الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين:
كانت معركة حنين تجربة عسكرية خطيرة في معارك المسلمين، وكانت أيضا مدرسة تربوية عظيمة إذ ذاق فيها المسلمون مرارة الاندحار، ووطأة الفرار أمام زحف المشركين ونبالهم وعظيم تخطيطهم واشتداد هجمتهم عليهم في بداية المعركة هجمة رجل واحد، كما مضى بيان ذلك1.
كما أذاقهم الله في هذه المعركة نفسها حلاوة النصر وبهجة الغلبة على أعدائهم، وتلك إحدى الحسنيين، وهذا من خصائص معركة حنين التي كانت المعركة الفاصلة الأخيرة بين المسلمين والمشركين في الجزيرة كما كانت بدرا المعركة الفاصلة الأولى بين الطائفتين.
وفي هذا المبحث نود أن نتلمس من خلال النصوص والمرويات عوامل انتصار المسلمين، ويمكن ان تكون على النحو التالي:
أ- ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في ساحة المعركة يناشد ربه النصر والعون، ويعلن لأعداه من هوازن وغيرهم بأنه نبي حقا لا ينبغي له أن يَفِرّ مهما تكاثرت جموعهم، فكان يركض بغلته نحوهم وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب2
1 تقدم ذلك في "مبحث سبب هزيمة المسلمين" ص: (141) .
2 قوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه يقول أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذبٍ فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر، حق فلا يجوز علي الفرار.
"وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله" فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم:"أيكم ابن عبد المطلب" وقيل: لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لابد من ظهوره وأن العاقبة له، لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. (ابن حجر: فتح الباري 8/31- 32، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/406، والزرقاني: شرح المواهب 3/17، 20- 21 وزاد: وفي الروض قال الخطابي: إنما خص عبد المطلب بالذكر في هذا المقام تثبيتا لنبوته وإزالة للشك لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة به صلى الله عليه وسلم، ولما أنبأت به الأحبار والكهان فكأنه يقول: أنا ذاك فلا بد ممّا وعدت به لئلا ينهزموا عنه ويظنوا أنه مغلوب أو مقتول، فالله أعلم أراد ذلك رسوله أم لا. إهـ.
ثم قال الزرقاني: "فليس هذا من الافتخار بالآباء في شيء، وبفرض تسليمه فهو جائز في الحرب لإرهاب العدو". وانظر: الروض الأنف للسهيلي 7/206- 207، والمواهب للقسطلاني 1/163، وفيض القدير للمناوي 3/38.
ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه:
78-
حدثنا يزيد بن هارون1، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"2.
ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان3 بن حسين، عن الزهري، عن أنس4.
قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"5.
وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"6.
والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب7 من هذا الوجه8.
1 تقدمت تراجم رجال الإسناد في حديث (22) و (26) .
2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90ب، وأحمد: المسند3/121وهو من ثلاثيات الإمام أحمد.
3 سفيان بن حسين بن حسن، ثقة في غيرالزهري باتفاقهم، تقدم في حديث (77) .
(تاريخ بغداد 3/394) .
(شرح المواهب اللدنية 3/11) .
(السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) .
7 يريد بأصحاب الكتب: البخاري، ومسلما، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
(البداية والنهاية 4/328) .
وقال السفلريني أيضا: "سنده على شرط الصحيحين"1.
وقال الزرقاني: "رجاله رجال الصحيح"2.
وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد والدارمي من حديث صهيب رضي الله عنه بإسناد صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو أيام حنين:"اللهم بك أحاول، وبك أصاول وبك أقاتل"3.
79-
وعند موسى بن عقبة بن نافع: فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وهو على البغلة يدعو: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا"4.
وعند البخاري من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "سمعت البراء وسأله رجل: أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني النصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب5
(شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) .
(شرح المواهب اللدنية 3/11) .
3 تقدم هذا الحديث برقم (55) .
(الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، وانظر: ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/97- 98) .
5 قوله: "أنا النبي لا كذب".
قال النووي: "قال الإمام ابو القاسم علي بن جعفر السعدي الصقلي المعروف "بابن القطاع" في كتابه "الشافي في علم القوافي": قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله مولانا ولا مولى لكم"، وقوله عندما كان في غار فنكبت أصبعه: "هل أنتِ إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت"، وقوله:
"أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"
وأشباه هذا.
ثم قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها: أنه شعر القول وقصده، وأراده واهتدى إليه، وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى، فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لا يكون شعرا، ولا يكون قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر، ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا، وكذا لو أتى به موزونا ةمقفى، ولكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا. ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه، ولا يسمى شعرا، فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة، وهي القصد وغيره مما سبق. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده فلا يعد شاعرا وإن كان موزونا".
وقد أجاب ابن حجر بأجوبة عن هذا، وارتضى أن ذلك خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، قال:"وهذا أعدل الأجوبة". (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/405-406، 5/111، 113، وفتح الباري لابن حجر 7/394، 8/31، 10/538-542، والتفسير لابن كثير 3/578-580، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/164، وأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي 6/390.
ثم صف أصحابه1.
وهو عند أبي عوانة من طريق زهير أيضا دون قوله: "ثم صف أصحابه".
واقتصر ابن جارود على قوله: "فنزل فاستنصر ثم قال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
ثم صف أصحابه"2.
وعند مسلم والبيهقي: (فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
ثم صفهم".
وعند مسلم والبيهقي أيضا وابن ابي شيبة وأبي عوانة: الجميع من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر، إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك.
قال البراء: كنا والله إذا احمر3 البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم 4.
1 تقدم الحديث رقم (59) .
(المنتقى ص: 356) .
3 قال النووي: احمرار البأس كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر، كما في رواية "حمي الوطيس". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/407) .
4 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .
وعند البخاري ومسلم من طريق شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنهما: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟
قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا1، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وأن ابا سفيان آخذ2 بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
والحديث أخرجه أيضاً أحمد، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، والروياني، والطبري، وأبو عوانة: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.
1 هذا حديث صريح في أن المسلمين لم يفروا بمجرد التلاقي، بل قاتلوا المشركين حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بالغنائم، فانهال العدو عليهم بالسهام، وهو يدفع ما يوهمه حديث جابر وغيره من أن المسلمين فروا بمجرد ملاقاة الكفار لهم، وقد تقدم حديث جابر برقم (58) . (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11) .
2 قوله: "وأن أبا سفيان آخذ بلجامها" هكذا ورد من حديث البراء أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورد ذلك عند البخاري، ومسلم، والترمذي، والطيالسي، وابن سعد، وأحمد، والروياني، والطبري، وأبي عوانة، والبيهقي.
وورد في حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق وابن سعد وأحمد وأبي يعلى والطبري وأبي عوانة: "أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو العباس، وكان أبو سفيان آخذا بركاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ:"كان آخذا بغرز النبي صلى الله عليه وسلم""والغرز هو الركاب".
وقد أجاب ابن حجر: "أن أبا سفيان كان آخذاً أوّلاً بزمامها، فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه عمه". (فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/11) .
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: عن ابن إسحاق قال: قال رجل للبراء: هل كنتم وليتم يوم حنين؟
…
الخ، وفي آخره:"وأبو سفيان بن حرب" يقود البغلة، أي بغلة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقوله: "ابن إسحاق" وقوله "أبو سفيان بن حرب يقود بغلته" خطأ، والصواب:"وإسحاق السبيعي، وأبو سفيان بن الحارث".
وعند البزار، وابن أبي شيبة من حديث بريدة بن حصيب قال: تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلم يبق معه إلا رجل يقال له زيد، وهو آخذ بعنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء - وعند ابن أبي شيبة - أهداها له النجاشي.
