الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في وصف المعركة
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة
…
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة:
إن انكشاف المسلمين وتوليهم أمام عدوّهم له عدة أسباب، منها: ما يعود إلى استعداد العدو العسكري، ودقة ممارسته للحروب والفروسية، وإحكام الخطة واختيار الموقع المناسب لهجومهم المباغت دون أن يشعر بهم المسلمون، مما أدى إلى تفوقهم وتقدمهم مبدئيا، وقد صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة كما سنوضح ذلك.
ومنها ما يعود إلى المسلمين أنفسهم، فقد صدر من بعض أفراد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة أمور أدت إلى انكسار المسلمين وتقهقرهم أمام هوازن، كاغترار بعضهم بكثرتهم، وطلب البعض الآخر منهم ذات أنواط ينوطون بها أسلحتهم مضاهاة منهم للكفار الذين لهم ذات أنواط.
وتهور1 البعض الآخر كذلكوخروجهم إلى هوازن دون أن يستكملوا وسائل القتال، وانكباب بعضهم على جمع الغنائم وحيازتها قبل أن يستسلم الكفار استسلاما كاملا.
هذا مجمل الأسباب التي رجحت بها كفة العدو على كفة المسلمين في بداية المعركة. وسأحاول تحليل هذه الأسباب وإيضاحها مستنداً إلى الروايات الواردة في ذلك.
1 في (القاموس المحيط 2/162: تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة) .
أولا: أسباب نجاح هوازن في بادئ الأمر:
أ- كثرتهم الهائلة، فقد جندوا جنودا لم يواجه المسلمين مثلها في غزواتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي سبقت هذه الغزوة، وقد مر ذلك مفصلا1.
ب- بث الحماسة والقوة المعنوية في نفوسهم والتزامهم بتوجيهات قائدهم، فعند الواقدي: أن مالك بن عوف قال لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وأنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم، فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا2.
57-
وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن. الحديث.
وفيه: "وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد عينا، فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم"3.
ج- سبقهم إلى وادي حنين وتحصنهم بين أشجاره ومضايقه وبث الكتائب التي تكمن في جميع نواحيه. وهذا ما صرح به حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق وغيره. وهذا سياقه عند ابن إسحاق قال:
58-
حدثني عاصم4 بن عمرة بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: "لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف5
(في مبحث استعداد هوازن العسكري ص116) .
(مغازي الواقدي 3/893) .
3 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/330) .
4 تقدمت تراجم رواة الحديث في حديث (23) وكلهم ثقات.
5أجوف: متسع، وحطوط - بفتح الحاء المهملة - الأكمة الصعبة الانحدار. (ابن منظور: لسان العرب 9/141، 10/378) .
حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية من الصبح1، وكان القوم قد سبقونا2 إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه3 وأحنائه4 ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب5، قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر6 الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد". الحديث7.
ومن هذه الطريق أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري وابن حبان والبيهقي8.
وأورده الهيثمي، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: وصرخ حين كانت الهزيمة كلدة9 - وكان أخا صفوان بن أمية وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي ضرب له
1 عماية - بفتح العين المهملة - بقية ظلمة الليل. (ابن الأثير: النهاية 3/305) .
2وعند البيهقي: "فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأجنابه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فينحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فكرت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد".
3شعابه - بكسر أوله - جمع شعبة، وهي التي تعدل عن الوادي وتأخذ في طريق غير طريقه. (ابن منظور: لسان العرب 1/481) .
4أحنائه - بالحاء المهملة - منعطفه وجوانبه. وعند أحمد والبيهقي: "أجنابه" - بالجيم - وهي بمعنى "أحنائه" بالحاء. (ابن الأثير: النهاية 1/303، 455) .
5الكتائب: جمع كتيبة، والكتيبة: الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل، وكتيبة جرارة: ثقيلة السير لكثرتها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/121، 389) .
6انشمر الناس: أي مضوا راجعين، وعند أحمد:"وانهزم الناس راجعين"، وهي تبين معنى انشمر.
(سيرة ابن هشام 2/442 وهو مطول) .
قال القسطلاني: "قال الن جرير الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد لكثرة فهو كالمنحاز إلى فئة". (المواهب اللدنية) .
وقال الزرقاني: قال صاحب الروض: "لم يجمع العلماء على أن الفرار من الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ، [سورة لأنفال، من الآية: 16] . ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [سورة آل عمران، من الآية: 155] ، وكذا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، [سورة التوبة، من الآية: 27] ". (شرح المواهب اللدنية 3/20، والروض الأنف للسهيلي 7/208) .
