المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب العطاس والتثاؤب] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْكَلْبِ]

- ‌[بَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ]

- ‌[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابُ الضِّيَافَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي مَتَى يَكُونُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا لِتَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ]

- ‌[بَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌[بَابُ النَّقِيعِ وَالْأَنْبِذَةِ]

- ‌[بَابُ تَغْطِيَةِ الْأَوَانِي]

- ‌[كِتَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ الْخَاتَمِ]

- ‌[بَابُ النِّعَالِ]

- ‌[بَابُ التَّرَجُّلِ]

- ‌[بَابُ التَّصَاوِيرِ]

- ‌[كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى]

- ‌[بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ]

- ‌[بَابُ الْكِهَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الرُّؤْيَا]

- ‌[كِتَابُ الْآدَابِ] [

- ‌بَابُ السَّلَامِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِئْذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[بَابُ الْقِيَامِ]

- ‌[بَابُ الْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَالْمَشْيِ]

- ‌[بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ]

- ‌[بَابُ الضَّحِكِ]

- ‌[بَابُ الْأَسَامِي]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ وَالشِّعْرِ]

- ‌[بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ]

- ‌[بَابُ الْوَعْدِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَاحِ]

- ‌[بَابُ الْمُفَاخَرَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْخَلْقِ]

الفصل: ‌[باب العطاس والتثاؤب]

(فَقَالَ) أَيْ: مُنْكِرًا عَلَيَّ (أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟) الْقِعْدَةُ بِالْكَسْرِ لِلنَّوْعِ وَالْهَيْئَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَكْسَ فِعْلِهِ أَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِنْكَارُ، وَكَذَا وَضْعُ الْيَدَيْنِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ مُتَّكِئًا عَلَيْهِمَا مِنْ قِعْدَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ، لَكِنْ فِي أَخْذِهِ مِنَ الْحَدِيثِ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَفِي التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْقِعْدَةَ مِمَّا يَبْغَضُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْأُخْرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ التَّشَبُّهَ بِمَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ اهـ. وَفِي كَوْنِ الْيَهُودِ هُمُ الْمُرَادَ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هُنَا مَحَلُّ بِحْثٍ، وَتَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا شِعَارَهُمْ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ أَعَمُّ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَجَبِّرِينَ مِمَّنْ تَظْهَرُ آثَارُ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ عَلَيْهِمْ مِنْ قُعُودِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَنَحْوِهِمَا. نَعَمْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ: أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ هُمُ الْيَهُودُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ حِزْبِ الْفَتْحِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

ص: 2985

4731 -

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: " يَا جُنْدُبُ! إِنَّمَا هِيَ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

4731 -

(وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ بِي) أَيْ: عَلَيَّ (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مَمْدُودَ الرِّجْلِ عَلَى عَادَةِ أَجْلَافِ الْعَرَبِ (فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: يَا جُنْدُبُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَيُفْتَحُ اسْمُ أَبِي ذَرٍّ (إِنَّمَا هِيَ) أَيْ: رِقْدَتُكَ هَذِهِ (ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ) : بِكَسْرِ الضَّادِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْكُفَّارِ أَوِ الْفُجَّارِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ هَذِهِ تَكُونُ ضِجْعَتَهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي النَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) . وَسَبَقَ حَدِيثَانِ فِي مَعْنَاهُ.

ص: 2985

[بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

4732 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ "

ــ

[6]

بَابُ الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ

الْعُطَاسُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَطْسَةِ، وَالتَّثَاؤُبُ تَفَاعُلٌ مِنَ الثَّوْبَاءِ، وَهَى فَتْرَةٌ مِنْ ثِقَلِ النُّعَاسِ يَفْتَحُ لَهَا فَاهُ، وَمِنْهُ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُغَطِّ فَاهُ، وَالْهَمْزَةُ بَعْدَ الْأَلْفِ هُوَ الصَّوَابُ وَالْوَاوُ غَلَطٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَكَذَا ذَكَرَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ، وَفِي الْقَامُوسِ: تَثَاءَبَ أَصَابَهُ كَسَلٌ وَفَتْرَةٌ كَفَتْرَةِ النُّعَاسِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا فِي الْمَهْمُوزِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ، وَفِي أَكْثَرِهَا تَثَاؤُبَ بِالْوَاوِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، قَالَ ثَابِتٌ: لَا يُقَالُ تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا، بَلْ تَثَأَّبَ بِتَشْدِيدِ الْهَمْزِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَصْلُهُ مِنْ تَثَأَّبَ الرَّجُلُ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا اسْتَرْخَى وَكَسِلَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ تَثَاءَبَتْ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا عَلَى تَفَاعَلَتْ، وَلَا تَثَاوَبَتْ، وَالِاسْمُ مِنَ الثَّوْبَاءِ مَمْدُودَةٌ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

