المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (93- 99) [سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 106) [سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 110) [سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 116) [سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 119) [سورة التوبة (9) : الآيات 117 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 122) [سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 127) [سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 127]

- ‌الآيتان: (128- 129) [سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌10- سورة يونس

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(الآيات: (5- 10) [سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 14) [سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 19) [سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 23) [سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 30) [سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 36) [سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 36]

- ‌السمع والبصر.. ومكانهما فى الإنسان

- ‌الآيات: (37- 41) [سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 44) [سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 52) [سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 56) [سورة يونس (10) : الآيات 53 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 60) [سورة يونس (10) : الآيات 57 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 64) [سورة يونس (10) : الآيات 61 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 70) [سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 74) [سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 86) [سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 86]

- ‌الآيات: (87- 89) [سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 95) [سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 95]

- ‌العلم وأسلوب تحصيله

- ‌الآيات: (96- 103) [سورة يونس (10) : الآيات 96 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108- 109) [سورة يونس (10) : الآيات 108 الى 109]

- ‌11- سورة هود

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة هود (11) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 24) [سورة هود (11) : الآيات 17 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 31) [سورة هود (11) : الآيات 25 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة هود (11) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 44) [سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 49) [سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 60) [سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 68) [سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 83) [سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 88) [سورة هود (11) : الآيات 84 الى 88]

- ‌الآيات: (89- 95) [سورة هود (11) : الآيات 89 الى 95]

- ‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌الآيات: (109- 115) [سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 119) [سورة هود (11) : الآيات 116 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 123) [سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]

- ‌12- سورة يوسف

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة يوسف (12) : الآيات 15 الى 22]

- ‌[يوسف.. والفتنة المتحدّية]

- ‌الآيات: (23- 29) [سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌(الآيات: (30- 35) [سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 42) [سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 49) [سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 52]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

وهو أنه إذا أنعم الله عليه بطر، واستكبر، وكفر.. وإن مسته ضراء، جزع ويئس، وازداد كفرا، وإن عادت عليه النعمة، عاد سيرته الأولى معها..

كفرانا وطغيانا.. هذا هو الشأن الغالب فى الناس.. «إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات» فإنهم يستقبلون نعم الله بالحمد والشكر، ويتقبلون امتحان الله لهم حين يمسهم بضر- بالتسليم والصبر.. «أولئك لهم مغفرة وأجر كبير» .. لهم مغفرة لذنوبهم بما صبروا على المكروه، ولهم أجر عظيم على ما كانوا فيه من طاعات وأعمال صالحة، مع هذه النعم التي أنعمها الله عليهم.

‌الآيات: (12- 16)[سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16)

التفسير:

قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ.. إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» .

ص: 1110

مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة، التي استفتحت بها السورة الكريمة، قد ذكرت القرآن الكريم، وأنه كتاب أحكمت آياته، ثم فصّلت من لدن حكيم خبير، وأنه مع ما فى هذا الكتاب من علوّ، وإشراق، فقد مكر المشركون به، وجعلوا يكيدون له، ويسخرون من النبي الكريم الذي يدعوهم به إلى الله، ويقولون عن هذا القرآن: إنه سحر، وعن النبي:

إنه ساحر، وشاعر، ومجنون- فناسب أن يذكر بعد هذا ما كان يجد النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- فى صدره من ضيق وحرج، من بهت قومه له، وسخريتهم به، وخلافهم عليه.. فجاء قوله تعالى:«فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ» - جاء كاشفا للنبى عن تلك الحال التي يعانيها، ويجد من آثارها فى نفسه، همّا وقلقا، واستثقالا من مواجهة قومه بما يكرهون من عيب آلهتهم، وتسفيه أحلامهم، ووعيدهم بالعذاب الهون فى الآخرة..

كقوله تعالى: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» (98: الأنبياء)، وكقوله سبحانه:«وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً» (10- 13:

المزمل) فكان النبي- صلوات الله وسلامه عليه- يجد حرجا من أن يلقى قومه بمثل هذه الحرب السافرة، التي تزيد من حنقهم عليه، وعداوتهم له، وقطع ما بينه وبينهم من أواصر المودة والقربى.. إنه- صلوات الله وسلامه عليه- حريص على امتثال أمر ربه، بتبليغ ما أنزل إليه من كلماته، ثم هو حريص على أن يشدّ قومه إليه، وألا يدع حبال القربى تتقطع بينهم وبينه..! فكان من هذا وذاك فى ضيق وحرج! - وفى قوله تعالى «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ.. إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى

ص: 1111

كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»

- فى هذا عزاء للنبى، وتسرية له، وتثبيت لفؤاده على طريق دعوته..

وترك النبي لبعض ما يوحى إليه، هو إمساكه دون مواجهة المشركين به، وذلك فيما يسوؤهم فى آلهتهم، أو فى أنفسهم، أو فيهما معا..

أما ما يضيق به صدر النبي فهو ما يرمونه به من كذب، وما يقترحون عليه من مقترحات، بأن يأتيهم بآيات مادية، تجابه حواسهم.. كأن ينزّل عليه كنز، أو يجىء معه ملك من السماء، يشهد له بأن الكتاب الذي معه، هو من عند الله! - وقد جاء قوله تعالى:«إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» ردّا على المشركين، وعلى مقترحاتهم التي يقترحونها، وأن الرسول الذي جاءهم، إنما رسالته فيهم هو أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، وينذر الذين لا يؤمنون بالله، ولا برسوله، ولا باليوم الآخر.. «والله على كل شىء وكيل» أي قائم على كل شىء.. لا يملك أحد معه شيئا.. فليس للنبى أن يغيّر أو يبدّل فيما أمره الله بتبليغه إلى الناس، ولو كان فيه ما يسفّه أحلامهم، ويكشف ضلالهم.

قوله تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» .

هو حكاية لمقولة من مقولات المشركين فى القرآن الكريم، مما يضيق به صدر النبي، ويألم منه.. وهو قولهم إن هذا القرآن حديث افتراه محمد على الله، ونسبه إليه، وما هو إلا من أساطير الأولين، اكتتبها، فهى تملى عليه بكرة وأصيلا.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى النبي الكريم أن يلقاهم متحديّا أن يأتوا «بعشر سور مثله مفتريات» .. أي إذا كان هذا القرآن من مفتريات «محمد»

ص: 1112

- وكذبوا وخرسوا- فإن فى عالم الافتراء متسعا لمن شاء أن يتعامل معه، ويحمل من معطياته ما يشاء.. فليفتروا عشر سور من مثل هذا القرآن، فى بيانه لعجز، وآياته المشرقة، وفى تعاليمه الحكيمة، ووصاياه الرشيدة..

ثم إن لهم أن يستعينوا بمن يستطيعون الاستعانة به، من أحبار وكهان، ومن شعراء وخطباء، ومن قصّاص ومحدّثين.. فهذه هى الدنيا كلها، وهؤلاء هم أهلها جميعا، فليقّلبوا وجوه الأرض كلها، وليجمعوا إليهم أهل العلم جميعا.. ثم ليأنوا بعشر سور مثله مفتريات.. فإنهم إن فعلوا- وهيهات- فقد صحّ قولهم فى القرآن إنه مفترى، وصدق حكمهم عليه بأنه من عمل محمد، ولا نسبة له إلى الله..

أما إن عجزوا، بعد أن يجهدوا جهدهم، ويبلوا بلاءهم، ويدعوا من استطاعوا، فليحكموا هم على أنفسهم بأنهم هم المفترون، وأنهم هم الكاذبون، فيما قالوه فى القرآن الكريم.. وليعلموا أن هذا القرآن إنما أنزل بعلم الله، ومن عند الله.. فهل يرجعون بعد هذا عن غيّهم وضلالهم، ويذعنون للحق الذي فضح نوره ما قد علا وجوههم من خزى وذلّة، بين يدى هذا الامتحان الذي خرّوا فيه صرعى لأول جولة، فى ميدان التحدّى؟

والضمير فى قوله تعالى «فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» يعود إلى من يدعوهم المشركون، من الأعوان والأنصار، ويستعينون بهم فى افتراء عشر سور من مثل هذا القرآن.. وفى هذا إشارة إلى أن المشركين أنفسهم لا يستطيعون أن يردوا هذا المورد، ولا أن تحدثهم أنفسهم بالوقوف أمام القرآن الكريم فقد عرفوه، وعرفوا علوّ منزلة، وأنه أبعد من أن تطوله يد إنسان..