ولم ينعرض ابن حجر لهذه الرواية من حيث الجمع، ويمكن أن يقال لعل زيداً أيضا كان ممن أخذ بعنان البغلة. (كشف الأستار 2/347- 348، وتاريخ ابن أبي شيبة ص91أ، والهيثمي: مجمع الزوائد 6/181 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وعلي المتقي الهندي: كنز العمال 10/352، ومنتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد. وانظر ص:171.
3 أبو يعلى: المسند 2/189 رقم (302)، والروياني: مسند الصحابة 1/112 رقم (575) ، وتقدم تخريج الحديث برقم (59) .
ورواه أبو داود الطيالسي، وأبو عوانة، والبيهقي: كلهم من طريق شعبة وعمرو بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق1.
وفي لفظ عند البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق: قيل للبراء وأنا أسمع: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا، كانوا رماة، فقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وفي لفظ عند البخاري أيضا من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟.
فقال: "لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لاكذب".
قال إسرائيل وزهير: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته"2.
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأحمد، والروياني، والطبري: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.
وفي لفظ عند البخاري، وابن سعد، والطبري، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء فقال: يا أبا عمارة، أوليتم يوم حنين؟ قال البراء - وأنا أسمع -:أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه4 المشركون نزل فجعل يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
قال: "فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه "5.
1 أبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود2/108، والبيهقي: دلائل النبوة3/43أ.
2 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .
3 مسلم: الصحيح3/1401 كتاب الجهاد والسير، وأحمد: المسند4/281، والروياني: مسند الصحابة1/78أ-ب رقم (575)، والطبري: جامع البيان10/102.
4 غشيه المشركون: أي ازدحموا عليه، قال العلماء: وفي نزوله عن البغلة حين غشوه مبالغة في الشجاعة والثبات والصبر، وقيل: فعله مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين. (الزرقاني: شرح المواهب 3/14) .
5 البخاري: الصحيح 4/53 كتاب الجهاد، باب من قال: خذها وأنا ابن فلان. وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/51، والطبري: جامع البيان 10/103، وتقدم الحديث برقم (59) .
وعند ابن أبي شيبة والروياني: "من طريق شريك - هو ابن عبد الله النخعي - عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دبره"، قال: والعباس وسفيان آخذان بلجام بغلته وهو يقول
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
لفظ ابن أبي شيبة.
ولفظ الروياني: "ولقد كان العباس آخذا بلجام بغلته وأبو سفيان عن يساره فقال: من أنت؟ قال: ابن أمك1 يا رسول الله، قال: وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب 2
وفي لفظ عند ابن أبي عوانة من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - ويسأل -: يا أبا عمارة: أولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي لم يول ولكن ولى سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل، وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، والنبي - صلى الله عليه - وسلم يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب 3
والحديث عند البخاري وابن سعد والبيهقي كلهم من طريق سفيان به بنحوه4.
1 قوله: ابن أمك: إنما هوابن عمك، لكنه أراد أن يتقرب إليه، لأن الأم التي هي الجدة تجمعهما في النسب. (التعليق على سيرة ابن هشام 2/446) .
2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90أ، والروياني: مسند الصحابة 1/67 رقم (575) .
وعند ابن إسحاق والطبري: من حديث جابر بن عبد الله: والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفيان بن الحارث، وكان مّمن صبر فقال: من هذا؟ قال: أنا ابن أمك يا رسول الله (سيرة ابن هشام2/446، وتاريخ الرسل والملوك 3/76) .
3 أبو عوانة: المسند 4/208 وتقدم الحديث برقم (59) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/24- 25 وتقدم الحديث برقم (59) .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي كلهم من حديث سيابة - بالسين المهملة المكسورة والمثناة التحتية الخفيفة وبعد الألف الموحدة - ابن عاصم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "أنا ابن العواتك من سليم". انظر ابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص60أرقم (535) ضمن مجموعة (27) . والطبراني: المعجم الكبير7/201. والبيهقي: دلائل النبوة 3/43ب. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد8/218-219،وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. والحديث صححه السيوطي كما في فيض القدير للمناوي 3/38.
وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الجامع الصغير 2/13 حديث (1459) . والحديث فيه هشيم بن بشير.
قال ابن حجر في الإصابة 2/102: "اختلف عليه فيه".
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 4/328 إلا أنه وقع عنده "شبابة عن ابن عاصم السلمي" بالشين المعجمة بعدها موحدة وهو خطأ. والصواب: سيابة بن عاصم.
والعواتك ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج ابن ذكوان وهي أم عبد مناف، والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال وهي أم وهب أبي آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر ابن الأثير: النهاية 3/179-180. والمناوي: فيض القدير 3/38) .
وعند أبي عوانة أيضا من طريق عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ما كان معنا يوم كذا وكذا - ذكر يوما من أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فارس إلا المقداد1 بن الأسود رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل يمازحه2: فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال البراء: "إني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فر يومئذ، كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس، اتقينا به"3.
وعند أبي داود: "لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم حنين فانكشفوا4 نزل عن بغلته فترجل"5.
وحديث البراء بجميع طرقه، يدور على أبي إسحاق السبيعي.
قال ابن حجر: "اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله:
"أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب"
إلاّ رواية زهير6 بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم: في حديث البراء من رواية زكريا7 عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي صلى الله عليه وسلم." ا?8.
1 المقداد بن عمرو بن ثغلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كندة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه،، صحابي مشهور من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارسا غيره، (ت 33) وهو ابن سبعين سنة. /ع. (التقريب 2/272) .
2 الضمير: للبراء.
3 أبو عوانة: المسند 4/209.
4 فانكشفوا: يعني المسلمين، والمراد: انهزموا.
5 أبو داود: السنن 2/46 كتاب الجهاد، باب في الرجل يترجل عند اللقاء، ومعنى ترجل: مشى على رجليه، وفي كتب اللغة: ترجل: نزل عن ركوبته ومشى. (عون المعبود 7/320. والقاموس 2/381- 382) .
6 وزهير بن معاوية تلميذ لأبي إسحاق انظر: من هذا الكتاب ص145 تعليقة (4) .
7 زكريا: هو ابن أبي زائدة أبو يحيى الكوفي الهمداني الوادعي.
(ابن حجر: فتح الباري 8/31) .
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال:"كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به".
وفي حديث العباس عند مسلم وغيره
…
قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار.
وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثباته لبعض الصحابة.
فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين".
وفي رواية: "أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى.
وقوله: "أما انا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول"1.
تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام.
ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من
1 تقدم الحديث برقم (59) .
السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع1، الذي خرجه مسلم بلفظ "مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً"، فلذلك حلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول.
ودل ذلك على أن "منهزماً"حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى "ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته، فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا".
ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. ا?2.
وقال النووي حول حديث سلمة بن الأكوع: "قال العلماء: قوله (منهزماً) حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: أنه صلى الله عليه وسلم ما انهزم، ولم ينقل أحد أنه انهزم صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم نحو العدو". ا?3.
ونقل الزرقاني: "نحو قول النووي ثم قال: وقوله "قالت الصحابة كلهم أنه صلى الله عليه وسلم ما انهزم، فلا يجوز أن ينقل عن سلمة ما يخالفهم بمجرد لفظ محتمل دفعته الرواية الأخرى عنه، فهذا من جملة ما استند إليه العلماء في أنه (حال من ابن الأكوع) ". ا?4.
وقد عقد القاضي عياض فصلا في شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجدته فقال: "وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة5 والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت
1 سيأتي برقم (82) .
(ابن حجر: فتح الباري8/28-29، والنووي شرح صحيح مسلم 4/404) .
(النووي: شرح صحيبح مسلم 4/408، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/163) .
(الزرقاني: شرح المواهب 3/17) .
5 الكماة: جمع كمي وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المتغطي المتستر بالدرع والبيضة. (مختار الصحاح ص579) .
لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه صلى الله عليه وسلم، وأن الصحابة كانوا إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم ". ا?1.
قال ابن الحجر: "وفي حديث البراء بن العازب من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه: جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وفيه: جواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقناً بالنصر لوعد الله تعالى بذلك وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث - وقد ثبت معه - آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم –".
وقد استشهد في تلك الحال أيمن بن أم أيمن، وفيه: ركوب البغلة إشارة إلى كزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. ا?2.
وقال النووي: "قال العلماء: ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في مواطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، ومما ذكره في الحديث - يعني حديث العباس - من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، وفي الرواية الأخرى - يعني حديث سلمة بن الأكوع - أنه نزل إلى الأرض حين غشوه، وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة رضي الله عنهم بشجاعته صلى الله عليه وسلم في جميع المواطن".
(القاضي عياض: الشفاء 1/114- 118) .
(فتح الباري: 8/32، والزرقاني: شرح المواهب 3/17) .
وفي صحيح مسلم - يعني حديث البراء - قال: "إن الشجاع منا للذي يحاذي به، وأنهم كانوا يتقون به". ا?1.
وقال القسطلاني: "وقد ركب عليه الصلاة والسلام البغلة في هذا المحل الذي هو موضع الحرب والطعن والضرب تحقيقا لنبوته لما كان الله تعالى خصه به من مزيد الشجاعة وتمام القوة، وإلا فالبغال عادة من مراكب الطمأنينة ولا تصلح لمواطن الحرب في العادة إلا الخيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس وثقة وتوكلا على الله تعالى". ا?2.
ومما سبق من الروايات التي ذكرناها يتجلى لنا عاملان هامان من عوامل النصر وهما الثبات في المعركة حين لقاء العدو وذكر الله عز وجل بحضور قلب وإلحاح في الدعاء، وقد ذكر الله في هذين العاملين في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.
ولا ينتصر المسلمون على عدوهم إلا إذا حققوا في أنفسهم التحلي بهذين العاملين وغيرهما من عوامل النصر التي ذكرها الله مادية ومعنوية.
ب- رجوع المسلمين إلى المعركة:
لقد عاد المسلمون إلى المعركة مسرعين حين رأوا ثبات نبيهم صلى الله عليه وسلم وحين سمعوا النداء بالرجوع كما تبينه الرواية الآتية:
80-
فعند مسلم وغيره من حديث كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة4 بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون
(النووي: شرح صحيح مسلم 4/401- 402) .
(المواهب اللدنية 1/163 وانظر ابن كثير: التفسير 2/345) .
3 سةرة الأنفال: الآية 45.
4 فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء ثم ثاء مثله - اختلف في اسم أبيه، فقيل: فروة بن نفاثة، وقيل: ابن نباتة، وقيل: ابن عامر، أو ابن عمرو، قال ابن حجر:"وهو أشهر، أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليه بإسلامه، ولم ينقل انه اجتمع به، وسمي أبو عمر: جده النافرة" قال ابن إسحاق: "وبعث فروة ابن عمرو ابن النافرة النفاثي الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حوله من أرض الشام، فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتا منها قوله:
أبلغ سراة المسلمين بأنني
سلم لربي أعظمي وبناني"
وأخرج ابن شاهين وابن مندة قصته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس بسند ضعيف إلى الزهري. (الإصابة 3/213، وسيرة ابن هشام 2/591) .
وقال النووي: "فروة بن نفاثة وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال: (فروة بن نعامة) بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول (نفاثة) . قال القاضي عياض: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري: أسلم وعمّر عمرا طويلا، وقال غيرهم: لم يسلم، وفي صحيح البخاري أن الذي أهدى له بغلة هو ملك أيلة، واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق (يحنة بن رؤبة) ". (شرح صحيح مسلم 4/401، وأبو عوانة: المسند 4/403. وابن عبد البر الاستيعاب 3/199 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 4/356- 357. وابن هشام: السيرة النبوية 2/525 و591. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/262- 281) .
مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض1 بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي عباس ناد أصحاب السمرة"2 فقال عباس: - وكان رجلا صيتا3- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكأن4 عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار5، والدعوة6 في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار!
1 يركض بغلته: أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/401) .
2 قوله: "ناد أصحاب السمرة"، هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/402) .
3 رجلاً صيتاً: أي قوي الصوت. قال النووي: ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليلة وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. (المصدر السابق 4/402) .
4 قوله: "لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم إلى أماكنهم وإقبالهم إليه صلى الله عليه وسلم عطفة البقرة على أولادها، أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمهات حين حنت على أولادها".
قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتح عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة للانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله السكينة على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن". (المصدر السابق 4/402) .
قلت: "وفي هذا رد على من يقول بأن منهزميهم وصلوا مكة وهو الواقدي"(انظر مغازيه 3/903) .
5 هكذا هو في النسخ وهو ينصب الكفار أي مع الكفار. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) .
6 والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال يعني الاستغاثة والمناداة إليهم.
يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا حين حمي الوطيس" 1، الحديث2.
وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه3، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال:"الآن حمي الوطيس".
وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس
1 الوطيس: بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال النووي: قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره، قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه.
وقال الأصمعي: "هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل: هي الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم، قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم". (شرح صحيح مسلم 4/403. والروض الأنف للسهيلي 7/199- 200) .
2 مسلم: الصحيح 3/1398- 1400 كتاب الجهاد والسير، وتمام الحديث: قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، قال:"فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيأته فيما أرى، قال: فوالله! ماهو إلا أن رماهم بحصيات، فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا". (سيرة ابن هشام2/444-445.والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/75. وعبد الرزاق: المصنف5/3801-381.وابن سعد: الطبقات الكبرى4/18.وأحمد: المسند 1/207. وأبو يعلى: المسند6/604ب رقم 306. وأبو عوانة: المسند4/198 و201 و203. وعلي المتقي الهندي: منتخب كنز العمال4/169، وكنز العمال10/355- 356) .
3 الترس: بضم أوله يصنع من جلود يضعه المقاتل في يده يتقي به النبال وغيرها.
ناد يا أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلا صيتا فناديت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث1.
وعند الحميدي: عن عباس قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عباس ناد، قلت يا أصحاب سورة البقرة2، وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن خزرج، يا بني الخزرج، قال: وتطاول رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث3.
(ابن سعد: الطبقات الكبرى2/155واللفظ له. والطبري: جامع البيان10/101- 102) .
2 قوله: (يا أصحاب سورة البقرة) .
قال الزرقاني: "خصت هذه السورة بالذكر حين الفرار لتضمنها {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة، من الآية: 249] ، أو لتضمنها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 40] ، أو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [سورة البقرة، من الآية: 207] .
ثم قال: "وليس النداء بهذه السورة اجتهاد من العباس، بل بأمره صلى الله عليه وسلم ففي مسلم وغيره، قال العباس: فقال صلى الله عليه وسلم: يا عباس ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة". (شرح المواهب اللدنية 3/12) .
قلت: "ليس في مسلم لفظة: أصحاب سورة البقرة، وإنما فيه "أصحاب السمرة" فقط وقد تتبعت حديث العباس في صحيح مسلم فلم أجد هذه اللفظة، وقد ورد الأمر للعباس بأن ينادي بـ يا أصحاب سورة البقرة"، عند أحمد في مسنده 1/207 عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين فلم أحفظه عن كثير بن عباس قال كان عباس وأبو عباس معه يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: فخطبهم وقال: "الآن حمي الوطيس" وقال: "ناد يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وعند أبي عوانة في مسنده4/204-206 من طريق سفيان بن عيينة ولفظه: يا عباس ناد في الناس: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة! قال سفيان بن عيينة: يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة والشجرة سمرة بايعوه تحتها على أن لا يفروا".
