الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار - الطائف
مر بنا أن المشركين لما انهزموا في موقعة حنين وباءوا بالفشل، انسحبوا إثر ذلك فتوجه بعضهم نحو نخلة وأوطاس، وتوجهت أكثر ثقيف نحو الطائف ومعهم مالك بن عوف النصرى1، فدخلوا مدينة الطائف وكانت مدينة محصنة قوية ذات أسوار وحصون، ولها أبواب تغلق عليها، وأدخلوا فيها من الأقوات ما يكفيهم لسنة واستعدوا استعداداً كاملاً وتهيأوا للقتال، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، سار إلى الطائف حتى نزل قريبا من أسوار المدينة وعسكر هناك، فصوب المشركون نبالهم نحو المسلمين كأنها رجل من جراد فأوقعوا بالمسلمين خسائر في الأرواح، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال وفكر المسلمون في وسيلة يستطيعون بها التغلب على ثقيف وإجبارهم على الاستسلام، ورأوا أن أحسن وسيلة في ذلك هي نصب المنجنيق2 عليهم ودك حصونهم بالدبابات، وغير أن أهل الطائف أحبطوا تلك المحاولات التي قام بها المسلمون، إذ حموا قطعا من حديد بالنار وألقوها على الدبابات الخشبية فحرقتها، فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابات، فكان هذا مما زاد في جرأة ثقيف، وامتناعها عن الاستسلام، حتى أن بعضهم كان يقول:
نحن قسي وقسنا أبونا
والله لا نسلم ما حيينا.
…
وقد بنينا حائطا حصينا.
وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم، فسارع المسلمون إلى ذلك وقطعوا قطعا ذريعا، حتى نادى الثقفيون يا محمد لم تقطع
1 انظر ص 252.
2 انظر حديث (137) و (139) و (141) .
أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإني أدعها لله وللرحم"1.
ثم حث المسلمين على الرمي في سبيل الله، ورغبهم في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:"من رمى بسهم في سبيل الله فله به درجة في الجنة" كما ورد ذلك في حديث أبي نجيح2 السلمي عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد:
142-
قال: حدثنا روح3 قال ثنا هشام4 بن أبي عبد الله عن قتادة5 عن سالم6 بن أبي الجعد عن معدان7 بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع النبي صن الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهم فله درجة في الجنة" قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر" الحديث 8.
1 الأم: للشافعي 7/323 والسيرة النبوية لابن هشام 2/478-483، والروض الأنف للسهيلي 7/231-234 ومغازي الواقدي 3/924-929 والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158 وأنساب الأشراف للبلاذري ص 367، والتلخيص الحبير لابن حجر 4/112 والرسول القائد لمحمود شيت خطاب ص 251.
2 هو عمرو بن عبسة - بموحدة ومهملتين مفتوحات - ابن عامر بن خالد السلمي - من سليم بن منصور أبو نجيح - بالنون المفتوحة وكسر الجيم - صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد - ثم نزل الشام/م ع (التقريب2/74، تهذيب التهذيب 8/69 والإصابة 3/5 كلها لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير 4/251-252) .
ووقع في الطبقات الكبرى لابن سعد 4/214 في سياق نسب عمرو بن عبسة فقال ابن سليم بن (منظور) بالظاء المعجمة وهو خطأ والصواب ابن (منصور) بالصاد المهملة.
3 روح بن عبادة بن العلاء، ثقة فاضل، التقريب 1/253 وتهذيب التهذيب 3/293 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/349-350) .
4 هشام بن أبي عبد الله الدستوائي - بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة - أبو بكر البصري - واسم أبيه - سنبر - بمهملة ثم نون ثم موحدة، وزن جعفر - ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر، من كبار السابعة (ت 154) / ع (المصادر السابقة 2/319و11/43و1/164) وقد سقط من تهذيب التهذيب (علامة من أخرج له) .
5 ابن دعامة السدوسي ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) .
6 سالم بن أبي الجعد رافع، الغطفاني الأشجعي، مولاهم، الكوفي، ثقة وكان يرسل كثيرا من الثالثة، اختلف في سنة وفاته/ع (التقريب1/279 وتهذيب التهذيب3/432) .
7 معدان بن أبي طلحة ويقال: ابن طلحة، اليعمري - بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة - شامي، ثقة من الثانية / م ع (المصدر السابق 2/263، و10/228) .
8 المسند: 4/113 و384 وتمام الحديث: "ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها من عظام محررها من النار".
والحديث صحيح، وقد صرح قتادة بالتحديث عند البيهقي، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داواد الطيالسي وابن حبان والحاكم والبيهقي كلهم من طريق قتادة به1.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السلمي.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، فإن أبا نجيح هذا: هو عمرو2 بن عبسة السلمي. ووافقه الذهبي.
وأورده ابن كثير عن البيهقي ثم قال: "ورواه أبو داود والترمذي وصححه3 والنسائي من حديث قتادة به"4.