4732 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ) : لِأَنَّهُ سَبَبُ خِفَّةِ الدِّمَاغِ وَصَفَاءِ الْقُوَى الْإِدْرَاكِيَّةِ، فَيَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الطَّاعَةِ (وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ) : لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنِ النَّشَاطِ فِي الطَّاعَةِ، وَيُوجِبُ الْغَفْلَةَ؛ وَلِذَا يَفْرَحُ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي ضَحِكِهِ الْآتِي، قَالَ الْقَاضِي: التَّثَاؤُبُ بِالْهَمْزِ التَّنَفُّسُ الَّذِي يُفْتَحُ عَنْهُ الْفَمُ، وَهُوَ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنَ الِامْتِلَاءِ وَثِقَلِ النَّفْسِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ، وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالْكَسَلَ وَسُوءَ الْفَهْمِ؛ وَلِذَا كَرِهَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ الشَّيْطَانُ وَضَحِكَ مِنْهُ، وَالْعُطَاسُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِخِفَّةِ الدِّمَاغِ، وَاسْتِفْرَاغِ الْفَضَلَاتِ عَنْهُ، وَصَفَاءِ الرُّوحِ، وَتَقْوِيَةِ الْحَوَاسِّ كَانَ أَمْرُهُ بِالْعَكْسِ. (فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ

ص: 2985

نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيُّ، وَجَوَّزَ كَسْرَهُ الْقَامُوسُ (وَحَمِدَ اللَّهَ) : قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ أَنَّ الْعُطَاسَ يَدْفَعُ الْأَذَى مِنَ الدِّمَاغِ الَّذِي فِيهِ قُوَّةُ الْفِكْرِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ الْأَعْصَابُ الَّتِي هِيَ مَعْدِنُ الْحِسِّ وَبِسَلَامَتِهِ تَسْلَمُ الْأَعْصَابُ، فَهُوَ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ يُنَاسِبُ أَنْ تُقَابَلَ بِالْحَمْدِ (كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) : فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ سُنَّةٌ وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى النَّدْبِ، ثُمَّ قَوْلُهُ:(سَمِعَهُ) : صِفَةٌ لِمُسْلِمٍ احْتِرَازًا مِنْ حَالِ عَدَمِ سَمَاعِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّلَامِ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ عِنْدَهُ وَيَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ، وَقَوْلُهُ:(أَنْ يَقُولَ) : اسْمُ كَانَ أَيْ: يَرُدَّ كُلُّ مُسْلِمٍ سَامِعٍ (لَهُ) : أَيْ: لِلْعَاطِسِ الْحَامِدِ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) : فَهَذَا حُكْمُ الْعُطَاسِ (فَأَمَّا التَّثَاؤُبُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ: مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ، أَوْ يَبْعَثُ عَلَى الْبَاعِثِ الْجَاذِبِ إِلَيْهِ؛ فَلِذَا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَارَ الْعُطَاسُ مَحْمُودًا؛ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالتَّثَاؤُبُ مَذْمُومًا؛ لِأَنَّهُ يُثْنِيهِ وَيُصْرِفُهُ عَنِ الْخَيْرَاتِ، فَالْمَحَبَّةُ وَالْكَرَاهِيَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لَهَا، وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُزَيِّنُ لِلنَّفْسِ شَهْوَتَهَا، وَقِيلَ: مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ. ( «فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ» ) أَيْ: يَكْظِمْ فَمَهُ (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ) أَيْ: وَفَتَحَ فَاهُ (ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) أَيْ: فَرَحًا بِذَلِكَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَوَافَقَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى.

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) : الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا) : مَقْصُورًا أَيْ: إِذَا بَالَغَ فِي التَّثَاؤُبِ وَفَتْحِ الْفَمِ، وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةُ صَوْتِ الْمُتَثَائِبِ (ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ، وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَلَا يَعْوِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَغَيْرِهِ:«إِذَا تَجَشَّأَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَطَسَ فَلَا يَرْفَعْ بِهِمَا الصَّوْتَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ بِهِمَا الصَّوْتُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى وَجْهِهِ وَلْيُخْفِضْ صَوْتَهُ» .