(أحمد: المسند 3/376، وأبو يعلى: المسند 2/200 رقم (302)، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/74، وابن حبان: كما ورد في موارد الضمآن ص417، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43- 44ب) .
9 كلدة - محركا - ابن حنبل، ويقال: ابن عبد الله بن حنبل الجمحي، المكي، صحابي له حديث، وهو أخو صفوان بن أمية لأمه. /بخ د ت س. (التقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/444- 445) . وفي الإصابة 3/305 قال: كلدة بن الحسل - بالحاء والسين -. أهـ. وسماه ابن إسحاق: جبلة بن حنبل.
رسول الله صلى الله عليه وسلم – ألا بطل السحر اليوم، فقال له صفوان: اسكت فض1 الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
ثم قال الهيثمي: ورواه البزار باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح2.
قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع أيضا عن ابن هشام وابن حبان والبيهقي. وقد صحح هذا الحديث الألباني3.
وعند الواقدي: قال: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق - وفرق الناس فيه، وأوعز4 إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة.
وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها.
ثم ذكر الألوية في قبائل العرب وحامليها: في المهاجرين والأنصار، وأسلم وبني غفار، وبني ضمرة وبني ليث، وبني كعب بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة، وبني مزينة وجهينة وبني أشجع وسليم5.
ثم قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدم سليما من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة، وانحدر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين،
1 الفض - الكسر -، وهو دعاء عليه بأن يكسر الله أسنانه، يقال: لا يفض الله فاك، أي لا يكسر الله أسنانك. (ابن الأثير: النهاية 3/453) .
(مجمع الزوائد 6/179- 180) .
(تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 422) .
4 أوعز: وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك، وأوعز ووعز: تقدم وأمر. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/195) .
5 في المعجم الكبير للطبراني 11/370- 371 من حديث ابن عباس قال: "شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ألف من بني سليم". وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 6/177، وفي الروض الأنف 7/218 كان بنو سليم يوم حنين تسعمائة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، وكان يعد وحده بمائة فارس، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد تمهم به ألفا.
فانحدر رسول الله صلى الله عليه وسلم انحدارا - وهو وادي حدور1 - وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين2 والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبينا هم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح.
فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة له مضايق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان من السواد والكثرة!
…
فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم – مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شيء3.
? مهارة هوازن النادرة في إصابة الهدف بحيث لا يكاد يسقط لهم سهم.
وقد صرح بذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
59-
حدثنا عمرو4 بن خالد، ثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل5: أكنتم فررتم يا أبا عمارة6 يوم حنين؟ قال: لا والله ما7 ولى
1 الحدر: من كلّ شيء تحدره من علو إلى أسفل، والحدور والهبوط: المكان ينحدر منه. (ابن منظور: لسان العرب 5/244) .
2 درع الحديد - بالكسر- وقد تذكر جمع أدرع وأدراع ودروع. والمخفر كمنبر وبهاء ككتابة: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح. والبيضة: هي التي تلبس في الرأس في الحرب. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/103، 3/20، وابن حجر: هدي الساري ص91) .
(الواقدي: المغازي 3/895، 897) .
4 عمرو بن خالد: هو الحراني.
وزهير: هو ابن معاوية بن خديج.
وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة -.
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: "عن ابن إسحاق" قال: رجل للبراء، وهو خطأ، والصواب "عن أبي إسحاق".
5 قال ابن حجر: "لم أقف على تسميته، ووقع في رواية أنه من قيس". (فتح الباري 8/28) .
6 أبو عمارة: كنية البراء رضي الله عنه.
7سيأتي توجيه هذا النفي في مبحث (عوامل انتصار المسلمين) تحت حديث (79) وص193- 195.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم1 حسرا ليس2 بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. الحديث3.
وفي لفظ عند مسلم وابن أبي شيبة والطبري وأبي عوانة: "فقال البراء: أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر4 إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق5 من نبل كأنها رجل6 من جراد فانكشفوا". الحديث7.
هذه بعض المرجحات التي كانت في جانب المشركين أدت إلى تفوقهم في أول الأمر.
وخاصة خطبة مالك بن عوف فيهم، خطبته الحماسية التي كان لها أثرها الفعال ووقعها في نفوسهم، حيث أثار فيهم النخوة والشجاعة والبسالة، في قوله: "إن محمدا
1 قوله: "وأخفاؤهم" قال النووي: جمع خفيف وهم المسارعون المستعجلون ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم "جفاة" - بجيم مضمومة وبالمدـ، وفسره: بسرعانهم. قالوا: تشبيهاً بجفاء السيل وهو غثاؤه.