وكان من التعليمات العسكرية أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج جماعة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة وزاد من ألمهم5.
وكان ذلك من أعظم التدابير العسكرية التي أضعفت من قوة المشركين وفتت في عضدهم ومعنوياتهم وفرقت جمعهم، توضح هذا الأحاديث الآتية:
1 أبو داود: 2/354-355 كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل دون "من شاب شيبة في الإسلام".
والترمذي: السنن 3/96 كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، بقصة "الرمي" فقط.
والنسائي: السنن 6/23 كتاب الجهاد، باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، بقصة "الرمي" أيضا.
وفي السنن الكبرى، بقصة "العتق" انظر تحفة الأشراف8/163 حديث (10768) .
وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 2/109-110.
وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص294و396دون"من شاب شيبة في الإسلام".
والحاكم: المستدرك 2/95-96و121و 3/49-50.
والبيهقي: السنن الكبرى 9/61 و10/272 ودلائل النبوة 3/ 48أ.
2 لعله احتراز من أبي نجيح العرباض بن سارية السلمي فإنه لم يخرج له سوى الأربعة، انظر (التقريب 2/17) .
3 وقع في البداية والنهاية "رواه أبو داود والترمذي وصححه النسائي" والظاهر أن العبارة هكذا: "رواه الترمذي وصححه والنسائي وأن حرف العطف سقط من "النسائي". لأن النسائي أخرج هذا الحديث في سننه ولم يصححه والذي صححه هو الترمذي.
4 البداية والنهاية 4/349.
5 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159.
قال البخاري: حدثنا محمد1 بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان2، قال سمعت سعدا3 - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة4 وكان تسور5 حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث6.
والحديث أخرجه أحمد من طريق خالد الحذاء وعاصم الأحول، والدارمي من طريق عاصم عن أبي عثمان به.
ولفظ الدارمي: "هذا أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهذا تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث7.
144-
قال البخاري: وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية8 أو أبي عثمان النهدي قال: "سمعت سعدا أو أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، قال عاصم:
1 محمد بن بشار: هو بندار، وغندر هو محمد بن جعفر، وشعبة هو ابن الحجاج، وعاصم: ابن سليمان الأحول.
2 هو عبد الرحمن بن مل - بلام ثقيلة والميم مثلثة - أبو عثمان النهدي - بفتح النون وسكون الهاء، مشهور بكنيته، مخضرم من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، (ت 95) وقيل بعد ذلك وعاش (130) وقيل أكثر/ع التقريب 1/499) .
3 هو ابن مالك بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (الإصابة 2/33 وأسد الغابة 2/366 وانظر سيرة ابن هشام 1/591، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/7 في كون سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله.
4 هو نفيع بن الحارث بن كلدة - بفتحتين - ابن عمرو الثقفي، أبو بكرة صحابي مشهور بكنيته، تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فأعتقه يومئذ (التقريب 2/306وتهذيب التهذيب10/469والإصابة3/571-572 وأسد الغابة 5/354 و6/38) .
5 وعند الدارمي "تدلى من حصن الطائف" قال ابن حجر: "المعنى تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه (فتح الباري 8/46) .
6 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و8/131 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه "وتمام الحديث" فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" واقتصر مسلم على هذا الجزء منه من حديث خالد الحذاء وعاصم الأحوال وكذا ابن ماجه من حديث عاصم (انظر: صحيح مسلم 1/80 كتاب الإيمان باب بيان من رغب عن أبيه وهو يعلم، وابن ماجه2/870 كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه.
7 أحمد: المسند 1/169 و174 و179 و5/38 و46، والدارمي: السنن 2/160 كتاب السير، باب في الذي ينتمي إلى غير مواليه و2/248 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه، وعند خليفة بن خياط من طريق شعبة عن عاصم الأحوال عن أبي عثمان قال:"سبق أبو بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف"(تاريخ خليفة ص 89) .
8 هو رفيع - بالتصغير - ابن مهران، أبو العالية، الرياحي - بكسر الراء وبالتحتانية (التقريب 1/252 وتهذيب التهذيب 3/284) .
قلت: "لقد شهد عندك1 رجلان حسبك بهما، قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف"2.
قال ابن حجر: "هشام هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه.
وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده، عن أبي بكرة وحده، وبغير شك، وغرض المصنف منه، ما فيه من بيان من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف، في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف".
ثم قال: "وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره، وهو شيء قاله موسى بن عقبة وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين، بأن أبا بكرة نزل وحده أولا، ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن"3.
قلت: حديث عبد الرزاق المشار إليه هذا سياقه:
1 الخطاب لأبي عثمان أو لأبي العالية، وعند أبي داود قال عاصم: فقلت: "يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين" انظر: ص 305.
