عَلَى الْبَدَنِ وَلَابِسُهُ أَكْثَرُ تَوَاضُعًا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : أَيْ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ (وَأَبُو دَاوُدَ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ.

ص: 2772

4329 -

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرُّصْغِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

4329 -

(وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) : أَيِ ابْنِ السَّكَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَسْمَاءِ (قَالَتْ: كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرُّصْغِ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي نُسْخَةٍ إِلَى الرُّسْغِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَكَذَا هُوَ بِالصَّادِّ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ وَفِي الْجَامِعِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. قُلْتُ: أَرَادَ بِالتِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ، وَإِلَّا فَنُسَخُ الشَّمَائِلِ بِالسِّينِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَرَادَ بِالْجَامِعِ جَامِعَ الْأُصُولِ، ثُمَّ هُوَ كَذَا بِالسِّينِ فِي الْمَصَابِيحِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادُ لُغَةٌ فِيهِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِالسِّينِ وَالصَّادِ لُغَةً فِيهِ، وَهُوَ مِفْصَلُ مَا بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ اهـ، وَيُسَمَّى الْكُوعَ. وَفِي الْقَامُوسِ: الرُّسْغُ بِضَمٍّ وَضَمَّتَيْنِ، وَالرُّصْغُ بِالضَّمِّ الرُّسْغُ. قَالَ الْجَزَرِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ كُمُّ الْقَمِيصِ الرُّسْغَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَمِيصِ فَقَالُوا: السُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ - جُبَّةٌ وَغَيْرُهَا اهـ وَنُقِلَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَنَّ أَبَا الشَّيْخِ ابْنَ حِبَّانَ أَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ: «كَانَ يَدُ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْفَلَ مِنَ الرُّسْغِ» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ قَمِيصًا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُسْتَوِيَ الْكُمَّيْنِ لِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ» ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ حِبَّانَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ» . الْحَدِيثَ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ أَيْضًا وَلَفْظُهُ: كَانَ قَمِيصُهُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ، وَكَانَ كُمَّهُ مَعَ الْأَصَابِعِ، فَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَجَاوَزَ بِكُمِّ الْقَمِيصِ إِلَى رُوُسِ الْأَصَابِعِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْكِتَابِ، إِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقَمِيصِ، أَوْ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْمِينِ، أَوْ بِحَمْلِ الرُّسْغِ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ، وَحَمْلِ الرُّءُوسِ عَلَى نِهَايَةِ الْجَوَازِ، وَأَغْرَبَ الْعِصَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْكُمِّ، فَعَقِيبَ غَسْلِ الْكُمِّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَثَنٍّ فَيَكُونُ أَطْوَلَ، وَإِذَا بَعُدَ عَنِ الْغَسْلِ وَوَقَعَ فِيهِ الثَّنْيُ كَانَ أَقْصَرَ اهـ، وَلَوْ قَالَ: يَكُونُ الثَّوْبُ قَبْلَ الْغُسْلِ أَطْوَلَ، ثُمَّ بِالْغُسْلِ يَصِيرُ أَقْصَرَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا هَذَا التَّفَاوُتُ فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) .

ص: 2772

4330 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا لَبِسَ قَمِيصًا بَدَأَ بِمَيَامِنِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

4330 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا لَبِسَ قَمِيصًا) : أَيْ مَثَلًا (بَدَأَ) : بِالْهَمْزِ أَيِ ابْتَدَأَ فِي اللُّبْسِ (بِمَيَامِنِهِ) : أَيْ بِجَانِبِ يَمِينِ الْقَمِيصِ، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْقَمِيصِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ لِإِرَادَةِ التَّعْظِيمِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ الْيَدَ الْيُمْنَى مِنَ الْكُمِّ قَبْلَ الْيُسْرَى (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 2773

4331 -

وَفِي أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ " قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4331 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ) : الْإِزْرَةُ بِكَسْرِ هَمْزٍ وَسُكُونِ زَايٍ الْحَالَةُ وَهَيْئَةُ الِاتِّزَارِ مِثْلَ الرُّكْبَةِ وَالْجِلْسَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) : أَيْ مُنْتَهِيَةً إِلَيْهَا يَعْنِي الْحُلَّةَ وَالْهَيْئَةَ الَّتِي يَرْتَضِي مِنْهَا الْمُؤْمِنُ فِي الِاتِّزَارِ هِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَى هُذِهِ الصِّفَةِ: وَفِي جَمْعِ الْأَنْصَافِ إِشْعَارٌ بِالتَّوْسِعَةِ لَا التَّضْيِيقِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَدِّ: قَطَعْتُ رُءُوسَ الْكَبْشَيْنِ، وَمِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4](لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) : أَيْ لَا إِثْمَ أَوْ لَا بَأْسَ عَلَى الْمُؤْمِنَ الْكَامِلِ (فِيمَا بَيْنَهُ) : أَيْ بَيْنَ نِصْفِ السَّاقِ (وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِيمَا بَيْنَهُ رَاجِعٌ إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي تَقَعُ عَلَيْهِ الْإِزْرَةُ (وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ) : سَبَقَ بَيَانُهُ (قَالَ ذَلَكِ) : أَيْ قَوْلَهُ مَا أَسْفَلَ. . إِلَخْ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) : أَيْ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ (وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا) : أَيْ تَكَبُّرًا، وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ صَدْرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ: " «إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ» ". وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «الْإِزَارُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، لَا خَيْرَ فِي أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ» "

ص: 2773

4332 -

وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، مِنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4332 -

(وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْإِسْبَالُ) : يُقَالُ: أَسْبَلَ إِزَارَهُ إِذَا رَخَاهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (فِي الْإِزَارِ) : أَيِ الْإِسْبَالُ الَّذِي يُتَكَلَّمُ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِهِ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْإِزَارِ (وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ بِفَتْحِهَا عَلَى وَزْنِ الْغَمَامَةِ فَهُوَ سَهْوُ قَلَمٍ مِنَ الْعَلَّامَةِ، وَالْمُرَادُ عَذَبَتُهَا (مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا) : أَيْ أَرْخَى وَزَادَ عَلَى الْمِقْدَارِ الشَّرْعِيِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (خُيَلَاءَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: " تَخَيُّلًا ": أَيْ تَبَخْتُرًا وَتَكَبُّرًا عَلَى مَا فِي خَيَالِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ (لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ أَوْ بِعَيْنِ عِنَايَةٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2773

4333 -

«وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ كِمَامُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُطْحًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرُ.

ــ

4333 -

(وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، نَزَلَ بِالشَّامِ، رَوَى عَنْهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعَدِ، وَنَعِيمُ بْنُ زِيَادٍ (قَالَ: كَانَ كِمَامُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كُمَّةٍ بِالضَّمِّ كَقِبَابٍ وَقُبَّةٍ، وَهِيَ الْقَلَنْسُوَةُ الْمُدَوَّرَةُ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا

ص: 2773

تُغَطِّي الرَّأْسَ (بُطْحًا) : بِضَمِّ الْوَحْدَةِ فَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ بَطْحَاءَ أَيْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً عَلَى رُءُوسِهِمْ لَازِقَةً غَيْرَ مُرْتَفِعَةٍ عَنْهَا قِيلَ: هِيَ جَمْعُ كُمٍّ بِالضَّمِّ كَقِفَافٍ وَقُفَّةٍ ; لِأَنَّهُمْ قَلَّمَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْقَلَنْسُوَةَ وَمَعْنَى بُطْحًا حِينَئِذٍ أَنَّهَا كَانَتْ عَرِيضَةً وَاسِعَةً، فَهُوَ جَمْعُ أَبْطَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْأَرْضِ الْمُتَّسِعَةِ بَطْحَاءُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَا كَانَتْ ضَيِّقَةً رُومِيَّةً أَوْ هِنْدِيَّةً، بَلْ كَانَ وُسْعُهَا مِقْدَارَ شِبْرٍ كَمَا سَبَقَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ أَنَّ انْتِصَابَ الْقَلَنْسُوَةِ مِنَ السُّنَّةِ بِمَعْزِلٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْفَسَقَةُ. قُلْتُ: وَالْآنَ صَارَ شِعَارَ الْمَشَايِخِ مِنَ الْيَمَنِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: بُطْحًا بِالنَّصْبِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بُطْحٌ بِالرَّفْعِ، قِيلَ: فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ بِالرَّفْعِ، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ رَوَوْهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَكَذَا لَفَظُ الْمَصَابِيحُ بِغَيْرِ أَلِفِ التَّنْوِينِ وَهُوَ خَطَأٌ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ، فَاتَّبَعَ الرُّوَاةُ رَسْمَ خَطِّهِ، وَهَذَا دَأْبُهُمْ لَا يَتَخَطَّوْنَ لَفْظَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ، فَلَا يَكُونُ لِلطَّعْنِ مَجَالٌ، فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُوَجِّهَ الْكَلَامَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي " كَانَ " ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهُ مُبَيِّنٌ لِلِاسْمِ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ: بُطْحٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي هِيَ بُطْحٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ: قَالَ: نَعَمِ الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ أَظْهَرُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرُ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ» . وَرَوَى الرُّويَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ تَحْتَ الْعَمَائِمِ وَبِغَيْرِ الْعَمَائِمِ، وَيَلْبَسُ الْعَمَائِمَ بِغَيْرِ قَلَانِسَ، وَكَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ الْيَمَانِيَةَ، وَهُنَّ الْبِيضُ الْمُضَرِيَّةُ، وَيَلْبَسُ ذَوَاتَ الْآذَانِ فِي الْحَرْبِ، وَكَانَ رُبَّمَا نَزَعَ قَلَنْسُوَتَهُ فَجَعَلَهَا سُتْرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَانَ مِنْ خُلُقِهِ أَنْ يُسَمِّي سِلَاحَهُ وَدَوَابَّهُ وَمَتَاعَهُ» ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ.

ص: 2774

4334 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها «قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " تُرْخِي شِبْرًا "، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ عَنْهَا. قَالَ: " فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» " رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4334 -

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ) : أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ (لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ) : أَيْ ذَمَّ إِسْبَالَهُ (فَالْمَرْأَةُ) : عَطْفٌ عَلَى الْكَلَامِ الْمُقَدَّرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّ الْمُقَدَّرَ قَوْلُهُ: " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ": أَيْ فَمَا تَصْنَعُ الْمَرْأَةُ؟ ، أَوْ فَالْمَرْأَةُ مَا حُكْمُهَا؟ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: تُرْخِي) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُرْسِلُ الْمَرْأَةُ مِنْ ثَوْبِهَا (شِبْرًا) : أَيْ مِنْ نِصْفِ السَّاقَيْنِ، وَقِيلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ (فَقَالَتْ: إِذًا) : بِالتَّنْوِينِ (تَنْكَشِفُ) : بِالرَّفْعِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ. وَفِي نَسْخِهِ السَّيِّدِ: بِالنَّصْبِ أَيْ تَظْهَرُ الْقَدَمُ (عَنْهَا) : أَيْ عَنِ الْمَرْأَةِ إِذَا مَشَتْ (قَالَ: فَذِرَاعًا) : أَيْ فَتُرْخِي ذِرَاعًا، وَالْمَعْنَى تُرْخِي قَدْرَ شِبْرٍ أَوْ ذِرَاعٍ بِحَيْثُ يَصِلُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ إِلَى الْأَرْضِ ; لِتَكُونَ أَقْدَامُهُنَّ مَسْتُورَةً، ثُمَّ بَالَغَ فِي النَّهْيِ عَنِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ:(لَا تَزِيدُ) : أَيِ الْمَرْأَةُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى قَدْرِ الذِّرَاعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الذِّرَاعُ الشَّرْعِيُّ إِذْ هُوَ أَقْصَرُ مِنَ الْعُرْفِيِّ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2774

4335 -

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ:" فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» ".

ــ

4335 -

(وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ) : أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ (إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: " فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) .

ص: 2774

4336 -

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَبَايَعُوهُ وَإِنَّهُ لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسِسْتُ الْخَاتَمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4336 -

(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ) : بِضَمِّ قَافٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ: يُكَنَّى أَبَا إِيَاسٍ الْبَصْرِيِّ، سَمِعَ أَبَاهُ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، وَرَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَشُعْبَةُ وَالْأَعْمَشُ (عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ مُعَاوِيَةَ، قَتَلَهُ الْأَزَارِقَةُ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ. (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ) : أَيْ مَعَ طَائِفَةٍ (مِنْ مُزَيْنَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ مُضَرَ، وَالْجَارُّ صِفَةٌ لِرَهْطٍ وَهُوَ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَيُحَرَّكُ، قَوْمُ الرَّجُلِ وَقَبِيلَتُهُ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَقِيلَ: إِلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَسْلَمُوا ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُمْ رَهْطًا رَهْطًا، أَوْ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْقَوْمِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى " مَعَ " كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]، (فَبَايَعُوهُ) : أَيِ الرَّهْطُ وَهُوَ مَعَهُمْ (وَإِنَّهُ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم (لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ) : أَيْ مَحْلُولُهَا أَوْ مَتْرُوكُهَا مُرَكَّبَةً، وَالْأَزْرَارُ جَمْعُ زِرِّ الْقَمِيصِ. قَالَ مِيرَكُ: أَيْ غَيْرُ مَشْدُودِ الْأَزْرَارِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ غَيْرُ مَزْرُورٍ، وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الشَّمَائِلِ عَنْ قُرَّةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ لِنُبَايِعَهُ، وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ أَوْ غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ بِزِرَارٍ، وَقَالَ: زِرُّ قَمِيصِهِ مُطْلَقٌ أَيْ غَيْرُ مَرْبُوطٍ، وَالشَّكُّ مِنْ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ سَعْدٍ قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَاهُ إِلَّا مُطْلَقَ الْأَزْرَارِ فِي شِتَاءٍ وَلَا خَرِيفٍ، وَلَا يَزِرَّانِ أَزْرَارَهُمَا. هَذَا وَفِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ جَمِيعِهَا بِالرَّاءَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَأَنَّهُ لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ، قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي أُصُولِنَا وَرِوَايَتِنَا الْأُزُرُ بِغَيْرِ رَاءٍ بَعْدَ الزَّايِ، وَهُوَ جَمْعُ الْإِزَارِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الثَّوْبُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَوْ أَكْثَرِهَا الْأَزْرَارُ جَمْعُ زِرٍّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَشَدِّ الرَّاءِ، وَهُوَ خَرِيزَةُ الْجَيْبِ، وَبِهِ شَرَحَ شُرَّاحُهُ، وَجَيْبُ الْقَمِيصِ طَوْقُهُ الَّذِي يُخْرِجُ مِنْهُ الرَّأْسَ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَجْعَلُوهُ وَاسِعًا وَلَا يَزِرُّونَهُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْأَزْرَارَ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ اهـ.

قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ "، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى:" فَرَأَيْتُهُ مُطْلَقَ الْقَمِيصِ "، وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْأَزْرَارِ بِرَائِينِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ زِرٌّ وَعُرْوَةٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ جَيْبَ قَمِيصِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَفْتُوحًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ الْيَدَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَمِيصًا لَهُ زِرٌّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ: فِيهِ حِلُّ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَحِلُّ الزِّرِّ فِيهِ وَحِلُّ إِطْلَاقِهِ، وَأَنَّ طَوْقَهُ كَانَ مَفْتُوحًا بِالطُّولِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّخَذُ لَهُ الْأَزْرَارُ عَادَةً اهـ. وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْعَادَاتِ مُخْتَلِفَةٌ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَحَبَّ وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَأَدْخَلْتُ يَدِي) : بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ (فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ) : قَالَ السُّيُوطِيُّ: فِيهِ أَنَّ جَيْبَهُ كَانَ عَلَى الصَّدْرِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْآنَ، فَظَنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَيْبَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَا يُقْطَعُ مِنَ الثَّوْبِ لِيُخْرِجَ الرَّأْسَ أَوِ الْيَدَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، يُقَالُ: جَابَ الْقَمِيصَ يَجُوبُهُ وَيَجِيبُهُ أَيْ قَدَّرَ جَيْبَهُ، وَجَيَّبَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ جَيْبًا، وَأَصْلُ الْجَيْبِ الْقَطْعُ وَالْخَرْقُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي صَدْرِ الثَّوْبِ لِيُوضَعَ فِيهِ الشَّيْءُ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَيْبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَرَفُهُ الَّذِي يُحِيطُ بِالْعُنُقِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: جَيْبُ الثَّوْبِ أَيْ جَعَلَهُ فِيهِ ثُقْبًا يُخْرِجُ مِنْهُ الرَّأْسَ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَوْلُهُ: فَأَدْخَلْتُ يَدِي. . إِلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ جَيْبَ قَمِيصِهِ كَانَ فِي صَدْرِهِ لِمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رُؤِيَ مُطْلَقَ الْقَمِيصِ أَيْ غَيْرَ مَزْرُورٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَمَسِسْتُ) : بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى وَيُفْتَحُ، وَالْأُولَى هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] أَيْ لَمَسْتُ (الْخَاتَمَ) : بِفَتْحِ التَّاءِ، وَيُكْسَرُ أَيْ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ سَعْدٍ.

ص: 2775

4337 -

وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ ; فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4337 -

(وَعَنْ سَمُرَةَ) : أَيِ ابْنُ جُنْدَبٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ) : جَمْعُ الْأَبْيَضِ وَأَصْلُهُ فُعْلٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَحُمْرٍ وَصُفْرٍ وَسُودٍ، فَكَانَ الْقِيَاسُ بَوْضٍ لَكِنْ كُسِرَ أَوَّلُهُ إِبْقَاءً عَلَى أَصْلِ الْيَاءِ فِيهِ، (فَإِنَّهَا أَطْهَرُ) : أَيْ لَا دَنَسَ وَلَا وَسَخَ فِيهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْبِيضَ أَكْثَرُ تَأَثُّرًا مِنَ الثِّيَابِ الْمُلَوَّنَةِ، فَتَكُونُ أَكْثَرَ غَسْلًا مِنْهَا فَتَكُونُ أَطْهَرَ اهـ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا أَطْهَرُ لِكَوْنِهَا حَاكِيَةً عَنْ ظُهُورِ النَّجَاسَةِ فِيهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّبْغِ نَجَاسَةٌ، وَالْأَبْيَضُ بَرِيءٌ مِنْهَا (وَأَطْيَبُ) : أَيْ أَحْسَنُ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ، لَكِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ فِي الْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَقِيلَ: أَطْيَبُ لِدَلَالَتِهِ غَالِبًا عَلَى التَّوَاضُعِ، وَعَدَمِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ، (وَكَفِّنُوا) : عَطْفٌ عَلَى الْبَسُوا أَيِ الْبَسُوهَا فِي حَيَاتِكُمْ وَكَفِّنُوا (فِيهَا مَوْتَاكُمْ) : وَأَمَّا مَا جَاءَ نَصٌّ فِي اسْتِحْبَابِ تَغْيِيرِهِ كَخِضَابِ الْمَرْأَةِ يَدَهَا بِالْحِنَّاءِ، وَمَا كَانَ هُنَاكَ غَرَضٌ مُبَاحٌ أَوْ ضَرُورَةٌ، كَمَا اخْتَارَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ الثَّوْبَ الْأَزْرَقَ لِقِلَّةِ مُؤْنَةِ غَسْلِهِ وَرِعَايَةِ حَالِهِ، فَخَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ وَقِيلَ: إِنَّهَا أَطْهَرُ لِأَنَّهَا تُغْسَلُ مِنْ غَيْرِ مَخَافَةٍ عَلَى ذَهَابِ لَوْنِهَا، وَأَطْيَبُ أَيْ أَلَذُّ ; لِأَنَّ لَذَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي طَهَارَةِ ثَوْبِهِ، وَأَمَّا مَا تَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ مِنَ الرَّكَاكَةِ مَا لَا يَخْفَى، فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْخَفَاءِ مَعَ ظُهُورِ الْخَفَاءِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَطْيَبُ بِمَعْنَى أَحَلُّ، فَفِي النِّهَايَةِ: أَكْثَرُ مَا يَرِدُ الطَّيِّبُ بِمَعْنَى الْحَلَالِ، كَمَا أَنَّ الْخَبِيثَ بِمَعْنَى الْحَرَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ تَعَالَى:{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة: 100]، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا " «إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ فِي قُبُورِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمُ الْبَيَاضُ» " قَالَ مِيرَكُ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ الْغِفَارِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ اهـ. قِيلَ: مَعْنَى أَطْيَبُ أَحْسَنُ لِبَقَائِهِ عَلَى اللَّوْنِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، كَمَا أَشَارَ سبحانه وتعالى بِقَوْلِهِ:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ جِدًّا لِاقْتِرَانِهِ بِقَوْلِهِ:" وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا - حَيًّا وَمَيِّتًا - بِالْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْبَيَاضِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْجِبِلِّيُّ بِحَيْثُ لَوْ خَلَى وَطَبْعُهُ لَاخْتَارَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ، وَإِنَّمَا يُغَيِّرُهُ الْعَوَارِضُ الْمَصْنُوعَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِالْمَصْبُوغَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ:" «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» " بِالتَّقْلِيدِ الْمَحْضِ الْغَالِبِ عَلَى عَامَّةِ الْأُمَّةِ حَيْثُ قَالُوا: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138] ، وَفِي الْبَيَاضِ إِشْعَارٌ إِلَى طَهَارَةِ الْبَاطِنِ أَيْضًا مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْعَدَاوَةِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الدَّنِيَّةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالنَّجَاسَاتِ الْحُكْمِيَّةِ، بَلِ الْحَقِيقِيَّةِ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ، وَأَنَّ نَظَافَةَ الظَّاهِرِ مِنَ الْبَدَنِ وَمَا يُلَاقِيهِ مِنَ الثِّيَابِ، لِطَهَارَتِهِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ فِي أَمْرِ الْبَاطِنِ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 3] فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى أَنَّ أَطْيَبِيَّةَ لُبْسِ الْبَيَاضِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَكُونُ لِتَذْكِيرِ لُبْسِ أَهْلِ الْعُقْبَى، إِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَآلَهُ إِلَى الْبِلَى، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي تَحْصِيلِهِ الْبَلَاءَ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيَاضَ فِي الْكَفَنِ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِصَدَدِ مُوَاجَهَةِ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا أَنَّ لُبْسَهُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَحْضُرُ الْمَحَافِلَ، كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ وَمُلَاقَاةِ الْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْعِيدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ فِيهِ مَا يَكُونُ أَرْفَعَ قِيمَةً نَظَرًا إِلَى إِظْهَارِ مَزِيدِ النِّعْمَةِ وَآثَارِ الزِّينَةِ وَمَزِيَّةِ الْمِنَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ، عَنْ جَابِرٍ:«إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ كَوْنُ خُطُوطِهِ حُمْرًا، فَإِنَّ الْبُرْدَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخُطُوطٍ حُمْرٍ وَصُفْرٍ أَوْ نَحْوِهَا، عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومُ لُغَةً وَعُرْفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَفِي الشَّمَائِلِ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " «عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ مِنَ الثِّيَابِ لِيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ; فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ» ". وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَسْنَدَ هَذَا اللَّفْظَ إِلَى سَمُرَةَ أَيْضًا وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ.

ص: 2776

4338 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

4338 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اعْتَمَّ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ لَفَّ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ (سَدَلَ) : أَيْ أَرْسَلَ وَأَرْخَى (عِمَامَتَهُ) : أَيْ طَرَفَهَا الَّذِي يُسَمَّى الْعَلَامَةَ وَالْعَذَبَةَ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ) : بِالتَّثْنِيَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: " أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ "، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَمُّ؟ ، قَالَ: يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَفْرِشُهَا مِنْ وَرَائِهِ، وَيُرْخِي لَهَا ذُؤَابَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ عُبَيْدِ اللَّهِ: وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ. أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ إِسْدَالِ طَرَفِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) .

ص: 2777

4339 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: «عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4339 -

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: عَمَّمَنِي) . بِيَمِينٍ أَيْ لَفَّ عِمَامَتِي عَلَى رَأْسِي (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي) . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ أَرْسَلَ لِعِمَامَتِي طَرَفَيْنِ أَحَدُهَا عَلَى صَدْرِي وَالْآخَرُ مِنْ خَلْفِي. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْجَامِعِ بِسَنَدِهِمَا عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ:«سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي» . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، «عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ وَأَسْدَلَ طَرَفَيْهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ» ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما مُعْتَمًّا قَدْ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي السِّيَرِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرْخِي عَلَامَتَهُ أَحْيَانًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَحْيَانًا يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ» ، فَعَلِمَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ سُنَّةٌ.

ص: 2777

4340 -

وَعَنْ رُكَانَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ.

ــ

4340 -

(وَعَنْ رُكَانَةَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَبِالنُّونِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيُّ، كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ حَدِيثًا فِي الْحِجَازِيِّينَ، بَقِيَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فَرْقُ مَا بَيْنَنَا) : أَيِ الْفَارِقُ فِيمَا بَيْنَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ، وَهِيَ الطَّاقِيَّةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُلَفُّ الْعِمَامَةُ عَلَيْهَا أَيْ نَحْنُ نَتَعَمَّمُ عَلَى الْقَلَانِسِ، وَهُمْ يَكْتَفُونَ بِالْعَمَائِمِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ الْمَلَكِ وَسَيَأْتِي مَا يُنَافِيهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ) . قُلْتُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَعَلَّ إِسْنَادَهُ قَائِمًا وَيَحْصُلُ الْقِيَامُ بِهِ. وَعَنِ الْجَزَرِيِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ السُّنَّةُ: أَنْ يَلْبَسَ الْقَلَنْسُوَةَ وَالْعِمَامَةَ، فَأَمَّا لُبْسُ الْقَلَنْسُوَةِ فَهُوَ زِيُّ الْمُشْرِكِينَ لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْ رُكَانَةَ. الْحَدِيثَ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا سَبَقَ مِنَ الشُّرَّاحِ، لَكِنْ قَالَ مِيرَكُ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ تَحْتَ الْعَمَائِمِ وَيَلْبَسُ بِغَيْرِ الْقَلَانِسِ اهـ.

وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ الْقَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ الْعِمَامَةِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا زِيُّ الْمُشْرِكِينَ، وَرَوَى الْقُضَاعِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ، عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - مَرْفُوعًا " «الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ وَالِاحْتِبَاءُ حِيطَانُهُا وَجُلُوسُ الْمُؤْمِنِ فِي الْمَسْجِدِ رِبَاطٌ» ".

ص: 2777

وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ، فَإِذَا وَضَعُوا الْعَمَائِمَ وَضَعُوا عِزَّهُمْ» . وَرَوَى الْبَارُودِيُّ عَنْ رُكَانَةَ بِلَفْظِ: " «الْعِمَامَةُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ فَصْلُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، يُعْطَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِكُلِّ كَوْرَةٍ يُدَوِّرُهَا عَلَى رَأْسِهِ نُورًا» ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "«صَلَاةُ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرِيضَةٍ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ، وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةً بِلَا عِمَامَةٍ» ". فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِمَامَةِ مُطْلَقًا، نَعَمِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ أَفْضَلُ إِمَّا لِيَحْصُلَ بِهَا الْبَهَاءُ الزَّائِدُ، أَوْ لِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ تَقِيهَا مِنَ الْعَرَقِ، وَلِهَذَا تُسَمَّى عَرَقِيَّةً، فَلُبْسُهَا وَحْدَهَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، كَيْفَ وَهِيَ زِيُّ الْكَفَرَةِ، وَكَذَا الْمُبْتَدَعِةُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ، لَكِنْ صَارَ شِعَارًا لِبَعْضِ مَشَايِخِ الْيَمَنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَقَاصِدِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ قَدْ تَتَبَّعْتُ الْكُتُبَ وَتَطَلَّبْتُ مِنَ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ لِأَقِفَ عَلَى قَدْرِ عِمَامَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ، ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ «كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم عِمَامَةٌ قَصِيرَةٌ، وَعِمَامَةٌ طَوِيلَةٌ، وَأَنَّ الْقَصِيرَةَ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَالطَّوِيلَةَ اثْنَى عَشَرَ ذِرَاعًا» اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدْخِلِ أَنَّ عِمَامَتَهُ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، وَقَدْ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي مَلْبَسِهِ كَسَائِرِ سِيَرِهِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ، وَنَفْعُهُ لِلنَّاسِ أَعَمُّ، إِذْ كِبَرُ الْعِمَامَةِ يُعَرِّضُ الرَّأْسَ لِلْآفَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْفُقَهَاءِ الْمَكِّيَّةِ وَالْقُضَاةِ الرُّومِيَّةِ، وَصِغَرُهَا لَا يَقِي مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَكَانَ يَجْعَلُهَا وَسَطًا بَيْنَ ذَلِكَ ; تَنْبِيهًا عَلَى أَنْ تَعْتَدِلَ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِكَ.

