الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة
…
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة
تنحصر خسائر المشركين في هذه المعركة في شيئين:
أ- خسائر في الأرواح.
ب- خسائر في الأولاد والأموال والعتاد.
أ- أما خسائر المشركين في الأرواح فقد فقد المشركون في هذه المعركة من رجالهم وأبطالهم وأهل النجدة فيهم ما يزيد على مئات القتلى.
ذلك أن معركة حنين من المعارك الفاصلة التي لم ير المسلمون مثلها ضراوة وشدة في عهدهم الأول.
لقد استمات فيها المشركون وقاتلوا ببسالة نادرة فقتل من بني مالك وحدهم سبعون1 رجلا يتساقطون في ساحة المعركة واحدا تلو الآخر، وهم مصممون على الانتصار يوضح ذلك الآثار الآتية:
96-
قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن استحر2 القتل من ثقيف في بني
1 وعند الواقدي في مغازيه 3/907 أن عدد القتلى منهم قريب من مائة رجل.
2 استحر: بالحاء المهملة: اشتد وكثر، وهواستفعل من الحر والمراد به الشدة (ابن الأثير: النهاية 1/364) .
ووقع عند الزرقاني "استجر" بالجيم، وفسره باشتداد الحرب أيضا. (شرح المواهب اللدنية 3/24) .
مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب1، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل"2.
هكذا ساق ابن إسحاق بدون إسناد.
ومن طريقه أخرجه الطبري3.
97-
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب4 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل5 قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبد يسلبه، فوجده أغرل، قال:"فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب: يعلم الله أن ثقيفا غرل، قال المغيرة6 بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني، قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى وأقول له: ألا تراهم مختنين كما ترى". قال ابن إسحاق: "وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل من
1 زاد الطبري: وهو جد ابن أم الحكم بنت أبي سفيان.
قلت: وابن أم الحكم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ثم المالكي نسب لأمه وهي أم حكم بنت أبي سفيان بن حرب. (انظر الإصابة لابن حجر: 3/70- 71) .
2 عند ابن إسحاق والطبري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل عثمان بن عبد الله، قال:"أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا".
وعند الواقدي: "أن الذي قتل عثمان بن عبد الله، وهو عبد الله بن أبي أمية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يرحم الله عبد الله بن أبي أمية، وأبعد الله عثمان بن عبد الله بن ربيعة، فإنه كان يبغض قريشا".
ثم قال الواقدي: "وكان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله برحمة الله فبلغه فقال: إني لأرجو أن يرزقني الله الشهادة في وجهي هذا! فقتل في حصار الطائف". (مغازي الواقدي 3/911- 912) .
3 تاريخ الرسل والملوك 3/77.
4 يعقوب: ثقة من السادسة (ت 128) /د س ق. التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392) .
5 الأغرل: هو غير المختتن، والغرلة: هي الجلدة التي يقطعها الخاتن وتسمى القلفة. (ابن الأثير: النهاية 3/362. وابن حجر: هدي الساري ص162) .
6 المغيرة بن شعبة بن مسعود بن متعب، الثقفي، صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية، وولي إمرة البصرة، ثم الكوفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات سنة خمسين على الصحيح. /ع. (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/262) .
الأحلاف غير رجلين: رجل من غيرة1 يقال له وهب، وآخر من بني كبة2 يقال له:"الجلاح3 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا من كان من ابن هنيدة، يعني الحارث بن أويس"4 ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري5.
والحديث معضل6.
والحاصل: أن ابن إسحاق ذكر أنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وذكر الواقدي: "أنه قتل منهم ما يقارب المائة".
وقال القسطلاني: "قتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلاً"7.
ولم يقيده ببني مالك أو غيرهم.
وجمع الزرقاني بين الروايات فقال: قوله: "قتل من المشركين أكثر من سبعين" أي وقت الحرب فلا ينافي حديث أنس عند البزار أن الزبير ومن معه قتلوا ثلاثمائة لأنه بعد انهزام الكفار ولا يخالف قوله: "أكثر من سبعين" قول ابن إسحاق وغيره واستحر القتل من بني مالك من ثقيف فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وما رواه البيهقي عن عبد الله8 بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل
1 غيرة: بوزن عنبة. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/397- 398) .
2 كبة: بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة، كذا هو عند ابن هشام وابن كثير نقلا عن إسحاق، قال أبو ذر: وهو الصواب. وعند الطبري عن ابن إسحاق "كنة" بالنون المشددة، وكذا عند الواقدي فقد قال: كنة امرأة من غامد يمانية. وقال ابن منظور في لسان العرب17/243: وبنو كنة: بطن من العرب نسبوا إلى أمهم.
3 الجلاح: بضم الجيم وتخفيف اللام آخره حاء مهملة، كذا عند ابن إسحاق ومن تبعه.
وعند الواقدي: "اللجلاج" بجيمين بينهما لام خفيفة.
