الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبُو دَاوُدَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ: (لَا أَعْلَمُهُ) : الضَّمِيرُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ: أَبَا هُرَيْرَةَ (رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) : هَذَا الْقَوْلُ إِنْ صَدَرَ مِمَّنْ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَمَعْنَاهُ أَعْلَمُ رَفْعَهُ، لَكِنْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ، وَلَكِنِّي مَا أَدْرِي بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مَنْ سَمِعْتُ، أَوْ قَالَ وَنَحْوَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْمَوْقُوفَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
4744 -
عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
4744 -
(عَنْ نَافِعٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ) أَيْ: مُنْتَهِيًا جُلُوسًا إِلَى جَنْبِهِ (فَقَالَ) أَيِ: الْعَاطِسُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَهْلِهِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ زِيَادَةُ السَّلَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذْكَارِ أَوْ جَزَاءً لِتَعْلِيمِنَا آدَابَ الْأَبْرَارِ، أَوْ قِيَاسًا عَلَى زِيَادَةِ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْحَمْدَلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ كَابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِمَا. لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ الْفَارِقِ (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ) أَيْ: كَمَا تَقُولُ أَيْضًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) : لِأَنَّهُمَا ذِكْرَانِ شَرِيفَانِ، كُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِهِمَا، لَكِنْ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(وَلَيْسَ هَكَذَا) أَيْ: لَيْسَ الْأَدَبُ الْمَأْمُورُ الْمَنْدُوبُ هَكَذَا بِأَنْ يَضُمَّ السَّلَامَ مَعَ الْحَمْدِ عِنْدَ الْعَطْسَةِ، بَلِ الْأَدَبُ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ نُقْصَانٍ مِنْ تِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَّا بِقِيَاسٍ جَلِيٍّ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) : فَالزِّيَادَةُ الْمَطْلُوبَةُ إِنَّمَا هِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَمْدَلَةِ سَوَاءٌ وَرَدَ أَوْ لَا. وَأَمَّا زِيَادَةُ ذِكْرٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الضَّمِّ إِلَيْهِ، فَغَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُورَاتِ، ثُمَّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِقَوْلِهِ: نَقُولُ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا قَوْلَ الْحَمْدِ لِلَّهِ عِنْدَ الْعَطْسَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ فِي الْأَفْعَالِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَ هَكَذَا أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، كَمَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام، وَقَوْلُهُ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَأْنَفٌ دَالٌّ عَلَى الْمُقَدَّرِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ إِلَى مَا هُوَ أَحَقُّ وَأَحْرَى عَلَى طُرُقِ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ وَالتَّسَاهُلِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ التَّخَشُّنِ، خِلَافًا لِقَوْلِ سَالِمٍ: عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ. قُلْتُ: هَذَا جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ وَغَلْطَةٌ جَسِيمَةٌ فِي نِسْبَةِ التَّخَشُّنِ إِلَى صَاحِبِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ قَوْلَ سَالِمٍ عَيْنُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِذَارِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ ذَنْبٌ آخَرُ أَعْظَمُ مِنْهُ؛ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ هِلَالٍ: إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ الْعَاطِسُ وَسَمَّى أُمَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَظَاظَةِ وَهُوَ جَدِيرٌ بِالرِّفْقِ؟ قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ مِرَارًا التَّشْمِيتَ، وَعَدَلَ مِنْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلِهَذَا زَجَرَهُ، وَمَا كَانَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ ابْتِدَاءُ تَعْلِيمٍ وَإِرْشَادٍ، فَأَقُولُ لَيْتَهُ كَانَ تَفَضَّضَ جَمِيعَ أَسْنَانِهِ وَأَقْلَامَ بَنَانِهِ، وَلَمْ يُنْسِبْ فِي تَقْرِيرِهِ وَتَحْرِيرِهِ، بَلْ لَمْ يَخْطُرْ فِي خَاطِرِهِ وَضَمِيرِهِ إِسْنَادُ الْفَظَاظَةِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ صَرِيحٌ مَا عَنْهُ عُذْرٌ صَحِيحٌ، إِذْ أَثْبَتَ لَهُ مَا نَزَّهَهُ سبحانه وتعالى عَنْهُ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ بِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مِرَارًا، وَمَا كَانَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ ابْتِدَاءٌ مَعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَا فِي كُتُبِ سِيَرِ الْأَصْحَابِ مَنْقُولٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِرَارًا عَنْ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ عَدَلَ مِنْهُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَاحْتَاجَ إِلَى زَجْرِهِ بِالْعُدُولِ عَنْ رِفْقِهِ اللَّائِقِ بِهِ، وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ بَيَّنَّا لَطَافَةَ كَلَامِهِ فِي تَعْلِيمِ سَلَامِهِ بِمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَصَرَّحْنَا وَأَشَرْنَا إِلَيْهِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنْ بُلُوغِ فَهْمِ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرُفَ وَكَرُمَ وَعَظُمَ، عَلَى أَنَّ فَرْقًا ظَاهِرًا بَيْنَ صَاحِبِ ابْنِ عُمَرَ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ صلى الله عليه وسلم؛ حَيْثُ إِنَّ الْأَوَّلَ وَضَعَ السَّلَامَ الْمُتَعَارَفَ عِنْدَ اللِّقَاءِ مَكَانَ حَمْدِ اللَّهِ حَالَ الْعُطَاسِ، وَالثَّانِي زَادَ السَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
) .
