الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4876 -
وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " «صَاحِبُ الزِّنَا يَتُوبُ، وَصَاحِبُ الْغِيبَةِ لَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ» ". رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ".
ــ
4876 -
(وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ قَالَ: " صَاحِبُ الزِّنَا يَتُوبُ) أَيْ: يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّوْبَةُ أَوْ يَتُوبُ غَالِبًا ; لِأَنَّهُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ عِنْدَهُ (وَصَاحِبُ الْغِيبَةِ لَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ)، أَيْ: غَالِبًا، لِأَنَّهُ يَحْسَبُهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، لَكِنَّ الْبَلِيَّةَ إِذَا عَمَّتْ طَابَتْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَلَى رِضَا صَاحِبِهَا. (رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ) أَيْ: حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ (فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) . قَالَ مِيرَكُ: نَقْلًا عَنِ الْمُنْذِرِيِّ: إِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْغِيبَةِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ أَنَسٍ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَهُوَ الْأَشْبَهُ.
4877 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ". وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ.
ــ
4877 -
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ) أَيْ: بَعْدَ تَحَقُّقِ التَّوْبَةِ (أَنْ تَسْتَغْفِرَ) أَيْ: أَنْتَ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا (لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ) : بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ حَالٌ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا) أَيْ: إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، أَوْ لَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنِ اغْتَبْتَهُ خُصُوصًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِذَا لَمْ تَصِلِ الْغَيْبَةُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِحْلَالِ بِأَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِمَا قَالَ فِيهِ وَيَتَحَلَّلَهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلْيَعْزِمْ عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ تَحَلَّلَ مِنْهُ، فَإِذَا حَلَّلَهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَهُ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ مِنْ إِحْسَانِهِ، فَإِنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.
وَفِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا تَابَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى الْمُغْتَابِ عَنْهُ هَلْ تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ، فَإِنَّهُ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الذَّنْبُ ذَنْبًا، يَعْنِي ذَنْبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ. قَالَ: لِأَنَّهَا تَصِيرُ ذَنْبًا إِذَا بَلَغَتْ إِلَيْهِ. قُلْتُ: فَإِنْ بَلَغَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ؟ قَالَ: لَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا الْمُغْتَابِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُغْتَابِ عَنْهُ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ. قُلْتُ: أَوْ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَرِيمٌ وَلَا يَحْمِلُ كَرَمُهُ رَدَّ تَوْبَتِهِ بَعْدَ قَبُولِهَا، بَلْ يَعْفُو عَنْهُمَا جَمِيعًا. قُلْتُ: فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ وُصُولِهَا إِلَيْهِ وَحُصُولِ مَشَقَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَوْبَةِ الْمُغْتَابِينَ: هَلْ تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدِهِمَا: إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَدْ بَلَغَ إِلَى الَّذِي اغْتَابَهُ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيُضْمِرُ أَنْ لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ. اهـ. وَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَ؟ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْغِيبَةِ: لَا يُعْلِمُهُ بِهَا، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ يُثِيرُ فِتْنَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنِ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْهَا لِيُخَلِّصَ أَخَاهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَيَفُوزَ هُوَ بِعَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ فِي الْعَفْوِ، وَفِي الْقِنْيَةِ: تَصَافُحُ الْخَصْمَيْنِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ اسْتِحْلَالٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْغِيبَةِ وَإِنْ بَلَغَتْ، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُغْتَابَ وَيَسْتَحِلَّ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ لِغَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا اغْتَابَ أَحَدًا فَهَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: قَدِ اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَهُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ; أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ مَالٍ مَجْهُولٍ، وَثَانِيهِمَا: لَا يُشْتَرَطُ ; لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُتَسَامَحُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَحُ بِالْعَفْوِ عَنْ غِيبَةٍ دُونَ غِيبَةٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: سَبِيلُ الْمُعْتَذِرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْمَوَدَّةِ إِلَيْهِ، وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَرَدُّدُهُ حَسَنَةً مَحْسُوبَةً لَهُ، فَتُقَابَلُ بِهَا سَيِّئَةُ الْغِيبَةِ فِي الْقِيَامَةِ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) اسْمُ كِتَابٍ لَهُ (وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ) . قُلْتُ: وَمَا يَضُرُّ، فَإِنَّ فَضَائِلَ الْأَعْمَالِ يَكْفِيهَا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لِلْعَمَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يُعَضِّدُهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الصَّمْتِ، عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ:" «كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ» ".