قَالَ صَاحِبُ الْمُدْخِلِ: وَعَلَيْكَ أَنْ تَتَسَرْوَلَ قَاعِدًا وَتَتَعَمَّمَ قَائِمًا، وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِابْنِ حَجَرٍ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ، عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: أَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا بَدِيعًا، وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى رَبَّهُ وَاضِعًا يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ أَكْرَمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالْعَذَبَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ نَجِدْ لِذَلِكَ أَصْلًا يَعْنِي مِنَ السُّنَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:، بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ رَأْيِهِمَا وَضَلَالِهِمَا، إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ وَأَطَالَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ، وَالْحَطِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي نَفْيِهِمْ لَهُ، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَهُمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْقَبَائِحِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ مَا تُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، قَبَّحَهُمَا اللَّهُ وَقَبَّحَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَجِلَّاءُ مَذْهَبِهِ مُبَرَّءُونَ عَنْ هَذِهِ الْوَصْمَةِ الْقَبِيحَةِ، كَيْفَ وَهِيَ كُفْرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ.

أَقُولُ: صَانَهُمَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ السِّمَةِ الشَّنِيعَةِ وَالنِّسْبَةِ الْفَظِيعَةِ، وَمَنْ طَالَعَ شَرْحَ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ لِنَدِيمٍ الْبَارِيِّ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْحَنْبَلِيُّ - قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى سِرَّهُ الْجَلِيَّ - وَهُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ حَالَ الْإِطْلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ وَمِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِمَّا ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ عَلَى وَفْقِ الْمَسْطُورِ هُوَ قَوْلُهُ عَلَى بَعْضِ صُبَاةِ الْمَنَازِلِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُبَيِّنُ مَرْتَبَتَهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَمِقْدَارَهُ فِي الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا رَمَاهُ أَعْدَاؤُهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي رَمْيِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ بِذَلِكَ، كَرَمْيِ الرَّافِضَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ نَوَاصِبُ، وَالنَّوَاصِبِ بِأَنَّهُمْ رَوَافِضُ، وَالْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّهُمْ نَوَائِبُ حَشْوِيَّةٌ، وَذَلِكَ مِيرَاثٌ مِنْ أَعْدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمْيِهِ وَرَمْيِ أَصْحَابِهِ، بِأَنَّهُمْ صُرَاةٌ قَدِ ابْتَدَعُوا دِينًا مُحْدَثًا، وَهَذَا مِيرَاثٌ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمَيْمَنَةِ مِنْ نَبِيِّهِمْ بِتَلْقِيبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَهُمْ بِالْأَلْقَابِ الْمَذْمُومَةِ، وَقَدَّسَ اللَّهُ رُوحَ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ، وَقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ الرَّفْضُ:

إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ

فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّي رَافِضِيٌّ

وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَةَ حَيْثُ يَقُولُ:

إِنْ كَانَ نَصْبًا حُبُّ صَحْبِ مُحَمَّدٍ

فَلْيَشْهَدِ الثِّقْلَانِ أَنِّي نَاصِبِيُّ

وَعَفَا اللَّهُ عَنِ الثَّالِثِ حَيْثُ يَقُولُ:

فَإِنْ كَانَ تَجْسِيمًا ثُبُوتُ صِفَاتِهِ

وَتَنْزِيهُهَا عَنْ كُلِّ تَأْوِيلٍ مُفْتَرٍ

فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ رَبِّي مُجَسِّمٌ

هَلُمُّوا شُهُودًا وَامْلَئُوا كُلَّ مَحْضَرِ

ص: 2778

ثُمَّ بُيِّنَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنَ التَّشْنِيعِ الْمَسْطُورِ، وَالتَّقْبِيحِ الْمَزْبُورِ، وَهُوَ مَا نَصُّهُ: إِنَّ حِفْظَهُ حُرْمَةُ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِإِجْرَاءِ أَخْبَارِهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَهُوَ اعْتَقِادُ مَفْهُومِهَا الْمُتَبَادِرِ إِلَى أَفْهَامِ الْعَامَّةِ، وَلَا نَعْنِي بِالْعَامَّةِ الْجُهَّالَ، بَلْ عَامَّةَ الْأُمَّةِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟ ، فَأَطْرَقَ مَالِكٌ رَأْسَهُ حَتَّى عَلَاهُ الرَّحَضَاءُ، ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.

فَرْقٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَبَيْنَ الْكَيْفِ الَّذِي لَا يَعْقِلُهُ الْبَشَرُ، وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ مَالِكٍ رحمه الله شَافٍ عَامٍّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالنُّزُولِ وَالْغَضَبِ وَالرَّحْمَةِ وَالضَّحِكِ، فَمَعَانِيهَا كُلُّهَا مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَغَيْرُ مَعْقُولَةٍ، إِذْ تَعَقُّلُ الْكَيْفِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الذَّاتِ وَكُنْهِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَعْلُومٍ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ لَهُمْ كَيْفِيَّةُ الصِّفَاتِ؟ وَالْعِصْمَةُ النَّافِعَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَصِفَ اللَّهَ - بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ: وَوَصَفَ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيرٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، بَلْ يُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، وَيَنْفِي عَنْهُ مُشَابَهَةَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَيَكُونُ إِثْبَاتُكُ مُنَزَّهًا عَنِ التَّشْبِيهِ، وَنَفْيُكَ مُنَزَّهًا عَنِ التَّعْطِيلِ، فَمَنْ نَفَى حَقِيقَةَ الِاسْتِوَاءِ فَهُوَ مُعَطِّلٌ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَهُوَ مُشَبِّهٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ اسْتِوَاءٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَهُوَ الْمُوَحِّدُ الْمُنَزِّهُ اهـ كَلَامَهُ. وَتَبَيَّنَ مَرَامُهُ، وَظَهَرَ أَنَّ مُعْتَقَدَهُ مُوَافِقٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْخَلَفِ، فَالطَّعْنُ الشَّنِيعُ وَالتَّقْبِيحُ الْفَظِيعُ غَيْرُ مُوَجَّهٍ عَلَيْهِ وَلَا مُتَوَجِّهٍ إِلَيْهِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ بِعَيْنِهِ مُطَابِقٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالْمُجْتَهِدُ الْأَقْدَمُ فِي فِقْهِهِ الْأَكْبَرِ مَا نَصُّهُ: " وَلَهُ تَعَالَى يَدٌ وَوَجْهٌ وَنَفْسٌ، فَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالنَّفْسِ فَهُوَ لَهُ صِفَاتٌ بِلَا كَيْفٍ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ يَدَهُ قُدْرَتُهُ أَوْ نِعْمَتُهُ ; لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَالَ الصِّفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْقَدَرِ وَالِاعْتِزَالِ، وَلَكِنَّ يَدَهُ صِفَتُهُ بِلَا كَيْفٍ، وَغَضَبُهُ وَرِضَاهُ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِهِ بِلَا كَيْفٍ اهـ.

وَحَيْثُ انْتَفَى عَنْهُ اعْتِقَادُ التَّجْسِيمِ، بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ ظَاهِرٌ، وَتَوْجِيهٌ لِأَهْلِ - التَّنْبِيهِ بَاهِرٌ، سَوَاءٌ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ، أَوْ تَجَلَّى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَيْهِ بِالتَّجَلِّي الصُّورِيِّ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْحَالِ وَالْمَقَامِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُذَكِّرًا بِهَيْئَتِهِ، وَمُفَكِّرًا بِرُؤْيَتِهِ الْحَاصِلَةِ مِنْ كَمَالِ تَجْلِيَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ أَنْبِيَائِهِ أَوْ أَصْفِيَائِهِ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ بِحُسْنِ تَرْبِيَتِهِ، وَجَلَّى مَرَائِيَ قُلُوبِهُمْ بِحُسْنِ تَجْلِيَتِهِ، حَتَّى شَهِدُوا مَقَامَ الْحُضُورِ وَالْبَقَاءِ، وَتَخَلَّصُوا عَنْ صِدَاءِ الْحُظُورِ وَالْفَنَاءِ، رَزَقَنَا اللَّهُ أَشْوَاقَهُمْ، وَأَذَاقَنَا أَحْوَالَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ، وَأَحْيَانًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَأَمَاتَنَا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ، وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ.

ص: 2779

4341 -

وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

4341 -

(وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أُحِلَّ) : بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ أُبِيحَ (الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ) : بِكَسْرِ الْهَمْزِ (مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ) : أَيْ مَا ذُكِرَ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى ذُكُورِهَا) : أَيْ ذُكُورِ أُمَّتِي وَالذُّكُورُ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الصِّبْيَانَ أَيْضًا، لَكِنَّهُمْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ حَرُمَ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُمْ، وَالْمُرَادُ مِنَ الذَّهَبِ حُلِيَّهُ،: وَإِلَّا فَالْأَوَانِي مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَكَذَا حُلِيُّ الْفِضَّةِ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ، إِلَّا مَا اسْتُثْنَى لِلرِّجَالِ مِنَ الْخَاتَمِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) : وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 2779

4342 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، كَمَا كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَمَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

4342 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا) : أَيْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا، وَأَصْلُهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: صَيَّرَ ثَوْبَهُ جَدِيدًا، وَأَغْرَبَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: طَلَبَ ثَوْبًا جَدِيدًا، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا لَبِسَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ» ، وَكَذَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، فَالْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَلْبَسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ:(سَمَّاهُ) : أَيِ الثَّوْبَ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ (بِاسْمِهِ) : أَيِ الْمُتَعَارَفُ الْمُتَعَيَّنُ الْمُشَخَّصُ الْمَوْضُوعُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ (عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا، أَوْ رِدَاءً) : أَيْ أَوْ غَيْرَهَا، كَالْإِزَارِ وَالسِّرْوَالِ وَالْخُفِّ وَنَحْوِهَا، وَالْمَقْصُودُ التَّعْمِيمُ، فَالتَّخْصِيصُ لِلتَّمْثِيلِ بِأَنْ يَقُولَ: رَزَقَنِي اللَّهُ أَوْ أَعْطَانِي أَوْ كَسَانِي هَذِهِ الْعِمَامَةَ أَوِ الْقَمِيصَ أَوِ الرِّدَاءَ، وَ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ. أَوْ يَقُولُ: هَذَا قَمِيصٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ عِمَامَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَالْفَائِدَةُ لَهُ أَتَمُّ وَأَكْثَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُظْهِرِ، وَالثَّانِي مُخْتَارُ الطِّيبِيِّ فَتَدَبَّرْ.

(ثُمَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، كَمَا كَسَوْتَنِيهِ) : الْكَافُ تَعْلِيلِيَّةٌ، أَوْ بِمَعْنَى " عَلَى " وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّى، قَالَ الْمُظْهِرُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِي هَذَا الْقَمِيصَ أَوِ الْعِمَامَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِدَلَالَةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ بَدَلٌ عَنْ ضَمِيرِ كَسَوْتَنِيهِ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُلَائِمُ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ لَفْظِ الدُّعَاءِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: " كَمَا كَسَوْتَنِيهِ " مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ (أَسْأَلُكَ) :. . إِلَخْ. وَهُوَ الْمُشَبَّهُ أَيْ مِثْلَ مَا كَسَوْتَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ أَسْأَلُكَ (خَيْرَهُ) : أَيْ أَنْ تُوصِلَ. . إِلَخْ. (وَخَيْرَ مَا صُنِعَ) : أَيْ خُلِقَ (لَهُ) : مِنَ الشُّكْرِ بِالْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ وَالْحَمْدُ لِمُوَلِّيهِ بِاللِّسَانِ اهـ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْلَى فَقَوْلُهُ: أَسْأَلُكَ اسْتِئْنَافٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ ثَنَاءٍ، (وَأَعُوذُ بِكَ) : عَطْفٌ عَلَى أَسْأَلُكَ، أَيْ أَسْتَعِيذُ بِكَ (مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ) : أَيْ مِنَ الْكُفْرَانِ، هَذَا وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ:" كَمَا " بِقَوْلِهِ: " أَسْأَلُكَ "، وَالْمَعْنَى أَسْأَلُكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خُلُقِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَهُوَ الْعِبَادَةُ بِهِ، وَصَرْفُهُ فِيمَا فِيهِ رِضَاكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا تَرْضَى بِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَكَوْنِي أُعَاقَبُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ، وَقَالَ مِيرَكُ: خَيْرُ الثَّوَابِ بَقَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَوْنُهُ مَلْبُوسًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ هُوَ الضَّرُورَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يُصْنَعُ اللِّبَاسُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْمُرَادُ سُؤَالُ الْخَيْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَلِّغًا إِلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي صُنِعَ لِأَجْلِهِ الثَّوْبُ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ لِمُوَلِّيهِ، وَفِي الشَّرِّ عَكْسُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا وَنَجِسًا وَلَا يَبْقَى زَمَانًا طَوِيلًا، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَالِافْتِخَارِ وَالْعُجْبِ وَالْغُرُورِ، وَعَدَمِ الْقَنَاعَةِ بِثَوْبِ الدُّونِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.