قال ابن حجر: "وقد وقع في رواية هشيم عن خالد الحذاء عند مسلم في أول هذا الحديث قصة ولفظه: "عن أبي عثمان قال: لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو ويعلم فالجنة عليه حرام".
فقال أبو بكرة: "وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "والمراد بزياد الذي ادعى: زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة، فزوجها لمولاه عبيد فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر بن الخطاب سمع أبو سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر وكان بليغا فأعجبه فقال: إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت لسميته، ولكن أخاف من عمر، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة كان زياد على فارس من قبل عليّ بن أبي طالب، وأراد معاوية مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان فأصغى زياد إلى ذلك فجرت في ذلك خطوب إلى أن ادعاه معاوية وأمَّره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه، وسار زياد سيرته المشهورة، وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية، محتجين بحديث "الولد للفراش" وإنما خص أبو عثمان أبا بكرة بالإنكار لأن زيادا كان أخاه من أمه، وقد نصح أبو بكرة زيادا عن هذا الادعاء فامتنع فحلف أبو بكرة لا يكلم زياداً أبداً، قال السهيلي: وقد غلط ابن قتيبة فجعل سمية هذه المذكورة أم عمار بن ياسر، ثم قال: سمية أم عمار كانت تحت ياسر أبي عمار وقتلها أبو جهل في أوّل المبعث". (ابن حجر: فتح الباري 12/54 والإصابة 1/580 و3/571 وابن عبد البر: الاستيعاب 1/567 و3/567 و4/23 مع الإصابة والروض الأنف: 7/275 وكتاب المعارف لابن قتيبة ص 111-112 و125 و151.
2 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
3 ابن حجر: فتح الباري 8/46.
قال عبد الرزاق: عن معمر عن عاصم بن سليمان قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة: "أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف - بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يقال لهم العتقاء"1.
وعند أبي داود قال عاصم: قلت: يا أبا عثمان لقد شهد عند رجلان أيما رجلين؟ فقال: أما أحدهما فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام - يعنى سعد بن مالك - والآخر قدم من الطائف في بضعة2 وعشرين رجلا على أقدامهم"الحديث3.
وقد جاء عند ابن إسحاق تسمية بعضهم من مرسل عبد الله بن مكرم الثقفي وهذا سياقه:
145-
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله 4 بن مكرم الثقفي قال: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد الحارث بن كلدة، والمنبعث5 وكان اسمه المضطجع، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 المصنف5/301.
وفي مسند أحمد 4/363 عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" وفيه شريك بن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ كثيرا.
2 وعند الواقدي وابن سعد: فخرج منهم بضعة عشر رجلا (مغازي الواقدي: 3/931 وطبقات ابن سعد 2/159) .
3 سنن أبي داود 2/623 كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه. وسياق الحديث: حدثنا النفيل أخبرنا زهير أخبرنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان قال: حدثني سعد بن مالك قال سمعته أذناني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام"، قال: فلقيت أبا بكرة فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذاني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم، قال عاصم: فقلت: يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان. إلخ.
4 عبد الله بن مكرم الثقفي روى عن عبد الله بن قارب، وعنه ابن إسحاق قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 5/181)، البخاري: التاريخ الكبير 5/211، وفي سيرة ابن هشام، الروض الأنف، والسنن الكبرى للبيهقي "عبد الله ابن مكدم" بالدال المهملة بدل (الراء) وعند السهيلي 7/238 قال ابن إسحاق حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مكدم.
5 المنبعث - بمضمومة وسكون نون وفتح موحدة، وكسر عين مهملة، وبمثلثة - كان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب، نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان محاصرا الطائف وأسلم (أسد الغابة لابن الأثير 5/262) والإصابة لابن حجر 3/457-358 والمغني لابن طاهر الهندي ص 75 وفي هذا الحديث استحباب تغيير الاسم إلى ما هو أحسن منه، وكان ذلك من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري من حديث سعيد بن المسيب أن جده حزنا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما اسمك؟ قال: اسمي حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي"، قال: قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد.
"صحيح البخاري8/37 كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه" وأخرجه أبو داود في سننه 2/586 كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح ولفظه عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ما اسمك"؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة" وجاء في غزوة حنين أيضا من حديث رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال له: "ما اسمك؟ قال: غراب، قال: لا، بل اسمك مسلم"، (البخاري: الأدب المفرد ص 287 والتاريخ الكبير 7/252 وابن سعد 5/462) . وابن حجر: الإصابة 3/417 وإسناده ضعيف.
قال الدميري في حياة الحيوان 2/105: "وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لأن الغراب حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله في الحل والحرم".