[بَابُ الْوَعْدِ]
(11)
بَابُ الْوَعْدِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4878 -
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا. فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ جَابِرٌ: فَحَثَا لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(11)
بَابُ الْوَعْدِ
الْوَعْدُ: يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يُقَالُ: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا، فَإِذَا أَسْقَطُوا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ قَالُوا فِي الْخَيْرِ: الْوَعْدُ وَالْعِدَةُ، وَفِي الشَّرِّ: الْإِيعَادُ وَالْوَعِيدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ
…
لِمُخْلِفٌ مِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4878 -
(عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ) . بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَكَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَأَقَرَّهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما عَلَيْهَا إِلَى أَنْ مَاتَ الْعَلَاءُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، رَوَى عَنْهُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدِ وَغَيْرُهُ. (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ) ، بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ، أَيْ: عِنْدَهُ (عِدَةٌ) : بِكَسْرٍ فَتَخْفِيفِ دَالٍ أَيْ: وَعْدٌ (فَلْيَأْتِنَا) . قَالَ الْأَشْرَفُ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا: فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَإِنْجَازِ وَعْدِهِ لِمَنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِثُ وَالْأَجْنَبِيُّ. اهـ. وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْوَعْدَ مُلْحَقٌ بِالدَّيْنِ، كَمَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم " «الْعِدَةُ دَيْنٌ» " عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. (قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا، وَهَكَذَا) أَيْ: ثَلَاثًا، وَفِي نُسْخَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ:(فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) : بَيَانًا لِهَكَذَا. (قَالَ جَابِرٌ: فَحَثَا لِي حَثْيَةً) أَيْ: فَمَلَأَ أَبُو بَكْرٍ كَفَّيْهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَصَبَّهَا فِي ذَيْلِي (فَعَدَدْتُهَا) أَيْ: مَا فِيهَا (فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا) أَيْ: مِثْلَ مَا فِي الْحَثْيَةِ مِنَ الْعَدَدِ لِئَلَّا يَزِيدَ وَلَا يَنْقُصَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
4879 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4879 -
(عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) : بِضَمِّ جِيمٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، لَكِنَّهُ سَمِعَ وَرَوَى عَنْهُ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَوْفٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ) أَيْ: أَبْيَضَ اللَّوْنِ مَائِلًا إِلَى الْحُمْرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" يَا حُمَيْرَاءُ "(قَدْ شَابَ) أَيْ: بَعْضُ لِحْيَتِهِ أَوْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْبٌ. (وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى، وَالْحُسَيْنُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ. (وَأَمَرَ لَنَا) أَيْ: لِأَجْلِنَا، أَوْ لِإِعْطَائِنَا، وَهُوَ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي سَائِرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَمَرَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ لِاتِّفَاقِ الضَّمَائِرِ التَّالِيَةِ. (بِثَلَاثَةَ عَشَرَ قَلُوصًا) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ، أَيْ نَاقَةٌ شَابَّةٌ (فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا) أَيْ: فَشَرَعْنَا فِي الذَّهَابِ إِلَى الْمَأْمُورِ لِنَقْبِضَ الْعَطَاءَ الْمَذْكُورَ (فَأَتَانَا مَوْتُهُ) أَيْ: خَبَرُ مَوْتِهِ (صلى الله عليه وسلم) : بِالْقَدَرِ الْمَقْدُورِ (فَلَمْ يُعْطُونَا شَيْئًا)، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تُمْلَكُ إِلَّا بِالْقَبْضِ (فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ: خَطِيبًا، أَوْ قَامَ بِأَمْرِ الْخِلَافَةِ (قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