ص: 2986

4733 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

4733 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» ) : عَدَّهُ الشَّارِعُ نِعْمَةً، فَيُسَنُّ عَقِيبَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ) أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ (- أَوْ صَاحِبُهُ -) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) : قِيلَ: وَإِنَّمَا شُرِعَ التَّرَحُّمُ مِنْ جَانِبِ الْمُشَمِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الرَّحْمَةِ حَيْثُ عَظَّمَ رَبَّهُ بِالْحَمْدِ عَلَى نِعْمَتِهِ وَعَرَفَ قَدْرَهَا. (فَإِنْ قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ) أَيِ: الْعَاطِسُ فِي جَوَابِهِ (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) أَيْ: شَأْنَكُمْ وَحَالَكُمْ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ شُرِعَ فِي حَقِّهِ دُعَاءٌ بِالْخَيْرِ لَهُ تَأْلِيفًا لِلْقُلُوبِ، وَلَفْظُ الْعُمُومِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْعَاطِسَ قَلَّمَا يَخْلُو عِنْدَ عُطَاسِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، أَوْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِهِ وَاحْتِرَامِهِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ إِلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كُلِّهِمْ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2986

4734 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي قَالَ: " إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

4734 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَكَ عَنِ الشَّمَاتَةِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ مِنَ السَّمْتِ، وَهُوَ حُسْنُ الْقَصْدِ وَالْهَدْيِ (وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ. فَقَالَ الرَّجُلُ) أَيِ: الَّذِي لَمْ يُشَمَّتْ لَهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَمَّتَّ) : بِتَشْدِيدَتَيْنِ (هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي) أَيْ: وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ (فَقَالَ: إِنَّ هَذَا) : وُضِعَ مَوْضِعَ ذَاكَ لِجَوَازِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ حَاضِرًا. فَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ (حَمِدَ اللَّهَ) أَيْ: فَأَجَبْتُهُ (وَلَمْ تَحْمِدِ اللَّهَ) أَيْ: أَنْتَ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ. قَالَ الْقَاضِي: تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَكَانَ أَصْلُهُ إِزَالَةُ الشَّمَاتَةِ فَاسْتُعْمِلَ لِلدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ لِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعَاطِسَ إِذَا لَمْ يَحْمِدِ اللَّهَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّشْمِيتَ. قَالَ مَكْحُولٌ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَعْطِسُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَقِيلَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا عَطَسْتَ فَحَمِدْتَ، وَلَيْسَ عِنْدَكَ أَحَدٌ قُلْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ، فَإِنَّهُ يُشَمِّتُكَ مَنْ سَمِعَكَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2987

4735 -

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4735 -

(وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

ص: 2987

4736 -

وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: " يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ: " الرَّجُلُ مَزْكُومٌ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: " إِنَّهُ مَزْكُومٌ ".

ــ

4736 -

(وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ سَمِعَ (فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: يَقُولُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالِي: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي} [آل عمران: 193]، تَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْدًا يَتَكَلَّمُ، فَتُوقِعُ الْفِعْلَ عَلَيْهِ وَتَحْذِفُ الْمَسْمُوعَ وَتَجْعَلُهُ حَالًا مِنْهُ، فَأَغْنَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ، فَإِذَا مُقْتَضَى الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَمَّتَهُ فَقَالَ: فَلَا إِشْكَالَ حِينَئِذٍ. (ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى) أَيْ: مَرَّةً أُخْرَى (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ مَزْكُومٌ) أَيْ: مَرِيضٌ، فَرُبَّمَا يَكْثُرُ تَعَطُّسُهُ وَحَمْدُهُ، وَفِي الْجَوَابِ كُلَّ مَرَّةٍ حَرَجٌ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ تَجْوِيزِ التَّدَاخُلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرْتُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا " فَمَا زَادَ أَيْ: عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا "؛ حَيْثُ صَرَّحَ بِالتَّخْيِيرِ، فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَى لَهُ، لَكِنْ غَيْرُ دُعَائِهِ لِلْعَاطِسِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، إِذْ حَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّشْمِيتَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَمَا زَادَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السُّكُوتِ وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَبَيْنَ التَّشْمِيتِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ: فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي الثَّالِثِ، أَيْ: فِي الْعُطَاسِ الثَّالِثِ (إِنَّهُ) أَيِ: الرَّجُلُ (مَزْكُومٌ) : كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ عَنِ التِّرْمِذِيِّ: أَنْتَ مَزْكُومٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَعْنِي أَنْتَ لَسَتْ مِمَّنْ يُشَمَّتُ بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي بِكَ مَرَضٌ، وَيُوَافِقُهُ فِي التَّثْلِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "«إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ فَهُوَ مَزْكُومٌ» " وَلَا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَيْ: لَا يَجِبُ تَشْمِيتُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا سَبَقَ.