المنبعث ويحنس1 ووردان2 في رهط من رقيقهم فأسلموا فلماقدم وفد أهل الطائف، فأسلموا، قالوا: يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك؟ قال: "لا، أولئك عتقاء الله" ورد على ذلك الرجل ولاء عبده، فجعله له" 3.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال: "فلما قدم وفد أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قالوا يا رسول الله: رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال: "لا، أولئك عتقاء الله عز وجل ورد على كلّ رجل ولاء عبده فجعله إليه"4.
1 يحنس - بضم التحتية وفتح المهملة والنون المشددة وسين مهملة - النبال كان عبد اليسار بن مالك. (أسد الغابة 5/469 وشرح المواهب 3/32) .
2 وردان: هو جد الفرات بن زيد بن وردان، وكان وردان عبدا لعبد الله بن ربيعة بن خرشة الثقفي (أسد الغابة 5/445) .
وزاد الواقدي: الأزرق بن عقبة أبو عقبة الثقفي كان عبدا لكلدة الثقفي من بني مالك، وقيل كان عبدا للحارث بن كلدة طبيب العرب، إبراهيم بن جابر كان عبدا لخرشة الثقفي، ويسار، كان عبدا لعثمان بن عبد الله ونافع أبو السائب كان عبدا لغيلان بن سلمة الثقفي، فأسلم غيلان بعد فرد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ولاءه، ومرزوق غلام لعثمان بن عامر، وزاد ابن حجر:"الأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد بن أبيه، ونافع مولى الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب"، قال ابن حجر ويقال:"كان فيهم زياد بن سمية، والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره، ثم قال: ولم أعرف أسماء الباقين"، وقال الواقدي:"كل هؤلاء أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله، فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد بن العاص والأزرق إلى خالد بن سعيد، ووردان إلى أبان بن سعيد، ويحنس النبال إلى عثمان بن عفان، وكان يسار بن مالك إلى سعد ابن عبادة، وإبراهيم بن جابر إلى أسيد بن الحضير، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئوهم القرآن ويعلموهم السنن، فلما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم في هؤلاء المعتقين - فيهم الحارث بن كلدة - يردوهم في الرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك عتقاء الله، لا سبيل إليهم، وبلغ ذلك من اهل الطائف مشقة شديدة، واغتاظوا على غلمانهم".
وعند السهيلي: "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا"(مغازي الواقدي 3/931-932 وفتح الباري 8/45-46) .
3 الزيلعي: نصب الراية 3/282 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348 واللفظ له.
4 السنن الكبرى 9/229 و10/308 ودلائل النبوة 3/48 أ.
ثم قال: "هذا منقطع"1.
وهكذا قال السهيلي: "بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، وقال: كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام"2.
والحديث في سيرة ابن هشام والروض الأنف وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أهل الطائف ولاء عبيدهم، وهذا نصه:
قال ابن إسحاق: "وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مكرم عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، أولئك عتقاء الله، وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة" 3.
ثم قال ابن هشام: "وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد، وكذا أورد ابن حجر في ترجمته الحارث بن كلدة"4.
ما رواه أحمد وغيره من حديث ابن عباس وهذا سياقه عند أحمد:
146-
قال: حدثنا أبو معاوية5 ثنا حجاج6 عن الحكم7 عن مقسم8 عن
1 المراد بالمنقطع هنا المرسل كما صرح بذلك الزيلعي، لأن المنقطع أعم من المرسل فيشمل كل ما لم يتصل إسناده عند العلماء.
2 الروض الأنف 7/274-275.
3 يفهم من هذا أن ابن إسحاق لا يروي عن ابن مكرم مباشرة.
4 سيرة ابن هشام2/485، والروض الانف 7/238،و274-276، والإصابة1/29، 288 و3/458، و633، و649، ومغازي الواقدي3/931، وطبقات ابن سعد 2/159 وأسد الغابة 1/413 و5/262 و445، 469، والزرقاني: شرح المواهب 3/31-32 والديار بكري: تاريخ الحميس 2/111) .
5 هو محمد بن خازم - بمعجمتين - أبو معاوية الضرير الكوفي عمي وهو صغير ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره من كبار التاسعة (ت195) /ع (التقريب 1/157 وتهذيب التهذيب 9/137) .
6 حجاج بن أرطأة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطأة الكوفي القاضي، أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة (ت 145) / بخ م عم (التقريب 1/152 وتهذيب التهذيب 2/196) .
وقال الذهبي: "وأكثر مانقم عليه التدليس، وكان فيه تيه لا يليق بأهل العلم، وكان يقول: أهلكني حب الشرف"(ميزان الاعتدال 1/458-460، وتذكرة الحفاظ 1/186) . ووقع في ميزان الاعتدال ذكر علامة النسائي بعد علامة الأربعة وهو خطأ لأن النسائي داخل في الأربعة.
7 الحكم هو ابن عتيبة ثقة، ثبت، فقيه، تقدمت ترجمته في حديث (73) .
8 مقسم هو ابن بجرة أو ابن نجدة، صدوق وكان يرسل، تقدم في حديث (75) .
ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أعتق رسول الله يوم الطائف من خرج من عبيد المشركين"1. ورواه عن يحيى2 بن زكريا ثنا حجاج به.
ولفظه: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أعتق من رقيقهم". ورواه عن يزيد بن هارون ثنا الحجاج به.
ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من البعيد قبل مواليهم إذا أسلموا3 وقد أعتق يوم الطائف رجلين". رورواه عن عبد القدوس4 بن بكير بن خنيس ثنا الحجاج به.
ولفظه: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقها5، أحدهما أبو بكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه". ورواه عن نصر6 بن باب عن الحجاج به.
ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله 7.
والحديث رواه سعيد8 بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وخليفة بن خياط
1 أحمد: المسند1/223-224 و349 و362.
2 يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني - بسكون الميم - أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت183أو184) /ع (التقريب2/347 وتهذيب التهذيب11/208) .
3 وعند سعيد بن منصور "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا جاءوا قبل مواليهم" ولم يذكر إسلاما. (زاد المعاد لابن القيم الجوزية 3/503) .
4 عبد القدوس بن بكير بن خنيس - بمعجمة ونون مصغرا - الكوفي أبو الجهم قال أبو حاتم: لا بأس به، من التاسعة / ت ق (التقريب 1/515، وتهذيب التهذيب 6/369 وميزان الاعتدال 2/642. وسقط من مسند أحمد كلمة (عبد) فصار حدثنا القدوس وهو خطأ.
5 وعند البيهقي "أن عبدين خرجا من الطائف فأسلما فأعتقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أبو بكرة"، (السنن الكبرى 9/230) .
6 نصر بن باب الخراساني أبو السهل المروزي، نزل بغداد تركه جماعة (ت 193) تعجيل المنفعة لابن حجر ص 275، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/278 وميزان الاعتدال للذهبي 4/250.
7 مسند أحمد 1/236 و243 و248.
8 سعيد بن منصور بن شعبة أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة ثقة مصنف وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به (ت 227) وقيل بعدها /ع (التقريب 1/306، وتهذيب التهذيب 4/89) .
والدارمي وأبو يعلى والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن مقسم به1. بألفاظ مختلفة.
ومدار الحديث على الحجاج وهو مدلس، وقد عنعن وبقية رجاله ثقات.
وأروده الهيثمي وقال: "رواه أحمد والطبراني باختصار وفيه الحجاج ابن أرطأة وهو ثقة، ولكنه مدلس"2.
147-
ما رواه أحمد وابن سعد والطحاوي من حديث عامر الشعبي وهذا سياقه عند أحمد:
قال: حدثنا يحيى3 بن آدم ثنا مفضل4 بن مهلهل عن المغيرة5 عن شباك6 عن الشعبي7 عن رجل8 من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا". الحديث.
1 زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/503 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/160، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85، 86 ب برقم 665 وكنز العمال 10/362 ومنتخب كنز العمال 4/173 مع المسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة ص 89.
والدارمي: السنن 2/155 كتاب السير، باب في عبيد المشركين يفرون إلى المسلمين، وأبو يعلى: المسند 3/253 أرقم 303. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278. والطبراني: المعجم الكبير11/387و390،والبيهقي: السنن الكبرى9/229-230.
2 مجمع الزوائد 4/245.
3 يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة (ت 203) / ع (التقريب 2/341 وتهذيب التهذيب 11/175) .
4 مفضل بن مهلهل، السعدي، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت، نبيل عابد، من السابعة (ت 167) / م س ق (التقريب 2/271، وتهذيب التهذيب 10/275) .
5 مغيرة بن مقسم - بكسر الميم - الضبي مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم النخعي من السابعة (ت 136) على الصحيح / ع (التقريب 2/270 وتهذيب التهذيب 10/275) .
6 شباك - بكسر أوله ثم موحدة خفيفة ثم كاف - الضبي الكوفي، الأعمى ثقة، له ذكر في صحيح مسلم، وكان يدلس، من السادسة، / م د س ق (التقريب 1/345 وتهذيب التهذيب 4/302) .
7 هو عامر بن شراحيل الشعبي - بفتح المعجمة - أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. (ت بعد 100) / ع التقريب 1/387 وتهذيب التهذيب 5/65) .
8 قوله عن (رجل) هذا الإبهام لا يضر لأنه صحابي كما هو الظاهر من سياق الحديث، والصحابة كلهم عدول وعند ابن سعد: "أن ثقيفا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: "وسألناه أن يرد أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله".
وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم 1.
ورواه عن علي2 بن عاصم أخبرنا مغيرة عن شباك عن عامر أخبرني فلان الثقفي قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث فلم يرخص لنا" الحديث وفيه "سألناه أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكا وأسلم قبلنا، فقال: لا، هو طليق الله ثم طليق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه عن الوركاني3 ثنا أبو الأحوص4 عن مغيرة بن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: "نحوه ولم يسق لفظه"5. والحديث رواه ابن سعد والطحاوي كلاهما من طريق مغيرة عن شباك عن الشعبي به 6.