قال القاضي رضي الله عنه: إن صحت هذه الرواية، فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان، ومن في قلبه مرض، فشبهه بغثاء السيل. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/404، ومشارق الأنوار للقاضي عياض 1/245 إلا أنه قال في غزوة "خيبر" بدل "حنين" وهو خطأ) .
2 وعند مسلم والبيهقي: "ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح".
(صحيح البخاري 4/35 كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر. وصحيح مسلم 3/1400-1401 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين) .
4 الحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. (النهاية لابن الأثير 1/383) .
5 قوله: "برشق" بكسر الراء وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والرشق: بفتح الراء، مصدر رشقه يرشقه رشقا إذا رماه بالسهام. (ابن الأثير: النهاية 2/225، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/405، 407) .
6 رجل من جراد: هو بكسر الراء: الجراد الكثير. (ابن الأثير: النهاية2/203) . وقوله: "فانكشفوا" أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (النووي شرح صحيح مسلم 4/407) .
(مسلم: الصحيح 3/1400- 1401 كتاب الجهاد، باب غزوة حنين. وابن أبي شيبة والطبري كما في كنز العمال 10/351، ومنتخب كنز العمال 4/166 من مسند أحمد، كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. وأبو عوانة: المسند4/210-211.وانظر: البيهقي: السنن الكبرى 9/154-155) .
لم بقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فينصر عليهم". الأمر الذي جعل هوازن يستميتون في ساحة المعركة، يتساقطون واحدا تلو الآخر وهم مصممون على الانتصار.
ثانيا: بيان الأسباب الداخلية لاندحار المسلمين في أول الأمر:
أ- اغترار بعض المسلمين بكثرتهم، كما تقدم في حديث:"لن نغلب اليوم عن قلة"1.
وعند الواقدي: فلما فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، قال رجل من أصحابه:"لو لقينا بني شيبان2 ما بالينا3 ولا يغلبنا اليوم أحد عن قلة"4.
فكانت هذه المقالة بادرة سوء تألم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن فيها إعجاب بالعدد والكثرة وغفلة عن الله الذي لا يكون النصر للمسلمين إلاّ من عنده. {وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، [آل عمران، من الآية: 126] .
ب- عدم تمكن عقيدة التوحيد في بعض المسلمين كما في حديث أبي واقد الليثي في قول بعضهم: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط"5.
وكانت هذه الكلمة مؤلمة لسمع الرسول صلى الله عليه وسلم مما يدل على وجود حفنة من هذا الجيش لم يصلوا بعد إلى المستوى الإيماني المطلوب، لحداثة عهدهم بالإسلام.
?- الخفة والعجلة التي حصلت من بعض القوم وشبانهم، حيث خرجوا إلى هوازن قبل استكمال وسائل الحرب فلم يستطيعوا الوقوف أمام سهام المشركين ونبالهم، وهذا ما صرح به حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
1 تقدم تخريجه برقم (44) ، وانظر حديث رقم (52) ، (53) ، (54) .
2 بنو شيبان: نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل، قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة والتابعين، والأمراء والفرسان والعلماء في كل فن. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/219) .
3 بالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به. (ابن منظور: لسان العرب 18/91) . والمعنى: لو لقينا بني شيبان لم نبالي بهم لكثرتنا.
(مغازي الواقدي 3/889) .
5 تقدم تخريجه برقم (51) .
فعند البخاري وغيره عن البراء قال له رجل: يا أبا عمارة ولَّيْتُم يوم حنين؟
قال: لا. والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان1 الناس، فلقيهم هوازن بالنبل. الحديث2.
وفي لفظ: فقال البراء: "أما أنا فأشهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن". الحديث3.
وفي لفظ قال البراء: "لا. والله، ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقتهم ما يكادون يخطئون" الحديث4.
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه يدل على أن سرعان القوم وأخفاءهم عجلوا في مبارزة العدو قبل استكمال عدة الحرب فلم يستطيعوا الثبات أمام هجمة هوازن عليهم ففروا وفر الناس بعدهم.
د- فرار الأعراب وعدم ثبوتهم أمام المشركين مما شجع العدو في مواصلة مطاردة المسلمين.
1 وعند أحمد: "ولكن ولى سرعان الناس فاستقبلتهم هوازن بالنبل".
وعند الروياني: "ولكن ولى سرعان من الناس يلتقطهم هوازن بالنبل".
وعند أبي عوانة: "فقال البراء: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول، ولكن سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل".
وعند مسلم وأبي عوانة: "أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رِجل من جراد فانكشفوا".
(وسَرَعان الناس) بفتح السين والراء، ويجوز تسكين الراء: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة. (ابن الأثير: النهاية 2/361) .
(البخاري: الصحيح 3/26 كتاب الجهاد، باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء، وتمام الحديث: "والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"3 (البخاري: الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) . و (الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال) . و (أحمد: المسند 4/289، 304) . و (الروياني: المسند 1/66، 67 ب رقم575) . و (أبوعوانة: المسند 4/208) . و (البيهقي: السنن الكبرى 9/154) .
(البيهقي: السنن الكبرى 9/154. وتقدم برقم (59) .
وهذا هو صريح حديث أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف1، وعلى مجنبة2 خيلنا خالد ابن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوي3 خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب4 ومن نعلم من الناس"
…
الحديث5.
?- انهزام الطلقاء:
وهذا هو ما صرح به أنس بن مالك في حديثه عند مسلم وغيره، وهذا سياق مسلم:
60-
حدثنا أبو بكر6 بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أم سليم7 اتخذت يوم حنين 8
1 قوله: "ونحن كثير قد بلغنا ستة آلاف" تقدم توجيهه في الحديث رقم (40) . ص112 تعليقة (4) .
2 مجنبة - بضم الميم وفتح الجيم والنون المشددة –: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنبتان والقلب بينهما.
وقيل: هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق. والأول أصح.
والمجنبة - بفتح النون-: المقدمة. (ابن الأثير: النهاية 1/303، والنووي: شرح صحيح مسلم3/102،وابن منظور: لسان العرب1/268،والفيروزآبادي: القاموس المحيط1/48) .
3قوله:"فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا".قال النووي: هكذا في أكثر النسخ: تلوي".
وفي بعضها"تلوذ"،وكلاهما صحيح. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102) .
4 الأعراب: هم سكان البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة.
والعرب: اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه.
والنسبة إليهما: أعرابي، وعربي.
(ابن الأثير: النهاية3/202،وابن منظور: لسان العرب2/75-76، والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/102) .
5 تقدم تخريج الحديث برقم (40) .
6 هو: عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي صاحب التصانيف.
7 أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية، والدة أنس بن مالك، وزوج أبي طلحة، يقال: اسمها سهلة، أو رميلة، أو رميثة، أو مليكة، أو أنيثة، وهي: الغميصاء، أو الرميصاء، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات (ت في خلافة عثمان) /خ م د ت س. (ابن حجر: التقريب 2/622) .
8 يوم حنين: قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة (يوم حنين) بضم الحاء المهملة وبالنونين، وفي بعضها (يوم خيبر) بالخاء المعجمة والأول هو الصواب. (شرح مسلم 4/469) .
ولفظ (الطلقاء) يعين ما قاله النووي، لأن (في خيبر) لم يكن هناك طلقاء.
خنجرا1، فكان معها، فرآها أبو طلحة2 فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر3، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما هذه الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت4 به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا من الطلقاء5 انهزموا بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن"6.
والحديث أخرجه ابن سعد، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو نعيم. الجميع من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت به7.
1 خنجر - كجعفر -: السكين، أو العظيمة منها، ويكسر خاؤه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/24) .
وقال النووي: "سكين كبيرة ذات حدين". (شرح مسلم 4/469) .
وفي لفظ عند أحمد "أن أبا طلحة أتاها ومعها معول".
قال ابن الأثير: المعول - بالكسر - الفأس، والميم زائدة وهي ميم الآلة. (النهاية 4/344) .
2 هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، النجاري، أبو طلحة المشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها (ت 34)، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/275) .
3 وفي لفظ عند أحمد: "جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم متقلدة خنجرا".
4 وعند أبي داود وابن أبي شيبة وأحمد وأبي يعلى: "أبعج به بطنه".
وعند إسحاق بن راهويه: "بعجت به بطنه".
وعند ابن ابي شيبة وأحمد: "طعنته به".
والبقر والبعج: معناهما الشق.
والطهن: هو الوخز بحربة ونحوها. (ابن الأثير: النهاية 1/139، 144- 145، 5/163، وابن منظور: لسان العرب 17/135) .
5 قولها: "اقتل من بعدنا من الطلقاء".
قال النووي: الطلقاء هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم منّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم وغيره، وقولها:"من بعدنا" أي من سوانا. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/469) .
وقال الحلبي: يقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضهم لبعض: أي من كان إسلامه مدخولا منهم - اخذلوه هذا وقته فانهزموا، فهم أول من انهزم وتبعهم الناس، وعند ذلك قال أبو قتادة لعمر رضي الله عنهما: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. (السيرة الحلبية 3/65) .
