المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (93- 99) [سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 106) [سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 110) [سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 116) [سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 119) [سورة التوبة (9) : الآيات 117 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 122) [سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 127) [سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 127]

- ‌الآيتان: (128- 129) [سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌10- سورة يونس

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(الآيات: (5- 10) [سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 14) [سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 19) [سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 23) [سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 30) [سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 36) [سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 36]

- ‌السمع والبصر.. ومكانهما فى الإنسان

- ‌الآيات: (37- 41) [سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 44) [سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 52) [سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 56) [سورة يونس (10) : الآيات 53 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 60) [سورة يونس (10) : الآيات 57 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 64) [سورة يونس (10) : الآيات 61 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 70) [سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 74) [سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 86) [سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 86]

- ‌الآيات: (87- 89) [سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 95) [سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 95]

- ‌العلم وأسلوب تحصيله

- ‌الآيات: (96- 103) [سورة يونس (10) : الآيات 96 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108- 109) [سورة يونس (10) : الآيات 108 الى 109]

- ‌11- سورة هود

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة هود (11) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 24) [سورة هود (11) : الآيات 17 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 31) [سورة هود (11) : الآيات 25 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة هود (11) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 44) [سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 49) [سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 60) [سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 68) [سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 83) [سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 88) [سورة هود (11) : الآيات 84 الى 88]

- ‌الآيات: (89- 95) [سورة هود (11) : الآيات 89 الى 95]

- ‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌الآيات: (109- 115) [سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 119) [سورة هود (11) : الآيات 116 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 123) [سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]

- ‌12- سورة يوسف

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة يوسف (12) : الآيات 15 الى 22]

- ‌[يوسف.. والفتنة المتحدّية]

- ‌الآيات: (23- 29) [سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌(الآيات: (30- 35) [سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 42) [سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 49) [سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 52]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

«وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ» فكان العذاب الذي أخذوا به هو «الصيحة» التي رجفت بها الأرض من تحتهم، فجمد الدم فى عروقهم، خوفا وفزعا.. فلم يتنفس أحد منهم بعدها نفسا..

وهذه الصيحة هى التي أهلك الله بها قوم صالح، كما يقول سبحانه فى هذه السورة:

«وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ» (الآية 67) .. ولهذا جاء قوله تعالى:

«كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها.. أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ» .. فهو موقف واحد، ومصير واحد.. موقف على مرتع الإثم والضلال، ومصير إلى الهلاك والبلاء فى الدنيا، وإلى النار وعذاب السعير فى الآخرة..

‌الآيات: (96- 109)[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)

وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)

ص: 1194

التفسير:

هكذا تختم قصص هذا الصراع، بقصة موسى مع فرعون.. ولا تذكر تفاصيل هذه القصة، بل تجىء فى هذا العرض الموجز، المعجز، الذي يجمع- على إيجازه- كلّ مضمون القصة، ويكشف عن الملامح البارزة فيها، أما من أراد التفاصيل. ففى غير موضع من القرآن الكريم يجد ذكرا لهذه القصة، وفى كل موضع، يقع على مضمون القصة كاملا، ثم يجد بين يديه حدثا من أحداثها التي تتشكل منها.. وهكذا يلتقى قارئ القرآن آخر الأمر بقصة موسى وفرعون كاملة، فى مجريات أحداثها، ومواقف أشخاصها.. وإن التقى بها أكثر من مرة فى معارض مختلفة الشكل، متفقة المضمون..

كما سنبين ذلك فى مبحث «التكرار فى القصص القرآنى» ..

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ» ..

ص: 1195

والآيات التي أرسل بها موسى هنا، هى الآيات المادية، التي أراها لفرعون، معجزات متحدية، تشهد له أنه رسول من ربّ العالمين، وهى تسع آيات، كما قال تعالى:«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» (101- 102: الإسراء) والآيات التسع هى: العصا، ويده التي كان يدخلها فى جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، وفى هذا يقول الله تعالى:«وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ.. فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ» (31- 22: القصص) ..