(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ فَقَالَ: " أَجَدِيدٌ قَمِيصُكَ هَذَا أَمْ غَسِيلٌ؟ " قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمُتْ شَهِيدًا» ) .

ص: 2780

4343 -

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ لِي وَلَا قُوَّةٍ، غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: ( «وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» .

ــ

4343 -

(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ) : أَيِ الْجُهَنِيِّ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَهْلٌ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ هُنَا لَفْظٌ وَمَا

ص: 2780

تَأَخَّرَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ أُلْحِقَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ تَوَهُّمًا مِنَ الْقَرِينَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ:(وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: " مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا) : أَيْ هَذَا الثَّوْبَ (وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ) : قَالَ مِيرَكُ: أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ، وَحَسَّنَهُ وَأَبُو دَاوُدَ، الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ: " وَمَا تَأَخَّرَ " اهـ.

وَذُكِرَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ اهـ، وَكَذَلِكَ فِي الْحِصْنِ، فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مُوهِمٌ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى لَمْ يَرْوِهَا التِّرْمِذِيُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. هَذَا وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَّا لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ» .

قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُ فِي إِسْنَادِهِ أَحَدًا ذُكِرَ بِجَرْحٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: " «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي السُّوقَ فَيَبْتَاعُ الْقَمِيصَ بِنِصْفِ أَوْ ثُلُثِ دِينَارٍ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا لَبِسَهُ فَلَا يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.

ص: 2781

4344 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَا عَائِشَةُ إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ، وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

ــ

4344 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي) : أَيْ خَاطَبَنِي بِالْخُصُوصِ (رَسُولُ اللَّهِ " صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَةُ إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي) : أَيِ الْوِصَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِي مَنَصَّةِ الْجَمَالِ (فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) : أَيْ مِثْلَهُ وَهُوَ فَاعِلُ يَكُفُّ أَيِ اقْتَنِعِي بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ إِلَى مَنْزِلِ الْعُقْبَى (وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ) : أَيْ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّ مُجَالَسَتَهُمْ تَجُرُّ إِلَى مَحَبَّةِ الشَّهَوَاتِ وَاللَّهَوَاتِ ; وَلِذَا قِيلَ: " لَا تَنْظُرُوا إِلَى أَرْبَابِ الدُّنْيَا ; فَإِنَّ بَرِيقَ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، يَذْهَبُ بِرَوْنَقِ حَلَاوَةِ الْفُقَرَاءِ "، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] الْآيَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ:" اتَّقُوا مُجَالَسَةَ الْمَوْتَى " قِيلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْأَغْنِيَاءُ "، وَذَكَرَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" اتْرُكُوا الدُّنْيَا لِأَهْلِهَا ; فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ أَخَذَ مِنْ حَتْفِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ "، (وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا) : بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ أَيْ لَا تَعُدِّيهِ خَلِقًا مِنِ اسْتَخْلَقَ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ اسْتَجَدَّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ.

وَقَالَ الْأَشْرَفُ: وَرُوِيَ بِالْفَاءِ مِنِ اسْتَخْلَفَ لَهُ إِذَا طَلَبَ لَهُ خَلَفًا، أَيْ عِوَضًا، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَصْلِ بِمِنْ، لَكِنِ اتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِهَا كَمَا اتَّسَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155]، (حَتَّى تُرَقِّعِيهِ) : بِتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ تُخِيطِي عَلَيْهِ رُقْعَةً، ثُمَّ تَلْبَسِيهِ مَرَّةً، وَفِيهِ تَحْرِيضٌ لَهَا عَلَى الْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ، وَالِاكْتِفَاءِ بِالثَّوْبِ الْحَقِيرِ، وَالتَّشْبِيهِ بِالْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، قَالَ أَنَسٌ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ رَقَّعَ ثَوْبَهُ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: خَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً اهـ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ) : بِتَشْدِيدِ السِّينِ يَنْصَرِفُ وَلَا يَنْصَرِفُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) : أَيِ الْبُخَارِيُّ (صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) : وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الْقَمِيصَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفُ، وَيَقُولُ: " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي» ".

ص: 2781

4345 -

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِيَاسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَلَا تَسْمَعُونَ؟ أَلَا تَسْمَعُونَ أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ، أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ» ؟ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4345 -

(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِيَاسِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (ابْنِ ثَعْلَبَةَ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا تَسْمَعُونَ؟) : بِتَخْفِيفِ اللَّامِ (أَلَا تَسْمَعُونَ؟) : أَيِ اسْمَعُوا وَكُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ (أَنَّ الْبَذَاذَةَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ (مِنَ الْإِيمَانِ) : أَيْ مِنْ كَمَالِ أَهْلِهِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُقَالُ رَجُلٌ بَذُّ الْهَيْئَةِ أَيْ رَثُّ اللِّبْسَةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّوَاضُعَ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّوَقِّيَ عَنِ الْفَائِقِ فِي الزِّينَةِ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ. (أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ) : كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ، فَفِيهِ اخْتِيَارُ الْفَقْرِ وَالْكَسْرِ، فَلُبْسُ الْخَلِقِ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ خُلُقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ.

ص: 2782

4346 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4346 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ) : أَيْ ثَوْبَ تَكَبُّرٍ وَتَفَاخُرٍ وَتَجَبُّرٍ، أَوْ مَا يَتَّخِذُهُ الْمُتَزَهِّدُ لِيُشْهِرَ نَفْسَهُ بِالزُّهْدِ، أَوْ مَا يَشْعُرُ بِهِ الْمُتَسَيِّدُ مِنْ عَلَامَةِ السِّيَادَةِ كَالثَّوْبِ الْأَخْضَرِ، أَوْ مَا يَلْبَسُهُ الْمُتَفَقِهَةُ مِنْ لُبْسِ الْفُقَهَاءِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ السُّفَهَاءِ. (فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبُ مَذَلَّةٍ) : ضِدُّ الْمَعَزَّةِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ جَزَاءً وِفَاقًا ; فَإِنَّ الْمُعَالَجَةَ بِالْأَضْدَادِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنِ اخْتَارَ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ وَتَوَاضُعٍ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَعَزَّةٍ فِي الْعُقْبَى، قَالَ الْقَاضِي: الشُّهْرَةُ ظُهُورُ الشَّيْءِ فِي شَيْئِهِ بِحَيْثُ يُشْهَرُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَالْمُرَادُ بِثَوْبِ شُهْرَةٍ مَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ، وَإِلَّا لَمَا رَتَّبَ الْوَعِيدَ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يُقْصَدُ بِلُبْسِهِ التَّفَاخُرُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْإِذْلَالُ بِهِمْ وَكَسْرُ قُلُوبِهِمْ، أَوْ مَا يَتَّخِذُهُ الْمُسَاخِرُ لِيَجْعَلَ بِهِ نَفْسَهُ ضُحَكَةً بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ مَا يُرَائِي بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَكُنِّيَ بِالثَّوْبِ عَنِ الْعَمَلِ وَهُوَ شَائِعٌ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ وَفِي النِّهَايَةِ: أَيْ أَيْ أَشْمَلَهُ بِالذُّلِّ كَمَا يَشْمَلُ الثَّوْبُ الْبَدَنَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالضِّيَاءُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِلَفْظِ:" «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِلَفْظِ: "«مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، ثُمَّ يُلْهِبُ فِيهِ النَّارَ» "، وَرَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي سُنَنِ الصُّوفِيَّةِ، وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا "«احْذَرُوا الشُّهْرَتَيْنِ: الصُّوفَ وَالْخَزَّ» ". وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: "«لَيْسَ الْبِرُّ فِي حُسْنِ اللِّبَاسِ وَالزِّيِّ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» "، وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ قَدْ تَقَدَّمَ.

ص: 2782

4347 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

4347 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ) : أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسَهُ بِالْكُفَّارِ مَثَلًا فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ، أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوِ الْفُجَّارِ أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالصُّلَحَاءِ الْأَبْرَارِ. (فَهُوَ مِنْهُمْ) : أَيْ فِي الْإِثْمِ وَالْخَيْرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا عَامٌّ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَالشِّعَارِ، وَلِمَا كَانَ الشِّعَارُ أَظْهَرُ فِي التَّشَبُّهِ ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْتُ: بَلِ الشِّعَارُ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّشَبُّهِ لَا غَيْرُ، فَإِنَّ الْخُلُقَ الصُّورِيَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّشَبُّهُ، وَالْخُلُقَ الْمَعْنَوِيَّ لَا يُقَالُ فِيهِ التَّشَبُّهُ، بَلْ هُوَ التَّخَلُّقُ، هَذَا وَقَدْ حَكَى حِكَايَةً غَرِيبَةً وَلَطِيفَةً عَجِيبَةً، وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - فِرْعَوْنَ وَآلَهُ لَمْ يُغْرِقْ مَسْخَرَتَهُ الَّذِي كَانَ يُحَاكِي سَيِّدَنَا مُوسَى عليه الصلاة والسلام فِي لُبْسِهِ وَكَلَامِهِ وَمَقَالَاتِهِ، فَيَضْحَكُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ ; فَتَضَرَّعَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ: يَا رَبِّ! هَذَا كَانَ يُؤْذِي أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ الرَّبُّ تَعَالَى: مَا أَغْرَقْنَاهُ ; فَإِنَّهُ كَانَ لَابِسًا مِثْلَ لِبَاسِكَ، وَالْحَبِيبُ لَا يُعَذِّبُ مَنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْحَبِيبِ، فَانْظُرْ مَنْ كَانَ مُتَشَبِّهًا بِأَهْلِ الْحَقِّ عَلَى قَصْدِ الْبَاطِلِ حَصَلَ لَهُ نَجَاةٌ صُورِيَّةٌ، وَرُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى النَّجَاةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَشَبَّهُ بِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ عَلَى قَصْدِ التَّشَرُّفِ وَالتَّعْظِيمِ، وَغَرَضِ الْمُشَابِهَةِ الصُّورِيَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّكْرِيمِ؟ ، وَقَدْ بَسَطَ أَنْوَاعَ التَّشَبُّهِ بِالْمَعَارِفِ فِي تَرْجَمَةِ عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2782

4348 -

وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ تَوَاضُعًا، كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، وَمَنْ تَزَوَّجَ لِلَّهِ تَوَجَّهُ اللَّهُ تَاجَ الْمُلْكِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4348 -

(وَعَنْ سُوَيْدِ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ وَهْبٍ) : شَيْخٌ لِابْنِ عَجْلَانَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِيهِ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ عَدْلٌ كَأَبِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، فَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ) : أَيْ زِينَةٍ (وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى لُبْسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ خَوْفًا لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ رَجَاءً لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَقَامِ الْأَعْلَى، أَوِ اسْتِحْقَارًا لِزِينَةِ الدُّنْيَا. (وَفِي رِوَايَةٍ:" تَوَاضُعًا) : وَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ لِتَرَكَ (كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ) : أَيْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَأَلْبَسَهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ (وَمَنْ تَزَوَّجَ لِلَّهِ) : أَيْ بِأَنْ يَنْزِلَ عَنْ دَرَجَتِهِ فَيَتَزَوَّجَ مَنْ هِيَ أَدْنَى مَرْتَبَةً مِنْهُ، كَيَتِيمَةٍ حَقِيرَةٍ، أَوْ مِسْكِينَةٍ فَقِيرَةٍ، أَوْ مَعْتُوقَةٍ صَالِحَةٍ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاةِ رَبِّهِ، أَوْ أَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ صِيَانَةَ دِينِهِ، وَحِفْظَ نَسْلِهِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَةِ رَبِّهِ (تَوَّجَهُ اللَّهُ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ أَلْبَسَهُ (تَاجَ الْمُلْكِ) : وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِجْلَالِهِ وَتَوْقِيرِهِ، أَوْ أُعْطِيَ تَاجًا وَمَمْلَكَةً فِي الْجَنَّةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أُلْبِسَ وَالِدَاهُ حُلَّةً لَا تَقُومُ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ لِلَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ تَصَدَّقَ بِزَوْجَيْنِ أَيْ بِصِنْفَيْنِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتَدَرَتْهُ حَجَبَةُ الْجَنَّةِ» " قِيلَ: وَمَا زَوْجَانِ. . إِلَخْ؟ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي، وَأَمَّا شَرْحُ تَزَوَّجَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ، فَفِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، بَلْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحَالِ، نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ: مَنْ زَوَّجَ بِغَيْرِ تَاءٍ، فَقَالَ أَيْ أَعْطَى لِلَّهِ اثْنَيْنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَقِيلَ: مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2783

4349 -

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثَ اللِّبَاسِ.

ــ

4349 -

(وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ) : أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ) : أَيْ لَا عَنْ سُوَيْدٍ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيَّ الْمُبْهَمَ (حَدِيثَ اللِّبَاسِ) : أَيْ دُونَ حَدِيثِ التَّزَوُّجِ، لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، أَنَّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ بِلَفْظِ:" «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» ".

ص: 2783

4350 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى آثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

4350 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُبْصَرَ وَيَظْهَرُ (أَثَرُ نِعَمَهِ) : أَيْ إِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ تَعَالَى (عَلَى عَبْدِهِ) : فَمِنْ شُكْرِهَا إِظْهَارُهَا، وَمِنْ كُفْرَانِهَا كِتْمَانُهَا. قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي إِذَا آتَى اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا فَلْيُظْهِرْهَا مِنْ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا يَلِيقُ بِحَالِهِ، لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلِيَقْصِدَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِطَلَبِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ يُظْهِرُوا عِلْمَهُمْ لِيَسْتَفِيدَ النَّاسُ مِنْهُمُ اهـ.

فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ حَثَّ عَلَى الْبَذَاذَةِ؟ قُلْتُ: إِنَّمَا حَثَّ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَعْدِلَ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلثِّيَابِ الْمُتَكَلِّفَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ، حَتَّى فِي الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ، فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ دَيْدَنًا وَعَادَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَالنَّظَافَةِ، فَلَا ; لِأَنَّهُ خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْهُ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَبَذِّلَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لَبِسَ» " (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

ص: 2783

4351 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟ وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4351 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرًا، فَرَأَى) : أَيْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عِنْدَنَا (رَجُلًا شَعِثًا) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَتَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ (قَدْ تَفَرَّقَ شَعَرُهُ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ (فَقَالَ: مَا كَانَ)" مَا " نَافِيَةٌ وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ مُقَدَّرَةٌ أَيْ أَلَمْ يَكُنْ (يَجِدُ هَذَا) : أَيِ الرَّجُلُ (مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟) : أَيْ مَا يُلِمُّ شَعَثَهُ وَيَجْمَعُ تَفَرُّقَهُ فَعَبَّرَ بِالتَّسْكِينِ عَنْهُ (وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (فَقَالَ: " أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ) : أَيْ مِنَ الصَّابُونِ أَوِ الْأُشْنَانِ أَوْ نَفْسِ الْمَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَذَاذَتَهُ لِمَا يُؤَدِّي إِلَى ذِلَّتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:" الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ " فَإِثْبَاتُ التَّوَاضُعِ لِلْمُؤْمِنِ، كَمَا جَاءَ: الْمُؤْمِنُ مُتَوَاضِعًا وَلَيْسَ بِذَلِيلٍ، وَلَهُ الْعِزَّةُ دُونَ التَّكَبُّرِ "، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: " إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ " قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّ الْبَذَاذَةَ وَهِيَ الْقَنَاعَةُ بِالدُّونِ مِنَ الثِّيَابِ لَا تُنَافِي النَّظَافَةَ الَّتِي وَرَدَ: أَنَّهَا مِنَ الدِّينِ، وَلَا تَسْتَلْزِمُ الْمَذَلَّةَ عِنْدَ أَرْبَابِ الْيَقِينَ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2784

4352 -

«وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ ثَوْبٌ دُونٌ، فَقَالَ لِي: " أَلَكَ مَالٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ " قُلْتُ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ: (فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الْمَصَابِيحِ.

ــ

4352 -

(وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ) : اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْرٍ، سَمِعَ أَبَاهُ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى، رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ. (عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ مَالِكِ بْنِ نَضْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اسْمَهُ كَمَا سَبَقَ. (قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ ثَوْبٌ دُونٌ) : أَيْ دَنِيءٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِحَالِي مِنَ الْغِنَى، فَفِي الْقَامُوسِ: دُونٌ عَلَى الشَّرِيفِ، وَالْخَسِيسُ ضِدٌّ (فَقَالَ لِي:" أَلَكَ مَالٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟) : أَيْ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ مِنْ جِنْسِ الْأَمْوَالِ؟ (قُلْتُ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ) : أَيْ مِنْ كُلِّ هَذَا الْجِنْسِ وَلِلتَّبْعِيضِ، وَالْمَعْنَى بَعْضُ كُلِّ هَذَا الْجِنْسِ (قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ) : أَيْ أَعْطَانِيهِ وَقَوْلُهُ: (مِنَ الْإِبِلِ) : بَيَانٌ لِمَنِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ أَعْطَانِي اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ: " فَقَدَ " بِالْفَاءِ، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ الطِّيبِيِّ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا تُعُورِفَ بِالْمَالِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ، وَقَوْلُهُ: فَأَعْطَانِي اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ بَيَانٌ لَهُ وَتَفْصِيلٌ اهـ. وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لَفْظَ الْمِشْكَاةِ لَيْسَ فَأَعْطَانِي، بَلْ قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ (وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ) : أَيْ مِنَ الْمَمَالِيكِ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ (قَالَ: فَإِذَا آتَاكَ) : بِالْمَدِّ أَيْ أَعْطَاكَ (اللَّهُ مَالًا) : أَيْ كَثِيرًا أَوْ عَظِيمًا (فَلْيُرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَلْيُبْصَرْ وَلْيَظْهَرْ (أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ) : أَيِ الظَّاهِرَةِ، وَالْمَعْنَى الْبَسْ ثَوْبًا جَيِّدًا لِيَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّكَ غَنِيٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا فِي تَحْسِينِ الثِّيَابِ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّجْدِيدِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي النَّعَامَةِ وَالدِّقَّةِ، وَمُظَاهَرَةِ الْمَلْبَسِ عَلَى اللَّبْسِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الْعَجَمِ، قُلْتُ: الْيَوْمَ زَادَ الْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ رَقَّ ثَوْبُهُ رَقَّ دِينُهُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْإِزْفَا اهـ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّهْرَتَيْنِ: رِقَّةِ الثِّيَابِ وَغِلَظِهَا وَلِينِهَا وَخُشُونَتِهَا وَطُولِهِا وَقِصَرِهَا، وَلَكِنْ سَدَادٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الْمَصَابِيحِ) .

ص: 2784

4353 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

4353 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) : فَهَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ، وَعَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَنْهِيِّ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ وَالتَّسْلِيمَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا " «إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ ; فَإِنَّهَا أَحَبُّ الزِّينَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ» " وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي شَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم: حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ إِمَامُنَا الشَّافِعِيُّ عَلَى حِلِّ لُبْسِ الْأَحْمَرِ، وَإِنْ كَانَ قَانِيًا، قُلْتُ: قَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا ثِيَابٌ ذَاتُ خُطُوطٍ أَيْ لَا حَمْرَاءُ خَالِصَةٌ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي بُرُودِ الْيَمَنِ، وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ ; وَلِذَا أَنْصَفَ مِيرَكُ شَاهْ رحمه الله وَقَالَ: فَعَلَى هَذَا - أَيْ نَقْلِ الْعَسْقَلَانِيِّ - لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ، قُلْتُ: وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «رَأَى ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا» ".

ص: 2785

4354 -

وَعَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ، وَلَا أَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ " وَقَالَ: " أَلَا وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لَا لَوْنَ لَهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لَا رِيحَ لَهُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4354 -

(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ حَمْرَاءُ تُتَّخَذُ مِنْ حَرِيرٍ تُوضَعُ عَلَى السَّرْجِ، وَالْمَعْنَى لَا أَرْكَبُ دَابَّةً عَلَى سَرْجِهَا الْأُرْجُوَانُ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ مُعَرَّبُ أُرْغُوَانَ، وَهُوَ شَجَرٌ لَهُ نُورٌ أَحْمَرُ، وَكُلُّ لَوْنٍ يُشْبِهُهُ فَهُوَ أُرْجُوَانُ. وَقِيلَ: هُوَ الصَّبْغُ الْأَحْمَرُ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْأُرْجُوَانُ بِالضَّمِّ الْأَحْمَرُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَاهُ أَرَادَ الْمَيَاثِرَ الْحُمْرَ، وَقَدْ تُتَّخَذُ مِنْ دِيبَاجٍ وَحَرِيرٍ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ السَّرَفِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ لُبْسِ الرِّجَالِ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُرْجُوَانِ فِي الْحَدِيثِ الْأَحْمَرُ، سَوَاءً كَانَ مُتَّخَذًا مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ عَنِ اجْتِنَابِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ، فَإِنَّ الرُّكُوبَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللُّبْسُ إِذَا كَانَ مَنْفِيًّا، وَالْقُعُودُ عَلَى الْحَرِيرِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ، فَكَيْفَ بِلُبْسِ الْأَحْمَرِ، فَتَدَبَّرْ. وَيُلَائِمُهُ قَوْلُهُ بِالْعَطْفِ عَلَيْهِ (وَلَا أَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ) : أَيِ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ وَقَبْلَهُ، فَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ.

(وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ الْأُولَى مُشَدَّدَةٍ أَيِ الْمَكْفُوفَ (بِالْحَرِيرِ) : فَفِي النِّهَايَةِ: أَيِ الَّذِي عُمِلَ عَلَى ذَيْلِهِ وَأَكْمَامِهِ وَجَيْبِهِ كَفَافٌ مِنْ حَرِيرٍ، وَكُفَّةُ كُلِّ شَيْءٍ بِالضَّمِّ طَرَفُهُ وَحَاشِيَتُهُ، وَكُلُّ مُسْتَدِيرٍ كِفَّةٌ بِالْكَسْرِ كَكِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَكُلُّ مُسْتَطِيلٍ كِفَّةٌ كَكِفَّةِ الثَّوْبِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَسْمَاءَ: " «لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، وَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» - لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ ; لِأَنَّ فِيهِ مَزِيدَ تَجَمُّلٍ وَتَرَفُّهٍ وَلُبْسِ الْجُبَّةِ الْمُكَفَّفَةِ اهـ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ أَسْمَاءَ أَنَّ قَدْرَ مَا كُفَّ بِالْحَرِيرِ هُنَا أَكْثَرُ مِنَ الْقَدْرِ الْمُرَخَّصِ ثَمَّةَ وَهُوَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، أَوْ يُحْمَلُ هَذَا عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَذَاكَ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَبَيَانُ الْجَوَازِ وَالْفَتْوَى، وَقِيلَ: هَذَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى لُبْسِ الْجُبَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَالَ: أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (وَطِيبُ الرِّجَالِ) : أَيِ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِيهِ (رِيحٌ) : أَيْ مَا فِيهِ رِيحٌ (لَا لَوْنَ لَهُ) : كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَعُودٍ (وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لَا رِيحَ لَهُ) : كَالزَّعْفَرَانِ وَالْخَلُوقِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ الطِّيبُ بِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يَخْرُجْنَ، وَالْحَدِيثُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى لِيَكُنْ طِيبُ الرِّجَالِ رِيحًا دُونَ لَوْنٍ، وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنًا دُونَ رِيحٍ.

وَفِي الْفَائِقِ عَنِ النَّخَعِيِّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُؤَنَّثَ فِي الطِّيبِ، وَلَا يَرَوْنَ بِذُكُورَتِهِ بَأْسًا، وَالْمُؤَنَّثُ مَا يَتَطَيَّبُ بِهِ النِّسَاءُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَالْخَلُوقِ وَمَا لَهُ رَدْعٌ، وَالذُّكُورَةُ طِيبُ الرِّجَالِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ رَدْعٌ كَالْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَغَيْرِهَا، وَالتَّاءُ فِي الذُّكُورَةِ لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ مِثْلُهَا فِي الْحُزُونَةِ وَالسُّهُولَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2785

4355 -

وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ رضي الله عنه قَالَ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرٍ: عَنِ الْوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَمُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، وَعَنِ النُّهْبَى، وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَلُبُوسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4355 -

(وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ) : أَيْ سُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ: شَمْعُونَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَبُو رَيْحَانَةَ بْنُ سَمْعُونَ بْنِ يَزِيدَ الْقُرْظِيُّ الْأَنْصَارِيُّ حَلِيفٌ لَهُمْ، وَيُقَالُ لَهُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتِ ابْنَتُهُ رَيْحَانَةً، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، نَزَلَ الشَّامَ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرٍ) : أَيْ خِصَالٍ (عَنِ الْوَشْرِ) : بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ، وَهُوَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ تَحْدِيدُ الْأَسْنَانِ وَتَرْقِيقُ أَطْرَافِهَا، تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ تَتَشَبَّهُ بِالشَّوَابِّ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْرِيرِ وَتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَالْوَشْمِ) : أَيْ وَعَنِ الْوَشْمِ، وَهُوَ أَنْ يُغْرَزَ الْجِلْدُ بِإِبْرَةٍ، ثُمَّ يُحْشَى بِكُحْلٍ أَوْ نِيلٍ فَيَزْرَقُّ أَثَرُهُ أَوْ يَخْضَرُّ (وَالنَّتْفِ) : أَيْ وَعَنْ نَتْفِ النِّسَاءِ الشُّعُورَ مِنْ وُجُوهِهِنَّ، أَوْ نَتْفِ اللِّحْيَةِ أَوِ الْحَاجِبِ بِأَنْ يُنْتَفَ الْبَيَاضُ مِنْهُمَا، أَوْ نَتْفِ الشَّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْوَشْرِ وَالْوَشْمِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ (وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ ثَوْبٍ يَتَّصِلُ بِشَعْرِ الْبَدَنِ، وَالنِّهَايَةُ: أَيْ مُضَاجَعَةِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا يَحُثُّ بِأَنْ يَكُونَا عَارِيَيْنِ، وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا لَمْ يَكُونَا سَاتِرَيِ الْعَوْرَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ؟ (وَمُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ) : أَيْ فِي ذَيْلِهَا وَأَطْرَافِهَا (حَرِيرًا) : أَيْ كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ:(مِثْلَ الْأَعَاجِمِ) : أَيْ مِثْلَ ثِيَابِهِمْ فِي تَكْثِيرِ سِجَافِهَا، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ أَيْضًا عَلَى ظِهَارَةِ ثِيَابِهِمْ تَكَبُّرًا وَافْتِخَارًا، قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي (لُبْسُ الْحَرِيرِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ) ، سَوَاءً كَانَ تَحْتَ الثِّيَابِ أَوْ فَوْقَهَا،: وَعَادَةُ جُهَّالِ الْعَجَمِ أَنْ يَلْبَسُوا تَحْتَ الثِّيَابِ ثَوْبًا قَصِيرًا مِنَ الْحَرِيرِ لِيُلِينَ أَعْضَاءَهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ لَفْظَيْ " يَجْعَلُ " وَ " أَسْفَلَ " يَنْبُوَانِ عَنْهُ، وَلَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَقِيلَ: وَأَنْ يُلْبَسَ تَحْتَ الثِّيَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ:(أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا) : أَيْ عَلَمًا مِنْ حَرِيرٍ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ (مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، وَعَنِ النُّهْبَى) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ. بِمَعْنَى النَّهْبِ وَالْغَارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِمَا يُنْهَبُ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ إِغَارَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ) : بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ نَمِرٍ أَيْ جُلُودِهَا، قِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ مَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلَاءِ أَوْ نَجَاسَةِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الشُّعُورِ، فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ اهـ. وَالْقَوْلُ الْأَخِيرُ سَاقِطٌ عَنِ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّ كُلَّ إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ، إِلَّا جِلْدَ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ عَلَى قَوْلٍ، مَعَ أَنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ عِنْدَنَا طَاهِرٌ مِنْ أَصْلِهِ. (وَلُبُوسِ الْخَاتَمِ) : بِضَمِّ اللَّامِ مَصْدَرٌ كَالدُّخُولِ أَيْ وَعَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُفْتَحُ، وَنَهْيُهُ عَنْهُ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً وَلَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي لُبْسِهِ ضَرُورَةٌ. (إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ) : فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِخَتْمِ الْكِتَابِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْخَاتَمِ مُقْتَضِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مُحْتَاجٍ إِلَى ذَلِكَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَسْتَحْصِلُ مِنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ التَّخَتُّمَ لِلزِّينَةِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا يَشُوبُهَا أَمْرٌ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ التَّنْزِيهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: مَسْمُوحٌ بِدَلِيلِ تَخَتُّمِ الصَّحَابَةِ فِي عَصْرِهِ عليه الصلاة والسلام وَعَصْرِ خُلَفَائِهِ بِلَا نَكِيرٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَبَاحَ لُبْسَ الْخَاتَمِ لِذِي سُلْطَانٍ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لَخَتْمِ الْكُتُبِ، وَكَرِهَهُ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ زِينَةً مَحْضَةً لَا حَاجَةَ فِيهِ اهـ كَلَامُهُ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: " لِذِي سُلْطَانٍ " لِلتَّأْكِيدِ، وَتَقْدِيرُهُ نَهَى عَنْ لُبُوسِ الْخَاتَمِ جَمِيعًا إِلَّا ذَا سُلْطَانٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

ص: 2786

4356 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمَيَاثِرِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَقَالَ: " «نَهَى عَنْ مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ» .

