المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَرَسُولُهُ وَلَيْسَ بِهَوَى النَّفْسِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْكَلْبِ]

- ‌[بَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ]

- ‌[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابُ الضِّيَافَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ]

- ‌[بَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌[بَابُ النَّقِيعِ وَالْأَنْبِذَةِ]

- ‌[بَابُ تَغْطِيَةِ الْأَوَانِي]

- ‌[كِتَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ الْخَاتَمِ]

- ‌[بَابُ النِّعَالِ]

- ‌[بَابُ التَّرَجُّلِ]

- ‌[بَابُ التَّصَاوِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى]

- ‌[بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ]

- ‌[بَابُ الْكِهَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الرُّؤْيَا]

- ‌[كِتَابُ الْآدَابِ] [

- ‌بَابُ السَّلَامِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِئْذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[بَابُ الْقِيَامِ]

- ‌[بَابُ الْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَالْمَشْيِ]

- ‌[بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ]

- ‌[بَابُ الضَّحِكِ]

- ‌[بَابُ الْأَسَامِي]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ وَالشِّعْرِ]

- ‌[بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ]

- ‌[بَابُ الْوَعْدِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَاحِ]

- ‌[بَابُ الْمُفَاخَرَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْخَلْقِ]

الفصل: وَرَسُولُهُ وَلَيْسَ بِهَوَى النَّفْسِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ

وَرَسُولُهُ وَلَيْسَ بِهَوَى النَّفْسِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] أَيْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُطْلَقًا، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْوَحْيِ لَا بِالْهَوَى (مُحَرَّمًا) : أَيْ طَعَامًا مُحَرَّمًا (عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ) : بِالتَّذْكِيرِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّأْنِيثِ (مَيْتَةً) : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ: أَوْ دَمًا (الْآيَةَ) : بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ أُخْتَاهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِالْوَحْيِ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ فِي وَقْتٍ إِلَّا فِي وَقْتِ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَيْتَةً، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ " تَكُونُ " بِالتَّأْنِيثِ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّاءِ وَرَفْعِ مَيْتَةٍ عَلَى أَنَّ كَانَ هِيَ التَّامَّةُ، وَقَوْلُهُ:{أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] عَطْفٌ عَلَى " أَنْ " مَعَ مَا فِي حَيِّزِهِ أَيْ إِلَّا وُجُودَ مَيْتَةٍ " أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا " أَيْ مَصْبُوبًا سَائِلًا كَالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ لَا الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ، أَيْ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ أَوْ لَحْمَهُ قَذِرٌ لِتَعَوُّدِهِ أَكْلَ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: حَرَامٌ (أَوْ فِسْقًا) عَطْفٌ عَلَى لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ لِلتَّعْلِيلِ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صِفَةٌ لَهُ مُوَضِّحَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ مُحَرَّمًا غَيْرَ هَذِهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُرُودَ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى نُسَخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا عَلَى حِلِّ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهَا إِلَّا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2685

4147 -

وَعَنْ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «إِنِّي لَأُوقِدُ تَحْتَ الْقُدُورِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4147 -

(وَعَنْ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: زَاهِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْأَسْلَمِيُّ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، سَكَنَ الْكُوفَةَ وَعِدَادُهُ فِي أَهْلِهَا. (قَالَ: إِنِّي لَأُوقِدُ) : أَيِ النَّارَ (تَحْتَ الْقُدُورِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ) : أَيِ الْأَهْلِيَّةِ (إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا أَيْ إِنَّهُ ( «يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» ) : أَيْ عَنْ أَكْلِهَا يَعْنِي فَقَلَبْنَا الْقُدُورَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2685

4148 -

وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، رضي الله عنه، يَرْفَعُهُ " «الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحُلُّونَ وَيَظْعَنُونَ» ، رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ــ

