الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة
كانت مدة حصار الطائف تتراوح ما بين بضعة عشر يوما إلى أربعين يوما كما مر توضيح ذلك1.
وفي أثناء هذا الحصار كانت المفاوضة مستمرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الطائف.
163-
فقد روى ابن عساكر2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة3 بن الربيع إلى أهل الطائف فكلمهم فاحتملوه ليدخلوه حصنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لهؤلاء وله مثل أجر غزاتنا هذه"، فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يدخلوه الحصن فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً، فاختطفه من أيديهم وأمطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم 4.
وذكر ابن الأثير وابن حجر عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يقول لهم أتريدون الصلح أم لا؟ 5.
1 في مبحث حصار الطائف. (278) .
2 ابن عساكر: هو الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف (التاريخ الكبير)(499-571)(تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1328و1333) .
3 حنظلة بن الربيع بن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة - التميمي الأسيدي - بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر المثناة التحتنية المشددة - أبو ربعي المعروف بحنظلة الكاتب لأنه ممن كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، وهو القائل لأبي بكر الصديق نافق حنظلة (مات بعد علي معتزلا للفتنة)(أسد الغابة 2/65، واللباب 1/61 كلاهما لابن الأثير وتهذيب التهذيب 3/60 والإصابة 1/359 والتقريب 1/206 كلها لابن حجر) .
4 كنْز العمال 10/361-362 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع مسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي.
5 أسد الغابة 2/65 والإصابة 1/359 وتهذيب التهذيب 3/60.
وعند ابن إسحاق أيضا من حديث عمرو بن شعيب قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا ثقيفاً:
أن أمنونا1 حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساء من نساء قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما، وهما2 يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن3: أمنة4 بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة، والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة5، لها عبد الرحمن6 بن قارب.
والفقمية7 أميمة بنت الناسئ8 أمية بن قلع، فلما أبين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: "يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني
1 وعند الوقدي: 3/929 فقالا: أمنوا حتى نتكلم.
2 وعند الواقدي: "وهم يخافون السباء".
3 وعند الواقدي: منهم ابنة أبي سفيان بن حرب".
4 قال ابن هشام: "ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة"، وكذا سماها ابن سعد وقال ابن حجر:"آمنة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، ذكرها ابن إسحاق في غزوة الطائف وهي: أميمة بالتصغير، وكانت تحت صفوان بن أمية"(سيرة ابن هشام 2/483 والطبقات الكبرى لابن سعد 8/240، والإصابة لابن حجر 4/225 و241 و358) .
5 عند الواقدي: كانت عند قارب بن الأسود، لها منه عبد الرحمن بن قارب.
6 عبد الرحمن بن قارب بن الأسود الثقفي، تابعي أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة. وأخرج من طريق أبي أوبيس عن إسحاق عن عبد الله بن مكرم عن عبد الرحمن بن قارب في قصة وفد ثقيف.
قال البخاري وأبو حاتم: "هو مرسل".
قال ابن حجر: "قلت: وقد تقدم في الربيع بن قارب أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فحمله على ناقة وكساه برداء وسماه عبد الرحمن، فإن يكن هو هذا فالحكم على أن حديثه مرسل، وأنه تابعي مردود وإن يكن غيره فلا إشكال، ويريد بالمغايرة أن هذا ثقفي، وهذا عبسي، والله أعلم"(الإصابة 1/505 و2/418 و3/154) .
7 وعند الواقدي: وامرأة أخرى، ولم يسمها.
8 النسيء: التأخير من تأخير الشهور بعضها إلى بعض:
قال ابن إسحاق: "وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحل، وحرمت منها ما حرم - القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر ابن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ابن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان آخرهم وعليه قام الإسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الأربعة: رجب وذا القعدة وذا الحجة، والمحرم فإذا أراد أن يحل منها المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفر فحرموه إلخ"(سيرة ابن هشام 1/44) .
وأبو ثمامة هذا ذكره ابن حجر في الإصابة ونقل عن السهيلي أنه وجد له خبرا يدل على إسلامه (الإصابة 1/246-247 و4/30 و1/67 بناء على أنه قيل في اسمه أمية ذكره في القسم الأول.
الأسود بن مسعود حيث علمتما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق"1.
إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا، فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله والرحم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم.
وأخرج البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: استأذن عيينة2 بن حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله أن يهديهم،
1 في القاموس المحيط 3/266: العقيق موضع بالمدينة، وباليمامة وبالطائف وبتهامة وبنجد، وستة مواضع أخر وعند الواقدي: بواد يقال له العمق.
قال ياقوت: "عمق - بفتح أوله وسكون ثانيه، وآخره قاف - واد من أودية الطائف نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف، وفيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منه (معجم البلدان 4/156) .
وقال البلادي في معجم المعالم الجغرافية ص 213-214 و216: "إذا كان يقصد نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء حصار الطائف فإنه لم يكن بالعقيق، وإنما كان بين الطائف ووج، والطائف أنذاك كان إلى الجنوب مما يعرف اليوم بباب الربع إلى جنوب غربي مسجد ابن عباس.
وقد نصت نصوص كثيرة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نازلا في موضع مسجد عبد الله بن عباس اليوم، أما العقيق فواد إلى الشمال من الطائف، ويعرف بعقيق الطائف، وهو اليوم داخل فيها، ولا يمكن أن ينْزل العقيق من يريد حصار الطائف، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من الشمال ثم طوق الطائف من الجنوب، وذلك ليحيل بين ثقيف وبين مددهم من بني نصر القانطنين شرق وجنوب الطائف، وبين ثقيف أيضا وبين أموالهم في لية وما حولها.
وقد علمنا أن العقيق في شمال الطائف ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيه لما تجشم هذا التطويق الذي استلزم مدة ويومين على الأقل، ولكن يظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما انسحب عن الطائف نزل العقيق، وكان مال بني الأسود لعله بوادي (لقيم) أو قربه فخافت ثقيف أن يقطع نخلة، وبهذا تستقيم الرواية، إذ أن رسول الله عندما انسحب كان طريقه على دحنا إلى الجعرانة وهذا يقضي أن يكون سلك من الطائف على أسفل العقيق ثم على لقيم ثم على دحنا ثم على الثنايا ثم على حنين ثم على الجعرانة".