ص: 2987

وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ مَرِيضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْعَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَى لَهُ، لَكِنْ غَيْرُ دُعَائِهِ لِلْعَاطِسِ، بَلْ دُعَاءُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ بِالْعَافِيَةِ وَالسَّلَامَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّشْمِيتِ. قُلْتُ: بَلْ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُعْرَفَ أَنَّ التَّشْمِيتَ مَتَى يَجِبُ وَمَتَى لَمْ يَجِبْ، فَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْعَافِيَةِ وَالسَّلَامَةِ وَنَحْوِهِمَا، رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ يُدْعَى لَهُ بِالسَّلَامَةِ وَنَحْوِهَا، فَيُدْخُلُ تَحْتَ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالصِّحَّةِ فَمِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْمَعْلُومَةِ، مَعَ أَنَّ الزُّكَامَ مَحْمُودٌ يُخْرِجُ كَثِيرًا مِنَ الْأَسْقَامِ.

ص: 2988

4737 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

4737 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِ (بِيَدِهِ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، فَفِي الْقَامُوسِ مَسَكَ بِهِ وَأَمْسَكَ وَتَمَسَّكَ وَتَمَاسَكَ وَاسْتَمْسَكَ: احْتَبَسَ وَاعْتَصَمَ بِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: أَمْسَكَ بِالشَّيْءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ وَاسْتَمْسَكَ اعْتَصَمَ بِهِ (عَلَى فَمِهِ) أَيْ: وَاضِعًا عَلَيْهِ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الدُّخُولُ حَقِيقَةً، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَى الدَّمِ مِنَ الْإِنْسَانِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَا دَامَ مُنْتَبِهًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْهُ بِالْوَسْوَسَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَسَبَقَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى فِي هَذَا الْمَعْنَى.

ص: 2988

الْفَصْلُ الثَّانِي

4738 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

4738 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ) : لِئَلَّا يَظْهَرَ تَشْوِيهُ صُورَةٍ أَوْ تَنْزِيلُ فَضْلَةٍ (وَغَضَّ) أَيْ: خَفَضَ أَوْ نَقَصَ بِهَا، أَيْ: بِالْعَطْسَةِ أَوْ بِالتَّغْطِيَةِ (صَوْتَهُ) : وَالْمَعْنَى لَمْ يَرْفَعْهُ بِصَيْحَةٍ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِصَوْتِهِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا نَوْعُ أَدَبٍ بَيْنَ الْجُلَسَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاطِسَ لَا يَأْمَنْ عِنْدَ الْعُطَاسِ مِمَّا يَكْرَهُهُ الرَّاءُونَ مِنْ فَضَلَاتِ الدِّمَاغِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) : وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ فَيُقَالُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمْ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» .

ص: 2988

4739 -

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلِ الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

4739 -

(وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» ) أَيْ: تَصْرِيحًا بِالْإِجْمَالِ، فَالزِّيَادَةُ مِنْ بَابِ الْإِكْمَالِ (وَلْيَقُلْ) أَيْ: وُجُوبًا عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ) : خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ (وَلْيَقُلْ) أَيْ: نَدْبًا (هُوَ) أَيِ: الْعَاطِسُ (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) : الْبَالُ الْقَلْبُ، يَقُولُ: فُلَانٌ مَا يَخْطُرُ بِبَالِي، أَيْ: قَلْبِي، وَالْبَالُ رَخَاءُ الْعَيْشِ. يُقَالُ: فُلَانٌ رَخِيُّ الْبَالِ، أَيْ: وَاسِعُ الْعَيْشِ، وَالْبَالُ الْحَالُ، يَقُولُ: مَا بَالُكَ؟ أَيْ: حَالُكَ. وَالْبَالُ فِي الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ، وَالْأَوْلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ أَنْسَبُ لِعُمُومِهِ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّهُ إِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْحَالُ، هَذَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَيَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِيبَ عُطَاسِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَلَوْ زَادَ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ أَحْسَنَ، فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ أَفْضَلَ. قُلْتُ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: «مَنْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ عَطْسَةٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا كَانَ لَمْ يَجِدْ وَجَعَ ضِرْسٍ وَلَا أُذُنٍ أَبَدًا» . قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هَذَا مَوْقُوفٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، أَيْ: فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.

ص: 2988

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَوْ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَوْ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، وَلِلْعَاطِسِ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، قُلْتُ: أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ، كَمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ بَيَّنَهَا الْجَزَرِيُّ فِي الْحِصْنِ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَوْلُ السَّامِعِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي التَّشْمِيتِ اخْتِلَافٌ فِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ " جَعَلَهُ سُنَّةً. قُلْتُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَرْبَابِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَأَمَّا نَقْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ " فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ (حَقُّ) كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثَيْنِ مِنْ بَابِ السَّلَامِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، بَلْ لَفْظُهُ: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ هُوَ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلْيُقَلْ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا قَالَ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَحِمَكَ اللَّهُ.

ص: 2989

4740 -

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ:. «كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ: " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

4740 -

(وَعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ) أَيْ: يَطْلُبُونَ الْعَطْسَةَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ) أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ بِهَذَا السَّبَبِ (أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ) أَيِ: النَّبِيُّ عليه السلام عِنْدَ عُطَاسِهِمْ وَحَمْدِهِمْ (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) : وَلَا يَقُولُ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُ بِالْهَمْ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ لِلْإِيمَانِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، لَكِنْ مَنْعَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِمَّا التَّقْلِيدُ، وَإِمَّا حُبُّ الرِّيَاسَةِ، وَعَرَفُوا أَنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ، فَتَحَرَّوْا أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُزِيلَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ عليه السلام اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ دُعَاءَهُ بِالرَّحْمَةِ لَا بِالْهِدَايَةِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِلَّا فَدُعَاؤُهُ بِالْهِدَايَةِ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ قَدْ وَقَعَ فِي قَوْلِهِ:«اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] ، فَفِي الْجُمْلَةِ دَعْوَتُهُ مُسْتَجَابَةٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2989

4741 -

وَعَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ. فَكَأَنَّ الرَّجُلَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْ إِلَّا مَا «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

4741 -

(وَعَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) : بِكَسْرِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ نُسْخَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ، فَفِي الْقَامُوسِ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ بِالْكَسْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ، تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ اهـ. أَوِ الْيَاءُ أَصْلِيَّةٌ فَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ، وَفِي الْمُغْنِي بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ، أَوْ هُوَ بِفَتْحِ يَاءٍ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ هَمْزَةٍ مَكَانَ يَاءٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَوْلَى أَشْجَعَ، أَدْرَكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَرَوَى عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَيْسٍ، وَسَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: كُنَّا مَعَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَشْجَعِيٌّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَعِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، رَوَى عَنْهُ هِلَالُ بْنُ يِسَافٍ وَغَيْرُهُ. (فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) : ظَنًّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ الْحَمْدِ لِلَّهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ،