4148 -

(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ (يَرْفَعُهُ) : أَيِ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ) وَهُمْ أَجْسَامٌ هَوَائِيَّةٌ قَادِرَةٌ عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَهَا عُقُولٌ وَأَفْهَامٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ (صِنْفٌ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَصِنْفٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِنْهُمْ صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ (يَطِيرُونَ) أَيْ بِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ " فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ " أَيْ وَمِنْهُمْ صِنْفُ " حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحُلُّونَ " بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِكَسْرٍ أَيْ يَنْزِلُونَ وَيُقِيمُونَ تَارَةً " وَيَظْعَنُونَ " أَيْ يُسَافِرُونَ وَيَحِلُّونَ أَيْ مَرَّةً أُخْرَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80] فَفِي الْقَامُوسِ: ظَعَنَ كَمَنَعَ ظَعْنًا وَيُحَرَّكُ سَارَ (رَوَاهُ) : أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) أَيْ بِإِسْنَادِهِ وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ عَنْهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِنَّ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وَخَشَاشُ الْأَرْضِ، هُوَ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ: حَشَرَاتُهَا وَهَوَامُّهَا، وَصِنْفٌ كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ عَلَيْهِ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ. وَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صَنْفٌ كَالْبَهَائِمِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا. وَصِنْفٌ أَجْسَادُهُمْ أَجْسَادُ بَنِي آدَمَ وَأَرْوَاحُهُمْ أَرْوَاحُ الشَّيَاطِينِ. وَصِنْفٌ كَالْمَلَائِكَةِ فِي ظِلِّ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظَلُّهُ ".

ص: 2685

[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

ص: 2685

بَابُ الْعَقِيقَةِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ.

4149 -

عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

بَابُ الْعَقِيقَةِ.

الْمُغْرِبُ: الْعَقُّ الشَّقُّ وَمِنْهُ عَقِيقَةُ الْمَوْلُودِ وَهِيَ شَعْرُهُ، لِأَنَّهُ يُقْطَعُ عَنْهُ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ وَبِهَا سُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ.

4149 -

(عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رضي الله عنه) : بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحِّدَةِ وَيَاءِ النِّسْبَةِ وَعِدَادُهُ فِي الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ مِنَ الرُّوَاةِ ضَبِّيٌّ غَيْرُهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَعَ الْغُلَامِ ") أَيْ مَعَ وِلَادَتِهِ (عَقِيقَةٌ) أَيْ ذَبِيحَةٌ مَسْنُونَةٌ وَهِيَ شَاةٌ تُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ الْيَوْمَ السَّابِعَ مِنْ وِلَادَتِهِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ حِينَ يُحْلَقُ عَقِيقُهُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يُحْلَقُ وَلَا يُتْرَكُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَأَهْرِيقُوا) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ أَرِيقُوا (عَنْهُ دَمًا) يَعْنِي اذْبَحُوا عَنْهُ ذَبِيحَةً (وَأَمِيطُوا) أَيْ أَزِيلُوا وَأَبْعِدُوا (عَنْهُ الْأَذَى) : أَيْ بِحَلْقِ شَعْرِهِ، وَقِيلَ: بِتَطْهِيرِهِ عَنِ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تَلَطَّخَ بِهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ: بِالْخِتَانِ وَهُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ (الْغُلَامُ «مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ وَأَمِيطُوا الْأَذَى» ) .

ص: 2686

4150 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَنِّكُهُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4150 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ) : وَكَذَا بِالصَّبِيَّاتِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ (فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمَوْلُودِ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ. فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ، يُقَالُ: وَبَارَكَ اللَّهُ فِيهِ وَبَارَكَ لَهُ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَبَارَكَهُ، وَبَرَّكَ عَلَى الطَّعَامِ، وَبَرَّكَ فِيهِ إِذَا دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: بَارَكَ عَلَيْهِ أَبْلَغُ فَإِنَّ فِيهِ تَصْوِيرَ صَبِّ الْبَرَكَاتِ، وَإِفَاضَتِهَا مِنَ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96](وَيُحَنِّكُهُمْ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ يَمْضُغُ التَّمْرَ أَوْ شَيْئًا حُلْوًا، ثُمَّ يُدَلِّكُ بِهِ حَنَكَهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَكَذَا الْبُخَارِيُّ

ص: 2686

4151 -

«وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، ثُمَّ حَنَّكَهُ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4151 -

(وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها: أَنَّهَا حَمَلَتْ) : أَيْ حَبَلَتْ (بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ) : أَيْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ (قَالَتْ: فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ) : بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِالْمَدِينَةِ يُنَوَّنُ وَلَا يُنَوَّنُ. كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصَّرْفُ أَصَحُّ (ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ) : أَيْ بِالْمَوْلُودِ أَوْ بِعَبْدِ اللَّهِ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِكَسْرٍ أَيْ فِي حِضْنِهِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْحِجْرُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الثَّوْبُ (ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ) أَيْ وَضَعَ وَأَلْقَى ذَلِكَ التَّمْرَ الْمُخْتَلِطَ بِرِيقِهِ (فِي فِيهِ) : أَيْ فِي فَمِهِ (ثُمَّ حَنَّكَهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ دَلَّكَ بِهِ حَنَكَهُ (ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالْعَطْفُ يَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ وَالتَّخْصِيصَ (فَكَانَ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْوَاوِ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَعْنِي أَنَّهَا هَاجَرَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ حَامِلًا وَوَضَعَتْهُ بِقُبَاءَ فَكَانَ أَيْ عَبْدُ اللَّهِ (أَوَّلَ مَوْلُودٍ) : أَيْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ) : أَيْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَعْنِي أَوَّلَ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِلَّا فَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَفِيهِ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَيْهِ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُهُ عليه السلام. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2686

الْفَصْلُ الثَّانِي.

4152 -

عَنْ أُمِّ كُرْزٍ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا " قَالَتْ؟ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ " عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَلَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إِنَاثًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: يَقُولُهُ " عَنِ الْغُلَامِ إِلَى آخِرِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي.

4152 -

(عَنْ أُمِّ كُرْزٍ رضي الله عنها : بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَزَاي كَعْبِيَّةٌ خُزَاعِيَّةٌ مَكِّيَّةٌ، رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهَا عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا حَدِيثَهَا فِي الْعَقِيقَةِ. (قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " أَقِرُّوا ") بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ أَبْقُوا وَخَلُّوا (الطَّيْرَ) أَيْ جِنْسَهَا (عَلَى مَكِنَاتِهَا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَيُفْتَحُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهِمَا أَيْ أَمَاكِنِهَا الَّتِي مَكَّنَهَا اللَّهُ فِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ جُمْعُ مَكِنَةٍ وَهِيَ. بَيْضَةُ الضَّبِّ وَيُضَمُّ الْحَرْفَانِ مِنْهَا أَيْضًا. فِي النِّهَايَةِ: جَمْعُ مَكِنَةٍ بِكَسْرِ الْكَافِ وَقَدْ يُفْتَحُ أَيْ بَيْضُهَا وَهِيَ فِي الْأَصْلِ بَيْضُ الضِّبَابِ، وَقِيلَ: عَلَى أَمْكِنَتِهَا وَمَسَاكِنِهَا. كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلَيَّةِ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أَتَى طَيْرًا فِي وَكْرِهِ فَنَفَّرَهُ، فَإِذَا طَارَ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ طَارَ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ أَيْ لَا تَزْجُرُوهَا وَأَقِرُّوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَقِيلَ: الْمَكِنَةُ التَّمَكُّنُ كَالطَّلِبَةِ وَالتَّبِعَةِ مِنَ التَّطَلُّبِ وَالتَّتَبُّعِ أَيْ: أَقِرَّاهَا عَلَى كُلِّ مَكِنَةٍ تَرَوْنَهَا وَدَعُوا التَّطَيُّرَ بِهَا، وَيُرْوَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْكَافِ جَمْعُ مَكَانٍ كَصُعُدٍ فِي صُعُدَاتٍ. (قَالَتْ) أَيْ أُمُّ كُرْزٍ (وَسَمِعْتُهُ) : أَيِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي نُسْخَةٍ وَسَمِعْتُ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ (يَقُولُ) : وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَفْصُولًا مِمَّا بَعْدَهُ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عَنْهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي، وَلِلتِّرْمِذِيِّ إِلَخْ تَصْرِيحٌ بِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ وَجْهِ الرَّبْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَنَعَهُمْ عَنِ التَّطَيُّرِ فِي شَأْنِ الْمَوْلُودِ وَأَمَرَهُمْ بِالذَّبْحِ وَالصَّدَقَةِ بِقَوْلِهِ:(عَنِ الْغُلَامِ) : أَيْ يُذْبَحُ عَنِ الصَّبِيِّ (شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ) أَيِ الْبِنْتِ (شَاةٌ، وَلَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إِنَاثًا) : الضَّمِيرُ فِي كُنَّ لِلشِّيَاةِ الَّتِي يُعَقُّ بِهِمَا عَنِ الْمَوْلُودِينَ وَذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إِنَاثًا فَاعِلُ يَضُرُّكُمْ أَيْ: لَا يَضُرُّكُمْ كَوْنُ شَاةِ الْعَقِيقَةِ ذُكْرَانًا أَوْ إِنَاثًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِي كُنَّ عَائِدٌ إِلَى الشَّاتَيْنِ وَالشَّاةِ الْمَذْكُورَةِ، وَغَلَّبَ الْإِنَاثَ عَلَى الذُّكُورِ تَقْدِيمًا لِلنِّعَاجِ فِي النُّسُكِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ نَحْوَ شَاةٍ وَنَمْلَةٍ وَحَمَامَةٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ بِانْتِهَاضِ الْقَرِينَةِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (وَالتِّرْمِذِيُّ) : بِاللَّامِ (وَالنَّسَائِيُّ مِنْ قَوْلِهِ) : أَيْ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي (يَقُولُ) : أَيْ هُوَ عليه السلام (عَنِ الْغُلَامِ " إِلَى آخِرِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «عَنِ الْغُلَامِ عَقِيقَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِلَفْظِ:«عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ:«عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاتَانِ لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا» بِلَفْظِ " أَمْ "، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 2687