وعند الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/732 من طريق سفيان بن عيينة أيضا ولفظه: "يا عباس ناد يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وجاء عند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من طريق الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العباس أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، قال الهيثمي:"رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره". (مجمع الزوائد 6/180-181. وانظر مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ومسند أبي يعلى 3/338ب رقم (303) والمطالب العالية 4/251) .
(الحميدي: المسند 1/218- 219) .
والحديث رواه الفسوي من طريق الحميدي1.
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه2. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت أخرجه مسلم3.
81-
ونعد الحاكم من حديث جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال: "معشر الأنصار فأجابوه: لبيك، بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، قال: أقبلوا بوجوههم إلى الله وإلى رسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فأقبلوا ولهم حنين4 حتى أحدقوا5 به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين"6.
ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرج الحاكم أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال فولوا مدبرين، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الله.
فقالوا: "إليك والله جئنا فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم"7.
ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
وفي حديث أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى
(المعرفة والتاريخ 2/732- 733) .
(المستدرك 3/327- 328) .
(تلخيص الذهبي على المستدرك 3/328 وانظر الحديث رقم (80) .
4 أصل الحنين: هو ترجيع الناقة صوتها لولدها. (ابن الأثير: النهاية 1/452ن وابن حجر: هدي الساري ص109) .
5 أحدقوا به: أي طافوا به.
والكبكبة: بالضم والفتح: هي الجماعة المتضامة من الناس وغيرهم والدفعة في القتال والجري والحملة في الحرب والزحام، وأكب عليه أقبل ولزم.
وتحاك بتشديد الكاف: أي اصطكت مناكبهم فحك كل منكب الآخر.
(ابن الأثير: النهاية1/345، 418و4/144.والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/121، 3/219، 299) .
(المستدرك: 3/48) .
7 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .
بقي وحده، "فنادى1 يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث2.
?- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل.
توضح ذلك الأحاديث الآتية:
فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال:"شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه:
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال:"هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ3 رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا4 ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى،
1 قال الحلبي: يجوز أن يكون هذا النداء بعد نداء العباس وقربهم منه صلى الله عليه وسلم. (للسيرة الحلبية 3/66) .
قلت: وتقدم في حديث (70) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زيدا أن ينادي في الناس وفيه أيضا أن زيدا كان آخذا بعنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهور من الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن المأمور بالنداء هو العباس بن عبد المطلب، ولا يبعد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم أمر كل واحد منهما بالنداء لأن كل واحد منهما كان قريبا منه آخذا بناحية من نواحي البغلة.
2 تقدم برقم (40) .
3 وعند ابن سعد: "ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها".
وعند الطبري: "ثم أخذ بيده من الحصيات فرماهم بها".
والحصى والحصيات صغار الحجارة الواحدة حصاة. (ابن الأثير: النهاية 1/393، والفيروز آبادي: القاموس 4/318) .
4 انهزموا: بلفظ الخبر، قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما فعلية، والأخرى خبرية، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بهزيمتهم، ورماهم بالحصيات، فولوا مدبرين، وذكر مسلم في الرواية الأخرى (يعني حديث سلمة بن الأكوع) أنه صلى الله عليه وسلم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل لها وجوههم فقال:"شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، وهذا أيضا فيه معجزتان خبرية وفعلية ثم قال: ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب، فرمى بذا مرة، وبذا مرة، ويحتمل أنه اخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب. (شرح صحيح مسلم 4/403، وابن حجر: فتح الباري 8/32. وانظر ص205 تعليقة (1) .
قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم1 كليلا وأمرهم مدبرا" 2.
ثم قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: "فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة" 3.
وزاد في الحديث حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته.
82-
وعند مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت4 الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين5.
83-
وعند ابي يعلى والطبراني: من حديث أنس بن مالك بإسناد حسن قال: لما كان يوم حنين: انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبا
1 قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا "هو بفتح الحاء المهملة أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) .
2 تقدم برقم (80) .
3 تقدم برقم (80) .
4 شاهت الوجوه: قبحت. (المصباح المنير 1/389. الروض الأنف 7/2179.
(مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الزكاة. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44أ- ب) .
سفيان بن الحارث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار ثم استحر النداء في بني الحارث بن خزرج فلما سمعوا النداء أقبلوا فوالله ما شبهتهم إلا بالإبل تجري إلى أولادها، ولما التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الآن حمي الوطيس" وأخذ كفا من حصى فرمى به، وقال:"هزموا ورب الكعبة وكان علي بن ابي طالب من أشد الناس قتالا يومئذ"1.
والحديث أورده الهيثمي2 في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره.
84-
وأخرج الطبراني عن أنس قال: لنا انهزم المسلمون يوم حنين مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دلدل اشتدي3 فألزقت بطنها بالأرض حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: "حم لا ينصرون"4 فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا ضربنا بسيف 5.
لم يروه عن ثابت6 إلا عمارة، تفرد به مؤمل.
1 أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم303. والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/243 رقم77) .
(مجمع الزوائد 6/180- 181) .
3 كذا في الأصل "اشتدي" وفي مجمع الزوائد (اسدي) بالسين المهملة والشدة القوة، واشتداد الشيء قوته وصلابته، والشد: العدو، واشتد عدا. (ابن الأثير: النهاية 2/451. والفيروز آبادي: القاموس 1/305) .
وسدى تسدية وسدا بيده مدها، وأسدت الناقة: اتسع خطوها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/341) .
4 قوله: (حم لا ينصرون) في النهاية لابن الأثير 1/446: معناه اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر، لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لكان مجزوما، فيقول:(حم لا ينصروا) فكأنه قال: "والله لا ينصرون". إهـ..
وفي سنن أبي داود 2/31 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن بُيتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون".
قال صاحب عون المعبود 7/258: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "حم من أسماء الله". فكأنه حلف بالله إنهم لاينصرون.
(مجمع البحرين 2/244 رقم 77) .
6 ثابت هو البناني، ثقة عابد، وعمارة: هو ابن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري، صدوق كثير الخطأ. ومؤمل-بوزن محمد-هو ابن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ. (ابن حجر: التقريب 1/115 و2/49، 290) .
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه: أحمد1 بن محمد بن القاسم وهو ضعيف2.
قلت: "والجزء الأخير من الحديث وهو قوله: فانهزم القوم الخ ثابت معناه عند ابن حبان والحاكم من حديث أنس أيضا" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي3.
58-
وأخرج الطبراني أيضا عن يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم، قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قصبة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال:"ارجعوا شاهت الوجوه" فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكوا القذى أو يمسح عينيه4.
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
86-
وقال البزار: حدثنا إسماعيل5 بن سيف القطعي، ثنا يونس6 ابن أرقم ثنا الأعمش7، عن سماك8 بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن علي بن أبي
1 هو ابن أبي بزة مؤذن المسجد الحرام، قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا منكرا. (الجرح والتعديل2/71) .
(مجمع الزوائد 6/183) .
3 ابن حبان: كما في موارد الضمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130.
(مجمع الزوائد 6/182- 183) .
5 بصري كانوا يضعفونه، وقال ابن عدي: كان القطعي يسرق الحديث روى عن الثقات أحاديث غير محفوظة. (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/233) .
6 يونس بن أرقم لينه عبد الرحمن بن حراش. (المصدر السابق 4/477) .
ونقل ابن حجر قول الذهبي هذا وزاد: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يتشيع. (لسان الميزان 6/331) .
7 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمدالكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس، من الخامسة (ت147أ،148) /ع. (ابن حجر: التقريب331) .
8 هو ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة (ت123) /خت م عم. (المصدر السابق 1/332) .
طالب ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب1 فرمى به وجوه المشركين يوم حنين2.
قال البرزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه البزار عن إسماعيل بن سيف وهو ضعيف"3.
قال ابن حجر: قلت: "وشيخه يونس"4.
والخلاصة:
أن أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين ترابا ورميه في وجوه الكفار، جاء في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف.
فقد ورد من حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وغيره5.
ومن حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم والبيهقي6.
ومن حديث أبي عبد الرحمن الفهري عند أحمد وأبي داود وغيرهم7.
ومن حديث عبد الله بن مسعود عند أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم8.
1 قال ابن حجر: ولمسلم من حديث العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، وله من حديث سلمة بن الأكوع، قال: لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل بها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه"، ولأحمد وألبي داود من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة يمضي قدما فحادت عن فرسه فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم".
وللبزار من حديث ابن عباس أن عليا ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به وجوه المشركين يوم حنين ثم قال: ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم أوّلاً، قال لصاحبه ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. (فتح الباري8/31-32) و (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/13) وانظر ص201.
(كشف الأستار 2/349) .
(مجمع الزوائد 7/183) .
(مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم816) .
5 تقدم الحديث برقم (80) .
6 تقدم الحديث برقم (82) .
7 سيأتي تخريجه برقم (91) .
8 تقدم تخريجه برقم (74) .
ومن حديث شيبة بن عثمان العبدري عند الطبراني وغيره1.
ومن حديث عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد وأبي عوانة2.
ومن حديث يزيد بن عامرالسوائي عند عبد بن حميد والطبري3.
ومن حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى والطبراني4
وهذه الأحاديث التي أوردتها في بيان هذا العامل من عوامل النصر، يؤخذ منها نصر الله للمسلمين بمعجزات يؤيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليزيد المؤمنين إيمانا ولتقوم الحجة على المكذبين برسالته صلى الله عليه وسلم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
والمسلمون إذا قوي إيمانهم بالله سبحانه فإن الله يؤيدهم وينصرهم على أعدائهم بأسباب كونية قدرية لاقبل لعدوهم بها، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ الإسلامي.
د- تأييد الله للمسلمين بجند من عنده:
كان هذا التأييد السماوي بعد أن أدب الله المؤمنين الذين اغتروا وأعجبوا بكثرتهم وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بسبب ما حل بهم من الخوف عندما ركب الأعداء ظهورهم يسوقونهم، فركبت إبل المسلمين بعضها بعضا وولوا مدبرين، إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة يسيرة معه، وفي هذه الحال الحرجة أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا من عنده تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً
1 تقدم تخريجه برقم (67) .
(أحمد: المسند 4/351. وأبو عوانة: المسند 4/204. والهيثمي: مجمع الزوائد 6/185 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) .
3 عبد بن حميد: المسند 1/66أرقم (332) . والطبري: جامع البيان10/103. وتقدم برقم (85) .
4 تقدم تخريجه برقم (83) .
لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 25] .
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26]، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين1: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه2.
وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة.
فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد3 بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي
1 قوله: والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا فقد ورد في حديث ابن مسعود قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة. تقدم الحديث برقم (74) .
والظاهر جميع من حضر من المؤمنين كما قال الشوكاني، يؤيد هذا ما قاله الطبري:"الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة". (ابن حجر: فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/20) .
2 الشوكاني: فتح القدير 2/348.
3 أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الحادية عشرة (ت 261) /خ م س ق. (ابن حجر: التقريب 1/21، وتهذيب التهذيب 1/61. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/63) .
ثنا أحمد1 بن مفضل، ثنا أسباط2 عن السدي3،في قوله:{وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال: هم الملائكة4.
وأخرج الطبري نحوه: من طريق أحمد بن المفضل به5، والحديث ضعيف كما علم من خلال تراجم رجاله، وهو مقطوع، لأن السدي من التابعين، وقد قيل إن تفسيره هذا قد جعل له إسنادا واستكلفه6.
88-
وعند الطبري قال: حدثنا القاسم7، قال: ثنا الحسن بن عرفة8، قال: ثني المعتمر9 بن سليمان، عن عوف10 قال: سمعت عبد الرحمن11 مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني جل كان من المشركين يوم حنين، قال: "لما التقينا نحن
1 أحمد بن المفضل الحفري - بفتح المهملة والفاء - أبو علي الكوفي، صدوق شيعي، في حفظه شيء (ت215) /م د س. (ابن حجر: التقريب 1/26) .
وفي تهذيب التهذيب 1/81 قال: قال أبو حاتم: كان صدوقا وأثنى عليه بن أبي شيبة خيرا، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الأزدي: منكر الحديث.
2 أسباط بن نصر الهمداني-بسكون الميم- أبو يوسف، ويقال: أبو نصر صدوق كثير الخطأ، يغرب من الثامنة/خت م عم. (المصدر السابق1/53و1/211-212) .
3 إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي - بضم المهملة وتشديد الدال - وهو السدي الكبير، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع من الرابعة (ت 127) /م عم. (المصدر السابق 1/71- 72 و1/313- 314) .
(تفسير ابن أبي حاتم 4/70أ) .
(جامع البيان 10/101 وتقدم برقم (41) .
(ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/314) .
7 القاسم: هو ابن زكرياء بن يحيى أبو بكر المقرئ المعروف: بالمطرز - بزنة اسم الفاعل -. ذكر الخطيب مشايخه وتلاميذه وقال: كان ثقة ثبتا. (تاريخ بغداد 12/441 و7/394) . وذكره الحافظ ابن حجر تمييزا وقال: حافظ ثقة. (التقريب 2/126 وتهذيب التهذيب 8/314) .
8 الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي، صدوق من العاشرة (ت 257) /ت س ق. (ابن حجر: التقريب1/168 وتهذيب التهذيب 3/293) .
9 المعتمر بن سليمان بن طرخان - بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء وراء ونون - التيمي، أبو محمد البصري: يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة (ت 117) وقد جاوز الثمانين /ع. (المصدر السابق 2/263، 10/227) .
10 عوف بن أبي جميلة - بفتح الجيم - الأعرابي، العبدي، البصري، ثقة رمي بالقدر، وبالتشيع، من السادسة (ت146 أو147) /ع. (المصدر السابق2/89، 8/166) .
11 عبد الرحمن بن آدم البصري المعروف بصاحب السقاية، مولى أم برثن-بضم الموحدة وسكون الراء بعدها مثلثة مضمومة ثم نون-وقد تبدل النون ميما فيقال:(برثم) صدوق من الثالثة/م د. (المصدر السابق1/472 و6/134) . والظاهر (أن قوله في مسند ابن جرير "مولى مريم" خطأ. والصواب "مولى أم برثم" أو "برثن".
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا حلب1 شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتلقانا عنده رجال بيض، حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها" 2
والحديث حسن لذاته وجهالة الرجل لا تضر لأن الظاهر أنه أسلم وحدث عبد الرحمن بهذه القصة، جهالة الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول، وقد قال ابن حجر:"بأن عبد الرحمن روى عن رجل من الصحابة ولم يسمه3 فالظاهر أنه هذا". والله أعلم.
وتقدم في حديث عثمان بن شيبة العبدري أنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله مال أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال:"يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" الحديث4.
89-
وقال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق5 بن يسار أنه حدث عن جبير6 بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد7 الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد
1 قوله: لم يقوموا لنا حلب شاة: أي مقدار حلبها بل ولوا من رشق النبل ونيتهم العود. (شرح المواهب 3/15) .
(الطبري: جامع البيان 10/103- 104) .
(تهذيب التهذيب 6/134) .
4 تقدم الحديث برقم (66) .
5 إسحاق بن يسار المدني والد ابن إسحاق، ثقة من الثالثة /مد. (ابن حجر: التقريب 1/62 وتهذيب التهذيب 1/257) .
6 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب (ت58 أو 59) /ع. (المصدر السابق 1/126 و2/63- 64) .
7 أورد ابن الأثير في النهاية1/96 هذا الحديث وقال: "البجاد الكساء وجمعه بجد، أراد الملائكة التي أيدهم الله بهم" وقال الزرقاني: البجاد بالموحدة المكسورة والجيم الخفيفة آخره دال مهملة: الكساء. ثم نقل قول ابن الأثير وقال: لأنه لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه، وروى الواقدي عن شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث فإن كنا ننفضه عن ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به. وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/212.
ثم قال الزرقاني: قال شيخنا: "ولعل نزول الملائكة في صورة النمل ليظهر للمسلمين فيسألوا عنه، ويتوصلوا بذلك للعلم بهم، فيعلموا من ذلك من معجزاته فيقوى بذلك إيمانهم"(شرح المواهب3/16) . وانظر مغازي الواقدي3/905.
ملأ الوادي، لم يشك أحد أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم1.
والحديث أخرجه الطبري عن ابن إسحاق عن أبيه أنه: حدث عن جبير بن مطعم2.
وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق أيضا وصرح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم.
وهذا سياقه: قال: "حدثنا أبو مسلم3 ثنا عبيد الله4 بن محمد بن عائشة ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: سمعت جبير بن مطعم يقول رأيت يوم حنين شيئا أسود مثل البجاد". الحديث5.
ثم قال الطبراني: "لا يروى هذا عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن إسحاق".
ثم ساق سندا آخر فقال حديثنا محمد6 بن أبان ثنا محمد7 بن عباد بن آدم ثنا أبي8 ثنا حماد بن سلمة فذكر نحوه9.
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما عباد بن آدم لم يوثقه أحد ولم يجرحه"10.
(سيرة ابن هشام 2/449) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/77، والروض الأنف 7/173) .
3 أبو مسلم الكجي الحافظ المسند، إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري صاحب كتاب السنن، سمع أبا عاصم النبيل والأصمعي، وعنه أبو بكر القطيعي وأبو قاسم الطبراني، كان من أهل الفضل والعلم والأمانة، وكان سريا نبيلا عالما بالحديث وثقه الدارقطني وغيره (200- 292هـ) (الخطيب: تاريخ بغداد 6/120- 124. الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/620- 621) .
4 عبيد الله بن محمد بن عائشة، اسم جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له: ابن عائشة، والعائشي والعيشي، نسبة إلى عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد، رمي بالقدر ولم يثبت، من كبار العاشرة، (ت 228) /د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/538 وتهذيب التهذيب 7/45) .
(مجمع البحرين 2/343 رقم (77) .
6 محمد بن أبان الأصبهاني، كذا في ترجمة شيخه محمد بن عباد ولم أجد ترجمته.
7 محمد بن عباد بن آدم الهذلي البصري، مقبول، من العاشرة (ت268) /سق. (التقريب 2/174، وتهذيب التهذيب 9/343) .
8 عباد بن آدم الهذلي البصري، مجهول، من التاسعة /ق. (التقريب 1/391، وتهذيب التهذيب 5/90) .
(مجمع البحرين 2/343 رقم (77) .
10 (مجمع الزوائد 6/183) .
وأورده ابن كثير عن ابن إسحاق فقال: وقال محمد بن إسحاق: "حدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم". ثم ساق الحديث.
ثم قال: رواه البيهقي1 عن الحاكم عن الأصم2 عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به3.
والظاهر أن في الحديث انقطاعا بين إسحاق بن يسار وبين جبير ابن مطعم وأن رواية الطبراني الواردة فيها التصريح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم "خطأ".
ولعلها تحرفت من حدث عن جبير بن مطعم إلى حدثني فرواها بعض الرواة بالمعنى "سمعت".
وذلك لأن المزي وابن حجر لم يذكرا في شيوخ إسحاق، جبير بن مطعم كما لم يذكرا أيضا إسحاق في تلاميذ جبير بن مطعم4.
وعلى كل فإن الحديث يتقوى بالأحاديث السابقة والآتية وهي: ما رواه عبد بن حميد قال: حدثني موسى5 بن مسعود ثنا سعيد6 بن السائب الطائفي حدثني أبي السائب7 بن يسار، قال: سمعت يزيد8 بن عامر السوائي وكان شهد
1 رواه في الدلائل 3/45ب.
2 هو محمد بن يعقوب أبو العباس الأصم تقدمت ترجمته في حديث (23) .
(تفسير ابن كثير 2/345 والبداية والنهاية له 4/334. وانظر فتح القدير للشوكاني 2/349، وشرح المواهب للزرقاني 3/15- 16) .
(تهذيب الكمال 2/495 وتهذيب التهذيب 1/257، 2/63- 64) .
5 موسى بن مسعود النهدي - بفتح النون - أبو حذيفة البصري، صدوق سيئ الحفظ، وكان يصحف، من صغار التاسعة (ت220) أو بعدها، وحديثه عند البخاري في المتابعات. /خ د ت ق. (التقريب 2/288، وتهذيب التهذيب 10/370 وسرد أقوال العلماء فيه في هدي الساري ص446) .
6 سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي وهو ابن يسار، ثقة عابد، من السابعة (ت 171) . /د س ق. (التقريب 1/296، وتهذيب التهذيب 4/35- 36) .
7 قال ابن أبي حاتم: "السائب الطائفي عن يزيد بن عامر السوائي، روى عنه ابنه سعيد بن السائب سمعت أبي يقول ذلك". (الجرح والتعديل 4/245، وانظر التاريخ الكبير للبخاري 4/155) .
8 يزيد بن عامر بن الأسود العامري ثم السوائي - بضم المهملة - أبو حاجز، صحابي له حديث عند أبي داود في الصلاة، شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. /د. (التقريب 2/366 وتهذيب التهذيب 11/339، والإصابة 3/659، وانظر حديثه عند أبي داود في سننه 1/136 كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم) .
حنينا مع المشركين ثم أسلم فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟
قال: "كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطست فيطن، قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا 1.
والحديث أورده ابن حجر في المطالب العالية ونسبه لعبد بن حميد2.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"3.
وأخرجه الطبري فقال: حدثنا محمد4 بن يزيد الآدمي، قال ثنا معن5 بن عيسى عن سعيد بن السائب الطائفي عن أبيه عن يزيد بن عامر6.
والحديث فيه السائب الطائفي ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وقد قال الهيثمي: بأن رجاله ثقات.
91-
وعند أحمد وغيره من حديث أبي7 عبد الرحمن الفهري وهذا سياقه عند أحمد قال: ثنا بهز8 ثنا حماد9 بن سلمة أخبرني يعلى10 بن عطاء عن أبي همام11 - قال أبو الأسود هو: عبد الله بن يسار - عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: "كنت مع
1 عبد بن حميد: المسند 1/65- 66 ب- أرقم322 وتقدم برقم (85) .
2 4/251.
3 6/183.
4 محمد بن يزيد الآدمي، أبو جعفر الخراز، - بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي - البغدادي، ثقة عابد، من صغار العاشرة (ت 245) /س. (ابن حجر: التقريب 2/220 والتهذيب 9/530) .
5 معن بن عيسى بن يحيى، الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، من كبار العاشرة (ت 198) /ع. (المصدر السابق 2/267، 10/252) .
6 جامع البيان 10/103، وانظر البيهقي: دلائل النبوة 3/45.
7 أبو عبد الرحمن الفهري، صحابي، وقيل اسمه يزيد بن إياس، وقيل الحارث بن هشام، وقيل عبيد، وقيل كرز بن ثعلبة، شهد حنينا ثم فتح مصر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أبو همام عبد الله بن يسار. /د. (ابن حجر: التقريب 2/446 وتهذيب التهذيب 12/154) .
