المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (93- 99) [سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 106) [سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 110) [سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 116) [سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 119) [سورة التوبة (9) : الآيات 117 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 122) [سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 127) [سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 127]

- ‌الآيتان: (128- 129) [سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌10- سورة يونس

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(الآيات: (5- 10) [سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 14) [سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 19) [سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 23) [سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 30) [سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 36) [سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 36]

- ‌السمع والبصر.. ومكانهما فى الإنسان

- ‌الآيات: (37- 41) [سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 44) [سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 52) [سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 56) [سورة يونس (10) : الآيات 53 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 60) [سورة يونس (10) : الآيات 57 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 64) [سورة يونس (10) : الآيات 61 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 70) [سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 74) [سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 86) [سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 86]

- ‌الآيات: (87- 89) [سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 95) [سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 95]

- ‌العلم وأسلوب تحصيله

- ‌الآيات: (96- 103) [سورة يونس (10) : الآيات 96 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108- 109) [سورة يونس (10) : الآيات 108 الى 109]

- ‌11- سورة هود

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة هود (11) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 24) [سورة هود (11) : الآيات 17 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 31) [سورة هود (11) : الآيات 25 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة هود (11) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 44) [سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 49) [سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 60) [سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 68) [سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 83) [سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 88) [سورة هود (11) : الآيات 84 الى 88]

- ‌الآيات: (89- 95) [سورة هود (11) : الآيات 89 الى 95]

- ‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌الآيات: (109- 115) [سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 119) [سورة هود (11) : الآيات 116 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 123) [سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]

- ‌12- سورة يوسف

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة يوسف (12) : الآيات 15 الى 22]

- ‌[يوسف.. والفتنة المتحدّية]

- ‌الآيات: (23- 29) [سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌(الآيات: (30- 35) [سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 42) [سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 49) [سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 52]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

الرسل لهم بالإيمان مجال للعمل فى هذه القلوب المغلقة، التي جمدت على ما انطبع فيها من ضلال وكفر..

وفى هذا تسفيه لأولئك الذين تجمّدوا على أوضاعهم التي هم فيها، ولا يتحولون عنها، ولو كانت ممسكة بهم على مراتع الجهل والضلال، وفى منازل الذلة والهوان.. وليس ذلك شأن الإنسان الذي يحمل فى كيانه عينا تنظر، وأذنا تسمع، وعقلا يدرك، وقلبا يشعر.. إن شأنه دائما يجب أن يكون مستقبلا للحياة لا مدبرا عنها، متعاملا معها، لا مستسلما لها.. فإذا جاءت دعوة جديدة- أيا كانت- لم يكن من الإنصاف لإنسانيته أن يغمض عينيه عنها، ويصم أذنيه دونها، ويحول بين عقله وقلبه أن يتصلا بها، ويتعرفا عليها..

بل إن عليه أن يستمع إلى تلك الدعوة وأن ينظر فى وجهها، فإن كانت دعوة خير استجاب لها، وانتفع بها، وجنى الثمر الطيب منها، وإلّا توقّاها، وأخذ حذره منها.. وبهذا يكون الإنسان دائما فى ميدان الحياة، مشاركا فى معاركها، آخذا بحظه من مغانمها.. أما إن أغلق كيانه على ما هو فيه، فلم يقبل خيرا، أو يدفع شرا، ظل على حال من الطفولة، لا يتحول عنه، وظلت الإنسانية- إن أخذت مأخذه- واقفة حيث هى، لا تتحرك خطوة إلى الإمام.

‌الآيات: (75- 82)[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79)

فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)

ص: 1054

التفسير: فى هذه الآيات، وما بعدها، قصة موسى، عليه السلام، وما كان بينه وبين فرعون، الذي يمثّل وجها من وجوه الطغيان والكفر..

وقد جاءه موسى يدعوه إلى الله، ويوجهه إلى ما يزكّيه ويطهره، ويقيمه على طريق الحق والإحسان، بما يقيمه الإيمان فى قلوب المؤمنين من فضائل إنسانية كريمة مشرقة، كما يقول الله تعالى لموسى بما يدعو فرعون إليه:«هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى» ..

ولكن فرعون يأبى إلا عنادا وكفرا، وإلا ضلالا وجهلا..

«ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ» ..

هذا هو مجمل القضية، وخاتمة المطاف فيها..

بعث الله موسى وهرون إلى فرعون وملائه، وبين أيديهما آيات. بينات من عند الله، فأخذت فرعون العزة بالإثم، واستكبر أن يذعن لتلك الآيات وأن يجعلها داعية الإيمان له ولقومه.. «فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ» ..