غير أن ابن سعد ساقه بسندين أسقط الشعبي في أحدهما.
وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات 7.
148-
حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر الطائف بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يقال لهم عتقاء".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح"8.
1 مسند أحمد 4/168 ونص الحديث "عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا: فقلنا: إن أرضنا أرض باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدياء فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى، وقال:"هو طليق الله وطليق رسوله". وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم.
2 علي بن عاصم بن صهيب، صدوق تقدم في حديث (97) .
3 هو محمد بن جعفر بن زياد الوركاني - بفتحتين - أبو عمران الخراساني نزيل بغداد، ثقة من العاشرة (ت 228) /م د س (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/93-94 وتاريخ بغداد2/116-117.
4 أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الحنفي ثقة متقن تقدم في حديث (26) .
5 مسند أحمد 4/168 و310.
6 ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/15و16. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278.
7 مجمع الزوائد 4/245.
8 مجمع الزوائد 4/245.
149-
حديث غيلان بن سلمة الثقفي أن نافعا1 كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ولاءه".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات"2.
150-
ما واه أبو داود من مرسل عبد ربه3 بن الحكم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهل الطائف خرج إليه أرقاء من أرقائهم فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم مواليهم بعد ذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء - يعني إليهم"4.
151-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عنه قال: "لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الطائف أمر مناديا فنادى "أيما عبد خرج فهو حر". فخرج إليه عبدان فأعتقهما"5.
قال الهيثمي: رواه الطبراني: "وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك"6.
152-
حديث أبي أمامة7 رضي الله عنه قال: "تدلى عبد من حصن الطائف فجاءه مولاه، فقال يا رسول الله رد علي غلامي، فقال: إن العبد إذا أسلم قبل مولاه لم يرد إليه، وإذا أسلم المولى ثم أسلم العبد دفع إليه"8.
1 هو نافع أبو السائب مولى غيلان بن سلمة أورده ابن الأثير في أسد الغابة: 5/302 وابن حجر في الإصابة 3/548 وساقا هذا الحديث في ترجمته.
2 مجمع الزوائد 4/246 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 10/308.
3 عبد ربه بن الحكم بن سفيان بن عبد الله، ويقال: ابن عثمان ابن بشير الثقفي الطائفي مجهول، من الثالثة، وأرسل حديثا/مد (التقريب1/470 وتهذيب التهذيب6/126 وفيه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان الفاسي: لا يعرف حاله.
4 أبو داود: كتاب المراسيل ص 40 وانظر: الزيلعي: نصب الراية 3/281-282.
5 الطبراني: المعجم الكبير 11/398.
6 مجمع الزوائد 4/245 وانظر التقريب 1/39.
7 هو صدى - بالتصغير - ابن عجلان، أبو أمامة الباهلي، صحابي مشهور سكن الشام، ومات بها، سنة:(86) / ع (التقريب1/366 وتهذيب التهذيب4/420) .
8 مجمع الزوائد 4/245-246 والمعجم الكبير للطبراني 8/298.
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمر1 بن موسى بن وجيه وهو متروك".
وهذه الأحاديث تدل على أن العبد إذا نزل في حال الحصار وأسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، وهل يصير حراً حكماً شرعياً، أو ذلك راجع إلى اشتراط الإمام له، فيه خلاف بين العلماء:
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "ومنها2 أن العبد إذا أبق من المشركين ولحق بالمسلمين، صار حراً، ثم أورد حديث سعيد بن منصور المتقدم"3.
153-
ثم قال: وروى سعيد بن منصور أيضا قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد وسيده قضيتين، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد، رد على سيده.
ثم أورد حديث الشعبي المتقدم4، ثم قال: قال ابن المنذر: "وهذا قول كل من يحفظ من أهل العلم"5.
وأورد ابن كثير: حديث الحجاج بن أرطأة ثم قال: "تفرد به أحمد6 ومداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام، عتق حكماً شرعياً مطلقاً عاماً، وقال آخرون: إنما كان هذا شرطا لا حكماً عاماً، ولو صح الحديث7 لكان التشريع العام أظهر، كما في قوله عليه السلام: "من قتل قتيلا فله سلبه8" 9.
1 هو عمر بن موسى بن وجيه الأنصاري الدمشقي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هو ممن يضع الحديث متنا وإسنادا (ميزان الاعتدال 3/224) ووقع في مجمع الزوائد: عمر بن إبراهيم بن وجيه وهو خطأ.
2 أي الأحكام المأخوذة من هذه الغزوة.
3 انظر الحديث رقم (146) .
4 انظر: حديث (147) .
5 زاد المعاد 3/115، 503-504.