ثم خمس الآيات التي ذكرها الله تعالى فى قوله: «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ.. آياتٍ مُفَصَّلاتٍ» (133:

الأعراف) ..

أما الآيتان الأخريان، فهما: أخذهم بالسنين المجدبة، والنقص فى الثمرات، كما يقول سبحانه وتعالى:«وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» (130: الأعراف) ..

أما السلطان المبين، فهو ما كان لموسى بهذه الآيات، من قوة قاهرة على فرعون، إذ أعجزه بها، وأخزاه، ثم ساقه قدره، فكان من المغرقين! ..

- وفى قوله تعالى: «فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ»

ص: 1196

إشارة إلى ما كان من فرعون وملائه عند لقاء تلك المعجزات، وأنهم كفروا بها، واتبعوا فرعون فى خلافه على موسى.. ولم يكن اتّباعهم فرعون ليدنيهم من خير، أو يمكن لهم من هدى.. فما دعاهم فرعون إلا إلى ضلال، وما ساقهم إلا إلى هلاك.. إنه أمر بالفحشاء، ودعوة إلى بلاء! ..

«يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» .. إنه إمامهم فى الآخرة، كما كان إمامهم فى الدنيا.. وهو إمام ضال، لا يتبعه إلا ضالون.. وهكذا من يلقى رمامه إلى غيره، من غير نظر إليه، أو تدبّر فى أمره.. «وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ» أي بئس هذا المورد الذي ورده القوم.. إنه النار وكفى بالواردين إليها ضياعا، وبلاء! وفى التعبير عن ورودهم النار- بالفعل الماضي، مع أنهم لم يردوها بعد، إشارة إلى أن ورودهم إياها أمر محقق، وأن أعمالهم التي تلبسوا بها فى هذه الدنيا، من كفر وضلال، هى المركب الذي يسير بهم إلى النار.. فهم- والأمر كذلك- سائرون إلى النار، موقوفون عليها، لا مورد لهم سواها.

«وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ» .. الإشارة هنا إلى الدنيا، ولم تذكر، استخفافا بها، وامتهانا لها، لا من حيث أنها دنيا، بل لأنها دنياهم هم التي لم يحسنوا العمل فيها، ولم يخرجوا منها بزاد طيب يتزودون به ليوم القيامة.. وإلا فهى دار طيبة لمن أحسن العمل، وغرس فى مغارس الخير والإحسان..

واللعنة التي أتبعتهم فى هذه الدنيا، هى ما يرميهم به الناس بعدهم، من لعنات،

ص: 1197

حيث تذكر سيرتهم، فلا يرى فيها الناس إلّا عوجا، وزيغا، وفسادا فى الأرض.. وكذلك شأنهم فى الآخرة، حيث يراهم المؤمنون، وقد وردوا هذا المورد الوبيل، وباعوا آخرتهم بهذا الثمن البخس الذي باعوها به فى دنياهم، من متاع زائل، وسلطان زائف! فيرمون باللّعنات.. «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» ..

«بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ» .. الرفد: العطاء بعد العطاء، ويستعمل فى مواضع الخير، والإحسان.. وقد استعمل هنا فى العذاب والبلاء، ليدلّ على أن ما يرفدون به، هو اللعنة، وأنها هى الإحسان الذي يمكن أن يحسن به إليهم، إذ لا عطاء لهم إلا من هذا المورد الذي وردوه، وليس فيه ما يعطى إلا النكال والسوء! «ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ» الإشارة هنا إلى هذا القصص الذي قصه الله فى هذه الآيات، الكريمة.. والخطاب للنبى صلوات الله وسلامه عليه، والقرى: هى قرى أولئك الأقوام الذين أهلكهم الله، وصبّ عليهم نقمته، بعد أن ساق إليهم رحمته على يد رسله فردّوها، وآذوا المرسلين إليهم بها..

«مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ» أي من هذه القرى ما هو «قائم» أي باق لم تضع كل معالمه بعد، ومنها ما هو «حصيد» قد اندثر، وذهبت معالمه.. وقد شبهّت القرى بالزرع، لما فيها من حياة، ولما تتعرّض له هذه الحياة من صور التبدّل والتحول.. فتخضرّ، وتورق، وتزهر، وتثمر.. ثم تنضج، وتحصد..

وهكذا تلبس القرى من صور الحياة ما يلبس الزرع من تلك الصور!

ص: 1198

«وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» أي أن أهل هذه القرى، الذين أهلكهم الله، لم يكن إهلاكهم بظلم من الله لهم، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم، بحجزها عن الخير، وسوقها إلى هذا البلاء الذي أخذهم الله به..

«فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» .. أي أن آلهتهم، لم تردّ عنهم بأس الله إذ جاءهم، ولم تمدّ إليهم يدا تستنقذهم من هذا البلاء الذي هم فيه.

«وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ» أي أن هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله لم تزدهم إلا خسرانا إلى خسران، وعذابا إلى عذاب، وحسرة إلى حسرة، وذلك حين ينادونهم فلا يسمعون لهم، ويستصرخونهم، فلا يخفّون إليهم..

وهنا يرون أنهم كانوا مخدوعين بهم، وأن تلك الآلهة هى التي خدعتهم وأضلتهم.. حتى إذا جدّ الجدّ تبرءوا منهم، وضلّوا عنهم.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى قوله:«وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا.. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ» (167: البقرة) .. والتتبيب، والتباب: الخسران، والبلاء.

«وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» أي مثل هذا الأخذ بالهلاك والعذاب، يأخذ الله القرى الظالمة.. وفى هذا تهديد للمشركين من قريش، وتلويح لهم ولقريتهم، بهذا المصير الذي صارت إليه القرى الظالمة وأهلها..

«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ.. ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» .. الإشارة هنا إلى هذه الأحداث التي مرت بتلك

ص: 1199

القرى الظالمة، وما حلّ بها وبأهلها من سوء.. ففى هذا عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة، أي آمن بالله، وباليوم الآخر، وعمل لنفسه من أجل هذا اليوم، حتى لا يقع تحت طائلة العذاب الذي أعده الله للظالمين، المكذبين بالله، وبهذا اليوم.. وهو يوم يجتمع له الناس جميعا، بعد أن يبعثهم الله من قبورهم، وهو يوم مشهود، يشهده الناس جميعا، ويرون ما يقع فيه من أهوال، وهو يوم عظيم.. للأحداث العظيمة التي تقع فيه.

«وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ» .. أي إن هذا اليوم آت لا ريب فيه، وإن تأخيره إنما هو لاستيفاء الأجل الذي قدّره الله لهذا اليوم.

«يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ» أي يوم يأتى هذا اليوم، ويعرض فيه الناس على ربّهم، لا تملك نفس من أمرها شيئا، فلا تنطق بكلمة حتى يؤذن لها من الله سبحانه.. وذلك لهول الموقف، الذي تخمد فيه الأنفاس، وتخرس الألسنة.. وهم بين شقىّ وسعيد.. شقى بما حمل على ظهره من أوزار، وما قدم بين يديه من سيئات.. وسعيد بما جاء به إلى ربّه من عمل صالح يزكّيّه إيمان بالله، وبهذا اليوم الذي هو فيه.

«فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ» .. وتلك هى حال من أحوال الذين غلبت عليهم شقوتهم، وأدانهم الدّيان فى هذا اليوم المشهود.. وذلك هو بعض ما يكون لهم فى هذا اليوم، وما يشهده أهل الموقف منهم.. «لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ» ..