4153 -

وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ لَكِنْ فِي رِوَايَتِهِمَا " رَهِينَةٌ " بَدَلَ مُرْتَهَنٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَيُدْمَى مَكَانَ " وَيُسَمَّى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ وَيُسَمَّى أَصَحُّ.

ــ

4153 -

(وَعَنِ الْحَسَنِ) أَيِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه (عَنْ سَمُرَةَ) أَيِ ابْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ ") : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ مَرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ مَحْبُوسُ سَلَامَتِهِ عَنِ الْآفَاتِ بِهَا أَوْ إِنَّهُ كَالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ دُونَ أَنْ يُقَابِلَ بِهَا لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى

ص: 2687

وَالِدَيْهِ، فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنَ الشُّكْرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ شَفَاعَتُهُ لَهُمَا لَا يَشْفَعُ لَهُمَا إِنْ مَاتَ طِفْلًا وَلَمْ يُعَقَّ عَنْهُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ فِي قَوْلِهِ: مُرْتَهَنٌ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرْتَهَنَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الرَّهْنَ، وَالشَّيْءُ مَرْهُونٌ وَرَهِينٌ، وَلَمْ نَجِدْ فِيمَا يُعْتَمَدُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنَ الِارْتِهَانِ، فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ أَتَى بِهِ مَكَانَ الرَّهِينَةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: طَرِيقُ الْمَجَازِ غَيْرُ مَسْدُودٍ وَلَيْسَ. بِمَوْقُوفٍ عَلَى السَّمَاعِ، وَلَا يُسْتَرَابُ أَنَّ الِارْتِهَانَ هُنَا لَيْسَ مَأْخُوذًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ فِي قِسْمِ الْمَجَازِ: فُلَانٌ رَهْنٌ بِكَذَا وَرَهِينٌ وَرَهِينَتُهُ وَمُرْتَهَنٌ بِهِ مَأْخُوذٌ بِهِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَازِمَةٌ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَشَبَّهَهُ فِي لُزُومِهَا لَهُ، وَعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهُ بِالرَّهْنِ فِي يَدِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْهَاءُ فِي الرَّهِينَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ كَالشَّتْمِ وَالشَّتِيمَةِ. وَهُوَ بَحْثٌ غَرِيبٌ وَاعْتِرَاضٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ كَلَامَ التُّورِبِشْتِيِّ فِي أَنَّ لَفْظَ الْمُرْتَهِنِ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، وَأَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْمُرْتَهَنَ يَأْتِي بِمَعْنَى الرَّهِينَةِ الثَّابِتَةِ فِي الرِّوَايَةِ فَنَقَلَهُ بِالْمَعْنَى عَلَى حُسْبَانِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الرَّهْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ عَلَى الْمَجَازِ فَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَتَعَقُّلٍ، فَكَيْفَ عَلَى الْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْمُحَقِّقِ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، وَالْجَامِعِ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْأَسَاسِ وَالنِّهَايَةِ يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَبَحْثِهِ فِي الْغَايَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَيْضًا مَا يُبَيِّنُ هَذَا الْمَبْحَثَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ، وَأَجْوَدُهَا مَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ طِفْلًا وَلَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ يَحْرُمُ شَفَاعَتُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ: وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ سَبَبٍ تَمَسَّكَ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يُسَاعِدُ الْمَعْنَى الَّذِي أَتَى بِهِ بَلْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُبَايَنَةِ مَالَا يَخْفَى عَلَى عُمُومِ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ خُصُوصِهِمْ، وَالْحَدِيثُ إِذَا اسْتُبْهِمَ مَعْنَاهُ فَأَقْرَبُ السَّبَبِ إِلَى إِيضَاحِهِ اسْتِيفَاءُ طُرُقِهِ، فَإِنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ إِشَارَةٍ بِالْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا رِوَايَةً فَيَسْتَكْشِفُ بِهَا مَا أُبْهِمَ مِنْهُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ:«كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ» أَيْ مَرْهُونٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهِ دُونَ فَكِّهِ، وَالنِّعْمَةُ إِنَّمَا تَتِمُّ عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ بِقِيَامِهِ بِالشُّكْرِ وَوَظِيفَةُ الشُّكْرِ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ مَا سَنَّهُ نَبِيُّهُ النَّبِيهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الْمَوْلُودِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبًا لِسَلَامَةِ الْمَوْلُودِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ سَلَامَةَ الْمَوْلُودِ وَنُشُوَّهُ عَلَى النَّعْتِ الْمَحْبُوبِ رَهِينَةٌ بِالْعَقِيقَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ مُتَلَقًّى مِنْ قِبَلِ الصَّحَابَةِ، وَيَكُونُ الصَّحَابِيُّ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ أَوْ قَضِيَّةِ الْحَالِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ شَفَاعَةُ الْغُلَامِ لِأَبَوَيْهِ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ مَا ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا بَعْدَ مَا تَلَقَّى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّهُ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ يَجِبُ أَنْ يُتَلَقَّى كَلَامُهُ بِالْقَبُولِ وَيُحْسَنَ الظَّنُّ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ الرَّيْبِ فِي تَلَقِّيهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَأَنَّ وُجُوبَ قَبُولِ كَلَامِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَلِّدِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ، وَدَخَلُوا فِي مَقَامِ تَحْقِيقِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّسْدِيدِ وَالتَّأْبِيدِ، ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ التُّورِبِشْتِيِّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَوْنُ الشَّفَاعَةِ لَا غَيْرَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهِ دُونَ فَكِّهِ يَقْتَضِي عُمُومَهُ فِي الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَنَظَرُ الْأَلِبَّاءِ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَوْلَى الِانْتِفَاعِ بِالْأَوْلَادِ فِي الْآخِرَةِ شَفَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَقَوْلِهِ {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] قَدَّمَ الْوَصِيَّةَ عَلَى الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ إِخْرَاجُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ " آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ " إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْفَاذَهَا أَنْفَعُ لَكُمْ مِمَّا تُرِكَ لَهُمْ وَلَمْ يُوصَ بِهِ. الْكَشَّافُ: أَيْ لَا تَدْرُونَ مَنْ أَنْفَعُ لَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ يَمُوتُونَ أَمَنْ أَوْصَى مِنْهُمْ إِنْ لَمْ يُوصِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ وَعَرَّضَكُمْ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ بِإِمْضَاءِ وَصِيَّتِهِ، فَهُوَ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا وَأَحْضُرُ جَدْوًى مِنْ تَرْكِ الْوَصِيَّةِ فَوَفَّرَ عَلَيْكُمْ عَرَضَ الدُّنْيَا وَجَعَلَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ أَقْرَبَ وَأَحْضَرَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا ذَهَابًا إِلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، لِأَنَّ عَرَضَ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ عَاجِلًا قَرِيبًا فِي الصُّورَةِ إِلَّا أَنَّهُ فَانٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْأَبْعَدُ الْأَقْصَى، وَثَوَابُ الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ

ص: 2688

آجِلًا إِلَّا أَنَّهُ بَاقٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْأَقْرَبُ الْأَدْنَى اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي حُكْمِ الْغُلَامِ. " تُذْبَحُ " بِالتَّأْنِيثِ أَيْ عَقِيقَتُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّذْكِيرِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ " عَنْهُ: أَيْ عَنِ الْغُلَامِ " يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى " أَيِ الْغُلَامُ. بِمَا يُسَمَّى حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ " وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ " أَيْ يَوْمَئِذٍ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ) وَكَذَا الْحَاكِمُ (وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ لَكِنْ فِي رِوَايَتِهِمَا " رَهِينَةٌ " بَدَلَ مُرْتَهَنٌ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: " وَيُدَمَّى ") : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يُلَطَّخُ رَأْسُهُ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ (كَانَ: وَيُسَمَّى) أَيْ بَدَلَهُ وَفِي مَوْضِعِهِ (وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَيُسَمَّى " أَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُطْلَى رَأْسُ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَصِفُ الدَّمَ وَيَقُولُ إِذَا ذُبِحَتِ الْعَقِيقَةُ تُؤْخَذُ صُوفَةٌ مِنْهَا فَيُسْتَقْبَلُ بِهَا أَوْدَاجُ الذَّبِيحَةِ، ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى إِذَا سَالَ شِبْهُ الْخَيْطِ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ حُلِقَ بَعْدُ، وَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَطْخَ رَأْسِهِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَقَالُوا: كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَضَعَّفُوا رِوَايَةَ مَنْ رَوَى يُدَمَّى، وَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ يُسَمَّى وَيُرْوَى لَطَّخَ الرَّأْسَ بِالْخَلُوقِ وَالزَّعْفَرَانِ مَكَانَ الدَّمِ اهـ. وَأَيْضًا يُسَنُّ إِمَاطَةُ الْأَذَى، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِازْدِيَادِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْخِتَانُ، وَهَذَا أَقْرَبُ لَوْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ.

ص: 2689

4154 -

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ:«عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ بِشَاةٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً " فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.

ــ

4154 -

(وَعَنْ مُحَمَّدٍ) أَيِ الْبَاقِرِ (ابْنِ عَلِيٍّ) : أَيْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ (ابْنِ الْحُسَيْنِ) أَيِ ابْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْبَاقِرَ؛ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ وَعَلِمَ حَقِيقَتَهُ وَأَصْلَهُ. رُوِيَ «أَنَّ جَابِرًا قَالَ لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ صَغِيرٌ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْحُسَيْنُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يُلَاعِبُهُ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ يُولَدُ لَهُ مَوْلُودٌ اسْمُهُ عَلِيٌّ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ وَلَدُهُ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ» . قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ الصَّادِقَ الْمَعْرُوفَ بِالْبَاقِرِ، سَمِعَ أَبَاهُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَغَيْرُهُ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَسُمِّيَ الْبَاقِرَ، لِأَنَّهُ تَبَقَّرَ فِي الْعِلْمِ أَيْ تَوَسَّعَ. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم قَالَ: عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ ذَبَحَ (عَنِ الْحَسَنِ بِشَاةٍ)، الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ مَزِيدَةٌ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لَا يَنْدُبَانِ عَلَى الْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَمِثْلُهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَذْبَحُ عَنِ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ. قُلْتُ: أَمَّا نَفْيُ الْعَقِيقَةِ عَنِ الْجَارِيَةِ فَغَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ النَّدْبِ فِي حَقِّهِ عَقِيقَةً وَاحِدَةً وَكَمَالُهُ ثِنْتَانِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْأَقَلِّ، أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمِ السَّابِعِ، فَيُمْكِنُ أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْهُ فِي يَوْمِ الْوِلَادَةِ كَبْشًا وَفِي السَّابِعِ كَبْشًا، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، أَوْ عَقَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ كَبْشًا. وَأَمَرَ عَلِيًّا أَوْ فَاطِمَةَ بِكَبْشٍ آخَرَ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَقَّ كَبْشًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَبْشَيْنِ مَجَازًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي) : حَقِيقَةً أَوْ مُرِي مَنْ يَحْلِقُ وَهُوَ أَمُرُ نَدْبٍ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ (رَأْسَهُ) أَيْ رَأْسَ الْحَسَنِ (وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ) : بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ بِوَزْنِ

ص: 2689

شَعْرِ رَأْسِهِ (فِضَّةً فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ) . يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي، وَأَنْ يَكُونَ. بِمَعْنَى بَلْ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَيْ يَقْوَى أَوْ رِجَالُهُ رِجَالُ حَسَنٍ (غَرِيبٌ) أَيْ إِسْنَادًا أَوْ مَتْنًا (وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ) أَيْ بَلْ مُرْسَلٌ عَلَى قَوْلٍ وَمُنْقَطِعٌ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أَيْ جَدَّهُ الْكَبِيرَ رضي الله عنهم.

ص: 2690

4155 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما كَبْشًا كَبْشًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ: كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ.

ــ

4155 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما) : أَيْ ذَبَحَ عَنْ كُلٍّ (كَبْشًا كَبْشًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ: عَقَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا كَانَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالتَّكْرِيرُ بِاعْتِبَارِ مَا عُقَّ عَنْهُ مِنَ الْوَالِدَيْنِ أَيْ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِكَبْشٍ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: عَقَّ شَقَّ، وَعَنِ الْمَوْلُودِ ذَبَحَ عَنْهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ: كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ) : وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.

ص: 2690

4156 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَقِيقَةِ. فَقَالَ " لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ " كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَقَالَ " مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسِكَ عَنْهُ فَلْيَنْسِكْ. عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةً» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

4156 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ» ") أَيْ فَمَنْ شَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ وَلَدُهُ عَاقًّا لَهُ فِي كِبْرَهِ فَلْيَذْبَحْ عَنْهُ عَقِيقَةً فِي صِغَرِهِ، لِأَنَّ عُقُوقَ الْوَالِدِ يُورِثُ عُقُوقَ الْوَلَدِ وَلَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ، وَهَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ وُلِدَ لَهُ إِلَخْ وَ (كَأَنَّهُ) أَيِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَرِهَ الِاسْمَ) هَذَا كَلَامُ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ أَنَّهُ عليه السلام يَسْتَقْبِحُ أَنْ يُسَمَّى عَقِيقَةً لِئَلَّا يُظَنُّ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعُقُوقِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُسَمَّى بِأَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ ذَبِيحَةٍ أَوْ نَسِيكَةٍ عَلَى دَأْبِهِ فِي تَغْيِيرِ الِاسْمِ الْقَبِيحِ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ كَلَامٌ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْعَقِيقَةَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَلَوْ كَانَ يَكْرَهُ الِاسْمَ لَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِ تَغْيِيرُ الِاسْمِ إِذَا كَرِهَهُ، أَوْ يُشِيرُ إِلَى كَرَاهَتِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ:«لَا تَقُولُوا لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ» وَنَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْهَا لِاشْتِبَاهِ تَدَاخُلِهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَوِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَأَحَبَّ أَنْ يَعْرِفَ الْفَضِيلَةَ فِيهَا، وَلَمَّا كَانَتِ الْعَقِيقَةُ مِنَ الْفَضِيلَةِ بِمَكَانٍ لَمْ يُخْفِ عَلَى الْأُمَّةِ مَوْقِعَهُ مِنَ اللَّهِ، وَأَجَابَهُ. بِمَا ذَكَرَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الَّذِي يَبْغَضُهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ هُوَ الْعُقُوقُ لَا الْعَقِيقَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ ظَنَّ أَنَّ اشْتِرَاكَ الْعَقِيقَةِ مَعَ الْعُقُوقِ فِي الِاشْتِقَاقِ مِمَّا يُوهِنُ أَمْرَهَا، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُقُوقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَعَارٌ لِلْوَالِدِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَوْلُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ أَبَوَيْهِ وَأَبَى عَنْ أَدَائِهِ صَارَ عَاقًّا فَجَعَلَ إِبَاءَ الْوَالِدِ عَنْ أَدَاءِ حَقِّ الْمَوْلُودِ عُقُوقًا عَلَى الِاتِّسَاعِ فَقَالَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ أَيْ تَرْكُ ذَلِكَ مِنَ الْوَالِدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ يُشْبِهُ إِضَاعَةَ الْمَوْلُودِ حَقَّ أَبَوَيْهِ، وَلَا يُحِبُّ اللَّهُ ذَلِكَ اهـ. وَلِلطِّيبِيِّ هُنَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ بِحَسَبِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَرَأَيْنَا أَنَّ تَرْكَ ذِكْرِهِ أَوْلَى. (وَقَالَ) : عَطْفٌ عَلَى فَقَالَ وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مِنَ الرَّاوِي أَدْرَجَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا إِلَى آخِرِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جُمْلَةِ الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ (مَنْ وُلِدَ لَهُ) أَيْ وَلَدٌ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ يَذْبَحَ (عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْمَوْلُودِ أَوْ عَنِ الْوَلَدِ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فَالْيَنْسِكْ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2690