قال: وكان اللجلاج رجل من بني كنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخي بني كنة: هذا سيد شبان كنة إلاّ هنيدة الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس ابن أوس بن ربيعة بن الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وكانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فأعتق الحارث كل مملوك من بني كنة. (مغازي الواقدي 3/907) .
(سيرة ابن هشام 2/450. والسهيلي: الروض الأنف 7/174) .
5 تاريخ الرسل والملوك 3/78 إلا أن عنده "الحارث بن أوس". وانظر البداية والنهاية 4/335.
6 لأن يعقوب بن عتبة من صغار التابعين.
7 المواهب اللدنية 1/165.
8 صوابه: عبد الله بن عياض كما تقدم في الحديث برقم (45) .
الطائف يوم حنين مثل ما قتل يوم بدر، لأن الزائد على السبعين ممن اجتمع معهم من الأخلاط1. ا?.
قلت: حديث البيهقي المشار إليه رواه أيضا الحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي2.
وحديث البزار هو: حدثنا علي3بن شعيب وعبد الله4 بن أيوب المخرمي ثنا علي5 بن عاصم، ثنا سليمان6 التيمي عن أنس قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم7، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغرزها، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذا شخص قد أقبل فقال8: إليك من أنت؟ قال أنا أبو بكر فداك أبي وأمي، وبه بضعة9 عشر ضربة، ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة، وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عثمان بن عفان فداك أبي وأمي، ثم إذا شخص قد أقبل، وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فداك أبي
1 الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/24.
2 تقدم الحديث برقم (45) مع الحكم عليه.
3 علي بن شعيب بن عدي السمسار البزاز، البغدادي فارسي الأصل ثقة من كبار الحادية عشرة (ت 273) /س. وفي تهذيب التهذيب 7/331 "البزار" آخره راء، بدل (البزاز) و (طوسي الأصل) بدل (فارسي الأصل) وطوس من مدن فارس.
وكذا في تاريخ الخطيب البغدادي 11/435- 436.
4 عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح، أبو محمد المخرمي - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة - قال ابن أبي حاتم سمعت منه مع أبي وهو صدوق (ت 265) وقد حصل خطأ في تهذيب التهذيب 7/344، حيث ذكر عبد الله بن أيوب في تلاميذ علي بن عاصم وقال:"المخزومي" والصواب "المخرمي". (تاريخ بغداد 10/81 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم5/11وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/565.
5 علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، تقدم في حديث (53) .
6 سليمان بن طرخان التيمي ثقة عابد تقدم في حديث (53) .
7 أي المسلمين.
8 القائل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليك بمعنى تنح وابتعد عني.
9 البضع: من ثلاثة إلى تسعة والمعنى هنا من ثلاث عشرة إلى تسع عشرة. المصباح المنير 1/64. وفيه: "تثبت الهاء في بضع مع المذكر، وتحذف مع المؤنث".
وأمي، ثم أقبل الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا رجل صَيّت1 ينطلق فينادي في القوم"، فانطلق رجل2 فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي صلى الله عليه وسلم وحمل المسلمون معه، فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة على جبيل.
أو قال: على أكمة في زهاء ستمائة، فقال له بعض أصحابه: أرى والله كتيبة قد أقبلت، فقال: "حلوهم3 لي، فقالوا: سيماهم كذا حليتهم كذا، قال لا بأس عليكم، قُضاعة4. منطلقة في آثار القوم، قالوا: نرى والله كتيبة خشناء قد أقبلت، قال: حلوهم لي: قالوا: سيماهم كذا من هيئتهم كذا، قال: لا بأس عليكم هذه سليم5، قالوا: نرى فارسا قد أقبل، فقال: ويلكم وحده، فقالوا: وحده، قال: حلوه لي، قالوا: معتجر بعمامة سوداء قال دريد: ذاك -والله-الزبير6 بن العوام وهو - والله - قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت إليهم، فقال: علام، هؤلاء ها هنا؟ فمضى ومن أتبعه، فقتل بها ثلاثمائة وجز رأس دريد7
1 صيت: بفتح المهملة، وتشديد المثناة التحتية: أي مرتفع الصوت. (المعجم الوسيط1/528) .
2 وقع في صحيح مسلم وغيره أن الذي أمر بذلك هو العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الصوت.
3 حلوهم لي: اذكروا لي حليتهم وصفوهم لي، وقد وقع في فتح الباري 8/42 وشرح المواهب اللدنية 3/23: خلوهم لي فخلوهم: بالخاء المعجمة وهو خطأ.
4 قضاعة: شعب عظيم يشتمل على قبائل كثيرة، منهم: كلب وبلى وجهينة وغيرها، وقد اختلف في قضاعة فقيل إنه من معد وقيل: من اليمن.