ص: 2989

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ، كَمَا قَدْ يُشَاهَدُ مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ (فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: وَعَلَيْكَ) : بِالْوَاوِ (وَعَلَى أُمِّكَ) : نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى حَمَاقَتِهَا؛ حَيْثُ سَرَى فِيهِ مِنْ صِفَاتِهَا، فَافْتَقَرَ إِلَى الدُّعَاءِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنِسْبَةِ الْحَمَاقَةِ إِلَى ذَاتِهَا الْغَائِبَةِ، وَلِسَرَيَانِ صِفَاتِهَا إِلَى وَلَدِهَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، بَلْ إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ لَهُمَا بِالسَّلَامَةِ، لَكِنْ عَلَى طِبْقِ كَلَامِهِ؛ حَيْثُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْأَوْجَهُ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِ الْأُمِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْبِيَتِهَا إِيَّاهُ دُونَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يَعْرِفْنَ تَفْصِيلَ الْآدَابِ بِخِلَافِ الْآبَاءِ، فَإِنَّهُمْ لِمُعَاشَرَةِ الْعُلَمَاءِ يَعْرِفُونَ غَالِبًا مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (فَكَأَنَّ الرَّجُلَ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ (وَجَدَ) أَيِ: الْكَرَاهَةَ أَوِ الْخَجَالَةَ أَوِ الْحُزْنَ لِمَا قَالَ سَالِمٌ (فِي نَفْسِهِ) : لَكِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ آثَارِهِ، وَقَالَ شَارِحٌ أَيْ: غَضِبَ أَوْ حَزِنَ مِنَ الْمَوْجِدَةِ، وَهُوَ الْغَضَبُ أَوِ الْوَجْدُ، وَهُوَ الْحُزْنُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَجَدَ عَلَيْهِ فِي الْغَضَبِ مَوْجِدَةً وَوُجْدَانًا أَيْضًا، وَوَجَدَ فِي الْحُزْنِ وَجْدًا بِالْفَتْحِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِذَا حُمِلَ عَلَى الْغَضَبِ قِيلَ: وَجَدَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَيْ: لَمْ يُظْهِرِ الْغَضَبَ وَكَظَمَ الْغَيْظَ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْحُزْنِ قِيلَ أَيْ: أَوْقَعَ الْحُزْنَ فِي نَفْسِهِ (فَقَالَ) أَيْ: سَالِمٌ (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنِّي لَمْ أَقُلْ إِلَّا مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فَأَنَا مُتَّبِعٌ لَا مُبْتَدِعٌ (إِذْ «عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكَ» ) : بِلَا وَاوٍ (وَعَلَى أُمِّكَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: نَبَّهَ بِقَوْلِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ عَلَى بَلَاهَتِهِ وَبَلَاهَةِ أُمِّهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ مُحَمَّقَةً، فَصَارَا مُفْتَقِرَيْنِ إِلَى السَّلَامِ فَيَسْلَمَانِ بِهِ مِنَ الْآفَاتِ اهـ. وَفِيهِ مَعَ مَا سَبَقَ أَنَّ تَقْدِيرَ السَّلَامِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي الْمَقَامِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ الْمَلَامُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّعَلُّمِ وَالْإِعْلَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ، بَلِ الْقَصْدُ زَجْرُهُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الْوَاقِعِ فِي غَيْرِ الْمَرَامِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا آخَرَ غَيْرَ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ سَلَامُهُ فِي غَيْرِ صَوْبِ الصَّوَابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا زَجَرَهُ وَمَزَجَ مِنْ كَلَامِهِ الْحَقِّ بِطِيبِ حَلَاوَةِ مَزْجِهِ الصِّدْقَ، نَصَحَ وَأَفَادَ وَعَمَّ الْعِبَادَ. (فَقَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ) أَيِ: اسْتِحْبَابًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ: مَثَلًا (وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ: وُجُوبًا (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) أَيْ: مَثَلًا (وَلْيَقُلْ) أَيِ: الْعَاطِسُ نَدْبًا (يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ) أَيْ: مَثَلًا، وَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2990

4742 -

وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «شَمِّتِ الْعَاطِسَ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

4742 -

(وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ - يُكْنَى أَبَا مُعَاذٍ - الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، مَاتَ فِي أَوَّلِ وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عُبَيْدٌ وَمُعَاذٌ وَابْنُ أَخِيهِ يَحْيَى بْنُ خَلَّادٍ اهـ. وَأَمَّا ابْنُهُ فَتَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ، فَالْحَدِيثُ إِمَّا مُرْسَلٌ، وَإِمَّا سَقَطَ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شَمِّتِ الْعَاطِسَ) أَيِ: الْحَامِدَ (ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (فَمَا زَادَ) أَيْ: عَطْسُهُ عَنِ الثَّلَاثِ (فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 2990

4743 -

وَعَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " «شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ. إِلَّا أَنَّهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ــ

4743 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) أَيْ: مَوْقُوفًا (قَالَ: " شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ زَادَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَمَا زَادَ (فَهُوَ) أَيِ: الْعَاطِسُ (زُكَامٌ) أَيْ: مِنْ أَثَرِهِ وَعَلَامَتِهِ، أَوْ صَاحِبُهُ ذُو زُكَامٍ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ أَنَّهُ مَزْكُومٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ حَاكِيًا عَمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ قَالَ

ص: 2990