6 انظر الحديث رقم (146) .
7 يعني: حديث الحجاج بن أرطأة.
8 هذا الحديث متفق عليه من حديث أبي قتادة انظر الحديث رقم (62) .
9 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347-348.
قلت: هذا الحديث مداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. وضعفه آت من قبل تدليسه وقد عنعن1.
قال الذهبي: "وأكثر ما نقم على الحجاج التدليس، وفيه تيه لا يليق بأهل العلم".
وقال أيضاً: "كان حجاج يقول: أهلكني حب الشرف"2. إهـ.
ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد، وقد جاء عند عبد الرزاق بإسناد صحيح ما يؤيد هذا الحديث في مسألة عتق عبيد المشركين، والحديث أيضاً عند البخاري وأبي داود ولا تعرض فيه لإسلام أو عدمه وإنما فيه مجرد نزول العبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3.
وقد وردت أحاديث أخرى بأسانيد فيها الصحيح وغيره وهي دالة على ما دل عليه حديث الحجاج بن أرطأة، وقد تقدم سياق ذلك.
وهذه الأحاديث نص في كون العبد إذا أسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، ويرى الإمام أحمد ذلك حكما شرعيا بينما يراه الشافعي شرطا حيث قال: وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبيد فأسلموا فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال:"هم أحرار لا سبيل عليهم، ولم يردهم"4.
قلت: يؤيد القائلين بأن هذا حكما لا شرطا ما رواه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا سياقه عند أبي داود:
1 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من طبقات المدلسين، وهي المرتبة التي اتفق العلماء على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم، إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل ص 8 و37.
2 ميزان الاعتدال 1/460.
3 انظر حديث (144) .
4 الشافعي: الأم 4/201.
154-
قال: حدثنا عبد العزيز1 بن يحيى الحراني، قال حدثني محمد2 - يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان3 بن صالح بن منصور4 بن المعتمر عن ربعي5 بن حراش عن علي بن أبي طالب قال:"خرج عبدان6 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم، فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم، وقال: "هم عتقاء الله عز وجل" 7.
والحديث فيه محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن.
ورواه الترمذي من غير طريق ابن إسحاق لكن فيه سفيان8 بن وكيع ولفظه عن ربعي بن حراش قال أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة9 قال: لما كان يوم
1 عبد العزيز بن يحيى بن يوسف البكائي - بفتح الباء والكاف المشددة - أبو الأصبغ الحراني، صدوق، ربما وهم من العاشرة (ت235) / د س (التقريب 1/513 وتهذيب التهذيب 6/362) .
2 محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، ثقة (التقريب 2/166) .
3 أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم وثقه جماعة، ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) خت عم (المصدر السابق 1/30 و1/94) .
4 منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب - بمثناة ثقيلة ثم موحدة - الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش (ت 132) / ع (التقريب 2/276 الطبعة المصرية، وص 348 الطبعة الهندية، تهذيب التهذيب 10/312-315، وتذكرة الحفاظ: 1/142 وسير أعلام النبلاء 5/402 كلاهما للذهبي، والخلاصة للخزرجي 3/58، والمغني لابن طاهر الهندي ص 53، ووقع في التقريب بطبعتيه "أبو عثاب" بمثلثة ثقيلة، ولعله خطأ.
5 ربعي - بكسر أوله وسكون ثانية - ابن حراش - بكسر المهملة وآخره معجمة - أبو مريم العبسي، الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية (ت100) وقيل غير ذلك/ع (التقريب1/243وتهذيب التهذيب3/236-237والخلاصة للخزرجي 1/317) .
والمغني لابن طاهر ص 20 و32.
6 عبدان: بكسر العين وضمها وسكون الباء، جمع عبد بمعنى المملوك (عون المعبود 7/368) .
7 أبو داود: السنن 2/59 كتاب الجهاد، باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون.
8 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/312 كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فادخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه.
9 الرحبة: أي: رحبة الكوفة والرحب فضاء وفسحة بالكوفة كان علي بن أبي طالب يقعد فيها لفصل الخصومات (المباركفوري: تحفة الأحوذي 10/217) .
الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل1 بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا2 فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رقابكم بالسيف على الدين، وقد امتحن الله قلوبهم3 على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله؟
فقال له أبو بكر: "من هو يا رسول الله، وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها، قال: ثم التفت4 إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي5.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن يحيى الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به. مثل لفظ أبي داود6.
1 سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي، أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم وهو الذي أرسلته قريش يوم صلح الحديبية للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلم سهيل يوم الفتح، وروى عنه انه قال: والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا، وموقفه من أهل مكة يوم الردة مشهور. توفي سهيل رضي الله عنه بالشام في طاعون عمواس سنة (18)، وقيل استشهد باليرموك وقيل بمرج الصغر. (أسد الغابة: لابن الأثير 2/480 والإصابة لابن حجر 2/93-94) ومعجم البلدان 5/101.