ــ

4356 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ نِسْبَةً إِلَى قَسٍّ بَلَدٌ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ، نُسِبَ إِلَيْهَا الثِّيَابُ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ فِيهَا خُطُوطٌ مِنَ الْحَرِيرِ اهـ. فَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ وَالْوَرَعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ إِذَا كَانَ مِنْ حَرِيرٍ أَيْ إِذَا كَانَ كُلُّهُ أَوْ لُحْمَتُهُ مِنَ الْحَرِيرِ، فَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ، يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، نُسِبَتْ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، يُقَالُ لَهَا: الْقَسُّ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكْسِرُهَا، وَقِيلَ: أَصْلُ الْقَسِّيِّ الْقَزِّيِّ بِالزَّايِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَزِّ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ، فَأُبْدِلَ مِنَ الزَّايِ سِينًا اهـ، وَقِيلَ: الْخَزُّ ثِيَابٌ مِنْ حَرِيرٍ خَالِصٍ، وَقِيلَ مَخْلُوطٌ بِصُوفٍ، وَالثَّانِي جَائِزٌ، فَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: قَدَّمْتُ التَّفْصِيلَ، فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ زَلَلٍ. (وَالْمَيَاثِرِ) : أَيْ وَعَنِ اسْتِعْمَالِهَا وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِيثَرَةٍ بِالْكَسْرِ وَهِيَ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ حَمْرَاءُ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَالنَّهْيُ إِذَا كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ، وَلِكَوْنِهَا مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمَيَاثِرُ مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اهـ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِيثَرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا حَمْرَاءَ، فَالتَّقْيِيدُ إِمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ بِنَاءً عَلَى التَّجْرِيدِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ " وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَقَالَ أَيْ عَلِيٌّ ( «نَهَى عَنْ مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ» ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «نَهَى عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّيِّ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَلَفْظُهُ: عَنِ الْمِيثَرَةِ الْأُرْجُوَانُ.

ص: 2787

4357 -

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمَارَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4357 -

(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ) : الظَّاهِرُ مِنَ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ) : بِفَتْحِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ زَايٍ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَرَادَ الثَّوْبَ الَّذِي كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ إِبْرَيْسَمٌ، وَهُوَ ثَوْبٌ يُتَّخَذُ مِنْ وَبَرٍ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ وَالصُّوفِ، وَفِي الثَّوْبِ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ اهـ. وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ عَلَيْكَ لَا يَخْفَى، (وَلَا النِّمَارَ) : جَمْعُ نَمِرٍ وَالْمَشْهُورُ فِي جَمْعِهِ النُّمُورُ كَمَا سَبَقَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: جَمْعُ نَمِرَةٍ وَهُوَ كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ، فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ اهـ.

وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْخُطُوطُ بِالْحُمْرَةِ فَتُشَابِهُ الْمِيثَرَةَ حِينَئِذٍ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَعْنِي بِالنِّمَارِ جُلُودَ النُّمُورِ، وَالصَّوَابُ فِيهِ النُّمُورُ ; قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ جَمْعُ نَمِرَةٍ وَهِيَ الْكِسَاءُ الْمُخَطَّطُ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ، فَلَعَلَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ النِّمَارَ جَاءَ فِي جَمْعِ نَمِرٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا رُوِيَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ: النُّمُورَ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ؟ ، نَعَمْ فِي الْقَامُوسِ تَصْرِيحٌ لِأَنَّ النِّمَارَ فِي مَعْنَى النُّمُورِ صَحِيحٌ حَيْثُ قَالَ: وَالنُّمْرَةُ بِالضَّمِّ النُّكْتَةُ لَا مِنْ أَيْ لَوْنٍ كَانَ، وَالنَّمِرُ كَكَتِفٍ وَبِالْكَسْرِ سَبُعٌ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِهِ لِلنَّمِرِ الَّتِي فِيهِ جَمْعُهُ أَنْمُرٌ وَأَنْمَارٌ وَنُمُرٌ وَنُمْرٌ وَنِمَارٌ وَنِمَارَةٌ وَنُمُورَةٌ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «نَهَى عَنِ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ النِّمَارِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: " «نَهَى عَنِ النَّوْحِ وَالشَّعْرِ وَالتَّصَاوِيرِ وَجُلُودِ السِّبَاعِ وَالتَّبَرُّجِ وَالْغِنَاءِ وَالذَّهَبِ وَالْخَزِّ وَالْحَرِيرِ» .

ص: 2787

4358 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ» . رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

4358 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ. رَوَاهُ) : أَيِ الْبَغَوَيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) .

ص: 2788

4359 -

وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعَرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: وَهُوَ ذُو وَفْرَةٍ وَبِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ.

ــ

4359 -

(وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ) : بِكَسْرِ رَاءٍ فَسُكُونِ مِيمٍ فَمُثَلَّثَةٍ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيِّ (الْتَّيْمِيِّ) : بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، زَادَ فِي الشَّمَائِلِ: تَيْمُ الرَّبَابِ، وَاحْتَرِزْ بِهِ عَنْ تَيْمِ قُرَيْشٍ قَبِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَيُقَالُ: التَّمِيمِيُّ بِمِيمَيْنِ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِيهِ، وَعِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينِ، رَوَى عَنْهُ إِيَادُ بْنُ لَقِيطٍ. (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ) : أَيْ مَصْبُوغَانِ بِلَوْنِ الْخُضْرَةِ، وَهُوَ أَكْثَرُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} [الإنسان: 21] ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مَخْطُوطَيْنِ بِخُطُوطٍ خُضْرٍ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: بَرْدَانِ بَدَلَ ثَوْبَانِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْبُرُودَ ذَوَاتُ الْخُطُوطِ. قَالَ الْعِصَامُ: الْمُرَادُ بِالثَّوْبَيْنِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ، وَمَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ ضَعْفُهُ ظَاهِرٌ، إِذْ غَايَةُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ اهـ. وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهَا، فَإِذَا اخْتَارَ شَيْئًا مِنْهَا يَلْبَسُهُ لَا شَكَّ فِي إِفَادَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (شَعَرٌ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا نَكَّرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى الْقِلَّةِ أَيْ لَهُ شَعَرٌ قَلِيلٌ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً عَلَى مَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ، فَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَنَسٍ: مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ (قَدْ عَلَا) : صِفَةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ " وَقَدْ عَلَاهُ " حَالٌ أَيْ غَلَبَ ذَلِكَ الشَّعَرَ الْقَلِيلَ (الشَّيْبُ) : أَيِ الْبَيَاضُ (وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ) : أَيْ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الشَّعَرَ الْقَلِيلَ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ " وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ أَيْضًا: أَنَّ شَيْبَهُ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنْ يُخَالِطَ شَيْبَهُ حُمْرَةٌ فِي أَطْرَافِ تِلْكَ الشَّعْرَاتِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَشِيبُ أُصُولُ الشَّعَرِ، وَأَنَّ الشَّعَرَ إِذَا قَرُبَ شَيْبُهُ صَارَ أَحْمَرَ، ثُمَّ أَبْيَضَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَلْ خَضَبَ أَمْ لَا، اللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مَعَ اخْتِلَافٍ بَيَّنْتُ تَوْجِيهَهُ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ. (وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: وَهُوَ ذُو وَفْرَةٍ) : وَهُوَ الشَّعَرُ الَّذِي وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ (وَبِهَا) : أَيْ وَبِالْوَفْرَةِ (رَدْعٌ) : بِفَتْحِ رَاءٍ وَسُكُونِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ أَيْ أَثَرٌ وَلَطْخٌ (مِنْ حِنَّاءٍ) : فِي الْمُقَدِّمَةِ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ صَبْغٌ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ طِينٌ كَثِيرٌ، وَفِي الْقَامُوسِ: الرَّدْعُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ لَطْخٌ مِنْهُ، وَأَثَرُ الطِّيبِ فِي الْجَسَدِ، وَقَالَ فِي الْمُعْجَمَةِ الرَّدَغَةُ: مُحَرَّكَةٌ الْمَاءُ وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدُ اهـ، فَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الرَّدْعِ هُنَا بِالْمُهْمَلَةِ.

ص: 2788

4360 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ شَاكِيًا، فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى أُسَامَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبُ قِطْرٍ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ» . رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

4360 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ شَاكِيًا) أَيْ مَرِيضًا مِنَ الشَّكْوَى، وَالشِّكَايَةُ يَعْنِي الْمَرَضَ. قِيلَ: وَهَذَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم (فَخَرَجَ) : أَيْ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (يَتَوَكَّأُ) : أَيْ يَعْتَمِدُ (عَلَى أُسَامَةَ) : أَيِ ابْنِ زَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَعَلَيْهِ ثَوْبُ قِطْرٍ: بِالْإِضَافَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَصْفِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ قُطْنٍ، وَيَكُونُ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهَا أَعْلَامٌ، وَفِيهِ بَعْضُ الْخُشُونَةِ، وَقِيلَ: هِيَ حُلَلُ جِيَادٍ تُحْمَلُ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِينِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: فِي إِعْرَاضِ الْبَحْرَيْنِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا الْقِطْرِيَّةُ. (وَقَدْ تَوَشَّحَ) : أَيْ جَعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ كَالْوِشَاحِ ; لِأَنَّهُ كَانَ شِبْهَ رِدَاءٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَدْخَلَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ، وَقِيلَ: أَيْ تَغَشَّى لَهُ (فَصَلَّى بِهِمْ) : أَيْ إِمَامًا بِأَصْحَابِهِ (رَوَاهُ) : أَيِ الْبَغَوَيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.

ص: 2788

4361 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ، وَكَانَ إِذَا قَعَدَ فَعَرِقَ ثَقُلَا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ. فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا تُرِيدُ، إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ بِمَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَبَ، قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ وَآدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4361 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ، وَكَانَ إِذَا قَعَدَ) : أَيْ كَثِيرًا (فَعَرِقَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ (ثَقُلَا) : بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ وَزْنُ الثَّوْبَيْنِ (عَلَيْهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ لُحُوقِ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ مِنَ الثَّوْبَيْنِ (فَقَدِمَ بَزٌّ) : بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَتَشْدِيدِ زَايٍ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِينَ مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ، وَإِسْنَادُهُ الْقُدُومَ إِلَى الْبَزِّ مَجَازِيٌّ أَيْ قَدِمَ أَصْحَابُ الْبَزِّ (مِنَ الشَّامِ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ، فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ) : أَيْ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَى ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ (فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَيُضَمُّ، وَيُحْكَى كَسْرُهَا أَيْضًا وَهِيَ السُّهُولَةُ وَالْغِنَى، وَالْمَعْنَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَكَانَ حَسَنًا حَتَّى لَا تَتَأَذَّى بِهَذَيْنَ الثَّوْبَيْنِ، وَكَانَا مِنَ الصُّوفِ، وَقِيلَ:" لَوْ " لِلتَّمَنِّي (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ) : رَسُولًا (فَقَالَ) : أَيِ الْيَهُودِيُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي " فَقَالَ " عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ فَأَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى الْيَهُودِيِّ يَسْتَسْلِفُ بَزًّا إِلَى الْمَيْسَرَةِ، فَطَلَبَ الرَّسُولُ مِنْهُ ; فَقَالَ الْيَهُودِيُّ:(قَدْ عَلِمْتُ) : أَيْ أَنَا (مَا تُرِيدُ) : أَيْ أَنْتَ أَوْ هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ النُّسَخِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " مَا " اسْتِفْهَامِيَّةٌ عَلَّقَتِ الْعِلْمَ عَنِ الْعَمَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " مَا " مَوْصُولَةٌ وَالْعِلْمُ بِمَعْنَى الْعِرْفَانِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ نَقْلًا مِنَ الرَّسُولِ مَا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ لَا لَفْظُهُ ; لِأَنَّ لَفْظَهُ هُوَ " عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ " عَلَى الْغَيْبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ (إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ بِمَالِي) : أَيْ وَأَنْ لَا تُؤَدِّيَ إِلَيَّ ثَمَنَهُ وَهُمَا بِالْخِطَابِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْغَيْبَةِ عَلَى مَا سَبَقَ.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كَذَبَ) : أَيِ الْيَهُودِيُّ وَصَدَقَ الْحَقُّ (قَدْ عَلِمَ) : أَيِ الْيَهُودِيُّ مِنَ التَّوْرَاةِ (أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ) : وَلَكِنْ إِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنَ الْحَسَدِ، وَالْمُرَادُ أَتْقَى النَّاسِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ مِنْ زُمْرَةِ مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَهَذَا الْعِلْمُ كَالْعِرْفَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، (وَآدَاهُمْ) : بِأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ أَيْ أَشَدُّهُمْ أَدَاءٍ (لِلْأَمَانَةِ) : وَأَقْضَاهُمْ لِلدَّيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الدَّيْنُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2789

4362 -

«وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ مُوَرَّدًا، فَقَالَ: " مَا هَذَا " فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَانْطَلَقْتُ، فَأَحْرَقْتُهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا صَنَعْتَ بِثَوْبِكَ؟ قُلْتُ: أَحْرَقْتُهُ. قَالَ: " أَفَلَا كَسَوْتَهُ بَعْضَ أَهْلِكَ؟ ; فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4362 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ مَوْرَّدًا) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ صَبْغًا مُوَرَّدًا أَقَامَ الْوَصْفَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ الْمَوْصُوفِ، وَالْمُوَرَّدُ مَا صُبِغَ عَلَى لَوْنِ الْوَرْدِ اهـ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم مَا هَذَا؟ فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ) : أَيْ مِنَ الثَّوْبِ الْمُنْكَرِ لَوْنُهُ (فَانْطَلَقْتُ، فَأَحْرَقْتُهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا صَنَعْتَ بِثَوْبِكَ؟ قُلْتُ: أَحْرَقْتُهُ. قَالَ) : وَفِي نُسَخَةٍ " فَقَالَ "(أَفَلَا كَسَوْتَهُ بَعْضَ أَهْلِكَ؟) : أَيْ مِنِ امْرَأَةٍ أَوْ جَارِيَةٍ (فَإِنَّهُ) : أَيِ الشَّأْنَ أَوِ الْأَحْمَرَ (لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . وَسَبَقَ نَحْوُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الْحُمْرَةِ عَلَى الرِّجَالِ.