[بَابُ الضَّحِكِ]
(7)
بَابُ الضَّحِكِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4745 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[7]
بَابُ الضَّحِكِ
هُوَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْقَامُوسِ: ضَحِكَ ضَحِكًا بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ وَبِكَسْرَتَيْنِ كَكِتِفٍ، هَذَا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالضَّحِكِ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ الشَّامِلَ لِلتَّبَسُّمِ، وَإِلَّا فَكَانَ أَكْثَرُ ضَحِكِهِ صلى الله عليه وسلم تَبَسُّمًا، أَوْ أَرَادَ بِالضَّحِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ اسْتِدْلَالًا عَلَى جَوَازِهِ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم، وَأَمَّا مَا نَقَلَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الصَّغِيرَةُ التَّبَسُّمُ، وَالْكَبِيرَةُ الضَّحِكُ، فَمَحْمُولٌ عَلَى سُخْرِيَةِ الْكُفَّارِ بِالْمُؤْمِنِينَ، أَوْ جَهَلَةِ الْفُجَّارِ بِالْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29] .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4745 -
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا) أَيْ: مَا أَبْصَرْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ مُسْتَجْمِعًا مِنْ جِهَةِ الضَّحِكِ، فَقَوْلُهُ: ضَاحِكًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ دَرُّهُ فَارِسًا، وَالْمَعْنَى: مَا رَأَيْتُهُ يَضْحَكُ تَامًّا مُقْبِلًا بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الضَّحِكِ (حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ جَمْعُ اللَّهَاةِ، وَهِيَ اللَّحَمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ مُشْرِفَةً عَلَى الْحَلْقِ (إِنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ) أَيْ: غَالِبًا، وَقَدْ يَضْحَكُ، لَكِنْ لَا يَصِلُ إِلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، وَالْإِعْرَابُ السَّابِقُ زُبْدَةُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ، وَمَالَ ابْنُ الْمَلَكِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ضَاحِكًا حَالٌ أَيْ: مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَجْمِعًا لِضَحِكِهِ فِي حَالِ ضَحِكِهِ، أَيْ: لَمْ أَرَهُ يَضْحَكُ ضَحِكًا تَامًّا ضَاحِكًا بِجَمِيعِ فَمِهِ اهـ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ شَارِحٍ سَبَقَهُ، وَقَالَ: فَكَأَنَّهَا قَالَتْ مُسْتَجْمِعًا ضَحِكًا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ وَاجْتَمَعَتْ بِمَعْنَى حَصَلَتْ، فَالْفِعْلَانِ عَلَى اللُّزُومِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ. وَفِي الْمُغْرِبِ: اسْتَجْمَعَ السَّيْلُ اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُمُورُهُ اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُحِبُّهُ وَهُوَ لَازِمٌ، كَمَا تَرَى. وَقَوْلُهُ: اسْتَجْمَعَ الْفَرَسُ جَرْيًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: مُسْتَجْمِعًا شَرَائِطَ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ يَثْبُتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا» . جَعَلَ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ بِمَنْزِلَةِ السِّنَةِ مِنَ النَّوْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19]، أَيْ: شَارِعًا فِي الضَّحِكِ.