وفى تقديم «الزفير» وهو دفع النفس إلى الخارج، على «الشهيق» الذي هو أخذ النّفس إلى داخل الجوف.. وذلك على خلاف ما تتنفس الكائنات الحية، حيث تأخذ الهواء شهيقا، ثم تدفع به إلى الخارج زفيرا.. فى هذا

ص: 1200

ما يكشف عن تلك الحال السيئة التي يعانيها هؤلاء الذين شقوا.. إنهم لا يتنفّسون كما يتنفّس النّاس، فيأخذون الهواء شهيقا، ويتنفسون أنفاس الحياة منه، ثم يلقونه زفيرا، بعد أن يأخذ الجسم حاجته منه.. كلا، وإنما همّهم كلّه هو أن يلقوا بهذا الهواء الذي تغلى به صدورهم، فهم فى «زفير» متصل متقطع.. وأما الشهيق فهو نار تلظّى، لا يكاد أحدهم يأخذ جرعة منه حتى يردّها زفيرا.. ثم يعيدها شهيقا.. وهكذا: يتنفّسون نارا، من داخل صدورهم، ومن خارجها على السواء..

«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ.. إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» أي أنهم يظلّون فى هذا العذاب أبدا، لا يتحولون عنه، «ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» .. والسماوات باقية، والأرض باقية.. فحياتهم فى النّار مرتبطة ببقاء السماوات والأرض.. فهل عندهم من حيلة ليبدّلوا هذا النظام القائم؟ فليحاولوا إذن.. ولينطحوا هذا الصخر.. إن كان فيهم بقية من قدرة على أن يحرّكوا رؤسهم! «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» لا يملك أحد معه شيئا، ولا يستطيع أحد أن ينقض من حكمه شيئا..!

«وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» ..

العطاء غير المجذوذ: أي غير الناقص.. أي عطاء كاملا، ونعمة سابغة، لا يدخل عليها ما يكدر صفوها، أو يذهب بشىء من لذاذاتها التي وجدوها فى أنفسهم لها..

وهنا سؤال.. وهو: ماذا يراد بقوله تعالى: «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» ؟ وهل هو استثناء داخل على تأييد الخلود فى النار أو فى الجنة، الذي يفهم من قوله تعالى:

ص: 1201

«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» ؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول فى أصحاب الجنة: «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (21- 22: التوبة) ؟ ويقول سبحانه فى أصحاب النار: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» (64- 65: الأحزاب) ؟

ما تأويل هذا؟ وقد جاء الخلود مؤكدا بالتأبيد، لأصحاب النار فى النار، ولأصحاب الجنة فى الجنة؟

والجواب- والله أعلم- أنه لما كان قوله تعالى: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» يشعر بأن هذا الخلود، هو خلود قائم على حال واحدة، لا تتحول فيه بأهل الجنة أو النار الأحوال، ولما كان مثل هذا الخلود المطّرد على وجه واحد، هو شبيه بالعدم، لا يجد فيه المنعّم طعم النعيم، ولا يذوق منه المعذّب آلام العذاب، بعد أن يدوم ويتّصل على هذه الصورة المطردة- لما كان ذلك مما يمكن أن يفهم من قوله تعالى:«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» - فقد جاء قوله سبحانه: «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» استثناء من مفهوم الخلود المطّرد، الذي يقع تحت مشيئة الله، فتجرى عليه أحكام التبديل، والتحويل، الذي هو سنّة الله فى خلقه، كما يقول الحقّ جلّ وعلا:«يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» (29: الرحمن) .

وعلى هذا، فإن خلود أهل الجنة فى الجنة، وخلود أهل النار فى النّار ليس على صورة واحدة، لا تتغير أبدا، ولا تنتهى أبدا.. إذ لو كان ذلك لكان معناه المشاركة لله سبحانه فى دوامه الأبدى، المنزّه عن التحول والتبدّل..

ولكن خلود أهل الجنة وأهل النار، إنما هو خلود يصحبه تنقّل من حال

ص: 1202