المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (93- 99) [سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 106) [سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 110) [سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 116) [سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 119) [سورة التوبة (9) : الآيات 117 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 122) [سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 127) [سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 127]

- ‌الآيتان: (128- 129) [سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌10- سورة يونس

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(الآيات: (5- 10) [سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 14) [سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 19) [سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 23) [سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 30) [سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 36) [سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 36]

- ‌السمع والبصر.. ومكانهما فى الإنسان

- ‌الآيات: (37- 41) [سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 44) [سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 52) [سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 56) [سورة يونس (10) : الآيات 53 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 60) [سورة يونس (10) : الآيات 57 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 64) [سورة يونس (10) : الآيات 61 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 70) [سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 74) [سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 82) [سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 86) [سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 86]

- ‌الآيات: (87- 89) [سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 95) [سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 95]

- ‌العلم وأسلوب تحصيله

- ‌الآيات: (96- 103) [سورة يونس (10) : الآيات 96 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108- 109) [سورة يونس (10) : الآيات 108 الى 109]

- ‌11- سورة هود

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة هود (11) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 16) [سورة هود (11) : الآيات 12 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 24) [سورة هود (11) : الآيات 17 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 31) [سورة هود (11) : الآيات 25 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة هود (11) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 44) [سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 49) [سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 60) [سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 68) [سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 83) [سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 88) [سورة هود (11) : الآيات 84 الى 88]

- ‌الآيات: (89- 95) [سورة هود (11) : الآيات 89 الى 95]

- ‌الآيات: (96- 109) [سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌الآيات: (109- 115) [سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 119) [سورة هود (11) : الآيات 116 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 123) [سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]

- ‌12- سورة يوسف

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة يوسف (12) : الآيات 15 الى 22]

- ‌[يوسف.. والفتنة المتحدّية]

- ‌الآيات: (23- 29) [سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌(الآيات: (30- 35) [سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 42) [سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 49) [سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 52]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (69- 76) [سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

صمت مطبق.. لا حسّ ولا نفس بها.. حتى لكأن لم تكن فيها حياة من قبل «كأن لم يغنوا فيها» أي كأن لم تكن فيها إقامة، وسكن! لقد ذهب كل أثر من آثارهم إلا هذا الخراب الذي اشتمل على كل شىء كان هناك.

- وقوله تعالى: «أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ» هو صدى مردد لما شيّع به قوم هود من قبل، «ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود» .. وقد بينا من قبل ما فى هذا الدعاء الذي أعقب هلاكهم..

أما الناقة، وما يقول المفسرون فى أوصافها، فقد عرضنا لها من قبل عند تفسير قصة صالح فى سورة الأعراف..

وحسبنا أن نذكر هنا أنها آية من آيات الله، وضعت بين يدى القوم، لتكون امتحانا لهم وابتلاء.. وليس من الحتم اللازم أن تكون على صفات جسدية خاصة، تخرج بها عن طبيعة النياق.. يل يكفى أن تكون مجرد ناقة، امتحنوا بامتثال أمر الله فيها، وهو تركها تأكل فى أرض الله، وألّا يمسوها بسوء، فإن امتثلوا أمر الله نجوا، وإلا هلكوا.

وهى فى هذا تشبه الشجرة التي نهى الله آدم عن أن يأكل منها.. ولم تكن هذه الشجرة إلا واحدة من أشجار الجنة، ولم يكن النهى عنها إلا امتحانا وابتلاء..

‌الآيات: (69- 76)[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)

ص: 1168

التفسير:

وهذه قصة إبراهيم عليه السلام، وقد ضمت إلى قصة لوط، إذ كانت دعوتهما واحدة، وكان قوما هما متجاورين متقاربين، ديارا ونسبا، وزمنا..

إذ كان لوط- كما يقول المؤرخون- ابن أخى إبراهيم..

«وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» ..

الرسل هنا، هم ملائكة الرحمن، جاءوا إلى إبراهيم فى صورة بشريّة.

والبشرى التي جاءوه بها، هى ما بشر به من الولد، بعد أن بلغ من الكبر عتيّا، ويمكن أن تكون البشرى ما حمله الملائكة إليه من أمر ربه بهلاك قوم لوط.. إذ لا شك أن فى هذا انتصارا للحق، وخزيا وخذلانا لأهل الضلال والزيغ، وذلك مما يفرح له المؤمنون، وتنشرح به صدورهم..

«ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» .

والعجل الحنيذ: السّمين الذي نضج شيّا بالنار.

ص: 1169

- وفى قوله تعالى: «قالَ سَلامٌ» إشارة إلى أن إبراهيم قد أخذ بمجىء هؤلاء الرسل، وأنهم ظهروا فجأة فى بيته، فلم يدر من أين جاءوا.. فأنكرهم ولكنه لم يردّهم، وإنما ردّ عليهم تحيتهم ردّا خاطفا، متجمّلا، يحمل أمارات الاستفهام والتعجب والإنكار، والخوف.. «قالوا سلاما، قال.. سلام!» وإلى هذا يشير قوله تعالى فى آية أخرى: «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ» (25: الذاريات) .. ويقول سبحانه فى آية أخرى كذلك: «وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» (51- 53: الحجر) ..

فكان التبشير بالغلام على كبر ويأس، هو الذي يذهب بكل ما وقع فى نفس إبراهيم من خوف ووجل، سواء أكان وجلا عارضا من ظهور الملائكة له على تلك الصورة، أم وجلا سكن فى نفسه من فوات الأوان لإنجاب ولد! قوله تعالى:«فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ» .

ولقد تكشف لإبراهيم من القوم ما قوّى ظنونه فيهم، وأنهم على حال لا تبعث على الطمأنينة من جهتهم، فها هو ذا يقدّم لهم ما يقدّم للضيّفان، فلا يأبهون له، ولا يمدون أيديهم إليه.! وهنا تتحرك دواعى الشك فى نفسه، وتسرى رعشة الخوف فى كيانه، ولكنه يغالب خوفه، ويمسك به فى صدره- كما يقول سبحانه- «وأوجس منهم خيفة» أي وجد فى نفسه خوفا..

فيسأل القوم سؤال المنكر المستريب: «ألا تأكلون؟» (27: الذاريات) - «قالوا لا تخف» إنا رسل ربك.. «إنا أرسلنا إلى قوم لوط» .. فيسكن لذلك روع إبراهيم، وتطمئن نفسه، ويعلم أنهم رسل الله، قد أرسلوا بالهلاك

ص: 1170

لقوم لوط.. إنهم لم يرسلوا إلى لوط، وإنما أرسلوا إلى قوم لوط، وليس لقوم لوط عند الله إلّا البلاء والهلاك..!

قوله تعالى: «وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ» .

قائمة: أي كانت واقفة ترقب ما يكون بين إبراهيم وهؤلاء الضيفان الذين جاءوا إليه على تلك الصورة التي أخافته.. فلما سمعت منهم أنهم رسل الله ذهب عنها الرّوع، ولم تملك نفسها من إظهار الفرحة بهؤلاء الرسل الكرام الذين حلّوا بهم ضيوفا.. فضحكت..

وفى هذا ما يكشف عن طبيعة حبّ الاستطلاع عند المرأة، وأنها لا تملك نفسها من أن تتعرف إلى كل ما يدور حولها، مما يتصل بها أو لا يتصل بها.

هذا ويذهب بعض المفسرين فى تأويل كلمة «فضحكت» إلى أنها بمعنى «حاضت» ، وجاءوا لذلك بشاهد من اللغة، وجدوه فى قول الشاعر:

وضحك الأرانب فوق الصّفا

كمثل دم الجوف يوم اللّقا

ومع أن الشاهد- إن صح- فإنه لا يدل على أكثر من أن استعمال الضحك بمعنى الحيض هو استعمال شاذ غير مألوف، وحمل القرآن الكريم على هذا الشاذ مما لا يليق ببيانه وبلاغته- ونقول مع هذا، فإن فى قول امرأة إبراهيم:«يا ويلتى أألد وأنا عجوز» منكرة أن تلد بعد أن جاوزت من اليأس- ما يبعد حمل لفظ الضحك على الحيض، لأنها لو كانت قد حاضت لما

ص: 1171

واجهت ما بشّرها به رسل الله بهذا الإنكار الصريح! «يا ويلتى.. أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا.. إنّ هذا لشىء عجيب؟» .