4746 -
وَعَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4746 -
(وَعَنْ جَرِيرٍ) أَيِ: ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ (قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: مَا مَنَعَنِي مِنْ مُجَالَسَتِهِ الْخَاصَّةِ أَوْ مِنْ بَيْتِهِ؛ حَيْثُ يُمْكِنُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنِّي لَمْ أَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا مَنَعَنِي مِنْ مُلْتَمَسَاتِي عَنْهُ، بَلْ أَعْطَانِي مَا طَلَبْتُهُ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. (مُنْذُ أَسْلَمْتُ) : وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا (وَلَا رَآنِي) أَيْ: مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِذِ الْحَذْفُ مِنَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَآنِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنَ الْفِعْلَيْنِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ:(إِلَّا تَبَسَّمَ) : مُرْتَبِطٌ بِالْفِعْلِ الثَّانِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: إِلَّا ضَحِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّبَسُّمُ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّ مَنْشَأَ كَثْرَةِ انْبِسَاطِهِ عليه السلام مَعَهُ أَنَّهُ رضي الله عنه كَانَ مِنْ مَظَاهِرِ الْجَمَالِ؛ وَلِذَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ جَرِيرًا يُوسُفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
4747 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ.
ــ
4747 -
(عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ) أَيِ: الصُّبْحَ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) أَيْ: طُلُوعًا حَسَنًا كَمَا سَبَقَ (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ) أَيْ: لِصَلَاةِ الْإِشْرَاقِ، وَهُوَ مَبْدَأُ صَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ مَعْنَاهُ قَامَ لِلِانْصِرَافِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَمُلَازَمَتِهِ مَجْلِسَهَا مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَكَانَ السَّلَفُ يُوَاظِبُونَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ، وَيَقْتَصِرُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (وَكَانُوا) أَيْ: أَصْحَابُهُ (يَتَحَدَّثُونَ) أَيْ: فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ (فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ الْمَذَمَّةِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرِهِ، مِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّهُ قَالَ وَاحِدٌ: مَا نَفَعَ أَحَدًا صَنَمُهُ مِثْلَ مَا نَفَعَنِي. قَالُوا: كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: صَنَعْتُهُ مِنَ الْحَيْسِ، فَجَاءَ الْقَحْطُ، فَكُنْتُ آكُلُهُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَقَالَ آخَرُ: رَأَيْتُ ثَعْلَبَيْنِ جَاءَا وَصَعِدَا فَوْقَ رَأْسِ صَنَمٍ لِي وَبَالَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ: أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ
فَجِئْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَسْلَمْتُ. (فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ) أَيْ: يَقْرَءُونَهُ، أَوْ يَطْلُبُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قِرَاءَتَهُ. فِي الشَّمَائِلِ: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَالَسْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي مَجْلِسِهِ الشَّرِيفِ لَا يُتَنَاشَدُ إِلَّا الشِّعْرُ الْمُنِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ، يَقُولُ:
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا
…
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقِ: " «إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
…
وَكُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
»
أَيْ: مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: نَعِيمُكَ فِي الدُّنْيَا غُرُورٌ وَحَسْرَةٌوَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا مُحَالٌ وَبَاطِلُ
هَذَا وَمِنْ لَطَائِفِ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَنْشَدَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ شِعْرًا، فَحَصَلَ لَهُ بُكَاءٌ وَتَوَاجُدٌ، فَلَمَّا سَكَنَ قَالَ: أَتَلُومُونَ النَّاسَ يَقُولُ فُلَانٌ مُلْحِدٌ أَوْ زِنْدِيقٌ؟ قَرَأْتُ كَذَا مِنَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَخْرُجْ لِي دَمْعَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الشِّعْرَ كِدْتُ أَنْ أَتَجَنَّنَ. أَقُولُ: هَذَا فَتْحُ بَابٍ لِلسَّمَاعِ، وَيَنْجَرُّ إِلَى مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ النِّزَاعِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حَالَيِ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ فِي الْكَلَامِ، فَأَعْرَضْنَا عَنْهُ شُرُوعًا فِي الْأَهَمِّ مِنْهُ مِنَ الْمَرَامِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
4748 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4748 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ) : بِفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ زَايٍ بَعْدَهُ هَمْزٌ (قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .