المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ١

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين

- ‌الفصل الأول: في مقدمات الغزوة

- ‌المبحث الأول: سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة

- ‌الفصل الثاني: في المسير إلى حنين

- ‌المبحث الأول: تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة:

- ‌المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة:

- ‌المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري:

- ‌المبحث الخامس: تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنصر، وبيان فضل الحراسة في سبيل الله:

- ‌المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية:

- ‌المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة

- ‌الفصل الثالث: في وصف المعركة

- ‌المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة

- ‌المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر:

- ‌المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين:

- ‌المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين:

- ‌الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم

- ‌المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة

- ‌المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة

- ‌الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس

- ‌المبحث الأول: التوجه نحو نخلة

- ‌المبحث الثاني: سرية أوطاس

- ‌المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد

- ‌الفصل الثاني: في غزوة الطائف

- ‌المبحث الأول: حصار الطائف

- ‌المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار - الطائف

- ‌المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف

- ‌المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة

- ‌الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم

- ‌المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل

- ‌المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم

- ‌المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم

- ‌المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين

- ‌المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم

الفصل: ‌المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل

‌الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم

‌المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل

المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل

ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الألفاظ الثلاثة لا فرق بينها في أصل اللغة وأنها تلتقي وتجتمع في مطلق الزيادة والرجوع، وذلك أن الغنيمة في أصل اللغة: زيادة وعطية من الله عز وجل لهذه الأمة على ما هو أصل الأجر والثواب للمجاهد، أو أنها زيادة لهذه الأمة بعد أن كانت الغنائم محرمة على غيرها من الأمم الماضية".

ويشهد لهذا ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:

176-

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" الحديث.

وفيه: "وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي"1.

1 البخاري: الصحيح 1/62-63 كتاب التيمم، باب قول الله تعالى (فلم تجدوا ماء، الخ) و79-80 باب وجعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً. ومسلم: الصحيح 1/370 كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

ص: 353

والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع كأنه في الأصل للمسلمين فرجع إليهم، وهو الغنيمة شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان يسمى غنيمة وفيئا.

والنفل: بالتحريك - الغنيمة والهبة والتطوع، وجمعه أنفال، ونفال، والنفل - بالسكون وقد تحرك - معناه الزيادة. وهي زيادة عما فرضه الله تعالى، ومنه قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ، [سورة الإسراء، الآية: 79] .

فسمى سبحانه صلاة التطوع نافلة، لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب لهم من ثواب ما فرض عليهم1.

والفرق بين هذه الألفاظ الثلاثة إنما هو في الاصطلاح الشرعي ذلك أن الغنيمة في الاصطلاح هي المال المأخوذ من الكفار بايجاف 2 الخيل والركاب.

قال القرطبي: "واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، [سورة الأنفال، من الآية:41] .

مال الكفار: إذا ظفر المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا يقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد بهذا اللفظ النوع".

ثم قال: "وقد سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة، وفيئا.

فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، لزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا.

1 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 428 و430 والنهاية لابن الأثير 3/389-390 و482 و5/99، ولسان العرب لابن منظور1/119 و121 و122 و14/194-196 و15/342 والقاموس المحيط، للفيروزآبادي1/24 و4/59 و158 والمصباح المنير للفيومي 2/545 و757 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص: 482 و516 و674، وفتح الباري: 6/239 و8/47-48، وهدي الساري ص 196 و197 كلاهما لابن حجر.

2 الإيجاف: سرعة السير، والركاب: ككتاب: الإبل التي يسار عليها، واحدها راحلة ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: ركب بضم الكاف، ككتب وركا بات وركائب. (لسان العرب لابن منظور1/414 و11/267-368) والقاموس المحيط للفيروز آبادي 1/75 و3/303.

ص: 354

والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف"1.

وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن أكثر العلماء: فرقوا بين الفيء والغنيمة. فقالوا: الفيء ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير.

وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية مع قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} ، [سورة الحشر، الآية: 6] .

فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية. ظاهر في أنه يراد به بيان ما أوجفوا عليه، وما لم يوجفوا عليه كما ترى.

ثم قال رحمه الله: وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات، لأن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} ذكر فيها حكم الفيء.

وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه، ثم قال: وقال بعض العلماء، إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئا، وهذا قول قتادة رحمه الله، وهو المعروف في اللغة والعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة2.

ثم قال: ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما وتدل له آية الحشر المتقدمة.

1 الجامع لأحكام القرآن 8/1-2 والفتاوى لابن تيمية 28/269 و562، وتفسير ابن كثير 2/284 و310 وتكملة المجموع 18/136 لمحمد حسين العقبي وأضواء البيان للشنقيطي2/352، وروائع البيان للصابوني1/588 وفتح القدير للشوكاني: 2/309، وجامع البيان للطبري 9/171 و10/2.

2 ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:

فلا وأبي جليلة ما أفأنا

من النعم المؤبل من بعير

ولكنا نهكنا القوم ضربا

على الأثباج منهم والنحور

يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم ولكن بقتل الرجال، فقوله: أفأنا يعني غنمنا. (أضواء البيان 2/353) .

ص: 355

وعلى القول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ناسخة لآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} وهذا القول الذي ذهب إليه باطل بلا شكّ، ولم يلجئ قتادة إلى هذا القول إلاّ دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره، لعلم أن آية الأنفال في (الغنيمة) وآية الحشر في (الفيء) ولا إشكال.

ووجه بطلان قول قتادة المذكور:

أن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر، بدليل حديث علي رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم1 الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هذه.

وإما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين.

ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة -رحمه الله تعالى- وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآية، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم2.

الفيء في الاصطلاح: "هو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب".

أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل استسلم بنو النضير وصارت أموالهم فيئا أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كما أمره الله سبحانه فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح العامة التي ذكرها الله في آيات سورة الحشر3.

1 انظر الحديث في صحيح مسلم 3/1568-1570 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر الحديث مطول وفيه "أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا أخرى من الخمس يومئذ" والحديث أخرجه البخاري أيضا في 4/62 كتاب فرض الخمس، باب فرض الخمس.

2 أضواء البيان2/345و352-354 وانظر: فتح الباري6/198،وجامع بيان للطبري 10/1 و2.

3 انظر تفسير ابن كثير 4/335 ومجموع الفتاوى لابن تيمية 28/562 وفتح الباري لابن حجر 6/269. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321.

ص: 356

وقد تقدم أن أكثر العلماء فرقوا بين الفيء والغنيمة، وأن الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر.

ومن العلماء من قال: إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما وصل إلينا من أموال الكفار على أي وجه كان يسمى فيئا وغنيمة.

والمشهور عند العلماء الفرق بينهما كما تقدم1.

والنفل في الاصطلاح هو: ما يعطيه الإمام لبعض الجيش دون بعض سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء2 عن الإسلام والنكاية في العدو3.

177-

وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا، اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً"4.

وعنه رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".

زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله5.

قال أبو عبيد: "وفي هذا النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى:

فإحداهن: في النفل الذي لا خمس فيه.

1 انظر ص 355-357.

2 الغناء: بفتح الغين المعجمة، ممدودا، معناه النفع والكفاية (لسان العرب لابن منظور 19/376 وهدي الساري لابن حجر ص 164.

3 النكاية: هي كثرة القتل والجراح في العدو. (النهاية لابن الأثير 5/117 ولسان العرب لابن منظور 20/215 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 4/397) .

4 البخاري: الصحيح 4/71 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين إلخ.

و5/131 كتاب المغازي، باب السرية التي قبل نجد. ومسلم: الصحيح 3/1368-1369 كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال.

قال النووي: "قوله (والخمس في ذلك واجب كله) . (كله) مجرور تأكيد لقوله (في ذلك) وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب، فاغتر به بعض الناس، وهذا مخالف للإجماع، وقد أوضحت ذلك في جزء جمعته في قسمة الغنائم إهـ.. (شرح النووي لصحيح مسلم 4/350) .

5 انظر: الحاشية السابقة.

ص: 357

والثانية: في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس.

والثالثة: في النفل الذي يكون من الخمس نفسه.

والرابعة: في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء.

فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب، وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه خالصا من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر.

وأما الذي يكون من الغنيمة بعد الخمس، فهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم، فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس.

وأما الثالث فأن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس، فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى.

وأما الذي يكون من جملة الغنيمة، فما يعطي الأدلاء على عورة العدو1 ورعاء الماشية والسوق لها، وذلك أن هذا منفعة لأهل العسكر جميعا.

ثم قال: وفي كل ذلك أحاديث واختلاف.

ثم أورد الأدلة على كل مسألة من هذه المسائل المتقدمة"2.

وقال الطبري - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المعنى المراد من الأنفال في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ودليل كل - وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سلبه على حقوقهم من القسمة، وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبا له، وتحريضا لمن معه من جيشه، على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين، وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس أنه الفرس والدرع ونحو ذلك 3.

1 يعني على كشف مواطن الضعف في العدو والأماكن التي يسهل الدخول عليه منها.

2 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 430-431 و438 و444 و449.

3 انظر قول ابن عباس عند مالك في الموطأ 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في سلب في النفل والطبري في الجامع البيان 9/170 ولفظه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا سأل ابن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟

قال القاسم: "فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه".

ص: 358

ويدخل ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس1.

لأن ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام.

وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر.