2 عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية - بالجيم مصغرا - بن لوذان ابن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بفيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو مالك الفزاري، يقال: كان اسمه حذيفة فلقب عيينة لأنه كانت أصابته شجة فجحضت عيناه قال ابن السكن: له صحبة، وكان من المؤلفة، ولم يصح له رواية أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنينا والطائف، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر الصديق، ومال إلى طليحة فبايعه ثم عاد إلى الإسلام، وكان فيه جفاء سكان البوادي.
دخل مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون إذن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الإذن؟ " فقال: ما استأذنت على أحد من مضر".
كان عيينة في الجاهلية يقود عشرة آلاف مسلح، وهو عم الحر بن قيس الرجل الصالح، ولعيينة بن حصن مواقف مع عمر بن الخطاب ومع عثمان ومواقفة في الإسلام غير محمودة وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع. (الاستيعاب 3/167، وأسد الغابة 4/331، والإصابة 3/54) .
وانظر ترجمة الحر بن قيس في أسد الغابة لابن الأثير وأنه جاء إلى المدينة مع وفد بني فزارة بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك.
فأذن له فأتاهم فقال: "تمسكوا بمكانكم والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به1 حدث لتملكن العرب عزا ومنعة فتمسكوا بحصنكم وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرن عليكم قطع هذه الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه وحذرتهم النار ودللتهم على الجنة. قال: "كذبت بل قلت لهم كذا وكذا. فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك" 2..
والحديث أخرجه أبو نعيم وفي كليهما محمد3 بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة.
وأخرجه الواقدي ولفظه: وقال عيينة: "يا رسول الله، ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن4 فقال: إذن فدنا فقال: ادخل فدخل عليهم الحصن، فقال فداؤكم أبي وأمي! والله لقد سرني ما رأيت منكم والله لو أن في العرب أحدا غيركم! والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير، وماءكم واتن5 لا تخافون قطعه! قال: فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن فإنا كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه في حصننا، وقال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما قلت لهم؟
1 الضمير في (به) يرجع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 البيهقي: دلائل النبوة 3/48 أ- ب وأبو نعيم: دلائل النبوة ص 464 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348-349 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97، وانظر حديث (132) .
3 لم أجد ترجمته وهو من شيوخ الطبراني وانظر المعجم الصغير للطبراني 2/39.
4 أبو محجن الثقفي الشاعر مختلف في اسمه له صحبة، وهو الذي سجنه سعد بن أبي وقاص من أجل شربه الخمر وكان ذلك يوم القادسية، ولما دارت المعركة رحاها استأذن أبو محجن من زوجة سعد بن أبي وقاص أن تفكه من السجن وتعطيه فرس سعد وأعطاها العهد أن يعود من المعركة فقاتل قتال الأبطال وعاد إلى سجنه فعفا عنه سعد وتاب من شرب المسكرات (الإصابة 4/173-176) .
5 الواتن: الشيء الثابت الدائم في مكانه، والماء المعين الدائم (القاموس المحيط4/274) .
قال: "قلت ادخلوا في الإسلام، والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أمانا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر أهل الحلقة والعدة والآطام فخذلتهم ما استطعت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت عنه، حتى إذا فرغ من حديثه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال. قال عيينة: "أستغفر الله! "
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أقدمه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" ويقال: أن أبا بكر رضي الله عنه أغلظ له يومئذ وقال: "ويحك يا عيينة! إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير وقريظة وخيبر، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك ثم أسلمت كما زعمت فتحرض علينا عدونا! "
قال: "أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، لا أعود أبدا"1!
وكان استعصاء ثقيف وعدم استسلامهم في ذلك الوقت هو أن الله - جل وعلا - لم يأذن في فتح الطائف حينئذ وأن ثقيفاً ستأتي معلنة إسلامها وولاءها للمسلمين عما قريب بدون مشقة وقتال، ولذا فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة بترك حصار الطائف ولما رأى في أصحابه الرغبة في مواصلة القتال والتصميم على الفتح، أذن لهم في ذلك وقال: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات شديدة من وقع نبال ثقيف فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته في ترك الحصار، ففرح الصحابة بذلك وعملوا أن ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وسارعوا إلى الرحيل، طالبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف جزاء صنيعهم السيئ ضد المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد ثقيفا" وقد ذكر ابن كثير الحكمة في تأخير الفتح عامئذ فقال:
وكانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا، لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب، فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل
1 مغازي الواقدي 3/932-933.
فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل أستأني بهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبده، لا يشرك به شيئاً". فناسب قوله: "بل أستأني أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل"1. إهـ.
وفيما يلي الأحاديث الواردة في هذا المقام:
164-
أخرج ابن أبي شيبة فقال: حدثنا عبد الوهاب2 الثقفي عن عبد الله3 بن عثمان بن خشيم عن أبي الزبير4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فجاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفاً مرتين. قال: وجاءته خولة5 فقالت: إن بنت خزاعى6 ذات حلي فنفلني حليها إن فتح الله عليك الطائف غدا، قال: إن لم يكن أذن لنا في قتالهم، فقال رجل تراه عمر يا رسول الله ما مقامك على قوم لم يؤذن لك في قتالهم، قال:"فأذن في الناس بالرحيل فنزل الجعرانة فقسم بها غنائم حنين، ثم دخل منها بعمرة ثم انصرف إلى المدينة"7.
والحديث مرسل.
1 البداية والنهاية 4/352 والزرقاني: شرح المواهب 3/33 وانظر: حديث رقم (08) . وانظر: ص 339 تعليقة (3) .
2 عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت، الثقفي، أبو محمد البصري، ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من الثامنة، (ت 194) /ع (التقريب 1/528 وتهذيب التهذيب 6/449) .
ورمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى توثيقه وأنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه (ميزان الاعتدال 3/680) .
3 عبد الله بن عثمان بن خثيم - بالمعجمة والمثلثة، مصغراً - القاري المكي أبو عثمان، صدوق، من الخامسة (ت132) / خت م ع (التقريب 1/432 وتهذيب التهذيب 5/314) .