8 بهز بن أسد العمي - بفتح العين وتشديد الميم - أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت بعد المائتين وقيل قبلها) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/109، وتهذيب التهذيب 1/497) .
9 ثقة عابد، تقدمت ترجمته في حديث (36) .
10 يعلى بن عطاء العامري، ويقال: الليثي الطائفي ثقة، من الرابعة (ت 120) أو بعدها. /ز م عم. (المصدر السابق 2/378، 11/403) .
11 عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي ويقال: عبد الله بن نافع، مجهول من الثالثة. /د عس. (ابن حجر: التقريب 1/462، وفي تهذيب التهذيب 6/85) .
قال: روى عن علي وعمرو بن حريث وأبي عبد الرحمن الفهري في غزوة حنين وعنه يعلى بن عطاء العامري، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني: هو شيخ مجهول وكذا قال أبو جعفر الطبري وقد سماه غير يعلى بن عطاء: عبد الله بن نافع، وكذا قال هشيم عن يعلى بن عطاء. إهـ.
ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا. (الجرح والتعديل 5/202) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي1 وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه2، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: اسرج لي فرسي، فأخرج سرجا دفتاه من ليف3 ليس فيهما أشر ولا بطر، قال: فأسرج قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت4 الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله"، قال: "ثم اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله عز وجل، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست5 الحديد6.
1 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: أداته وقد يترك الهمز تخفيفا. (ابن الأثير: النهاية 4/220) .
(الفسطاط: بيت من شعر (ابن منظور: لسان العرب 9/246) .
3 الليف: هو ما يخرج من أصول سعف النخل يحشى بها الوسائد، ويفتل منها الحبال، ودفتاه: جانباه. (هدي الساري لابن حجر ص185) .
4 فتشامت الخيلان: بتخفيف الشين المعجمة وتشديد الميم أي تقاربت والتقت. وورد فتسامت بالسين المهملة. وعند الطبري: "فلما التقى الخيلان".
وعند أبي داود الطيالسي: "فلقينا العدو وتشامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين"، وهذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث لا يؤخذ منها بأن المسلمين ولوا الأدبار بمجرد التلاقي للأعداء كما يفهم أيضا من حديث جابر بن عبد الله، وإنما قاتلوا الأعداء حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بجمع الغنائم ظانين أن العدو ولى إلى غير رجعة، ولكن العدو انتهز فرصة انشغالهم بجمع الغنائم فانهال عليهم بالسهام من كل ناحية. فولى المسلمون عندئذ وهذا هو صريح حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11، والمعجم الوسيط 1/447) .
5 على الطست الحديد: ورد الحديد: بالحاء المهملة، وورد (الجديد) بالجيم. قاال الزرقاني: الجديد: بالجيم تنبيها على قوة الصوت الذي سمعوه فإن صوت الجديد أقوى من العتيق (شرح المواهب 3/14) .
6 أحمد: (المسند 5/286) .
ثم ساق سندا آخر فقال: ثنا عفان1 ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى ابن عطاء عن عبد الله بن يسار أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال:"كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ، فذكر مثله"2.
والحديث أخرجه أبو داود عن موسى3 بن إسماعيل أخبرنا حماد ابن سلمة به وساق منه إلى "فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا" ثم قال:
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث. وهو حديث نبيل4 جاء به حماد بن سلمة5.
وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم أخبرنا حماد به بتمامه6. وأخرجه الطيالسي عن حماد بن سلمة به وساقه تاما ومن طريقه أخرجه البيهقي7. وأخرجه الدارمي عن حجاج8 بن منهال وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة به9.
وأخرجه الطبري عن علي10 بن سهل قال: ثنا مؤمل11 قال: ثنا حماد بن سلمة به12.
1 عفان بن مسلم تقدمت ترجمته في حديث (74) .
2 أحمد: (المسند 5/286) .
3 موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - أبو سلمة التبوذكي-بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة-مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه (ت 223) /ع. (ابن حجر: التقريب2/280 وتهذيب التهذيب10/333) .
4 قال شمس الحق العظيم آبادي: "حديث نبيل: النبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور"، وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة. (عون المعبود: 14/148) .
(السنن: 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/156. وابن أبي شيبة: التاريخ ص92أ- ب) .
(منحة المعبود 2/107. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44ب) .
8 حجاج بن منهال الأنماطي، ثقة فاضل تقدمت ترجمته في حديث (55) .
(السنن2/139 كتاب السير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم شاهت الوجوه) .
10 علي بن سهل بن قادم الرملي، نسائي الأصل، صدوق من كبار الحادية عشرة، (ت 261) /د س. (ابن حجر: التقريب 2/38 وتهذيب التهذيب 7/329) .
11 مؤمل - بهمزة بوزن محمد - بن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن، نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ، من صغار التاسعة (ت 206) /خت قد ت س ق. (المصدر السابق 2/290، 10/380) .
12 (جامع البيان 10/102) .
وساق كل من الدارمي والطبري إلى "فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا".
وأخرجه البزار عن عبد الواحد1 بن غياث، ثنا حماد بن سلمة به، بتمامه2. وفي آخره قال:
قال البزار: "ما روى الفهري إلا هذا، وما رواه إلا حماد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: روى أبو داود منه إلى قوله "ليس فيه أشر ولا بطر" ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات3.
وأورده ابن حجر وقال: "أصله في سنن أبي داود ورجاله ثقات"4.
وساقه ابن كثير في تفسيره عن أحمد وفي آخره قال: وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به5.
وفي البداية والنهاية ساق الحديث عن أبي داود الطيالسي وفي آخره قال: ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه6.
وأورده الزرقاني وقال: رواه أحمد وأبو داود والدارمي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه7 والبيهقي، ورجاله ثقات، كلهم من حديث أبي عبد الرحمن الفهري8.
1 عبد الواحد بن غياث - بمعجمة مكسورة ومثلثة - البصري أبو البحر الصيرفي، صدوق، من صغار التاسعة (ت 240) وقيل قبل ذلك. /د. (ابن حجر: التقريب 1/526 و6/438) .
(كشف الأستار 2/350) .
3 6/181- 182.
(مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم (816) .
5 2/334.
6 4/331- 332
7 أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني تقدم في حديث (56) .
8 شرح المواهب 3/13.
وأورده ابن الأثير في ترجمة أبي عبد الرحمن الفهري وقال: رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن1 الفهري2.
وقال ابن حجر في الإصابة: "أخرج حديثه أبو داود والبغوي ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي من طريق يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه أنه شهد حنينا"3.
والحديث بجميع طرقه يدور على أبي همام عبد الله بن يسار، ووصف بأنه مجهول. ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق، واعتمد ابن حجر فيه قول ابن المديني "شيخ مجهول".
وقد قال ابن حجر أيضا والهيثمي والزرقاني عن هذا الحديث بأن رجاله ثقات4 وقال أبو داود: هو حديث نبيل5، مع أنه يدور على أبي همام المذكور والحديث مع الأحاديث المتقدمة يشد بعضها بعضا.
92-
وعند الطبري قال: حدثنا ابن حميد6 قال: ثنا جرير7 عن يعقوب8 عن
1 قال ابن عبد البر: "أبو عبد الرحمن الفهري القرشي هو الذي وصف الحرب يوم حنين، وهو الذي سأله ابن عباس عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، وكذا قال المنذري. وقال ابن حجر: وقد فرق بينهما ابن مندة وأن الذي وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القرشي لا الفهري وهو الذي يظهر رجحانه فقد صرح غير واحد بأن عبد الله بن يسار تفرد بالرواية عن أبي عبد الرحمن الفهري، وكأن أبا عمر لما رأى أن الفهري والقرشي نسبة واحدة ظنهما واحدا". (ابن عبد البر: الاستيعاب 4/137- 138 مع الإصابة، وابن حجر: الإصابة 4/128 وتهذيب التهذيب 12/154) . وعون المعبود 14/147.