ثم قال: وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن النفل في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه نفلتك كذا وأنفلتك: إذا زدتك فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة.

وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة، فالفصل إذا كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل: أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل، أو لم ينفل.

والنفل: هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة2.

وبعد أن ذكرنا الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل في الاصطلاح الشرعي يحسن بنا أن نذكر حكم كل من الغنيمة والفيء والنفل تكميلا للغرض المقصود من هذا المبحث.

فأقول: الغنائم قسمان: ثابت ومنقول ولكل منهما حكمه الخاص به.

فحكم الثابت كالأرض المفتوحة عنوة والعقار راجع إلى الإمام فهو بالخيار بين قسمها بين الغانمين وبين وقفها في مصالح المسلمين، أو قسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم

1 انظر: قول عطاء: في المصدر السابق 9/169-170 ولفظه عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم.

2 الطبري: جامع البيان 9/171.

ص: 359

مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها الآخر وهذا هو المشهور من أقوال العلماء أن الإمام مخير بين قسم الأراضي وبين وقفها إن رأى المصلحة في ذلك1.

وإن كانت منقولة فإن جمهور العلماء على أن للغانمين فيها أربعة أخماس وأنها ملك لهم تقسم بينهم للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم سهم له، وسهمان لفرسه.

وأن أصل الغنائم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} وأن هذه الآية منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . الآية.

قال القرطبي: "لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي، دل ذلك على أنه ملك للغانمين"2.

وقال ابن تيمية: "فالواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين".

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهم الذين شهدوها للقتال، قاتلوا أولم يقاتلوا، ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته، ولا لنسبه، ولا لفضله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها، وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية، ودولة بني العباس، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر، ولكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية: كسرية تسرت من الجيش أو رجل صعد حصناً عالياً ففتحه، أو حمل على مقدم العدو فقتله، فهزم العدو ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه كانوا ينفلون لذلك"3.

وقال الشوكاني: "وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين.

1 انظر الفتاوى لابن تيمية 17/492 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/328و329 ونيل الأوطار للشوكاني 8/16-17.

2 تفسير أبي السعود 5/23 وفتح الباري 6/198، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3.

3 الفتاوى 28/280-271و 29/316.

ص: 360

وأن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر".

ثم قال الشوكاني: "وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر1 وابن عبد البر والداودي2 والمازري3 والقاضي عياض وابن العربي"4.

والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين، وكيفيتها كثيرة جدا وقال القرطبي: ولم يقل أحد فيما أعلم - أن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية، وناسخ لقوله:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. بل قال الجمهور: إن قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا تبديل لكتاب الله 5.

وقال محمد الأمين الشنقيطي: إعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم.

ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} فهو يدل على أنها غنيمة لهم، فلما قال:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعا، فكذلك قوله:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} أي: للغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، ثم أشار إلى الإجماع الذي ذكره الشوكاني ثم قال: وخالف في ذلك بعض أهل العلم وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري أيضا قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين ويمنع منها الغزاة الغانمين، واحتجوا

1 ابن المنذر: هو أبو بكر محمد بن إبراهيم تقدمت ترجمته في حديث (56) .

2 هو أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن مظفر الداودي (374-467) هـ (فتح الباري 1/6 ومعجم المؤلفين لكحالة 5/192.

3 المازري هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الفقيه المالكي كان ثقة متقنا، شرح صحيح مسلم بكتاب سماه "المعلم بفوائد كتاب مسلم" (ت 536) (ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/285) .

4 هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي ابن العربي، العلامة الحافظ القاضي (468-543) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1294-1298) .

5 فتح القدير للشوكاني 2/309 وانظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/308، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/2 و3.

ص: 361

لذلك بأدلة منها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} الآية.

قالوا: الأنفال: الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، احتجوا أيضا بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة.

وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدا، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين، الغانمين معه صلى الله عليه وسلم، فلو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما وزعت الغنائم على غير الغانمين، ثم قال: وأجاب الجمهور عن هذه الاحتياجات بأن آية: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} .

وأما الجواب عما وقع في فتح مكة، فإن مكة وإن كانت فتحت عنوة على المشهور، فإنها ليست كغيرها من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة.

وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين وقد عوضهم نفسه صلى الله عليه وسلم فإن الأنصار لما قالوا يمنعنا ويعطي قريشا وسيوفنا تقطر من دمائهم فجمعهم وكلمهم بقوله:"يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" فرضي القوم وطابت نفوسهم، وقالوا:"رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا" 1

قال الشوكاني: "وليس لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول"2. وأجاب ابن تيمية عن هذا أيضا فقال: "ولو فتح الإمام بلدا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم أسلموا

1 أضواء البيان 2/354، و356، و357، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3-4.

2 فتح القدير 2/309.