4 أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق مدلس تقدم في حديث (109) .
5 خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمية، امرأة عثمان بن مظعون، يقال كنيتها أم شريك. ويقال لها خويلة بالتصغير، وكانت صالحة فاضلة وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم في قول بعض العلماء (الاستيعاب 4/289-290 وأسد الغابة 7/93 والتقريب 2/596 وتهذيب التهذيب 12/415 والإصابة 4/291 وطبقات ابن سعد 8/158.
6 في سيرة ابن هشام 2/484 وكذا في الإصابة فقالت خولة: أعطني حلي بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف) وعند الواقدي الفارعة بنت خزاعي 3/935.
7 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب رقم (665) .
ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا ولفظه: وأقبلت امرأة يقال لها خولة بنت حكيم وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت عثمان بن مظعون فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال:"لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وماأظن أن نفتحها الآن"، فأقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلقيها خارجة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تدعو الله على أهل الطائف وتنهض لعل الله يفتحها فإن أصحابك كثير وقد شق عليهم الحبس ومنعهم معاشهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لم يؤذن لنا في قتالهم" فلما رأى ذلك عمر قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟
قال: "بلى فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه".
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم حين ركب قائلا: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم"1.
165-
وأخرجه ابن إسحاق بلاغا فقال: ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية2 بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف. فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:"وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ "
فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ماحديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله؟
1 البيهقي: دلائل النبوة 3/49ب وانظر ابن كثير: البداية والنهاية 4/350 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97-98 وانظر حديث (132) .
2 بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي أسلمت عند إسلام أبيها ولها رواية.
قال ابن حجر: "وقد حكى ابن منده: في ضبطها وجهين: (بادية) بالموحدة (ونادية) بالنون، وقال: إنه وهم، وحكى غيره فيها: بالموحدة أوّلها، ثم نون بعد الدال"(بادنة) الإصابة 4/249 وأسد الغابة 7/34.
وقال السهيلي في الروض الأنف 7/271 "وأما بادية بنت غيلان فقيل فيها""بادنة" بالنون والصحيح "بادية بالياء".
قال: لا، قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل"، فلما استقل الناس نادى سعيد1 بن عبيد بن أسيد بن أبي عمر بن علاج ألا إن الحي مقيم، قال: يقول عيينة بن حصن: أجل، والله مجدة كراما، فقال له رجل2 من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقال: "إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مناكير"3.
166-
وأخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين4 بن علي عن زائدة5 قال: قال عبد الملك6، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر ثقيفاً ما رأيت الملك منذ نزلت منزلي هذا، قال: "فانطلقت خولة بنت حكيم السلمية فحدثت ذلك عمر بن الخطاب،
1 هكذا ساق ترجمته ابن إسحاق والطبري والسهيلي وابن كثير والواقدي إلاّ أنه قال "سعد" بدل "سعيد".
وقد تقدم في حديث (158) ص 323 في سياق نسبه غير هذا.
2 وعند الواقدي: فقال عمرو بن العاص: قاتلك الله، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره؟
فقال: "إني والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفاً، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا فإن ثقيف قوم مباركون. فأخبر عمرو النبي صلى الله عليه وسلم بمقالته، فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هذا الحمق المطاع".
3 سيرة ابن هشام 2/484 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/85.
والسهيلي: الروض الأنف 7/237 وابن الأثير: الكامل 2/181.
والواقدي: المغازي 3/935 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/111.
والحلبي: السيرة الحلبية 3/81 والبداية والنهاية 4/350 لابن كثير.
ومناكير: أصحاب دهاء وفطنة (ابن الأثير: النهاية 5/115) . والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/148) .
4 الحسين بن علي بن الوليد الجعفي - بضم الجيم وسكون العين المهملة - المقرئ، ثقة عابد، من التاسعة (ت 203 - أو 204) / ع (التقريب 1/177 وتهذيب التهذيب 2/357) .
5 زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، صاحب سنة، من السابعة (ت160) وقيل بعدها / ع (التقريب 1/256 وتهذيب التهذيب 3/306) .
6 عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، حليف بني عدي الكوفي، ويقال له: الفرسي - بفتح الراء والفاء ثم المهملة - نسبة إلى فرس له سابق، كان يقال له القبطي - بكسر القاف وسكون الموحدة وربما قيل ذلك أيضا لعبد الملك، ثقة فقيه، تغير حفظه وربما دلس من الثالثة (ت 136) / ع (التقريب 1/521 وتهذيب التهذيب 6/411) .
فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له قولها، فقال: صدقت، فأشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم" 1 والحديث مرسل ورجاله ثقات.
167-
وأخرج ابن سعد قال: أخبرنا عمرو2 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب3 أخبرنا الحسن4 قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، قال: فرمى رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: "يا نبي الله ادع على ثقيف، قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا5.
والحديث مرسل، ورجاله ثقات.
وعند ابن إسحاق بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: "يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة6 مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها". فقال أبو بكر: "ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأنا لا أرى ذلك"7.
168-
وروى الواقدي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل8 بن معاوية الديلي، فقال:"يا نوفل ما تقول أو ترى؟ "
1 تاريخ ابن أبي شيبة ص 86 و87 أرقم (665) .
2 عمرو بن عاصم: صدوق تقدمت ترجمته في حديث (71) .
3 أبو الأشهب: هو جعفر بن حيان، ثقة، تقدمت ترجمته في حديث (156) .
4 الحسن: هو البصري، ثقة فقيه، فاضل مشهور تقدمت ترجمته في حديث (156) ومرسله ضعيف عند العلماء (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص 123-124) .
5 الطبقات الكبرى 2/159.
6 قعبة: القعب: القدح الضخم الجافي، أو إلى الصغر، أو يروي الرجل، جمع أقعب وقعاب وقعبة. والزبد: بضم الزاي وسكون الموحدة: زبد اللبن القاموس المحيط 1/118و297) .
7 سيرة ابن هشام 2/484 وتاريخ الرسل والملوك 3/84 والروض الأنف 7/236، ومغازي الواقدي 3/936 وتقدم الحديث برقم (164) .
8 نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر الديلي - بكسر المهملة وسكون التحتانية - أبو معاوية شهد بدراً والخندق مع المشركين وكان له ذكر ونكاية.