ص: 2789

4363 -

وَعَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ، وَعَلِيٌّ أَمَامَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4363 -

(وَعَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ) : أَيِ الْمُزَنِيُّ، يُعَدُّ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَسَمِعَ رَافِعًا الْمُزَنِيَّ وَرَوَى عَنْهُ يَعْلَى غَيْرُهُ (عَنْ أَبِيهِ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَكَانَ أَسْلَمَ قَدِيمًا، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَنًا) : بِالْأَلْفِ مُنْصَرِفٌ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَيُمْنَعُ عَنِ الصَّرْفِ (يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ) ، وَتَأْوِيلُهُ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كُلُّهُ أَحْمَرُ، بَلْ كَانَ فِيهِ خُطُوطٌ حُمْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ الْبُرْدُ بِالضَّمِّ ثَوْبٌ مُخَطَّطٌ (وَعَلِيٌّ) : أَيِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ (أَمَامَهُ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِ أَيْ قُدَّامَهُ (يُعَبِّرُ عَنْهُ) : أَيْ يُبَلِّغُ عَنْهُ الْكَلَامَ إِلَى النَّاسِ لِاجْتِمَاعِهِمْ وَازْدِحَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَكُنْ لِيَبْلُغَ أَهْلَ الْمَوْسِمِ، وَيَسْمَعُ سَائِرُهُمُ الصَّوْتَ الْوَاحِدَ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْكَثْرَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2790

4364 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «صُنِعَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدَةٌ سَوْدَاءُ، فَلَبِسَهَا، فَلَمَّا عَرِقَ فِيهَا وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ، فَقَذَفَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4364 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صُنِعَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدَةٌ) : نَائِبُ الْفَاعِلِ (سَوْدَاءُ) : صِفَتُهَا (فَلَبِسَهَا، فَلَمَّا عَرِقَ فِيهَا وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ، فَقَذَفَهَا) : أَيْ أَخْرَجَهَا وَطَرَحَهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2790

4365 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ قَدْ وَقَعَ هُدْبُهَا عَلَى قَدَمَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4365 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ) : أَيْ شَالٍ أَوْ كِسَاءٍ (وَقَدْ وَقَعَ هُدْبُهَا) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ خُيُوطُ أَطْرَافِهَا (عَلَى قَدَمَيْهِ) : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عَلَى هَيْئَةِ الِاحْتِبَاءِ وَأَلْقَى شَمْلَتَهُ خَلْفَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَخَذَ لِكُلِّ يَدٍ طَرْفًا مِنْ تِلْكَ الشَّمْلَةِ لِيَكُونَ كَالْمُتَّكِئِ عَلَى شَيْءٍ، وَهَذَا عَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا لَمْ يَتَّكِئُوا عَلَى شَيْءٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2790

4366 -

وَعَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبَاطِيَّ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قُبْطِيَّةً، فَقَالَ: " اصْدَعْهَا صَدْعَيْنِ، فَاقْطَعْ أَحَدَهُمَا قَمِيصًا، وَأَعْطِ الْآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ ". فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ: " وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4366 -

(وَعَنْ دِحْيَةَ) : بِكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ وَيُفْتَحُ وَبِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتَحْتِيَّةٍ (بْنِ خَلِيفَةَ) : أَيِ الْكَلْبِيِّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ التَّابِعِينَ (قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ جِيءَ (بِقَبَاطِيَّ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَمُوَحَّدَةٍ وَكَسْرِ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ جَمْعُ قُبْطِيَّةٍ، وَهِيَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ رَقِيقَةٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقِبْطِ، وَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ، وَضَمُّ الْقَافِ مِنْ تَغْيِيرِ النَّسَبِ، وَهَذَا فِي الثِّيَابِ، فَأَمَّا فِي النَّاسِ فَقِبْطِيٌّ بِالْكَسْرِ (فَأَعْطَانِي مِنْهَا قُبْطَيَّةً) : بِضَمِّ الْقَافِ وَيُكْسَرُ (فَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ " قَالَ "(اصْدَعْهَا) : بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شُقَّهَا (صَدْعَيْنِ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَصْدَرٌ وَبِكَسْرِهِ اسْمٌ، وَالْمَعْنَى اقْطَعْهَا نِصْفَيْنِ (فَاقْطَعْ) : أَيْ فَفَصِّلْ (أَحَدَهُمَا قَمِيصًا) : أَيْ لَكَ (وَأَعْطِ الْآخَرَ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ ثَانِيهَا (امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ) : أَيْ تَتَقَنَّعُ (بِهِ) : وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَجُوزُ جَزْمُهُ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ (فَلَمَّا أَدْبَرَ) : أَيْ دِحْيَةُ فَفِيهِ الْتِفَاتٌ أَوْ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى (قَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ لَهُ (وَأْمُرْ) : أَمَرَ مِنَ الْأَمْرِ (امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا) : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِلْمُوجِبِ، وَقِيلَ بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، أَيْ لَا يَنْعَتُهَا وَلَا يُبَيِّنُ لَوْنَ بَشْرَتِهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ الْقُبْطِيِّ رَقِيقًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهَا بِهَذَا اهْتِمَامٌ بِحَالِهَا، وَلِأَنَّهَا قَدْ تُسَامَحَ فِي لُبْسِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَفِإِنَّهُ غَالِبًا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ فَوْقَ السَّرَاوِيلِ وَالْإِزَارِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2790

4367 -

«وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَخْتَمِرُ فَقَالَ: " لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4367 -

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَخْتَمِرُ) : أَيْ تَلْبَسُ خِمَارَهَا (فَقَالَ: لَيَّةً) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَالتَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ لَوَى لَيَّةً وَاحِدَةً (لَا لَيَّتَيْنِ) : أَيْ لَفَّةً لَا لَفَّتَيْنِ حَذَرًا مِنَ الْإِسْرَافِ أَوِ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَلْبَسْنَ مِثْلَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَبِالْعَكْسِ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:" «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» " عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الْقَاضِي: أَمَرَهَا بِأَنْ تَجْعَلَ الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا وَتَحْتَ حَنَكِهَا عَطْفَةً وَاحِدَةً لَا عَطْفَتَيْنِ، حَذَرًا مِنَ الْإِسْرَافِ أَوِ التَّشَبُّهِ بِالْمُتَعَمِّمِينَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، وَكَذَا أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.

ص: 2791

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4368 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ. فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ! ارْفَعْ إِزَارَكَ " فَرَفَعْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " زِدْ " فَزِدْتُ. فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: " إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4368 -

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ) : أَيِ اسْتِنْزَالٌ (فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! ارْفَعْ إِزَارَكَ " فَرَفَعْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " زِدْ) : أَيْ فِي الرَّفْعِ (فَزِدْتُ) : أَيْ فَسَكَتَ صلى الله عليه وسلم (فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا) : أَيْ أَتَحَرَّى الْفِعْلَةَ وَهِيَ رَفْعُ الْإِزَارِ شَيْئًا فَشَيْئًا. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الرَّفْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالْمَعْنَى دَائِمًا أَجْتَهِدُ وَأَبْذُلُ الْجُهْدَ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَفْعُ إِزَارِي عَلَى وَفْقِ تَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم (بَعْدُ) : مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ارْفَعْ " ثُمَّ " زِدْ " (فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَى أَيْنَ؟) : أَيْ رَفَعْتَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ (قَالَ: إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَفِي الشَّمَائِلِ، «عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي بِالْمَدِينَةِ إِذْ إِنْسَانٌ خَلْفِي يَقُولُ: ارْفَعْ إِزَارَكَ ; فَإِنَّهُ أَتْقَى. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنْقَى بِالنُّونِ وَأَبْقَى بِالْمُوَحَّدَةِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ، قَالَ: " أَمَّا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ " فَنَظَرْتُ، فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ» . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَأْتَزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَتْ إِزْرَةَ صَاحِبِي، يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم» - وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ: " هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلُ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَلَا حَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ» " هَذَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ» .

ص: 2791

4369 -

وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4369 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ أَوْ بِعَيْنِ عِنَايَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ أَيْضًا. (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِزَارِي يَسْتَرْخِي) : أَيْ قَدْ يِسْتَنْزِلُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِي، وَرُبَّمَا يَصِلُ إِلَى كَعْبَيَّ وَقَدَمَيَّ (إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ) : مِنَ التَّعَاهُدِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ بِمَعْنَى الْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ يَعْنِي: وَرُبَّمَا يَقَعُ مِنْ عَدَمِ التَّعَاهُدِ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ) . وَالْمَعْنَى أَنَّ اسْتِرْخَاءَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَضُرُّ، لَا سِيَّمَا بِمَنْ لَا يَكُونُ مِنْ شِيمَتِهِ الْخُيَلَاءُ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْمُتَابَعَةُ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فِي جَرِّ الْإِزَارِ هُوَ الْخُيَلَاءُ كَمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فِي الشَّرْطِيَّةِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُصَدَّرِ بِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2791

4370 -

وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:«رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَأْتَزِرُ فَيَضَعُ حَاشِيَةَ إِزَارِهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَيَرْفَعُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، قُلْتُ: لِمَ تَأْتَزِرُ هَذِهِ الْإِزْرَةَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتَرِزُهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

ــ

4370 -

(وَعَنْ عِكْرِمَةَ) : أَيْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْتَزِرُ) : أَيْ يَلْبَسُ الْإِزَارَ (فَيَضَعُ حَاشِيَةَ إِزَارِهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَيَرْفَعُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، قُلْتُ: لِمَ تَأْتَزِرُ هَذِهِ الْإِزْرَةَ؟) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الِاتِّزَارِ (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتَزِرُهَا) : أَيْ تِلْكَ الْإِزَارَةَ وَلَعَلَّهَا وَقَعَتْ مَرَّةً فَصَادَفَتْ رُؤْيَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ ; وَلِذَا خُصَّ بِهَذِهِ الْإِزْرَةِ مِنْ بَيْنِ الْأَصْحَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2792

4371 -

وَعَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ ; فَإِنَّهَا سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ، وَأَرْخُوهَا خَلْفَ ظُهُورِكُمْ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.

ــ

4371 -

(وَعَنْ عُبَادَةَ) : أَيِ ابْنِ الصَّامِتِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ ; فَإِنَّهَا سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ) : سَيْمَا مَقْصُورٌ وَقَدْ يُمَدُّ أَيْ عَلَامَتُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ تَعَالَى:{يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] .

قَالَ الْكَلْبِيُّ: مُعْتَمِّينَ بِعَمَائِمَ صُفْرٍ مُرْخَاةٍ عَلَى أَكْتَافِهِمْ (وَأَرْخُوهَا) : بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَرْسَلُوا أَطْرَافَهَا (خَلْفَ ظَهْرِكُمْ) : الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ:" خَلْفَ ظُهُورِكُمْ " عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) : وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ سَبَقَ بَقِيَّةُ الْأَلْفَاظِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَانِيهَا.

ص: 2792

4372 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَقَالَ: " يَا أَسْمَاءُ! إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَنْ يَصْلُحَ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4372 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ) : أَيِ الصِّدِّيقِ (دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَقِيقٍ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ (فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ) : أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرِضًا (يَا أَسْمَاءُ! إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ) : أَيْ زَمَانَ الْبُلُوغِ وَخَصَّ الْمَحِيضَ لِلْغَالِبِ (لَنْ يَصْلُحَ أَنْ يُرَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُبْصَرَ (مِنْهَا) : أَيْ مِنْ بَدَنِهَا وَأَعْضَائِهَا (إِلَّا هَذَا وَهَذَا. وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ) .