وإذن، فهم إذا اتجهوا إلى التحدّى فلن يتجهوا إلى أنفسهم، إذ قد فرغ حسابهم معها من أول لقاء مع القرآن.. وأنه إذا كان سبيل إلى لقاء

ص: 1113

هذا التحدّى، فليكن بالبحث عن قوة أخرى غيرهم.. فليبحثوا عنها..

فإن استجابت لهم تلك القوة، أو القوى، فليأتوا بما حصلوا عليه منها، وليلقوا به بين يدى القرآن! - وفى قوله تعالى:«فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ» إشارة إلى أن القرآن الكريم نزل محمّلا بعلم الله.. أي يحمل علم الله، وإذا كان هذا شأنه، فكيف تقوم قوة فى هذا الوجود، تتحدّى هذا العلم، وتقف له..

«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» (88: الإسراء) ويمكن أن يحمل قوله تعالى: «فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ» على معنى أنه أنزل عن علم من الله، وأن ما أوحى به جبريل إلى النبي، كان بأمر الله سبحانه وبعلمه.

- وفى قوله تعالى: «فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» تحريض للمشركين على أن ينتهزوا هذه الفرصة، وأن يستسلموا للقرآن الكريم، وأن يعطوه أيديهم كما يعطى الأسير يده لمن صرعه فى ميدان القتال! قوله تعالى:«مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .

البخس: النقص، والخسران فى الميزان أو المكيال، وفى كل ما هو مطلوب أداؤه من حقوق.. حبط ما صنعوا: أي بطل وفسد.

ومناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أنّ المشركين، وقد أعجزهم العجز عن أن يثبتوا فى هذا الامتحان بين يدى القرآن- لم يكن أمامهم إلا أحد طريقين..

فإما أن يستسلموا للقرآن، ويسلموا له، ويؤمنوا به، وبالله الذي أنزله،

ص: 1114

وبالرسول الذي أنزل عليه.. وبهذا يدخلون فى عداد المؤمنين، ويعملون عمل المؤمنين للدنيا والآخرة معا..

وإما أن يظلوا على ما هم فيه من شرك وضلال، فيعيشوا لدنياهم، ويعملوا لها، غير ملتفتين إلى ماوراء هذه الدنيا، ولا منتظرين حسابا ولا جزاء.. إنهم إن فعلوا، فلهم ما أرادوا، فليعملوا للدنيا، وليقطفوا من ثمارها ما تغرس أيديهم، فلن يحرمهم الله ثمرة عملهم فيها.. ولن يعجل الله لهم العذاب، ولن يأخذهم بذنوبهم فى هذه الدنيا.. فإذا كان يوم القيامة، وبعثوا من القبور، وسيقوا إلى الحساب والجزاء.. فهنالك يرون سوء مصيرهم، وأنهم قد جاءوا إلى هذا اليوم مفلسين، لأنهم لم يعملوا له عملا.. وإنه «ليس لهم فى الآخرة إلا النار» ..

أما ما عملوه فى الدنيا فهو باطل وقبض الريح، حتى ما كان لهم من أعمال تحسب من الصالحات فى أعمال المؤمنين، هى أعمال باطلة، لأنها لم تستند إلى الإيمان بالله، ولم تعمل لحساب الآخرة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ» (20: الأحقاف) وفى الإشارة إلى هؤلاء المشركين بقوله تعالى: «أُولئِكَ» مواجهة لهم بهذا الحكم الذي حكم به عليهم، وهو حكم يساقون به إلى النار، فيجدون مسّ لهيبها قبل أن يغمسوا فيها..!

ص: 1115