ثم أسلم وشهد الفتح وحنينا والطائف، ونزل المدينة فمات بها في خلافة معاوية وقيل في أول خلافة يزيد، عاش نوفل مائة وعشرين سنة، ستون سنة في الجاهلية وستون سنة في الإسلام (التقريب 2/309 وتهذيب التهذيب 10/492) .
فقال نوفل يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيئا".
قال أبو هريرة: "ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحها"1.
وعنده أيضا: "قال: قال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وهو على حصن الطائف: يا عبيد محمد، إنكم والله ما لاقيتم أحدا يحسن قتالكم غيرنا، تقيمون ما أقمتم بشر محبس، ثم تنصرفون لم تدركوا شيئا مما تريدون.
نحن قسي وقسا أبونا
والله لا نسلم ما حيينا2
وقد بنينا طائفا حصينا
فناداه عمر: "يا ابن حبيب والله لنقطعن عليك معاشك حتى تخرج من جحرك هذا، إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج، فقال أبو محجن: إن قطعتم يا ابن الخطاب حبات عنب، فإن في الماء والتراب ما يعيد ذلك".
فقال عمر: "لا تقدر أن تخرج إلى ماء ولا تراب، ولن نبرح عن باب جحرك حتى تموت! "
قال: يقول أبو بكر: "يا عمر لا تقل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، فقال عمر: وهل قال لك هذا رسول الله؟ "
فقال: نعم، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لم يؤذن لك يا رسول الله في فتحها؟ قال: "لا".قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى" فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف!
1 مغازي الواقدي 3/936-937 وطبقات ابن سعد 2/159 وزاد المعاد 3/497 والبداية والنهاية 4/350 والسيرة الحلبية 3/82 وفتح الباري 8/45) .
2 في مغازي الواقدي: "نحن قسي وأبونا قسا" وهذا لا يستقيم مع ما بعده وقد صوبتها من أنساب الأشراف للبلاذري الذي هو تلميذ ابن سعد المعروف، بكاتب الواقدي، وانظر أنساب الأشراف ص 367.
لا نبرح حتى يفتح الله علينا؟ والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا قد لقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرق الله تلك الجموع! وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا! وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى وقال: قد رأينا الحديبية ودخلني في الحديبية من الشك ما لا يعلمه إلا الله، وراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام ليت أني لم أفعل، وأن أهلي ومالي ذهبا ثم كانت الخيرة لنا من الله فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيراً للناس من صلح الحديبية – بلا سيف دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل – من يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا! والأمر أمر الله وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء! 1.
وهذه الآثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، وقد تقدم ما نقله ابن كثير من الحكمة في ذلك2.
ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى صعوبة الموقف وتأزم الأمور وكثرة الإصابات في أصحابه، أشار إليهم بترك الحصار والرجوع إلى الجعرانة ولكن لما رأى تحمس أصحابه وتصميمهم على الفتح ورغبتهم في ذلك واصل بهم حتى وافقوا في نهاية المطاف وعلموا أن المصلحة فيما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو صريح حديث الصحيحين وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
169-
حدثنا علي3 بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله4 بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف،
1 مغازي الواقدي 3/935-936.
2 ص 332.
3 علي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار، وأبو العباس: هو السائب بن فرخ المكي الأعمى.
4 اختلف في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومدار الحديث على سفيان بن عيينة، وقد اختلف فيه عليه، فمنهم من قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومنهم من رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ومنهم من رواه بالشك، وقد رجح كونه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب:
يحيى بن معين، والدارقطني، وأبو زيد المروزي، وأبو بكر البرقاني قال ابن حجر: واخرج الحديث الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث:"عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخراً كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي عن عليّ بن المديني قال:"حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص. وعند أبي عوانة: بلغني أن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا": "عبد الله بن عمرو" ورواه عنه - أي سفيان - من أصحابه ممن يفهم ويضبط فقالوا: "عبد الله ابن عمر".
وعند أحمد في هذا الحديث: فقيل لسفيان: ابن عمرو، قال: لا. ابن عمر (شرح النووي لصحيح مسلم 4/409 وفتح الباري 8/44-45 و 10/505) .
فلم ينل منهم شيئا، قال: إنا قافلون إن شاء الله، فثقل1 عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه2، وقال مرة: نقفل، فقال: اغدوا على القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فأعجبهم فضحك3 صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال: قال الحميدي: حدثنا سفيان بالخبر كله4.
ورواه عن قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار به ولفظه لما كان رسول الله بالطائف قال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح أو نفتحها5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال، فغدوا
1 وعند أحمد: "فكان المسلمون كرهوا ذلك".
2 وعند مسلم: قال أصحابه "نرجع ولم نفتحه".
وعند ابن أبي شيبة: "فقال المسلمون نرجع ولم نفتحه".
وعند أبي يعلى فقال أصحابه: "نرجع ولم نفتح".
وعند أبي عوانة فقال المسلمون: "نرجع ولم نفتحه".
3 قال النووي::معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين فيه، وتقويتهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم علم أو رجا أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة، كما جرى، فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام، وجد في القتال، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى مكان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك، لما رأوا من المشقة الظاهرة، ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وانفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم، فوافقوا على الرحيل، وفرحوا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا من سرعة تغير رأيهم" شرح صحيح مسلم 4/410) وشرح المواهب 3/33.
4 البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
5 قوله: (لا نبرح أو نفتحها)
قال ابن التين: "ضبطناه بالرفع والصواب: النصب، لأن "أو" إذا كانت بمعنى "حتى أو إلى أن نصبت"، وهي هنا كذلك (فتح الباري 10/505) . وانظر: قطر الندى لابن هشام ص:68،وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/346.
فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنا قافلون غدا إن شاء الله، قال فسكتوا1، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه عن عبد الله بن محمد2 حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار به، ولفظه قال:"حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون إن شاء الله، فقال المسلمون: "نقفل ولم نفتح؟ " قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم3 جراحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، فكأن4 ذلك أعجبهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" 5.
ورواه مسلم والحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وأبو عوانة والبيهقي كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به6.
وعند الواقدي من حديث أبي هريرة قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال"، فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".
1 وعند أحمد: "فسر المسلمون، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
2 هو أبو بكر بن أبي شيبة.
3 وعند الحميدي "فأصابتهم جراحة شديدة".
4 وعند الحميدي "فكأنهم اشتهوا ذلك وسكنوا إليه، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 البخاري: الصحيح 8/20 كتاب الآداب، باب التبسم والضحك و9/113 كتاب التوحيد، باب في قوله الله تعالى: تؤتي الملك من تشاء إلخ.
6 مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الطائف.
الحميدي: المسند 2/309، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85و 86 أرقم 665.
وأحمد: المسند 2/11، وأبو يعلى: المسند 5/529 أرقم (305) .
وأبو عوانة: المسند 4/213 و 214، والبيهقي: دلائل النبوة 3/49 أ - ب.
فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا آيبون تائبون لربنا حامدون"1.
وقيل: "يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وآت بهم"2.
وحديث الدعاء على ثقيف أخرجه الترمذي وأحمد من حديث أبي الزبير، مسندا، وابن أبي شيبة مرسلا.
170-
وهذا سياق الترمذي: حدثنا أبو سلمة3 يحيى بن خلف أخبرنا عبد الوهاب4 الثقفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قالوا: "يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: "اللهم أهد ثقيفا" 5. ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
قال الألباني: "هذا الحديث على شرط مسلم ولكنه من رواية أبي الزبير معنعنا وهو مدلس".
1 هكذا ذكر هذا الدعاء الواقدي وابن سعد في هذه الغزوة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ما يشهد لهذا ولفظه:
قال ابن عمر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". (البخاري 3/7 كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو) . و4/61 كتاب الجهاد، باب ما يقول إذا رجع من الغزو. و5/93 كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، و 8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا أراد سفراً أو رجع. ومسلم 2/980 كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره. ورواه مالك في الموطأ 1/421 كتاب الحج، باب جامع الحج.
2 الواقدي: المغازي 3/936-937، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/159 والزرقاني شرح المواهب 3/34 وانظر الحديث رقم (167) .
3 يحيى بن خلف الباهلي، أبو سلمة البصري، الجوباري - بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة - صدوق من العاشرة (ت 242) /م د ت ق (التقريب 2/346 وتهذيب التهذيب 11/204) .
4 عبد الوهاب ثقة، وعبد الله بن عثمان صدوق، وقد تقدمت ترجمتها في حديث (164) .
5 الترمذي: السنن 5/385-386 كتاب المناقب، باب في ثقيف وبني حنيفة.
وقد تابعه عبد الرحمن1 بن سابط عند أحمد، ولكنه لم يسمع من جابر، كما قال ابن معين2.
وهذا سياق حديث أحمد المشار إليه قال:
حدثنا محمد3 بن الصباح ثنا إسماعيل4 بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد ثقيفاً".
قال عبد الله5: "وسمعته أنا من محمد بن الصباح، فذكر مثله"6.
وهذه المتابعة لا تجدي شيئا لأن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر فيكون الحديث منقطعا.
وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة إسماعيل بن زكريا ثم قال: تفرد به عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم7.
والحديث رواه ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير مرسلاً8.
1 عبد الرحمن بن سابط، ويقال عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط وهو الصحيح ثقة كثير الإرسال من الثالثة (ت 118) م د ت س ق (التقريب 1/480 وتهذيب التهذيب 6/180) .
2 حاشية مشكاة المصابيح 3/1690 وحاشية فقه السيرة للغزالي ص 432 ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي 7-8 و34-35 وانظر: تهذيب التهذيب 6/180.
3 محمد بن الصباح الدولابي، أبو جعفر البغدادي، صاحب السنن- ثقة حافظ، من العاشرة (ت 227) /ع (التقريب 2/171 وتهذيب التهذيب 9/229) .
4 إسماعيل بن زكريا بن مرة، الخلقاني - بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف- أبو زياد الكوفي، لقبه شقوصا- بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالمهملة - صدوق يخطئ قليلا، من الثامنة (ت 174 وقيل قبلها) / ع (المصدر السابق 1/69و1/297 وتاريخ بغداد 6/218 وميزان الاعتدال 1/229) . وقد وقع في التقريب أن وفاة إسماعيل 94 أي بعد المائة وهو خطأ.
5 عبد الله هو ابن أحمد بن حنبل.
6 مسند أحمد 3/343.
7 ميزان الاعتدال 1/228-229.
8 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85و86 ب رقم 665 وانظر حديث رقم (164) .
وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حين ركب فقال: "اللهم أهدهم واكفنا مؤنتهم"1.
والخلاصة أن الدعاء لثقيف رواه ابن سعد من مرسل الحسن البصري2 وساقه مرة أخرى بدون إسناد، ورواه الترمذي وأحمد مسندا من حديث أبي الزبير، ورواه عنه ابن أبي شيبة مرسلاً.
وأبو الزبير مدلس وقد عنعن3.
وتابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد، ولكن جزم ابن معين بأن عبد الرحمن لم يسمع من جابر، فيكون الحديث منقطعا.
وساقه ابن إسحاق بدون إسناد4.
ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا. وفيه أيضا أبو علاثة5.
فالحديث له ثلاث طرق: طريق أبي الزبير وقد عنعن وهو مدلس.
وابن إسحاق ساقه بدون إسناد، وهو من صغار التابعين فيكون الحديث معضلا. وطريق البيهقي، وفيها الإرسال، وراو لم توجد ترجمته. وطريق ابن سعد من مرسل الحسن البصري، ومرسله ضعيف عند العلماء، فالحديث بجميع طرقه ضعيف.
وهذه الآثار تدل على رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وشفقته، حتى مع ألد أعدائه حيث طلب منه الصحابة أن يدعو على ثقيف. فدعا لهم بالهداية وقد استجاب الله دعاءه وجاءوا مسلمين بعد ذلك بدون عناء أو مشقة.
1 دلائل النبوة 3/49 ب وانظر حديث (138) .
2 تقدم الحديث برقم (167) .
3 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين وهذه المرتبة لمن أكثر من التدليس ولم يحتج من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم. (انظر: طبقات المدلسين ص 7و 32) .