ثم تجىء الآيات بعد هذا مفصّلة هذا الإجمال.. تفصيلا مجملا أيضا..

ص: 1055

حيث كان لهذه القصة أكثر من ذكر فى القرآن الكريم.. فيه بسط وتفصيل لها..

«فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» ..

هذا هو القول الذي استقبل به فرعون وحاشيته آيات الله حين طلعت عليهم:

- «إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» .. قالوا ذلك فى تأكيد قاطع، حتى لكأنهم قد اختبروا هذه الآيات اختبارا علميا محققا، ثم كشف لهم العلم عن تلك الحقيقة وملئوا أيديهم بها، ونزلت من عقولهم منزل اليقين، الذي لا شك فيه:«إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» .. وهكذا شأن من يكابر فى الحق، ويعانده..

إنه- وقد زلزلت الأرض به، من قوة الحق وصدمته- يحاول جاهدا أن يقوى نفسه، ويمسك وجوده بهذه الكلمات الكاذبة المفضوحة المموهة، بهذا التوكيد القاطع، وهو فى دخيلة نفسه يرجف خوفا، ويضطرب فزعا..

قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ» ..

يقول موسى لفرعون منكرا عليه أن يقول فى آيات الله التي طلع بها عليه: «إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» - يقول له موسى: «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ؟ ..

وهنا مقول القول محذوف.. تقديره أتقولون لهذا الحق الذي جاءكم:

«إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» .. أو أتقولون هذا القول المنكر.. لآيات الله لما جاءتكم؟ ..

وقد حذف مقول القول، لأنه قول منكر، يعفّ لسان العاقل عن أن

ص: 1056

يتلفظ به، ولو كان على سبيل الحكاية.. وإذا كان ناقل الكفر ليس بكافر، فإن حسبه من الشناعة أن يحمل هذا الإثم، ويجريه على لسانه.. كساقى الخمر فإنه، وإن لم يشربها، هو أداة من أدواتها، وإناء من آنيتها..

وقد نزه الله موسى عليه السلام، أن ينطق بما نطق به فرعون، من زور وبهتان! ..

وفى تعدية القول إلى المقول «باللام» : «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ» معدولا به عن التعدية بحرف الجر «عن» ، إذ أنهم لم يقولوا للحق بل قالوا عنه هذا القول- نقول: فى هذه التعدية سرّ من أسرار النظم القرآنى، وإعجاز من إعجازه..

فإذا كان الحق الذي جاء به موسى، حقا واضحا مشرقا، لا لبس فيه، حتى لكأنه كائن عاقل، رشيد، يستغنى عن أن يدل عليه أحد أو يكشف عن وجهه كاشف- إذا كان ذلك كذلك، فقد صح أن ينزل هذا الحق منزلة العقلاء، وأن يوجه إليه الخطاب، وأن ينكر على من يعتدى عليه هذا العدوان.. «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ» هذا القول المنكر؟ ..

فالحق فى إشراقه، وجلاله، وسلطانه، مستغن بنفسه عمن يسنده، ويشدّ أزره، فهو إذ يطلع على الناس، يطلع عليهم كائنا سويا، يتحدث إلى الناس ويتحدثون إليه.. وهذا ما يشير إليه توجيه القول من المكذبين بالحق، إلى الحق:«أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ» كما يشير إليه مجىء الحق إليهم من غير أن يستند فى مجيئه إلى أحد إذ يقول لهم موسى «لَمَّا جاءَكُمْ» .. ولم يقل: «لما جئتكم به» ..

- وفى قوله تعالى: «أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ» تعقيب يؤكد به موسى ما أنكره على فرعون من قوله عن آيات الله: «إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ»

ص: 1057

وذلك بعد أن أنكر عليه هذا القول بقوله: «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ؟ ..»

وقدم إنكار السحر على الإشارة إليه، لأن المطلوب أولا هو إنكار أن يكون هذا الذي جاء به موسى سحرا.. فهو ينفى السحر أصلا، أن يكون قد وقع فى هذا الموقف الذي كان بين موسى وفرعون، حين طلع عليه بآيات الله.. ثم يحدد بالإشارة هذا الشيء الذي ينفى عنه السحر، وهو آيات الله تلك.. فيقول له:«أَسِحْرٌ هذا؟» ، ولا يقول: أهذا سحر؟ لأن موسى ليس ساحرا، ولا يأتى بسحر أبدا، سواء أكان هذا الذي يشهده منه فرعون الآن أو غير الآن..