(مسلم: الصحيح3/1442 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/425، وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 15 برقم (377)، وعبد بن حميد: المسند ص: 158 برقم (323)، وأحمد: المسند 3/286، وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/60، وأبو يعلى: المسند 3/321 و331 برقم (303) .
وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، كلاهما من طريق سليمان1 بن المغيرة، عن ثابت به2.
وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة. الجميع من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك3.
وأخرجه أحمد من طريق ابن أبي عدي4، عن حميد، عن أنس5. فهذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة عن أنس منهم المختصر ومنهم المطول.
61-
وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله6 بن أبي بكر مرسلاً بنحوه، وهذا سياقه قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وأنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها7 الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته8 مع الخطام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم سليم؟ .
1 سليمان بن المغيرة القيسي. ثقة. تقدم في ص 137.
(ابن أبي شيبة: التاريخ ص 93- 94 ب- أ، وانظر: منتخب كنز العمال لعلاء الدين المتقي الهندي4/171-172 مع مسند أحمد. وأحمد: المسند3/112 و198) .
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم 1/311 قال: "سألت أبي عن حديث رواه أبو أسامة - هو: حماد بن أسامة - عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أنس قال: قال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته: ألا ترى إلى أم سليم في يدها خنجر". الحديث. قال أبي هذا خطأ، وإنما هو سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس.
(مسلم: الصحيح 3/1443 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال. ولم يسق لفظه. وأبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد: المسند 3/190 و279. وأبوداود الطيالسي 2/108- 109 مع "منحة المعبود". وابن أبي شيبة: التاريخ ص93- 94 ب- أ) .
4 هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة (ت 194) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/141، وتهذيب التهذيب 9/12- 13) .
5 المسند 3/108.
6 هو: عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، تقدمت ترجمته في حديث (35) .
7 يعزها: أي يغلبها (المصباح المنير 2/484) .
8 الخزامة: حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير، لينقاد بسهولة. (ابن الأثير: النهاية 2/29) .
قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو يكفي الله يا أم سليم"؟
قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟
قالت: خنجر أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين، بعجته به.
قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم للغميصاء1.
ومن طريقه أخرجه الطبري2.
و انكباب المسلمين عل جمع الغنائم واشتغالهم بها، وذلك أن المسلمين حملوا على الكفار فلاذوا بالفرار تاركين أموالهم وعتادهم، فظن المسلمون أن الكفار انهزموا إلى غير رجعة، فأقبلوا على جمع الغنائم وحيازتها، فانتهز المشركون غفلة المسلمين فانهالوا عليهم من كل صوب يضربون ويطعنون، فانكشف المسلمون أمام المشركين لا يلوي أحد منهم على أحد، والكفار في آثارهم يطاردونهم. وهذا ما صرح به البراء بن عازب رضي الله عنه في حديثه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياق البخاري:
عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة3، وإنا لما حملنا
(سيرة ابن هشام 2/446. والغميصاء: اسم أم سليم) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/76) .
3 وفي لفظ عند البخاري: "أن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام".
وعند مسلم والطبري: "وكانت هوازن يومئذ رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام".
وعند أبي داود الطيالسي وأبي عوانة: "أن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم واستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس".
وعند أبي عوانة أيضا: "أن هوازن كانوا قوما رماة وإنا لما التقينا انكشفوا، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغنائم، ورموهم بالسهام".
قال الحلبي: وسياق هذا الحديث يدل على أنّ المسلمين انهزموا مرتين: الأولى في أول الأمر، والثانية عند انكبابهم على أخذ الغنائم. (السيرة الحلبية 3/65) .
عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام
…
" الحديث1.
ومن خلال هذه الألفاظ الواردة في حديث البراء نرى كيف وصل الحال بالمسلمين عندما ذهبوا يتسابقون إلى حطام الدنيا الفانية مما جعلهم يفقدون توازنهم، ويتركون مواقعهم عندما هاجمتهم هوازن في حال انشغالهم بجمع الغنائم، فكانت كارثة عظيمة، تخلى المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ القليل منهم.
ز- إن ما حصل للمسلمين في غزوة حنين من انكسار أمام الأعداء، كان مصدره أمر الله وقدره، وذلك ليطأطئ رؤوس أقوام رفعها الإعجاب بكثرتهم وقدرتهم القتالية، فأدبهم الرب عز وجل ليعلمهم أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، وأن كثرتهم وجموعهم لا تجدي عنهم شيئا.