4 سيرة ابن هشام 2/488 والبداية والنهاية لابن كثير 4/350 و352 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/33و35 و4/6.
5 هو محمد بن عمرو بن خالد الحراني، لم أجد ترجمته.
وقد ذكر ابن إسحاق أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الطائف كانت على دحنا1 حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس، وكان بها سبي هوازن 2.
وعند الواقدي فأخذ على دحنا ثم على قرن المنازل، ثم على نخلة حتى خرج إلى الجعرانة3.
171-
وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله 4 بن أبي بكر أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنينا قال: والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة إذا زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، قال: فقرع قدمي بالسوط، وقال:"أوجعتني فتأخر عني فانصرفت"، فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني، وقال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس، قال: فجئته وأنا أتوقع فقال لي: "إنك قد أصبت رجلي بالأمس، فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوضك منها، فأعطاني ثمانين نعجة، بالضربة التي ضربني"5.
والحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه انقطاع فإن عبد الله بن أبي بكر لم أجد في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك.
وعند الواقدي وابن سعد نحو هذه القصة6 وأن صاحبها هو أبو رهم7 الغفاري، لكن ذكر ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر: "أن أبا رهم الغفاري
1 دحنا - بفتح أوله وسكون ثانية، ونون، يروى مقصورا وممدودا، وهي من مخاليف الطائف (معجم البلدان 2/444) .
2 سيرة ابن هشام 2/488 وتاريخ الرسل والملوك 3/86 والروض الأنف 7/241.
3 مغازي الواقدي 3/939.
4 عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني، ثقة من الخامسة (ت 135) / ع (التقريب 1/405، وتهذيب التهذيب 5/164) .
5 الطبري: تاريخ الرسل ة الملوك 3/93.
6 مغازي الواقدي 3/939 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/244.
7 هو كلثوم بن الحصين أبو رهم - بضم الراء - صحابي مشهور من أصحاب الشجرة أسلم قديما وشهد أحد واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين، مرة في عمرة القضاء، ومرة في غزوة الفتح في خروجه إلى مكة وحنين والطائف فلم يزل أميرا عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف (الاستيعاب 3/316 و4/69 مع الإصابة، وأسد الغابة:4/493و6/117، والإصابة 4/70-71 والتقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/443) .
استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عند خروجه إلى غزوة الفتح فلم يزل عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف"1.
وقد حصلت نحو هذه القصة لأبي رهم ولكن في غزوة تبوك جاء ذلك عند الإمام أحمد في مسنده ولفظه:
172-
قال أبو رهم الغفاري: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه وألقي علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني نصف الليل فركبت راحلتي راحلته ورجل النبي صلى الله عليه وسلم في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله حس2، فرفعت رأسي، فقلت: استغفر لي يا رسول الله" الحديث3.
والحديث ضعيف لأن فيه ابن أخي أبي رهم4.
وعند الواقدي أيضا أن مثل هذا حصل لعبد الله بن أبي حدرد في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، فقال: وكان عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو يحادثني، فجعلت ناقتي تلصق بناقته، وكانت ناقتي شهمة 5 فجعلت أريد أن أنحيها فلا تطاوعني، فلصقت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصيبت رجله فقال:"أخ6! أوجعتني! فرفع رجله من الغرز7 كأنها جمارة، ودفع رجلي بمحجن في يده، فمكث ساعة لا يتحدث، فوالله ما نزلت حتى ظننت أن سينْزل في عذاب".
1 انظر المصادر السابقة.
2 حس - بكسر السين والتشديد، وفتح الحاء المهملة - كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضة أو أحرقه غفلة، كالجمرة والضربة ونحوهما. (النهاية في غريب الحديث 1/385) .
3 مسند أحمد 4/349-350.
4 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/534 ابن أخي أبي رهم "مقبول" من شيوخ الزهري، من السادسة / ع وانظر تهذيب التهذيب 12/318.
5 شهمة: أي جلدة (مختار الصحاح ص 350) .
6 أخ: بفتح الهمزة وسكون الخاء: كلمة تكره وتأوه (القاموس المحيط 1/256) .
7 الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: هو الكور مطلقا مثل الركاب للسرج.
والجمارة: قلب النخلة وشحمها شبه ساقه صلى الله عليه وسلم ببياضها، والمحجن: عصا معقفة الرأس (النهاية في غريب الحديث 1/294و347، 3/359) .
قال: فلما نزلنا قلت لأصحابي: إني أرعى لكم! ولم يكن ذلك يوم رعيتي، فلما أرحت الظهر عليهم قلت: هل جاء أحد يبغيني؟
فقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يبغيك، فقلت في نفسي: هي والله هي! قلت: من جاء؟
قالوا رجل من الأنصار، قال: فكان أكره إلي وذلك أن الأنصار كانت فيهم علينا غلظة، قال: ثم جاء بعد رجل من قريش يبتغيني، قال: فخرجت خائفا حتى واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يبتسم في وجهي وقال: أوجعتك بمحجني البارحة، ثم قال: خذ هذه القطة من الغنم، قال: فأخذتها فوجدتها ثمانين شاة ضائنة1.
ثم قال الواقدي أيضا: وكان أبو زرعة2 الجهني يقول: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يركب من قرن راحلته القصواء وطئت له على يديها، والزمام في يدي مطوى، فركب على الرحل وناولته الزمام، ودرت من خلفه فخلف الناقة بالسوط كل ذلك يصيبني، فالتفت إلي فقال: أصابك السوط؟ قلت: نعم بأبي وأمي! قال: فلما نزل الجعرانة إذا ربضة3 من الغنم ناحية من الغنائم فسأل عنها صاحب الغنائم فخبره عنها بشيء لا أحفظه، ثم صاح: أين أبو زرعة؟ قال: قلت: ها أنا ذا! قال: خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس، قال: فعددتها فوجدتها عشرين ومائة رأس، قال: فتأثلت4 بها مالاً5.
173-
وعند الواقدي أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: اعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم معه غنم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال: يا رسول الله، هذه هدية قد أهديتها لك، قال: وممن أنت؟
قال: رجل من أسلم، قال: إني لا أقبل هدية مشرك، قال: يا رسول الله إني مؤمن بالله وبرسوله قد سقت الصدقة إلى بريدة بن الحصيب لما لي بعينه مصدقا،
1 مغازي الواقدي 3/939-940 وقوله: شاة ضائنة: أي من الضأن وهي الشاة من الغنم، وهي خلاف المعز (النهاية لابن الأثير 3/69) .