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَجَاءَ بِلَنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَبِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِمَزِيدِ التَّقْرِيرِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2792

4373 -

وَعَنْ أَبِي مَطَرٍ، قَالَ:«إِنْ عَلِيًّا اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَلَمَّا لَبِسَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي " قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

4373 -

(وَعَنْ أَبِي مَطَرٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ. (قَالَ: إِنًّ عَلِيًّا اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَلَمَّا لَبِسَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الرِّيَاشِ) : جَمْعُ الرِّيشِ وَهُوَ لِبَاسُ الزِّينَةِ اسْتُعِيرَ مِنْ رِيشِ الطَّائِرِ ; لِأَنَّهُ لِبَاسُهُ وَزِينَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26](مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ) : " مَا " مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ (وَأُوَارِي) : أَيْ وَمَا أَسْتُرُ بِهِ (عَوْرَاتِي) : وَلَعَلَّ صِيغَةَ الْمُغَالَبَةِ لِلْمُبَالَغَةِ (ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ص: 2792

4374 -

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: «لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ثَوْبًا جَدِيدًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ، وَفِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

4374 -

(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبُو أُمَامَةَ سَعْدُ بْنُ حَنِيفٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامَيْنِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمَّاهُ بِاسْمِ جَدِّهِ لِأُمِّهِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكَنَّاهُ بِكُنْيَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا لِصِغَرِهِ ; وَلِذَلِكَ قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الَّذِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ، وَأَثْبَتَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ أَحَدُ الْحَمَلَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ سَمِعَ أَبَاهُ وَأَبَا سَعِيدٍ وَغَيْرَهُمَا، وَرَوَى عَنْهُ نَفَرٌ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً. (قَالَ:«لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ» ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ أَيْ قَصَدَ (إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ) : أَيْ عَدَّهُ خَلِقًا (فَتَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ) : جَزَاءُ الشَّرْطِ (فِي كَنَفِ اللَّهِ) : بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ أَيْ فِي حِرْزِهِ وَسِتْرِهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْجَانِبُ وَالظِّلُّ وَالنَّاحِيَةُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ فَقَوْلُهُ:(وَفِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ) : تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ، وَفِي الصِّحَاحِ السِّتْرُ بِالْكَسْرِ وَاحِدُ السُّتُورِ وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرُ سَتَرَ. (حَيًّا وَمَيِّتًا) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُخَفَّفُ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ.

ص: 2793

4375 -

وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ رَقِيقٌ، فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا. رَوَاهُ مَالِكٌ.

ــ

4375 -

(وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَاسْمُ أَبِي عَلْقَمَةَ بِلَالٌ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَنْ أَبِيهِ، وَعَنْهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. (عَنْ أُمِّهِ) : أَيْ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَسْمَاءِ (قَالَتْ: دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : أَيِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، زَوْجَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى حَفْصَةَ (خِمَارٌ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (رَقِيقٌ) : أَيْ رَفِيعٌ دَقِيقٌ (فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ) : أَيْ قَطَعَتْهُ نِصْفَيْنِ غَضَبًا عَلَيْهَا وَجَعَلَتْهُمَا مَنْدِيلَيْنِ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّ فِي شَقِّهَا تَضْيِيعًا (وَكَسَتْهَا) : أَيْ أَلْبَسَتْهَا بَدَلَ الْخِمَارِ الرَّقِيقِ (خِمَارًا كَثِيفًا) : أَيْ غَلِيظًا خَشِنًا تَأْدِيبًا لَهَا وَتَرْبِيَةً بِآدَابِهَا الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْمُرَبِّي الْأَكْمَلِ فِي تَرْكِ الدُّنْيَا وَحُسْنِ مَلَابِسِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِمَارَ كَانَ مِمَّا يَنْكَشِفُ مَا تَحْتَهَا مِنَ الْبَدَنِ وَالشَّعَرِ فَغَيَّرَتْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .

ص: 2793

4376 -

وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا دِرْعٌ قِطْرِيٌّ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَتْ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي، انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ لِي مِنْهَا دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4376 -

(وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ) : رضي الله عنه أَيِ الْمَخْزُومِيِّ وَالِدِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، سَمِعَ أَبَاهُ وَغَيْرَهُ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ أَصْلًا (عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَائِشَةُ وَعَلَيْهَا دِرْعٌ) : أَيْ قَمِيصٌ، فَفِي الْقَامُوسِ: دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا، وَفِي الْمُغْرِبِ: دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثٌ، وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْقَمِيصِ يُذَكَّرُ (قِطْرِيٌّ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ مِصْرِيٌّ (ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) : بِرَفْعِ الثَّمَنِ أَيْ ذُو ثَمَنِهَا. وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الدِّرْعِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُ الْكَلَامِ ثَمَنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَقَلُبِ وَجُعِلَ الْمُثَمَّنُ ثَمَنًا (فَقَالَتْ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي وَانْظُرْ إِلَيْهَا) : أَيْ نَظَرَ تَعَجُّبٍ (فَإِنَّهَا) : أَيْ مَعَ حَقَارَتِهَا

ص: 2793

(تُزْهَى) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ وَالْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ لَا غَيْرَ أَيْ تَتَرَفَّعُ وَلَا تَرْضَى (أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ) : أَيْ فَضْلًا أَنْ تَخْرُجَ بِهِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: تُزْهَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تَأْنَفُ وَتَتَكَبَّرُ وَهُوَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي جَاءَتْ بِلَفْظِ الْبَنَّاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ يَعْنِي كَمَا يَقُولُونَ عُنِيَ بِالْأَمْرِ وَنَتَجَتِ النَّاقَةُ، قَالَ: وَلِأَبِي ذَرٍّ تَزْهَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ اهـ. قُلْتُ: إِثْبَاتُ الْمُحَدِّثِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ اللُّغَوِيِّ (وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهَا) : أَيْ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يُؤْبَهُ بِهَا (دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي) : أَيْ فِي زَمَانِهِ (فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّقْيِينِ وَهُوَ التَّزْيِينُ وَالْمُقَيَّنَةُ الْمَاشِطَةُ أَيْ تُزَيَّنُ لِزِفَافِهَا. (بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ) . وَالْمَقْصُودُ تَغَيُّرُ أَهْلِ الزَّمَانِ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ، فَصَحَّ: كُلُّ عَامٍ تُرْذَلُونَ، بَلْ صَحَّ فِي الْخَبَرِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" «لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ وَلَا يَوْمٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» " وَالسَّبَبُ هُوَ الْبُعْدُ عَنْ أَنْوَارِهِ وَالِاحْتِجَابُ عَنْ أَسْرَارِهِ الْمُقْتَضِي لِظُلُمَاتِ الظُّلْمِ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ فِي أَنْفُسِ أَنْفُسِنَا، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2794

4377 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَبَاءَ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقِيلَ: قَدْ أَوْشَكَ مَا انْتَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: " نَهَانِي عَنْهُ جِبْرَائِيلُ " فَجَاءَ عُمَرُ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ، فَمَا لِي؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ تَلْبَسُهُ، إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ ". فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4377 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَبَاءَ دِيبَاجٍ) : بِكَسْرِ الدَّالِّ وَيُفْتَحُ (أُهْدِيَ لَهُ) : أَيْ أُرْسِلَ لَهُ هَدِيَّةً فَكَأَنَّهُ لَبِسَهُ مُرَاعَاةً لِخَاطِرِ الْمُهْدِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَكَانَ لُبْسُهُ إِذْ ذَاكَ مُبَاحًا (ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ) : أَيْ أَسْرَعِ إِلَى نَزْعِهِ (فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقِيلَ: قَدْ أَوْشَكَ مَا انْتَزَعْتَهُ) : أَيْ قَدْ أُسْرِعَ انْتِزَاعُكَ إِيَّاهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: " نَهَانِي عَنْهُ) : أَيْ عَنْ لُبْسِهِ (جِبْرِيلُ فَجَاءَ عُمَرُ) : عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَسَمِعَ عُمَرُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَجَاءَ (يَبْكِي) : أَيْ بَاكِيًا (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَرِهْتَ أَمْرًا) : أَيْ لُبْسَ هَذَا الثَّوْبِ (وَأَعْطَيْتَنِيهِ) : أَيْ لِأَلْبَسُهُ (فَمَا لِي؟) : أَيْ فَكَيْفَ حَالِي وَمَآلِي (فَقَالَ: " إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ تَلْبَسُهُ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ (إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ) : بِالْوَجْهَيْنِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: تَلْبَسُهُ وَتَبِيعُهُ مَرْفُوعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِبَيَانِ الْغَرَضِ مِنَ الْإِعْطَاءِ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّصْبِ أَنَّ أَصْلَهُ لِأَنْ تَلْبَسَهُ وَلِأَنْ تَبِيعَهُ فَحَذَفَ اللَّامَ، ثُمَّ حَذَفَ (أَنْ) وَأَبْقَى الْإِعْرَابَ عَلَى أَصْلِهِ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ: تَسْمَعُ بِالْمُعِيدِيِّ (فَبَاعَهُ) : أَيْ عُمَرُ الثَّوْبَ (بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2794

4378 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَوْبِ الْمُصْمَتِ مِنَ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

4378 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَكُونُ سَدَاهُ وَلُحْمَتُهُ مِنَ الْحَرِيرِ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ فَقَوْلُهُ: (مِنَ الْحَرِيرِ) : لِلتَّأْكِيدِ أَوْ بِنَاءً عَلَى التَّجْرِيدِ، وَفِي الْقَامُوسِ " ثَوْبٌ مُصْمَتٌ " لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ (فَأَمَّا الْعَلَمُ) : أَيْ مِنَ الْحَرِيرِ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ (وَسَدَى الثَّوْبِ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِّ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضِدُّ اللُّحْمَةِ وَهِيَ الَّتِي تُنْسَجُ مِنَ الْعَرْضِ وَذَاكَ مِنَ الطُّولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ السَّدَى مِنَ الْحَرِيرِ وَاللُّحْمَةُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) ; لِأَنَّ تَمَامَ الثَّوْبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِلُحْمَتِهِ، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْجَرَبِ، وَعَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْحُرْمَةِ وَالْحَلِّ بِالْأَكْثَرِيَّةِ وَالْأَغْلَبِيَّةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2794

4379 -

وَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ:«خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَعَلَيْهِ مِطْرَفٌ مِنْ خَزٍّ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

4379 -

(وَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عِمْرَانُ بْنُ تَمِيمٍ الْعُطَارِدِيُّ، أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهُمَا وَعَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عَالِمًا عَامِلًا مُعَمِّرًا، وَكَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ (قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَعَلَيْهِ مِطْرَفٌ) : بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ فِرَاءٌ مَفْتُوحَةٌ فَفَاءٍ ثَوْبٌ فِي طَرَفَيْهِ عَلَمَانِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ الضَّمُّ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ أَطْرَفَ أَيْ جَعَلَ طَرَفَيْهِ لِعَلَمَيْنِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا الضَّمَّةَ فَكَسَرُوهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَحَ وَأَنَّ الْكَسْرَ أَفْصَحُ، لَكِنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ اقْتَصَرَ عَلَى الضَّمِّ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُطْرَفُ كَمُكْرَمٍ رِدَاءٌ مِنْ خَزٍّ مُرَبَّعٌ ذُو أَعْلَامٍ اهـ. فَقَوْلُهُ: (مِنْ خَزٍّ) إِمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ بِنَاءً عَلَى التَّجْرِيدِ، وَالْخَزُّ ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ خَالِصٍ. وَقِيلَ: هُوَ الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ مَنْ إِبْرَيْسَمٍ وَصُوفٍ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي. (وَقَالَ) : أَيْ عِمْرَانُ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً) : أَيْ وَلَوْ وَاحِدَةً (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُبْصَرَ وَيُظْهَرَ (أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: مَظْهَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ إِشْعَارًا بِإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ أَثَرِ رُؤْيَةِ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَمَالِكُهُ، وَفِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ: ذُكِرَ أَنَّ فَرْقَدَ السِّنْجِيَّ دَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ وَعَلَى الْحَسَنِ حُلَّةٌ، فَجَعَلَ يَلْمَسُهَا فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَى ثِيَابِي؟ ثِيَابِي ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَثِيَابُكَ ثِيَابُ أَهْلِ النَّارِ، بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ أَصْحَابُ الْأَكْسِيَةِ، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلُوا الزُّهْدَ فِي ثِيَابِهِمْ وَالْكِبْرَ فِي صُدُورِهِمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَأَحَدُكُمْ بِكِسَائِهِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ اهـ. وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ مُخْتَارُ فَرِيقِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ، وَالسَّادَةِ الشَّاذِلِيَّةِ، وَالسَّادَةِ الْبَكْرِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِلِبَاسٍ خَاصٍّ مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ، نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِمْ وَحُسْنِ مَقَاصِدِهِمْ فِي نِيَّتِهِمْ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ص: 2795

4380 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ وَمَخِيلَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابٍ.

ــ

4380 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ) : أَيْ مِنَ الْمُبَاحَاتِ فِيهَا (مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ) : مَا لِلدَّوَامِ أَيْ مُدَّةَ تَجَاوُزِ الْخَصْلَتَيْنِ عَنْكَ (سَرَفٌ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ إِسْرَافٌ (وَمَخِيلَةٌ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ كِبْرٌ وَخُيَلَاءُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" «إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ» " وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَلْبَسَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَنَفْيُ السَّرَفِ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَخِيلَةِ، فَنَفْيُ الْمَخِيلَةِ بَعْدَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَاسْتِيعَابِ مَا يُعْرَفُ مِنْهُمَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]، قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ لِكَوْنِ الِانْتِهَارِ يَشْمَلُ الْأُفَّ. نَعَمْ مَفْهُومُ النَّهْيِ النَّهْيُ عَنِ الِانْتِهَارِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْإِسْرَافَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكِمِّيَّةِ وَالْمَخِيلَةَ بِالْكَيْفِيَّةِ ; وَلِذَا قِيلَ: لَا خَيْرَ فِي سَرَفٍ وَلَا سَرَفَ فِي خَيْرٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابٍ) : يَعْنِي تَعْلِيقًا بِلَا إِسْنَادٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ، لَكِنْ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ.

ص: 2795

4381 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ وَلَا مَخِيلَةٌ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4381 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُوا، وَاشْرَبُوا) : أَيْ مِقْدَارَ حَاجَتِكُمْ (وَتَصَدَّقُوا) : أَيْ بِمَا زَادَ عَلَيْكُمْ (وَالْبِسُوا) : أَيْ كَذَلِكَ (مَا لَمْ يُخَالِطْهُ) : أَيْ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ (إِسْرَافٌ وَلَا مَخِيلَةٌ) : وَهُوَ قَيْدٌ لِلْأَخِيرِ بِقَرِينَةِ نَفْيِ الْمَخِيلَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْأَوَامِرُ كُلُّهَا مَعَ تَكَلُّفٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2795