2 الضياع: جمع ضيعة وهو ما يكون منه معاش الرجل كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك (النهاية لابن الأثير 3/108) .
3 قال المباركفوري: "قد امتحن الله قلوبهم: أي اختبرها، كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله: ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ووقع في بعض النسخ (قلبه) بإفراد الضمير وهو الظاهر، والضمير راجع إلى من (يخفصها) أي يخرزها من الخصيف وهو الضم والجمع (تحفة الأحوذي 10/218) .
4 قوله: ثم التفت إلينا علي فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي" إلخ مقصود علي رضي الله عنه بالالتفات إليهم وذكر حديث "من كذب" على أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكذب عليه. (المصدر السابق 10/218) .
5 الترمذي: السنن 5/297-298 كتاب المناقب، باب المناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
6 السنن الكبرى 9/229.
قال صاحب عون المعبود: "وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق، لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم، أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان1.
155-
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"بعنيه" فاشتراه بعبدين أسودين3، ثم لم يبايع أحدا بعد، حتى يسأله:"أعبد هو؟ "4. واللفظ لمسلم.
قال الشافعي رحمه الله: "ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرا، ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب"5.
وخلاصة ما تضمنه الرويات السابقة أمور:
الأول: أن من التدابير العسكرية الناجحة التي استخدمها المسلمون بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم:
الأمر بقطع أعناب ثقيف ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم وهزا لمعنوياتهم وكان في ذلك نكاية بالغة بهم، حتى طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فلما بلغته مناشدتهم له بذلك، تركها، ولكن بعد أن أثر بدون شك في نفوس القوم وأضعف عزائمهم.
1 عون المعبود 7/368-369.
2 هو محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي.
3 والحديث فيه جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد، وهذا مما لا خلاف فيه، والخلاف في بيعه متفاضلا إذا كان نسيئة (تهذيب السنن لابن قيم الجوزية9/208-212 مع عون المعبود، وعون المعبود9/208 وتحفة الاحوذي 4/438.
4 مسلم: الصحيح3/1225 كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان من جنسه متفاضلا. والنسائي: السنن 7/135 كتاب البيعة، باب بيعة المماليك و7/257 كتاب البيوع باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا. وابن ماجه: السنن 2/958 كتاب الجهاد، باب البيعة. البيهقي: السنن الكبرى 9/230.
5 المصدر السابق 9/230.
الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين يومئذ على الرمي فقال: "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة"، فكان في ذلك حافز قوي للمسلمين على التسابق في الرمي للفوز بدرجات عظيمة في الجنة حتى قال أحدهم: بلغت يومئذ ستة عشر سهما، وكانت تلك السهام الكثيرة، تنهال على ثقيف كالوابل الغزير فزلزل ذلك كفار ثقيف زلزالا شديدا وحصرهم في حصنهم وشل قدرتهم الدفاعية، حتى تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، لا لعجز عن مناجزتهم، ولكن رأى أن ثقيفا مآلها الإسلام أو الاستسلام فقد أحيطت بالمسلمين من كل مكان فلماذا يتعرض جيش المسلمين لخسائر كبيرة في حصار مدينة حصينة مآلها إلى السقوط دون أية ضحايا، طال الوقت أم قصر؟
وهل بوسع الطائف أن تقاوم طويلا وحدها بعد أن دخلت مكة في الإسلام ودانت المناطق من حولها للمسلمين؟
وكيف تصرف إنتاجها الزراعي وكيف تقوم بتجاراتها وكل مواصلاتها مقطوعة؟ وقبل ذلك كله فقد جاء في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأذن لي في فتح الطائف الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قال له أحد الصحابة: "ادع الله على ثقيف، فقال: الله اهد ثقيفا وائت بهم، فقد علم صلى الله عليه وسلم أن ثقيفا ستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وستأتي بنفسها تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والانضمام تحت رايته وهذا الذي حصل بالفعل كما سياتي ذلك في مبحث إيفاد ثقيف.
الثالث: ذلك النداء الموجه إلى العبيد الذين يعيشون تحت سيطرة سادات ثقيف "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"1 فما أن بلغهم هذا النداء الإسلامي حتى تسابقوا إلى المسلمين واحدا بعد آخر طلبا للحرية ورغبة في الخلاص من ظلم جبابرة الجاهلية فكانت مكافأتهم على هذه التضحية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتقهم وخلصهم من رق الجاهلية وأغلالها، وأسلموا وحسن إسلامهم وحسن إسلامهم وكان في ذلك إضعاف لشوكة ثقيف وخلخلة لصفوفهم من داخلها، وكان عدد العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف ولحقوا بالمسلمين ثلاثة وعشرين عبدا2.
1 انظر حديث (151) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159.
2 انظر حديث رقم (144) .