وهذا ما تضمنه حديث أبي قتادة2 رضي الله عنه عند البخاري وغيره. وهذا سياق البخاري:
62-
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى3 بن سعيد، عن ابن أفلح4، عن أبي5 محمد مولى أبي قتادة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(البخاري: الصحيح 4/25 كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره في الحرب. ومسلم: الصحيح 3/1401 كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. وأحمد: المسند 3/281، وابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص59- 60 ب - أضمن مجموعة (27)، والطبري: جامع البيان 10/102، وأبو عوانة: المسند 4/207) . وتقدم الحديث برقم (59) .
2 أبو قتادة الأنصاري: اختلف في اسمه فقال بعضهم: الحارث، ويقال عمرو، أو النعمان ابن ربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة - ابن بُلدمة - بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة - السلمي - بفتحتين - المدني، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا (ت 54، وقيل: 38) والأول أصح وأشهر. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/463) .
3 هو: ابن قيس الأنصاري، ثقة ثبت، من الخامسة، (ت144 أو بعدها) . /ع. (المصدر السابق 2/348) .
4 عمر بن كثير بن أفلح المدني، مولى أبي أيوب، ثقة من الرابعة. /خ م د ت كن ق. (التقريب 2/629) .
وفي الفتح 4/323، 8/38 قال عنه:"عمر بن كثير بن أفلح مدني، مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصراً، وفي فرض الخمس تاماً، وسيأتي في الأحكام، وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: "عن عمرو بن كثير "بفتح العين، والصواب "عمر". إهـ.
قلت: وقد وقع عند ابن ماجة وأحمد والطحاوي: "عمرو".
5 هو: نافع بن عباس - بموحدة ومهملة - أو تحتانية ومعجمة - أبو محمد الأقرع، المدني، مولى أبي قتادة، قيل له ذلك: للزومه، وكان مولى عقيلة الغفارية، ثقة من الثالثة. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/295) .
وفي تهذيب التهذيب10/405-406 قال عنه: "أبو محمد مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة الغفارية، ويقال: أنهما اثنان".
قال ابن حبان في الثقات: نافع مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وهو الذي يقال له: نافع مولى أبي قتادة، نسب إليه ولم يكن مولاه.
ثم قال ابن حجر: ويؤيد قول ابن حبان ما وقع عند أحمد من طريق مغفل بن إبراهيم سمعت رجلا يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولاه، يحدث عن أبي قتادة، فذكر حديث الحمار الوحشي.
وفي رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي سلمة، أنّ نافعاً الأقرع مولى بني غفار حدّثه، أنّ أبا قتادة حدّثه، فذكر هذا الحديث". اهـ. (انظر: حديث أحمد وابن إسحاق المشار إليهما في مسند أحمد5/306 و308، غير ان الحديث عند أحمد من طريق "سعد بن إبراهيم" وهو: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأما مغفل بن إبراهيم فلم أجده في التقريب ولا في تعجيل المنفعة، فالظاهر أنه خطأ.
وقد ورد عند أحمد وأبي عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير عن أبي محمد جليس كان لأبي قتادة قال: "ثنا أبو قتادة".
وعند ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد، عن أبي قتادة. (انظر: مسند أحمد 5/295، وسيرة ابن هشام 2/448، ومسند أبي عوانة 4/116) .
وهذه الأحاديث تدل على أن أبا محمد كان جليسا لأبي قتادة فقيل له: مولى أبي قتادة لكثرة ملازمته له ولم يكن مولاه حقيقة.
قال النووي وابن حجر: "في حديث الباب ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم: يحيى بن سعيد، وعمر بن كثير، وأبو محمد". (انظر شرح النووي على مسلم 4/351، وفتح الباري 4/323) .
يوم حنين1، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة2، فرأيت رجلا من المشركين علا3
1 عند الشافعي: "يوم خيبر" وهو خطأ مطبعي.
2 قوله: "كانت للمسلمين جولة" - بفتح الجيم وسكون الواو -: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها، وهذا إنما كان في بعض المسلمين، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/351) . وانظر القول في ذلك تحت حديث رقم (79) وص193- 195.
3 علا رجلا أي ظهر عليه.
وعند البخاري من حديث الليث بن سعد: "لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها".
وعند أحمد وابن إسحاق: قال أبو قتادة: "رأيت رجلين يقتتلان مسلم ومشرك، وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقني بيده الأخرى، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الموت، فلولا أن الدم نزفه لقتلني فسقط فضربته فقتلته".
قال ابن حجر: تبين من هذه الروية أن الضمير في الأولى "فضربته" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يَخْتِل المسلم. (فتح الباري 8/37) .
رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل1 عاتقه، فأقبل علي فضمني2 ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر3 بن الخطاب فقلت4 ما بال الناس؟ قال:"أمر5 الله". الحديث6.
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، وابن الجارود، والطحاوي، وأبو عوانة، والبيهقي، والحازمي7. الجميع من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير بن أفلح به.