- وفى قوله تعالى: «وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ» هو حال من اسم الإشارة المشار به إلى آيات الله.. والمعنى أتقولون عن آيات الله هذه، إنها سحر، وأهل السحر لا يفلحون أبدا..

وفى هذا إشارة إلى أن موسى من المفلحين بما فى يديه من آيات الله، وأنه ينذر فرعون بأنه سيغلب ويهزم، إن هو تصدى لآيات الله تلك.

«قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ» .

ولا يجيب فرعون على تساؤل موسى وإنكاره لقوله الذي قاله فى آيات الله.. بل يشغب هو والملأ حوله على موسى، ويصيحون فى وجهه:«أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا؟» .. وتلك هى علة الجاهلين، وداء السفهاء والحمقى.. التمسك بالقديم، وعقد القلوب عليه، وإن كان بلاء وشرا..

لأنهم أعفوا عقولهم من النظر والتفكير، ورضوا بما استقر فيها من كل غث وزيف..

ص: 1058

- وفى قوله تعالى: «وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ» ما يكشف عن علة أخرى من علل الضالين، وعن داء من أدوائهم، وهو الحرص على ما فى أيديهم من سلطان، ولو باعوا لذلك عقولهم، وأهلكوا فيه أنفسهم.. إنه دفاع عن جاه، ودفع عن سلطان.. لا أكثر ولا أقل.. وفى سبيل هذا يهون عندهم كل شىء، ويصغر كل شىء! - وقوله تعالى:«وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ» هو كلمة القوم التي يحتمون بها من وجه هذا الوافد الجديد، والذي جاء لينازعهم سلطانهم، أو ليستبد به دونهم.. «وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ» .. هى قولة واحدة قاطعة، لا رجوع عنها، ولا بديل منها، ولو جاءهم موسى وهرون بآيات وآيات.. إنهم لن يؤمنوا لموسى وهرون أبدا.

«وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ.. إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» .

فى هذه الآيات، ينكشف ما كان يعتمل فى نفس فرعون، من خوف على سلطانه الذي بين يديه، والذي جاء موسى ينازعه إياه، وينزله عنه..

ذلك أنه قد رأى أن الأمر لن ينحسم بينه وبين موسى بهذه الكلمات التي صرخ بها فى وجهه، هو ومن حوله من حاشيته.. فما هذا إلا كلام، لا يكافئ الفعل الذي كان من موسى، حين ألقى عصاه، فكانت ثعبانا مبينا، فزعت له النفوس، واضطربت منه القلوب! وإن الذي ينبغى أن يواجه به هذا الموقف هو أن يحارب موسى بالسلاح الذي جاء يحاربه به، وأن يهزمه فى هذا الميدان الذي التقى معه فيه، وإلا فما زالت

ص: 1059

الجولة لموسى.. الأمر الذي تأبى كبرياء فرعون أن تقبله، وأن تبيت عليه..

«وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ» .. فهو ما زال مصرا على أن ما جاء به موسى هو سحر.. وإذن فليلقه بسحر مثله، وليجمع لذلك ما فى دولته من أساتذة السحر وأربابه..

«فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ» .. وهكذا يتحدد الموقف.. وتبدأ المعركة.. ويأخذ السحرة موقف المبادرة.. إذ يفسح موسى لهم المجال، ويدعوهم إلى أن يبدءوا، ويلقوا ما معهم من سحر.

«فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ.. إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» .. ولقد ألقى السحرة ما معهم، فلما رأى موسى ما كشفوا من أسلحتهم، قال:«ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» .. فذلك هو السحر، لا ما جئتكم به، كما قال فرعون من قبل:«إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» .!

وهنا ينكشف الباطل ويتعرّى، ويبين الزيف وينفضح الضلال..

فلو كان الذي مع موسى هو السحر كما قال فرعون، فإنه لن يكسب المعركة، لأنه يحارب سحرا بسحر.. أما إن كان الذي بين يديه هو الحق فإنه غالب لا محالة.. فما يثبت الباطل للحق أبدا «إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» الذين يتخذون الباطل مركبا يخوضون به فى بحار الحق.. «إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ..» .. «وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» ..

فتلك هى نهاية الصراع بين الحق والباطل.. إن الحق هو كلمة الله، وكلمة الله هى العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.. وإحقاق الله للحق، هو فى انتصار الحق، وتمكّنه، وإجلاء الباطل من مواقعه.. «فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .

- وفى قوله تعالى: «وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» - إشارة إلى أن الحق

ص: 1060