2 أسد الغابة 6/199.
3 4/128، وقد عزا ابن حجر في فتح الباري 8/32 حديث أبي عبد الرحمن الفهري إلى الترمذي وتبعه في هذا الزرقاني في شرح المواهب 3/13، ونسبة هذا الحديث للترمذي (وهم) فقد عزاه ابن حجر نفسه في الإصابة والتقريب لأبي داود فقط وسقطت علامة أبي داود من تهذيب التهذيب، وكذا عزاه المزي في تحفة الأشراف 9/232 حديث (12067) والنابلسي في ذخائر المواريث 3/206 حدث (8047) لأبي داود فقط.
وأيضا المباركفوري لم يذكر أبا عبد الرحمن الفهري في رجال الترمذي. (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/145) .
4 انظر: (مختصر مسند البزار لابن حجر ص251 رقم (816) ومجمع الزوائد للهيثمي 6/181- 182 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/13) .
(سنن أبي داود 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) .
6 محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة (ت 230) /د ت ق. (التقريب 2/156 وتهذيب التهذيب 9/127) .
7 جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، تقدم في حديث (26) .
8 يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري، أبو الحسن القمي - بضم القاف وتشديد الميم - صدوق يهم، من الثامنة (ت 174) /خت عم. (التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/390- 391) .
جعفر1 عن سعيد2 قال: أمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين3، وقال: ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ، [سورة التوبة، من الآية:40] . 4.
والحديث أورده الزرقاني والشوكاني: ونسباه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، ثم ساقا مثل ألفاظ حديث الطبري5
والحديث فيه محمد بن حميد وهو ضعيف وفيه جعفر بن أبي المغيرة، قال ابن مندة6 ليس بالقوي في سعيد بن جبير7، ثم الحديث مقطوع.
وهذا الحديث لا تقوم به حجة في كون الملائكة الذين حضورا غزوة حنين كانوا خمسة آلاف.
قال الشوكاني: "وقد اختلف في عدد الملائكة الذين اشتركوا في حنين على أقوال: قيل خمسة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ستة عشر ألفا، وقيل غير ذلك وهذا لايعرف إلا من طريق النبوة8.إهـ
هذا وقد اختلف أيضا في قتال الملائكة مع المسلمين.
قال القسطلاني: "قاتلت الملائكة مع المسلمين في غزوة بدر وحنين"9.
1 جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، القمي، صدوق يهم، من الخامسة. /بخ د ت س فق. (التقريب 1/133 وتهذيب التهذيب 2/108) .
2 سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة (59) ولم يكمل الخمسين./ع. (التقريب1/ 292 وتهذيب التهذيب4/11) .
3 مسومين: أي لهم علامات يعرفون بها. (النهاية لابن الأثير: 2/425) .
(جامع البيان 10/103) .
(الشوكاني: فتح القدير 2/349. والزرقاني شرح المواهب 3/16) .
6 هو الحافظ الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة واسم مندة: إبراهيم ابن الوليد الأصبهاني، سمع محمد بن العلاء أبا كريب ومحمد بن سليمان لوين وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ مات في رجب سنة (301هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/741) .
(الذهبي: ميزان الاعتدال 1/417، وابن حجر: تهذيب التهذيب 2/108) .
(الشوكاني: فتح القدير 2/348) .
(المواهب اللدنية 1/164) .
قال الزرقاني: "والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين كما قدمه المصنف في (بدر) 1 لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لمَ تَرَوهَا} ولا دلالة فيه على قتال، وفي تفسير ابن كثير: المعروف من قتال الملائكة إنما كان يوم بدر"2.
قال ابن مرزوق3: "وهو المختار من الأقوال، ثم قال الزرقاني: وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك الدنيا، وهذه شبهة دفعها الإمام السبكي4 بقوله: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع"5. إهـ.
والخلاصة في هذا أن الآية ذكرت بأن هناك جنودا أنزلها الله في غزوة حنين لتثبيت المؤمنين وتقويتهم، ووردت هذه الآثار تدل على اشتراك الملائكة في هذه الغزوة وهذه الآثار تشد بعضها بعضاً وفيها ما نص العلماء على أن رجالها ثقات وبمجموعها تكون على أقل تقدير من قبيبل الحسن لغيره وجرت عادة المفسرين أنهم يذكرون حول تفسير هذه الآية هذه الآثار وأن المراد بالجنود في الآية هم الملائكة على أن الآية لم تتعرض لعدد الملائكة الذين نزلوا لتأييد المؤمنين، كما أنها لم تتعرض أيضا لبيان أن الملائكة باشرت القتال مع المسلمين.
1 انظر: (المواهب اللدنية 1/82) .
(تفسير ابن كثير 1/401) .
3 ابن مرزوق: ذكر كحالة في معجم المؤلفين أربعة كل واحد منهم يقال له ابن مرزوق وكلهم مؤلفون وكلهم فبل الزرقاني، ولم أستطع تمييز واحد من بينهم. (انظر: معجم المؤلفين لكحالة6/270، 8/317 و9/16و11/187) .
4 هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، تقي الدين السبكي، الخزرجي الأنصاري، أبو الحسن الدمشقي الشافعي صاحب كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" في الرد على ابن تيمية، وكمل على شرح المهذب للنووي في خمس مجلدات وهو والد تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب صاحب كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" (683- 756هـ) أبو المحاسن محمد بن علي تلميذ. الذهبي: تذكرة الحفاظ ص39- 40، تلميذ الذهبي: ذيل تذكرة الحفاظ ص39- 40.
(الزرقاني: شرح المواهب 3/23. وابن حجر: فتح الباري 7/313) .
93-
وقد روى الطبري من حديث ابن عباس قال: "لم تقاتل الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ يوم بدر، وكانت فيما سوى ذلك إمداد1".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد العزيز2 بن عمران، ضعيف"3.
94-
وأخرج أيضا من حديث ابن عباس قال: "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر، إنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون"4.
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمار5 بن أبي مالك الجنبي، ضعفه الأزدي".
وقال الشوكاني: "وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر"6.
ويتبن من الروايات السابقة أن الله سبحانه أيد عباده المؤمنين بجنود من عنده لينصر بهم أولياءه ويخذل بهم أعداءه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وسواء قاتلت الملائكة فعلا في معركة حنين أو لم تقاتل فإن فائدة نزو لهم تحقق ولاشك سواء كان ذلك عن طريق القتال الفعلي أو عن طريق أمر آخر يريده الله من إنزالهم لنصرة الحق ودحض الباطل وأما اختصاص قتال الملائكة (ببدر الكبرى) دون غيرها من الغزوات فهذا قول فيه نظر وذلك لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم ومسند أبي داود الطيالسي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
95-
"لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".
(مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) .
2 قال ابن حجر في التقريب 1/511: "متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه".
(مجمع الزوائد 6/82- 83) .
(مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) .
5 انظر: (الذهبي: ميزان الاعتدال 3/167. وابن حجر: لسان الميزان 4/274) .
(فتح القدير 2/293) .
وفي لفظ لمسلم: "ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام "1.
ولفظ الطيالسي: "ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده".
قال النووي رحمه الله: "في الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه: فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء".
وفيه: منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة". والله أعلم2.
(البخاري: الصحيح 5/81 كتاب المغازي - باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، 7/128 كتاب اللباس، باب الثياب البيض. ومسلم: الصحيح 4/1802 كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم واللفظ له. وأبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود 2/100) .
2 شرح صحيح مسلم 5/163.
وتقدم ص 180 رؤية حارثة بن النعمان لجبريل، وقد ثبتت رؤية الصحابة لجبريل في غزوة بني قريظة في صورة دحية الكلبي.
وهذه الأحاديث ترد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشيبة: "يا شيب إنه لا يراها إلا كافر" أي الملائكة. انظر ص 262.