1 على حبل عاتقه: قال ابن حجر: حبل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية - يعني رواية الليث - فأضرب يده فقطعتها "أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف". (فتح الباري 8/37) .
وفي لفظ عند البخاري:"فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع".
وعند الطحاوي:"فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت حبل الدرع ".
قال ابن حجر: قوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة على يده فقطعتها. (فتح الباري 8/37) .
2 قوله: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت". قال النووي: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت، ويحتمل قاربت الموت. (شرح صحيح مسلم 4/351) .
3 قوله: "فلحقت عمر بن الخطاب" قال ابن حجر: في السياق حذف بينته الرواية الثانية - يعني رواية ليث - حيث قال: ثم أخذني فضمني شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل - أي انحلت قواه - ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له:"ما شأن الناس؟ ".
4وعند مسلم والحازمي:"فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ "فقلت:"أمر الله".
5 وفي لفظ عند البخاري: قال: "أمر الله عز وجل". والمعنى: حكم الله وقضاؤه.
(البخاري: الصحيح 3/55 كتاب البيوع، باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها. 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب
…
الخ، و5/129 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) الخ، 9/57 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم. انظر سياق الحديث في الأحكام، الحكم رقم (13) ص636) .
(مسلم: الصحيح 3/1370- 1371 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وأبو داود: السنن 2/64 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى للقاتل. والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلا فله سلبه.
وابن ماجة: السنن 2/946 كتاب الجهاد، باب المبارزة والسلب. ومالك: الموطأ 2/454 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل. والشافعي: الأم 4/66 (الأنفال) . وعبد الرزاق: المصنف 5/236. والحميدي: المسند 1/204، وأحمد: المسند 5/295، 296. وابن جارود: المنتقى ص360. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/226- 227. وأبو عوانة: المسند 4/111- 114، 116. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، 9/50. والحازمي: الاعتبار ص221- 222) .
منهم من ساقه بتمامه ومن هم من اقتصر على جزء منه.
وقد اتفقت جميع الطرق على ان أبا قتادة راوي الحديث هو الذي سأل عمر بن الخطاب عن سبب انهزام المسلمين، ماعدا مسلما والحازمي فإن الأمر عندهما بالعكس.
والحديث أخرجه كذلك ابن إسحاق من طريقين: قال في الأولى: حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن أبي قتادة.
وفي الثانية: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة، ثم ساق الحديث1.
ومن طريقه أخرجه أحمد2، وسمى المبهم في الطريق الثانية "يحيى بن سعيد" الذي مدار حديث الباب عليه، غير أن كون يحيى بن سعيد يروي عن نافع مباشرة فيه نظر، وذلك لأن جميع طرق الحديث التي وقفت عليها أنه يروي عنه بواسطة "عمر بن كثير بن أفلح" ولم أجد مَنْ نصّ مِن العلماء أن نافعاً من شيوخ يحيى، فالظاهر أن في سند ابن إسحاق انقطاعا، وقد عرف الواسطة من طرق أخرى، وهو:"عمر بن كثير".
هذه معظم الأسباب التي عثرت عليها في سبب تخلي المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منسحبين أمام هوازن إلاّ قلة ممّن ثبت معه صلى الله عليه وسلم.
وإذا أمعنا النظر نجد أن الذين بدأوا بالفرار هم أحداث الأسنان والأعراب والطلقاء، وهؤلاء ليسوا من كبار الصحابة وأهل القدم الراسخ في الإسلام. ثم صادف ذلك انشغال بعض المسلمين بجمع الغنائم كما في بعض الروايات الصحيحة.
(سيرة ابن هشام 2/448) .
(المسند 5/306 وسياقه قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد بن أبي بكر أنه حدّث عن أبي قتادة. قال يعقوب بن إبراهيم قال أبي وحدثني ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن نافع عن الأقرع) .
هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة.
وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس.
والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه.
فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله.
كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب.
وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون1، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الوارد فيه:
1 انظر ص116.
63-
"ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة"1.
وفي لفظ عند أحمد: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفا".
وعند الدارمي: "وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة".
وعند أبي يعلى: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا".
وعند الواقدي: "ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة كلمتهم واحدة"2.
ذلك أن هذا الحديث مقيد بقيدين وهما: "الصبر، والصدق". فإذا بلغ الجيش هذا العدد لا يغلب من قلة، إذا صبروا وصدقوا، بل ربما يكون عددهم أقل من هذا ويكون النصر حليفهم بالصبر والصدق، وإنما يغلبون لأمر آخر كالإعجاب بالكثرة وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك.