(ابن الأثير: تهذيب الأنساب3/43، قلت: فعلى أنها من معد فهم: قضاعة بن معد بن عدنان، وعلى أنها من اليمن: فهم قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير قال القلقشندي: وهو المشهور فيه وعليه جرى الكلبي وابن إسحاق وغيرهما وقال السهيلي: أكثر النسابين على أن قضاعة هو ابن معد، وهو مذهب الزبيريين وابن هشام. معجم قبائل العرب: 3/957) .
5 يعني بني سليم وسليم هوابن منصور.
6 الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي، الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة (36) بعد منصرفه من وقعة الجمل. /ع. (ابن حجر التقريب 1/259 وتهذيب الهذيب 3/318) .
7 قال ابن حجر: "واختلف في قاتل دريد فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع-بالفاء مصغرا-ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي، وكان يقال له ابن الدغنة". وفي حديث البزار هذا ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام.
ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا". وفي الصحيحين من حديث البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من - حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال ابن حجر: كذا رويناه على البناء للمجهول. (فتح الباري 8/42) .
وفي الإصابة: قال: وفي حديث أبي موسى الأشعري، عند مسلم، أنه الذي قتل دريد بن الصمة بعد أن قتل دريد عمه أبا عامر الأشعري لكن ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أسبه، فإن دريد بن الصمة إذ ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه. (الإصابة: 1/507) .
قلت: لم أجد هذا اللفظ في مسلم في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها، والذي فيها هو البناء للمجهول. وسيأتي حديث الصحيحين برقم (118) ووقع ذلك عند الطبري بإسناد صحيح عن أبي بردة عن أبيه قال:"ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريدا، وهزم الله أصحابه" أهـ. وما قدمه ابن حجر من الجمع في قاتل دريد هو الأظهر.
(انظر: سيرة ابن هشام 2/453-454. والروض الأنف للسهيلي 7/177 و178-179. وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/79. وأسد الغابة لابن الأثير 2/211. وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/23. وانظر حديث (116) .
ابن الصمة، فجعله بين يديه" 1.
قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سليمان التيمي عن أنس ولا عن سليمان إلا علي"2. وحسن إسناده ابن حجر.
وهذا أكثر ما وقفت عليه في عدد القتلى من المشركين يوم حنين.
وقد صرح الزرقاني بأن هؤلاء القتلى الواردون في حديث البزار إنما كان بعد انسحاب المشركين من المعركة3.
وتقدم قول ابن إسحاق بأنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا وعند الواقدي نحو مائة4.
هذا ما رواه ابن إسحاق أيضا بقوله:
98-
واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب، فزعموا أن عبد الله5 بن قيس وهو الذي يقال له ابن العواء، وهو أحد بني وهب بن رئاب قال: يا رسول الله،
(كشف الأستار 2/346 وتقدم بعضه برقم (53) مع الحكم عليه) .
2 علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، التميمي مولاهم وقد وثقه قوم وضعفه آخرون.
وضعفه آت من قبل كثرة غلطه وتماديه فيه، ولم يكن متهما بالكذب ومن وسمه بذلك فقوله مردود بقول الأئمة الآخرين الذين وصفوه بالصدق والصلاح، ولقد ختم الذهبي ترجمته بقوله: صدوق له صولة كبيرة في زمانه. وقد ساق له ابن عدي جملة أحاديث بواطيل، ورد ذلك الذهبي وقال: المتهم بها غيره. لا (انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ1/316-317، وسير أعلام النبلاء 9/249-262 وميزان الاعتدال 3/135-138، وابن حجر: تهذيب التهذيب 7/344-348) .
قلت: ولذا فقد حكم ابن حجر على هذا الحديث بأنه بإسناد حسن.
3 انظر قول الزرقاني ص (223) .
4 انظر الحديث رقم (96) .
5 انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر 2/391.
هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اجبر مصيبتهم 1.
وهكذا ذكر ابن سعد إلا أنه قال: "واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب"2.
وبنو رئاب غير بني مالك، ومعلوم أن قبيلة بني نصر من أهم أجنحة هوازن، فهي تعد بالمئات، ومعنى تصريح أحد أفرادها بأن القتل كاد يفنيها أن قتلها بلغوا المئات، وهاتان فقط قبيلتان من قبائل هوازن الكثيرة يظهر من حديث المؤرخين عن ضحاياها أنها بلغت المئات، فكم تكون الضحايا بين العشائر الأخرى من سائر قبائل هوازن وغيرها التي اشتركت في المعركة لاشك أنها تعد بالمئات كذلك، وقد نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه المعركة، فقال عنها:"الآن حمي الوطيس".
وهذا القول لم يصدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته، مما يدل على عظم خطرها وكثرة ضحاياها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطاردة المشركين وقتل من قدر عليه منهم.
فقد روى البزار من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
99-
حدثنا الوليد3 بن عمرو بن سَكَيْن ثنا محمد4 بن عبد الله بن المثنى عن أبيه5 عن ثمامة6 عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "جزوهم7 جزا وأومأ بيده إلى الحلق".