عِدَةٌ فَلْيَجِئْ) أَيْ: فَلْيَأْتِ إِلَيْنَا، فَإِنَّ وَفَاءَهُ عَلَيْنَا، وَلَعَلَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَا وَعَدَمَ ذِكْرِ الدَّيْنِ هُنَا ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا بِالْأَوْلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اقْتِصَارًا مِنَ الرَّاوِي لَا سِيَّمَا وَكَلَامُهُ فِي الْعِدَةِ (فَقُمْتُ إِلَيْهِ) أَيْ: مُتَوَجِّهًا (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ: بِمَا سَبَقَ (فَأَمَرَ لَنَا بِهَا) أَيْ: بِالْقَلُوصِ الْمَوْعُودَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَلَى الْفَصْلِ الثَّانِي، وَانْفَرَدَ التِّرْمِذِيُّ بِذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ وَإِعْطَائِهِ إِيَّاهُمْ، كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ. قَالَ مِيرَكُ: وَلِذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ مَجْمُوعِ الْحَدِيثِ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
4880 -
ــ
4880 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَمْسَاءِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمِلَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ، وَزَادَ الْمُغْنِي: وَهُوَ بِالْمَدِّ. (قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: بِعْتُ مِنْهُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُ، فَهُوَ مِنَ الْبَيْعِ لَا مِنَ الْمُبَايَعَةِ. قَالَهُ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بِحَسَبِ الْقَاعِدَةِ الصَّرْفِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ، فَتَكُونُ الصِّيغَةُ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ عَلَى بَابِهِ. (قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ) أَيْ: لِلرِّسَالَةِ (وَبَقِيَتْ لَهُ) أَيْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (بَقِيَّةٌ) أَيْ: شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ (فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا) أَيْ: أَجِيئُهُ بِتِلْكَ الْبَقِيَّةِ (فِي مَكَانِهِ) أَيِ: الْمُعَيَّنِ أَوِ النِّسْبِيِّ (فَنَسِيتُ) أَيْ: ذَلِكَ الْوَعْدَ (فَذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ) أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ (فَجِئْتُ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِذَا هُوَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُنِي (فِي مَكَانِهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ الْمَوْعُودِ وَفَاءً بِمَا وَعَدَ مِنْ لُزُومِ الْمَكَانِ حَتَّى أَجِيئَهُ بِمَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى نَدْبِ تَصْدِيقِ الْوَعْدِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ. (فَقَالَ: لَقَدْ شَقَقْتَ) : بِقَافَيْنِ، أَيْ: حَمَلْتَ الْمَشَقَّةَ (عَلَيَّ) وَأَوْصَلْتَهَا إِلَيَّ (أَنَا هَهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ) : وَكَانَ انْتِظَارُهُ صلى الله عليه وسلم لِصِدْقِ وَعْدِهِ لَا لِقَبْضِ ثَمَنِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَعْدَ أَمْرٌ مَأْمُورٌ الْوَفَاءُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، حَافَظَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ الْمُتَقَدِّمُونَ. قَالَ تَعَالَى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] ، وَمَدَحَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي: جَدَّ نَبِيِّنَا عليهم السلام بِقَوْلِهِ عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]، يُقَالُ: إِنَّهُ وَعَدَ إِنْسَانًا فِي مَوْضِعٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ. قُلْتُ: وَذَلِكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
4881 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ، فَلَمْ يَفِ وَلِمَ يَجِئْ لِلْمِيعَادِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
ــ
4881 -
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) : يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ. ( «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ» ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَأَصْلُهُ أَنْ يُوَفِّيَ (لَهُ) أَيْ: لِلرَّجُلِ (فَلَمْ يَفِ) أَيْ: بِعُذْرٍ (وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعَادِ) أَيْ: لِمَانِعٍ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) . قَالَ الْأَشْرَفُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يُثَابُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ مَعَهَا الْمَنَوِيُّ وَتَخَلَّفَ عَنْهَا. اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ وَعَدَ وَلَيْسَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ، فَعَلَيْهِ الْإِثْمُ سَوَاءٌ وَفَّى بِهِ أَوْ لَمَ يَفِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِمَنْ وَعَدَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَفِيَ وَلَمْ يَفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَا دَلِيلَ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، إِذْ هُوَ أَمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ عَلَى مَا حَرَّرْتُهُ، وَسَيَجِيءُ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمُرَامِ فِي آخِرِ بَابِ الْمِزَاحِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ) .