2 هو: معبد بن خالد الجهني أبو زرعة (انظر الإصابة 3/439) .
3 الربضة - بكسر الراء وسكون الموحدة: الجماعة من الغنم والناس، والأصل للغنم. (لسان العرب9/9) .
4 تأثل مالا: اكتسبه واتخذه وثمره (المصدر السابق13/8) .
5 مغازي الواقدي 3/940.
قال: وأقبل بريدة فلحق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق يا رسول الله، هذا من قومي شريف ينزل بالصفاح1، قال: فما أقدمك إلى نخلة؟ قال: هي أمرع2 من الصفاح اليوم، ثم قال: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، قال: فخرج يعدو عراض3 ناقة رسول الله وهو يقول: يا رسول الله، فأسوق الغنم معي إلى الجعرانة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسقها، ولكن تقدم علينا الجعرانة فنعطيك غنما أخرى إن شاء الله. قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا في عطن4 الإبل، أفأ صلي فيه؟ قال: لا، قال: فتدركني وأنا في مراح5 الغنم، فأصلي فيه؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله، ربما تباعد منا الماء ومع الرجل زوجته فيدنو منها؟
1 الصفاح - بالكسر وآخره حاء مهملة: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش (معجم البلدان 3/412) .
وقال عاتق البلادي: "الصفاح: أرض خارج حدود الحرم على طريق العراق، إذا خرجت من أنصاب الحرم متجاوزا ثنية خل سرت فيها، وهي جرد أبيض سيله جنوبا إلى المغمس ثم عرنة، ويشرف عليها من الشمال جبل الستار ويغذيها بقسم كبير من مياهه". (معالم مكة المكرمة التاريخية والأثرية ص 153) .
2 أمرع الوادي: اكلأ، والمريع: الخصيب المكلئ، كالمراع، جمع أمرع وأمراع، ومرع الوادي مثلثة الراء مراعة أكلأ كأمرع (مختار الصحاح ص 622 والقاموس المحيط 3/84 والمعجم الوسيط 2/861) .
3 عراض: بكسر المهملة أي يسير حذاءه معارضا له (النهاية 3/211) .
4 العطن: بالتحريك مبرك الإبل حول الحوض، ومربض الغنم حول الماء لتعاد للشرب مرة ثانية (النهاية 3/258 والقاموس المحيط 4/248) .
5 المراح: بضم الميم: حيث تأوى إليه الماشية بالليل، مختار الصحاح ص 262، والمصباح المنير 1/288-289) .
وقد جاء الأمر بالصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في أعطان الإبل، في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل". أخرجه الترمذي في سننه 1/217-218 كتاب الصلاة وقال: حسن صحيح.
ق ال: نعم، ويتيمم1، قال: يا رسول الله، وتكون فينا الحائض، قال: تيمم، قال: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأعطاه مائة شاة2.
موقف سراقة
وكان ممن اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الجعرانة: سراقة بن مالك بن جعشم وكان معه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه له في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، توضح ذلك الأحاديث الآتية:
174-
قال الواقدي: وقال سراقة3 بن جعشم: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة، فتحصلت4، والناس يمضون أمامه أرسالاً5، فوقعت في مقنب6 من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوني7 بالرماح ويقولون: إليك! إليك! ما أنت؟
وأنكروني، حتى إذا دنوت وعرفت أنه يسمع صوتي أخذت الكتاب الذي كتبه
1 وقد جاء في حديث أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير". رواه الترمذي 1/81 كتاب الطهارة، باب التيمم للجنب وصححه.
2 مغازي الواقدي 3/941-942.
3 سراقة بن مالك بن جعشم - بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة - ابن مالك ابن عمرو بن تيم بن مدلج - بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام آخره جيم - ابن مرة بن مناة بن كنانة الكناني المدلجي يكنى أبا سفيان صحابي مشهور كان ينزل قديدا، كان من مسلمة الفتح كذا ذكره ابن حجر، وعند ابن إسحاق أنه أسلم في الجعرانة. مات سراقة سنة 24 في خلافة عثمان وقيل بعد عثمان. (الطبقات الكبرى لابن سعد 1/188و232 و 5/90 والاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 2/331) . التقريب 1/284 وتهذيب التهذيب 3/456 والإصابة 2/19 كلها لابن حجر.
4 تحصل: تجمع وثبت. (القاموس المحيط 3/357) .
5 أرسالاً: أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا، واحدهم رسل: بفتح الراء والسين. (النهاية لابن الأثير 2/222) .
6 مقنب: بكسر أوله: جماعة الخيل والفرسان (المصدر السابق 4/111) .
7 يقرعوني بالرماح: القرع الضرب بالسوط ونحوه (المصدر السابق 4/43) .
أبو بكر، فجعلته بين أصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يوم وفاء، أدنوه! فأدنيت منه، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرزة كأنها جمارة، فلما انتهيت إليه سلمت، وسقت إليه الصدقة فما ذكرت شيئا أسأله عنه إلا أني قلت: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر إن أسقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، في كل ذات كبد حرى1 أجر"2.
وذكر ابن إسحاق هذه القصة في سياق حديث الهجرة، وبين أن مجيء سراقة وإسلامه كان في الجعرانة، وأنه بعد ذلك رجع إلى قومه وساق صدقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
175-
وهذا سياقه: قال: حدثني الزهري أن عبد الرحمن3 بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه4، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال:"لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن رده عليهم".
قال: "فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا فقال: والله لقد رأيت ركبة5 ثلاثة مروا آنفا، وأني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت
1 حرى: بفتح أوله بوزن فعلى. والمعنى: أن في سقي كل ذي كبد حرى أجرا (النهاية 1/364) .
2 مغازي الواقدي: 3/941.
3 عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن المدلجى وثقه النسائي وابن حبان، من الثالثة/خ ق (التقريب1/496 وتهذيب التهذيب6/263 وقال ابن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم (1/491) .