1 سيرة ابن هشام 2/455.
2 الطبقات الكبرى 2/152. ومغازي الواقدي 3/916.
3 الوليد بن عمرو بن السكين - بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه - البصري، أبو العباس، صدوق من الحادية عشرة. /ق. (التقريب 2/334 وتهذيب التهذيب 11/144- 145 و9/274 كلاهما لابن حجر. والخلاصة للخزرجي 3/133) . وقد وقع في كشف الأستار "الوليد بن عمر" بضم العين.
4 محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي، ثقة، من التاسعة (ت215) /ع. (التقريب2/180، وتهذيب التهذيب9/274) .
5 هو عبد الله بن االمثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط، من السادسة./خ ت ق. (المصدر السابق1/445 و5/387-388. وفي ميزان الاعتدال 2/499 رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة) .
6 ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضيها، صدوق من الرابعة. /ع. (التقريب1/120وتهذيب التهذيب2/28. وميزان الاعتدال1/372 للذهبي ورمز له بـ (صح) إشارة إلى توثيقه) .
7 الجز القطع والقص. (النهاية 1/268 والقاموس المحيط 2/169) .
قال البزار: "لا نعلم رواه إلا أنس، ولا له عنه إلا هذا الطريق1، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: "رواه البزار ورجاله ثقات"2.
وكذا قال ابن حجر والزرقاني3.
100-
وعند الواقدي: عن شيوخ من ثقيف - أسلموا بعد وكانوا حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فيما نرى ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة4.
101-
وعنده أيضا أن سعد بن عبادة كان يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج، وأسيد بن حضير: يا للأوس ثلاثا، فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل إلى يعسوبها، قال: فحنق المسلمون عليهم حتى أسرع المسلمون في قتل الذرية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تُقتل الذرية ثلاثا".
قال أسيد بن حضير: "يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ "
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب5 عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها"6.
وعند أحمد من حديث الأسود بن سريع أن "رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم على قتل الذرية؟ "
قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين؟ "
قال: "أو هل خياركم إلاّ أولاد المشركين؟،
1 كشف الأستار 2/349.
2 6/181.
3 ابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم 816. والزرقاني شرح المواهب 3/21 إلا أنه قال: "اجزروهم جزرا" بدل: "جزوهم جزاً".
4 مغازي الواقدي 3/908.
5 يعرب عنها لسانها: أي حتى ينطق ويتكلم. (ابن الأثير: النهاية 3/200- 201) .
6 مغازي الواقدي 3/904.
والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلاّ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" 1.
وفي حديث أنس بن مالك عند أبي داود وغيره أن أبا طلحة2 وحده قتل عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا موسى3 بن إسماعيل حدثنا حماد4 عن إسحاق5 بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ - يعني يوم حنين6- "من قتل كافراً فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. ولقي أبو طلحة أم سليم7 ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال أبو داود: "هذا حديث حسن"8.
ورواه الدارمي وابن أبي شيبة والطحاوي كلهم من طريق حماد بن سلمة دون "قصة أم سليم"9.
وأخرجه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة "بقصة أبي طلحة" وزاد: قال أبو قتادة10: "يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق عليه درع فأجهضت، فقال رجل: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل
1 أحمد: المسند 3/435 وهو حديث صحيح وقد سقت طرقه في رقم (247) .
2 هو زيد بن سهيل الأنصاري النجاري. تقدم في حديث (60) .
3 هو المنقري التبوذكي تقدم في حديث (91) .
4 حماد: هو ابن سلمة ثقة، تقدم في حديث (36) .
5 إسحاق ثقة حجة، تقدم في حديث (47) .
6 قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: يعني يوم حنين تفسير من بعض الرواة ثم قال المنذري: وأخرج مسلم قصة أم سليم في الخنجر بنحوه. (عون المعبود 7/388) وانظر حديث رقم (60) .
7 أم سليم تقدمت ترجمتها في حديث (60) .
8 أبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل.
9 الدارمي: السنن 2/147 كتاب السير، باب من قتل قتيلا فله سلبه. وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91أ. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/227.
10 أبو قتادة الأنصاري السلمي - بفتحتين - المدني، اختلف في اسمه، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا، مات سنة (54) على الأصح. /ع. (التقريب 2/463 وتهذيب التهذيب 12/204) .
شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم" فقال عمر1 رضي الله عنه:"والله لا ينعمها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر".
قال الهيثمي: "قصة أبي قتادة في الصحيح2 من حديث أبي قتادة، وهذا الحديث كله من حديث أنس".
وله طرق تأتي في غزوة حنين3.
وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والحاكم والبيهقي الجميع من طريق حماد بن سلمة به.
ولفظه: عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل:4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله"، فهزم الله المشركين، ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل كافرا فله سلبه".