ص: 362

كلهم بلا خلاف، بخلاف أهل خيبر فإنه لم يسلم أحد، فأولئك قسم أرضهم لنهم كانوا كفارا مصرين على الكفر، وهؤلاء تركها لهم لأنهم كلهم صاروا مسلمين، والمقصود بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ليتألفهم على الإسلام، فكيف لا يتألفهم بإبقاء ديارهم وأموالهم"1.

والخلاصة أن القول الأرجح في هذا أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين الذين شهدوا الوقعة هذا إذا كانت الغنائم منقولة وأما غير المنقول، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها، وهذا هو الظاهر من نصوص الشريعة، والله أعلم.

وأما الفيء:

فقد بين الله عز وجل حكمه ومصارفه في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . [سورة الحشر، الآيتان: 6و7] .

قال ابن كثير في شرح هذه الآيات: "يقول تعالى: مبينا ما الفيء وما صفته وما حكمه، فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاء هـ الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآيات، فقال تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي: من بني النضير، {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يعني: الإبل {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: هو قادر لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء ثم قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا

1 الفتاوى 17/493.

ص: 363

قال تعالى {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه.

178-

ثم قال: روى الإمام أحمد فقال: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك1 بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون بخيل أو ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وقال مرة قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل"2.

ثم قال: "هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصرا، وقد أخرجه الجماعة3 في كتبهم إلا ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري به"4.

وقال ابن حجر: "واختلف العلماء في مصرف الفيء، فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده".

وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء، فقالوا: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال5، لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الغمام بحسب المصلحة.

ثم قال: "انفرد الشافعي - كما قال ابن المنذر وغيره - بأن الفيء يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة".

1 مالك بن أوس بن الحدثان - بمهملتين مفتوحتين ومثلثة- النصري- بالنون أبو سعيد المدني، له رؤية، وروى عن عمر، مات سنة 92 وقيل (91) /ع 0 التقريب 2/223) .

2 انظر الحديث في مسند أحمد 1/25و48، والبخاري 4/31 كتاب الجهاد باب المجن ومن تترس بترس صاحبه، ومسلم 3/1376 كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، والنسائي 8/119-120 كتاب قسم الفيء وأبو داود 2/125 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي 3/81-82 أبواب السير باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم.

3 المراد بالجماعة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

4 تفسير ابن كثير 4/335.

5 هي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية 41 من سورة الأنفال.

ص: 364

وقال الجمهور: "مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر: "فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة".

وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة1.

وقال النووي: "وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء، كما أوجبوه كلهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: لا خمس في الفيء ثم قال: يؤيد الجمهور بأنه لا خمس في الفيء قوله في حديث الباب "كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة".

وقد ذكرنا أن الشافعي أوجبه، ومذهبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الفيء أربعة أخماس وخمس خمس الباقي2.

وقال ابن تيمية في أثناء كلامه على الفيء، ومن الفيء ما ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها، كأرض مصر وأرض العراق - إلا شيئا يسيرا منها - وبر الشام، وغير ذلك، فهذا الفيء لا خمس فيه عند جماهير الأئمة: كأبي حنيفة، ومالك وأحمد، وإنما يرى تخميسه الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وذكر ذلك رواية عنه.

قال ابن المنذر: "لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي أن في الفيء خمسا كخمس الغنيمة"، ثم قال ابن تيمية:"وهذا الفيء لم يكن ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته عند أكثر العلماء".

وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: "كان ملكا له"، ثم قال:"وأما مصرفه بعد موته صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين، الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذل الكفار، فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين، أم تختص به المقاتلة؟ "

1 فتح الباري 6/208 و269 وعون المعبود 8/186-187.

2 شرح مسلم للنووي 4/361 وفتاوى ابن تيمية 28/564-565 وفتح القدير للشوكاني 5/198، ومعنى قول الشافعي رحمه الله أنّ مال الفيء يقسم خمسة أقسام، فأربعة من هذه الخمسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس الباقي يقسم أيضا خمسة أقسام فلرسول الله صلى الله عليه وسلم منها خمسا والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المذكورين في آية خمس الغنيمة، انظر: الأم، للشافعي: 4/64-66.

ص: 365

على القولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك:"أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها. أهـ"1.

وأما النفل فقد تقدم حكمه2.

والخلاصة في هذا أن الغنيمة والنفل والفيء تلتقي في الأصل اللغوي، وتفترق في المعنى الشرعي.

وأن أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة حق ثابت لهم، وأن الفيء يصرف في مصالح المسلمين، حسب المصلحة الراجحة، وأن النفل يرجع فيه إلى رأي الإمام فيعطي كلا على حسب غنائه وبلائه في مصلحة الإسلام والمسلمين.

1 ابن تيمية: الفتاوى 28/564-565.

2 تحت حديث (177) .

ص: 366