4 مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو المدلجي، وأكثر ما يأتي منسوبا إلى جده، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وهو أخو سراقة الصحابي، قال ابن حجر: وأبوه مالك بن جعشم لم أر من ذكره في الصحابة، فالظاهر أنه مات في الجاهلية فيكون لمالك بن مالك إدراك، إن لم يكن له صحبة.
أخرج له خ ق (التقريب 2/226 وتهذيب التهذيب 10/21 والإصابة 3/485) .
5 ركبة: بالتحريك، أقل من الركب، والركب من أسماء الجمع، كنفر ورهط (النهاية 2/256و257) .
إليه بعيني: أن أسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت، قال: ثم مكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي1 التي استقسم بها، ثم انطلقت فلبست لأمتي2. ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره"3 قال: وكنت أرجوا لأن أرده4 على قريش، فآخذ المائة الناقة قال: فركبت على أثره، فبينا فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال: فقلت: ما هذا؟
قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعتهما دخان كالإعصار5، قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه ظاهر، قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم من شيء تكرهونه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "قل له: وما تبتغي منا؟ "
1 القداح - بكسر أوله: جمع قدح، بكسر أوّله وسكون ثانيه، والاستقسام: طلب الذي قسم له وقدر مما لم يقسم ولم يقدر، وهو استفعال منه، وكانوا في الجاهلية، إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا، أو نحو ذلك من المهام ضرب بالأزلام وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب: أمرني ربي وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الآخر غفل. فإن خرج "أمرني" مضى لشأنه، وإن خرج "نهاني" أمسك، وإن خرج "الغفل" عاد، وأجالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر والنهي (المصدر السابق 2/311 و 4/20و63) .
2 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل السلاح، ولأمه الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفا (المصدر السابق 4/220) .
3 لا يضره: أي السهم المكتوب فيه هذه الكلمة.
4 في شرح المواهب: تعرض لهم بعد رواحهم من عند أم معبد، وذكر ابن سعد أن ذلك كان في قديد وكان يوم الثلاثاء. (شرح المواهب اللدنية 1/346 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/232) .
5 الإعصار: ريح معها غبار شديد. (القاموس المحيط 2/90) .
قال: فقال ذلك أبو بكر1، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة2، أو في خزفة3 ثم ألقاه إليّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي4، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته، قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار، قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح، ويقولون إليك! إليك! ماذا تريد؟
قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت:"يا رسول الله، الضالة5 من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كبد حرى أجر".
ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي6.
والحديث رواه موسى بن عقبة فقال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم
1 عند ابن إسحاق والواقدي: "أن الذي كتب لسراقة هو أبو بكر الصديق".
وعند البخاري: "أنه عامر بن فهيرة" قال الزرقاني: "والجمع بين هذا أن عامراً لما كتب طلب سراقة كتابة أبي بكر الصديق لشهرته وعظمته". (شرح المواهب 1/348) .
2 الرقعة: بالضم المراد بها هنا قطعة من أدم كما جاء عند البخاري.
3 الخزف، محركة: كل ما عمل من طين وشوى بالنار حتى تكون فخارا. (القاموس المحيط 3/132) .
4 الكنانة: بالكسر: الجعبة التي يجعل فيها السهام. (النهاية 1/274، القاموس المحيط 4/264) .
5 هذا الجزء من الحديث رواه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق، وأحمد من طريق ابن إسحاق أيضا ومن طريق معمر عن الزهري (سنن ابن ماجه: 2/1215 كتاب الأدب، باب فضل صدقة الماء، مسند أحمد: 4/175) .
(سيرة ابن هشام 1/489-491) .
أخبره "أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة" الحديث1.
وأخرج الحميدي هذا الحديث مختصرا في قدوم سراقة إلى الجعرانة وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا سياقه:
حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن سراقة2 أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه. فقلت: يا رسول الله إني أملأ حوضي أنتظر ظهري يرد علي فتجيء البهمة3 فتشرب فهل لي من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك في كل كبد حرى أجر"
قال سفيان: "هذا الذي حفظت عن الزهري، واختلط علي من أوله شيء فأخبرني وائل بن داود عن الزهري بعض هذا الكلام لا أخلص ما حفظت من الزهري وما أخبرنيه وائل، قال سراقة: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلاّ قرعوا رأسي، وقالوا: إليك! إليك! فلما انتهيت إليه، رفعت الكتاب، وقلت: أنا يا رسول الله قال: وقد كان كتب لي أمانا في رقعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، اليوم يوم وفاء وبر وصدق" 4.
وقصة تفاصيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض سراقة له أثناء الهجرة ومحاولته القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبه في نهاية الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن، ثابت في صحيح البخاري من حديث عائشة (دون مجيء سراقة إلى الجعرانة)5.
1 البيهقي: دلائل النبوة 2/219-221 وحصل خطأ مطبعي في الدلائل وهو: حتى إذا فتح الله مكة وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل "خيبر" والصواب: من أهل حنين لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة.
2 ابن سراقة: هو محمد بن سراقة (ذكره ابن الأثير وابن حجر في ترجمة والده ولم أجد ترجمته، والحديث رواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة كلاهما عن الزهري عن ابن أخي سراقة بن مالك وهو عبد الرحمن بن مالك، ورواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن ابن أخي سراقة، والبخاري عن عقيل عن الزهري، فقد رواه عن الزهري بدون شك ابن إسحاق وموسى بن عقبة ومعمر وعقيل.
3 البهمة: هي ولد الضأن الذكر والأنثى، والجمع بهم (النهاية 1/168) وقال حبيب الرحمن الأعظمي المحقق لمسند الحميدي، وفي نسخة (ظ) بهيمة، قلت: وهذه اللفظة أشمل ولعلها أرجح من لفظ (بهمة) وذلك لأن في حديث ابن إسحاق وموسى بن عقبة فتأتي الضالة من الإبل، والإبل لا تدخل في لفظ بهمة، وتدخل في لفظ بهيمة؛ لأن البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حيى لا يميز جمع بهائم. (القاموس المحيط 4/82 والمصباح المنير 1/81) .
4 الحميدي: المسند 2/401وأحمد: المسند 4/175.
5 البخاري: الصحيح5/49-52 كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.