قال: فقتل أبو طلحة5 يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وقال قتادة:"يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له وأجهضت عنه".
وقد قال حماد: "أيضا فأجهضت عنه - فانظر من أخذها قال رجل فقال: أنا أخذتها، فارضه منها، وأعطينها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو
1 وقد ورد أيضا أن صاحب هذا القول أبو بكر الصديق، وسيأتي التوفيق بين القولين في الأحكام في ص 639 تعليقة (2) .
2 انظر الحديث رقم (62) .
3 موارد الظمآن ص 402 ووقع في الأصل في غزوة خيبر وهو خطأ، وذلك:
أ- أن ابن حبان ساق الحديث في غزوة حنين.
ب- قال الهيثمي عقب الحديث: وله طرق تأتي في غزوة (خيبر) ولم تأت هذه الطرق إلا في غزوة حنين.
ج- وكذا أخرج الحديث أحمد والدارمي وأبو داود والحاكم وغيرهم بلفظ غزوة حنين.
4 يشير إلى قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] .
5 عند الحاكم "فقتل أبو قتادة" وهو خطأ فإن قاتل العشرين هو أبو طلحة كما هو مصرح به عند غير الحاكم، وإن أبا قتادة هو قاتل صاحب الدرع.
سكت، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، قال: فقال رسول الله: "صدق عمر" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر" ولقى أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة: ما هذا معك: قالت: أردت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه. فقال أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم؟
قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال:"إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم" 1 لفظ أحمد.
قال الحاكم بعد إخراجه صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب ورجلا من الأنصار رضي الله عنهما قتلا صاحب راية هوازن2.
102-
وفي حديث سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى3 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغذى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد بالجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال
1 أبو داود الطيالسي 2/ 108-109 (منحة المعبود) .
وأحمد: (المسند 3/279. وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص 417. والحاكم: المستدرك 2/130. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، ودلائل النبوة 3/46) .
2 تقدم الحديث برقم (58) .
(نتضحى) أي نتغذى.
(طلقا) الطلق: قيد يتخذ من الجلود.
(من حقبه) الحقب: محركا: حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخره.
(ورقة في الظهر)، الظهر: المركوب، والرقة في حال الضعف.
(ورقاء) ذات لون أسمر، والورقة: السمرة.
(فندر) ندر رأسه أي: طار عن بدنه. (ابن الأثير: جامع الأصول 8/398-399) .
سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الجمل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال:"من قتل الرجل؟ ".
قالوا: ابن الأكوع، قال:"له سلبه أجمع"1.
103-
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري2 عن أبي فزارة3 عن عبد الرحمن4 بن أبي عمرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة فقال: ألم أنه عن هذا؟
فقال رجل: "أردفتها، فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها"5.
هذا الذي توصلت إليه من قتلى هوازن في هذه المعركة ولم تذكر المصادر أسماء القتلى سوى:
1-
دريد بن الصمة.
2-
عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب كان ممن حمل راية هوازن في حنين.
3-
غلام نصراني لعثمان بن عبد الله.
4-
الجلاح، أو اللجلاج.
5-
رجل يقال له وهب.
6-
ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكان حاملا لراية بني مالك من ثقيف6.
1 مسلم: الصحيح 3/1374-1377 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
وأبو داود: السنن 2/45-46 كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن. وانظر ص 1001-1004.
2 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رءوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس (ت161) / ع. (التقريب 1/311 وتهذيب التهذيب 4/111-115) .
3 هو راشد بن كيسان العبسي- بالموحدة - أبو فزارة الكوفي، ثقة من الخامسة / بخ م ت ق. (التقريب 1/240 وتهذيب التهذيب 3/227) .
4 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري النجاري، يقال ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة /ع. (التقريب 1/493 وتهذيب التهذيب 6/242 وعلى هذا فالحديث مرسل، ورجاله ثقات وله شواهد تقويه. انظر حديث 245، 246، 247، 248، 249،. وانظر الإصابة 3/72.
5 المصنف: 5/201-202.
6 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437 و449-450 و453. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/77 و78 و79. والسهيلي: الروض الأنف7/174-175 و177. وابن كثير: البداية والنهاية4/335.
هكذا كانت ضحايا هوازن في هذه المعركة تعد بالمئات من القتلى.
ب- أما عن خسارتهم في الأهل والأولاد والأموال والعتاد، فقد فقدوا أفلاذ أكبادهم وأغلى أموالهم، ذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم، وكان يهدف من رواء ذلك أن يكثر على المسلمين من ناحية وأن يحرض قومه على القتال والصمود في المعركة للدفاع عن أطفالهم ونسائهم من ناحية، وأن لا يفكر واحد منهم في الفرار. فصارت جميع تلك الأموال والنساء والنعم بأنواعها رزقا ساقه اله للمسلمين على يد هؤلاء الكفار الذين قذف الله في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وذراريهم معهم.
فعند أبي داود وغيره من حديث سهل بن الحنظلية إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" الحديث1.
وفي حديث انس بن مالك قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم"2.
وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصرى من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبني مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأطفال" الحديث3.
وفي حديث أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والإبل والنساء والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث4.
وعند ابن إسحاق وغيره أن هوازن لما اجتمعت على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت
1 تقدم الحديث برقم (50) .
2 تقدم الحديث برقم (40) .
3 تقدم الحديث برقم (23) .
4 تقدم الحديث برقم (47) .
دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال: "وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم".
قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال:
يا ليتني فيها جذع
…
أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع
…
كأنها شاة صدع1
1 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437-439 وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/465-467. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/8
وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها كثرة ما خرجت به هوازن من الجموع والأموال والنساء والأطفال، وأما عن إحصاء هذه الغنائم فقد ذكر ابن إسحاق:
104-
أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل ما لا يدري ما عدته1.
ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري إلا أنه قال: "وكان معه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصى"2.
وعنده ابن سعد قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم3 يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس4، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة"5.
105-
وقال غروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش6 مكة منهم"7.
1 سيرة ابن شام: 2/488 والروض الأنف للسهيلي 7/241، 282 والبداية والنهاية لابن كثير 2/279 و4/352 وجوامع السيرة لابن حزم ص 245.
2 تاريخ الرسل والملوك 3/86.
3 الحظائر: جمع حظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (ابن الأثير: النهاية 1/404) .
4 قال الزرقاني: "وإطلاق السبي على الإبل والغنم والفضة تغليب، ولم يذكر عدة البقر والحمير مع أنهما كانا معهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره أن دريد بن الصمة قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر".
ثم قال: "ولعله لم يذكرهما لقلتها بالنسبة لما ذكر، أو أنه لم يتحرر عدتهما". (شرح المواهب اللدنية 3/36) .
5 الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/52والوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ص 706 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/472-473، وفتح الباري لابن حجر: 8/48) .
6 عرش: جمع عريش، وهي البيوت تتخذ من عيدان تنصب ويظلل عليها. (ابن الأثير: النهاية 3/207-208، ومحمد بن أبي بكر الرازي: مختار الصحاح ص 424) .
7 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347.
هكذا ذكر أهل المغازي هذه الأعداد بدون إسناد، وقد ورد في الأحاديث الآتية:
106-
ما رواه الطبري من مرسل عروة بن الزبير قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم" الحديث.
وفيه: "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كان عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم" الحديث1.
107-
وعنده أيضا قال: حدثنا ابن عبد الأعلى2، قال ثنا محمد3 بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن سعيد بن المسيب:"أنهم أصابوا يومئذ ستة آلف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم، قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا" الحديث4.
ورواه عبد الرزاق وابن سعد كلاهما من طريق الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب به5.
وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة "دون ذكر عدد السبي".
1 تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدمت تراجم رجال السند في حديث (9) وهم من رجال الحسن.
2 هو محمد بن عبد الأعلى الصناعني، القيسى، أبو عبد الله البصري، ثقة من العاشرة (ت 245) / م قد ت س ق. (التقريب 2/182 وتهذيب التهذيب 9/289) .
3 محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من اتاسعة (ت 190) تقريبا، د س. (التقريب 2/149 وتهذيب التهذيب 9/87) . وتقدمت تراجم بقية الرواية في حديث (32) و (36) و (48)(71) وهم ثقات.
4 الطبري: جامع البيان 10/102.
5 عبد الرزاق: المصنف 5/ 381 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/155.
108 -
ولفظه عن ابن شهاب عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، الحديث وفيه "فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا أحدى الطائفتين، قالوا: فانا نختار سبينا"1.قال ابن حجر: "تقدم ذكر الحديث من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية2 أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر في عن إدراك القصة، ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة3 حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي بن أبي طالب لابنة أبي جهل، والله أعلم4 إهـ.
109 -
وأخرج الحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد5 بن يعقوب ثنا الحسين6 بن علي القباني ثنا المنذر7 بن الوليد الجارودي ثنا عبد الأعلى8 بن
1 البخاري: الصحيح 3/87 كتاب الوكالة، باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز. و129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا الخ. و137 "كتاب الهبة" باب من رأى الهبة الغابة جائزة. و141 باب إذا وهب جماعة لقوم. 4/70 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. و5/126 كتب المغازي، باب ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم. و9/59 كتاب الحاكم، باب العرفاء للناس.
2انظر: صحيح البخاري3/165كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام.
3 يريد قصة وفد هوازن يوم حنين.
4 فتح الباري 5/313 و8/33.
5 محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرزم، ويعرف أبوه بابن الكرماني (250-344) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/864) .
6 في الأصل "الحسن" ولعله الحسين بن محمد بن زياد العبدي النيسابوري أبوعلي الحافظ المعروف بالقباني، فإنه من شيوخ ابن الأخرم، وهوثقة حافظ مصنف (انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/680-682 وتهذيب التهذيب 2/368-369 والتقريب 1/179 كلاهما لابن حجر) .
7 المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي البصري ثقة، من صغار العاشرة / خ د. (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/304) .
8 هو السامي ثقة تقدمت ترجمته في حديث (64) .
عبد الأعلى ثنا يحيى1 بن سعيد الأنصاري حدثني أبو الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف في غزوة حنين فلما بلغ الجعرانة قسم فضة بين الناس"3.
ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وسكت عنه الذهبي.
والأحاديث الواردة في هذا الباب فيما غنمه المسلمون من هوازن كثيرة جدا تقدم بعضها في مبحث "استعداد هوازن العسكري"4.
وسيأتي بعضها أيضا في الباب الثاني عند التعرض لقسم الغنائم وهذه الغنائم تتمثل في الإبل والغنم والبقر والسبي وهي غنائم كثيرة لم تحصل للمسلمين في غزواتهم والأموال، فآلت هذه كلها إلى المسلمين غنيمة ساقها الله عليهم.
وكانت هذه الغنائم التي حازها المسلمون في غزوة حنين قد سيقت إلى الجعرانة وحفظت هناك حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف.
وقد اختلفت الروايات الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ الغنائم وهي على النحو الآتي:
110 أ- قال ابن إسحاق: ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود5 بن عمرو القاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، ثقة ثبت من الخامسة (ت144) أو بعدها. /ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/221 وقد سقط الحكم عليه من التقريب الطبعة المصرية وهو ثابت في التقريب الطبعة الهندية ص 376) .
2 هو محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء - الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق، إلا أنه يدلس من الرابعة (ت 126) / ع. (التقريب 2/207 وتهذيب التهذيب 9/440) .
3 المستدرك 2/121.
4 ص 166.
5 مسعود بن عمرو القاري - بالتشديد بغير همز، من القارة، كان على المغانم يوم حنين، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة. (انظر: الاستيعاب لابن عبد البر3/452 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/164 والإصابة لابن حجر3/412 ووقع في سيرة ابن هشام والروض الأنف والبداية والنهاية وشرح المواهب اللدنية (الغفاري) بدل "القاري" وهو خطأ) .
بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست1 بها".
ب- وفي مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب2.
111-
ج- وأخرج البخاري في التاريخ قال:
حدثني سعيد3بن يحيى قال حدثني أبي4عن ابن إسحاق5 فحدثني ابن أبي عبلة6 عن ابن بديل7 بن ورقاء عن أبيه8 أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه فحبسه" 9.
والحديث رواه البزار والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم10 بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن سعيد الأموي به11.
(سيرة ابن هشام 2/459، وتاريخ الرسل الملوك للطبري 3/8 والروض الأنف للسهيلي 7/184 والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/29) .
2 عبد الرزاق: المصنف 5/380-381 وتقدم الحديث برقم (107) .
3 سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة ربما أخطأ من العاشرة (ت 249) / خ م د س ت. (التقريب 1/308 وتهذيب التهذيب 4/97-98) .
4 هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب الكوفي نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة (ت 194) / ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/213) وهدي الساري ص:451.
5 هو محمد بن إسحاق بن يسار، صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث، تقدم ترجمته في حديث رقم (1) ووقع في الاستيعاب "عن أبي إسحاق" وهو خطأ.
6 هو إبراهيم بن أبي عبلة - بفتح المهملة وسكون الموحدة - واسمه شمر - بكسر المعجمة وسكون الميم - ابن يقظان الشامي، يكنى أبا إسماعيل ثقة من الخامسة (ت 152) / خ م د س ق. (التقريب 1/39 وتهذيب التهذيب 1/142 والخلاصة للخزرجي 1/50) .
7 بديل بن ورقاء له ابنان عبد الله وعبد الرحمن وهما صحابيان ولعل الوارد في الحديث أحدهما وقد ورد أن بديلا وابنه عبد الله شهدا حنينا والطائف. (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 1/165، 2/268 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 1/203-204، 3/184، 429، والإصابة لابن حجر 2/280) .
8 هو بديل بن ورقتاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى الخزاعي، وكان من مسلمة الفتح، وقال بعضهم أسلم هو وابنه عبد الله وحكيم بن حزام يوم فتح مكة بمر الظهران. (الاستيعاب لابن عبد البر1/165وأسدالغابة1/203) والإصابة1/141) .
9 البخاري: التاريخ الكبير 2/141.
10 إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري: نزيل بغداد، ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، (ت في حدود 250) م عم، (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/123-124) وتاريخ الخطيب البغدادي 6/93-95، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/515-516 ولم يذكروا إبراهيم بن سعيد في تلاميذ يحيى - ولا في شيوخ البزار فالله أعلم. كما أنه وقع عند الطبراني في الكبير، ومنتخب كنز العمال (إبراهيم بن سعد الجوهري) .