والحاصل أن انتصار المسلمين مرتبط بأسباب وموانع، فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع حصل النصر بإذن الله قل العدد أو كثر، كما قال تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،3. على أنه قد يقال بعدم التعارض مطلقا بين ما وقع في حنين، وما يتضمنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" ذلك أن ما وقع في حنين ليس هزيمة كسر فيها المسلمون ولم يقم لهم بعدها قائمة في هذه المعركة، وإنما الذي حدث هو إدبار في بادئ المعركة، أعقبه بعد ذلك انتصار عظيم على الكفار، وغنيمة لما معهم، فمثل هذه الحال لا يقال فيها إنها هزيمة نهائية، وعليه فلا تعارض، وهذا أظهر واوجه. والله أعلم.
وحديث "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، كلهم
(أبو داود: السنن 2835 كتاب الجهاد، باب فينا يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا) .
ونص الحديث: "عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
(مغازي الواقدي 3/890) .
3 سورة البقرة: 249.
من طريق جرير1 بن حازم، عن يونس2 بن يزيد الأيلي، عن الزهري3، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم 4.
وأخرجه الترمذي، وأحمد وأبو يعلى، والطحاوي، كلهم من طريق حبان5 بن علي العنزي، عن عقيل6 بن خالد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي-صلى الله عليه وسلم-7.
ورواه الدارمي من طريق حبان بن علي العنزي، عن يونس بن يزيد، وعقيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم 8.
والحديث قال فيه أبو داود: والصحيح أنه مرسل9.
1 جرير بن حازم "ثقة"، تقدمت ترجمته في حديث (1) .
2 يونس بن يزيد بن أبي النجاد، الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلاّ أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة (ت 159) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/386، تهذيب التهذيب 11/450) .
3 تقدمت ترجمة الزهري وعبيد الله في حديث (32) .
(الترمذي: السنن3/56-57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وأحمد: المسند1/294. وعبد بن حميد: المسند 1/91ب رقم (322)، وابن خزيمة: الصحيح 4/140، والطحاوي: مشكل الآثار 1/238، وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص400، والبيهقي: 9/156) .
5 حبان - بالكسر - ابن علي العنزي - بفتح العين والنون ثم زاي - أبو علي الكوفي، ضعيف، من الثامنة، كان له فقه وفضل، (ت 171 أو 172) . /ق. (التقريب 1/147، وتهذيب التهذيب 2/173) .
6 عقيل - بالضم - بن خالد بن عقيل - بالفتح - الأيلي - بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام - أبو خالد الأموي، مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، من السادسة (ت 144) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/29، وتهذيب التهذيب 7/255- 256) .
(الترمذي: السنن 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. أحمد: المسند1/299.وأبو يعلى: المسند 3/271أرقم303.والطحاوي: مشكل الآثار1/238.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/258 و327: رواه أبو داود والترمذي خلا قوله: "صدقوا وصبروا".
(سنن الدارمي2/134-135كتاب السير، باب في خير الأصحاب والسرايا والجيوش) .
(سنن أبي داود 2/35 كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، والمراسيل له ص34. ومصنف عبد الرزاق 5/306) .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه الليث بن سعد1، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه مسلم -2. إهـ
وهكذا أعله بالإرسال أيضا أبو حاتم، والطحاوي، والبيهقي3.
والخلاصة: أن هذا الحديث تفرد بوصله جرير بن حازم، وهو ثقة. والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في علم المصطلح4.
وقد قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين عن الزهري5. وسكت عنه الذهبي.
وقال ابن القطان6: هذا ليس بعلة، فالأقرب صحته7.
وقال البيهقي - بعد سياق الحديث -: "قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم وهو خطأ".
1 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث، المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة (ت 175) . /ع. (التقريب 2/138، وتهذيب التهذيب 8/549) .
(سنن الترمذي 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وهذه الرواية التي علقها الترمذي، وصلها الطحاوي في مشكل الآثار 1/239 من طريق ابن صالح حدثني الليث عن عقيل
…
الخ.
قال الألباني: وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج به عند التفرد، فكيف عند المخالفة؟ (سلسلة الأحاديث الصحيحة2/720 حديث986) .
(انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم1 /347، ومشكل الآثار للطحاوي 1/238، والسنن الكبرى للبيهقي 9/156) .
4 انظر: حديث (32) .
(المستدرك 1/443، 2/101) .
6 هو الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، صاحب كتاب الوهم والإيهام كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية، وهو رأس طلبة العلم بمراكش (ت: 628) . (الذهبي/ تذكرة الحفاظ 4/1407) .
7 انظر: (فيض القدير للمناوي 3/474) .