11 البزار كما في كشف الأستار 2/353 والطبراني في المعجم الكبير 2/16 والأوسط كما في مجمع البحرين 2/244 رقم (77) وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا ابن إسحاق، تفرد به يحيى.
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن بديل عن أبيه ولم يسم ابن بديل، وبقية رجاله ثقات1.
وأورده ابن حجر ثم قال: رواه البخاري في تاريخه والبغوي وإسناده حسن2.
د- قال ابن حجر: قال الزبير3 بن بكار: حدثني محمد4 بن سلام حدثني يزيد5 بن عياض قال:
112-
استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على النفل يوم حنين أبا الجهم6 بن حذيفة العدوي، فجاء خالد7 بن البرصاء فتناول زماما من شعر فمنعه أبو جهم فقال: "إن نصيبي فيه أكثر، فتدافعا فعلاه أبو جهم فشجه8 منقلة، فقضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة فريضة، ورواه الزبير من وجه آخر موصولا ولم يسم خالدا، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
1 مجمع الزوائد 6/186 وانظر كنز العمال 10/351 ومنتخب كنز العمال 4/166 مع (مسند أحمد) كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي.
2 الإصابة 1/141.
3 الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني أبو عبد الله بن أبي بكر، قاضي المدينة، ثقة، أخطأ أحمد بن علي السليماني في تضعيفه، من صغار العاشرة (ت 256) / ق. (القريب 1/257 وتهذيب التهذيب 3/312) إلا أنه رمز لمن أخرج له (ت) وهو خطأ وانظر الخلاصة للخزرجي 1/333 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/528.
4 محمد بن سلام بن فرج، السلمي مولاهم، البيكندي - بكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الكاف وسكون النون - أبو جعفر، مختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف، ثقة ثبت، من العاشرة (ت 227) / خ. (التقريب 1/257 وتهذيب التهذيب 9/212) .
5 يزيد بن عياض بن جعدية - بضم الجيم والمهملة ساكنة - الليثي أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد ينسب لجده كذبه مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 2/369 وتهذيب التهذيب11/352 وميزان الاعتدال للذهبي4/436-438) .
6 أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي، كان من مسلمة الفتح كان عالما بالنسب وكان أحد من تولى دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثبت ذكره في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: اذهبوا بخمصيتي هذه إلى أبي جهم وأئتوني بأنبجانية أبي جهم. (الإصابة لابن حجر 4/35-36) .
7 خالد بن البرصاء، هو ابن مالك بن قيس بن عوف الكناني الليثي والبرصاء أمه وقيل أم أبيه. (المصدر السابق 1/274و289و402) .
8 الشج في الرأس خاصة في الأصل، ثم استعمل في غيره من الأعضاء. والمنقلة: هي التي تخرج منها صغار العظام، وتنتقل عن أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم: أي تكسره. (ابن الأثير: النهاية 2/445و5/110) .
أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه1 رجل فضربه أبو جهم فشجه فذكر الحديث بمعناه ولم يسم خالدا أيضا.2اهـ.
قلت: والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة3.
والخلاصة: أن الأحاديث الواردة فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغنائم يوم حنين أمثلها حديث بديل بن ورقاء، وأما حديث ابن إسحاق فإنه ذكر ذلك بدون إسناد.
وأما ما رواة عبد الرزاق من توليه أبي سفيان، فقال الزرقاني: هذا فيه نظر فإن أبا سفيان شهد الطائف، فإن صح فكأنه جعله عليها أولا ثم بداله فجعل غيره وسار هو معه.
وحديث الزبير بن بكار معضل.
وما ذكر من الموصول، فإنه وارد في جباية الصدقات لا في الغنائم.
وأيضا فإن خالد بن البرصاء الذي هو صاحب القصة غير موجود في الحديث الموصول.
على أنه يمكن التوفيق بين هذه الآثار بجواز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ولاهم جميعا على حفظ الغنائم بجعل كل واحد منهم على نوع من الغنائم، وهذا غير بعيد لأن الغنائم كانت كثيرة جدا ومتنوعة من السبايا والبقر والإبل والغنم والحمير، وهذه الأنواع الكثيرة تحتاج في حفظها إلى تعدد الولاة المسئولين عنها، نظرا لكثرتها فلا يقوم بها إلا عدد من الولاة. والله أعلم.
1 فلاجه: نازعه وخاصمه من اللجاج، وفي نسخة للخطابي: فلاحاه: بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى. (محمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 12/266) .
2 الإصابة 1/402 وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/482.
3 وانظر الحديث عند أبي داود في سننه 2/489 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ.
والنسائي: السنن 8/31 كتاب القسامة، باب السلطان يصاب على يديه.
وابن ماجه: السنن 2/881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود.
ولكن الحديث عن أصحاب السنن إنما هو في جباية الصدقة.