وإسحق الذي بشرت به، هو ابنها.. أما يعقوب، فهو ابن ابنها إسحق.. وفى هذا توكيد لهذه البشرى، وأن ابنها هذا الذي بشرت به، سيولد له ولد هو يعقوب، وأن هذا الحفيد، هو أشبه بمولود ثان لها! «قالوا أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت..

إنه حميد مجيد» .

إنه أمر من أمر الله.. ومشيئة له.. فهل فى أمر الله إذا كان على غير ما يألف الناس- ما يثير العجب والدّهش؟ «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» (82: يس) .

- وفى قوله تعالى: «رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» تطمين لها، وتوكيد لهذه البشرى التي بشرت بها، وأنها رحمة من الله وبركة، على أهل هذا البيت الذين اختصهم الله برحمته وبركاته.. وإذ كانوا كذلك، فإن ما يتلقونه من الله من فضل لا يكون موضع عجب، وإن جاء على غير ما يعهد الناس، فإن لله سبحانه فى أوليائه ألطافا، لا ينالها غيرهم، ممن لم ينزلوا منازل رحمته ورضوانه! وأهل البيت: منصوب على الاختصاص.. ويجوز أن يكون منصوبا بالنداء: أي يا أهل البيت..

- وفى قوله تعالى: «إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» إشارة إلى أنه- سبحانه- يحمد لعباده الصالحين ما يتقربون به إليه من طاعات وقربات، فيجزيهم على ذلك الجزاء الأوفى، ويرفعهم إلى منازل العزة والمجادة والشرف..

ص: 1172

وإبراهيم عليه السلام، ممن أعطى الله كيانه كله، فأسلم له وجوده ظاهرا وباطنا.. فاستحق أن يحمد، ويمجّد.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى بعد ذلك.

«إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب» .

والأوّاه: كثير التأوه والشّكاة إلى الله، من تقصيره فى حقّه، والعجز عن الوفاء ببعض شكره.. وهذا شعور أهل التقوى.. لا يرضيهم من أنفسهم ما يقدمون من طاعات وقربات، وإن اجتهدوا، وبالغوا فى الاجتهاد.. إنهم دائما على شعور بأنهم مقصّرون فى حق الله.

والمنيب: الراجع إلى الله، التائب إليه..

وقد وصف الله سبحانه وتعالى إبراهيم بثلاث صفات: «إن إبراهيم لحليم.. أوّاه.. منيب» .. وهى صفات كلهن الكمال كله، والحسن جميعه..

وحسبه شرفا ورفعة أن يحلّيه ربه بصفة من صفاته سبحانه، وهى صفة «الحليم» تلك الصفة التي تزين الوجود كله، وتجمع الإحسان جميعه، وفى الأثر:

«الحلم سيد الأخلاق» .. فكيف إذا كان من حلم الحليم، الله رب العالمين؟

ولهذا قدّم على الصفات التي أضفاها الله سبحانه على إبراهيم، من التأوّه، والإنابة.

والآية التي جاءت قبل هذه الآية وهى قوله تعالى: «فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ» هى من سياق القصة، وقد جاء قوله تعالى:«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» وصفا كاشفا لإبراهيم، معترضا بين حدثين: تبشيره بالولد، ومجادلته فى قوم لوط.. وذلك ليأخذ كل حدث منهما بنصيبه من إبراهيم، وما اشتمل عليه من خلق كريم..

ص: 1173

فهو أولا، قد استحق البشرى بهذا الولد، لأنه من أهل الله، وأنه حليم، أوّاه، منيب.

وهو ثانيا.. يسأل الله أن يلطف بقوم لوط، وأن يدفع عنهم هذا البلاء الموجّه إليهم.. لأنه حليم أواه منيب.. فهو إذ يرى فضل الله عليه، ورحمته به، يريد أن يكون للناس من حوله نصيب، من هذا الفضل، وحظ من تلك الرحمة..

ولكن لله سبحانه وتعالى حكمة فى عباده.. يختص برحمته من يشاء..

- وفى قوله سبحانه: «فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ» وفى جعل جواب «لمّا» فعلا مضارعا بدلا من الفعل الماضي الذي يقتضيه السياق- فى هذا إمساك بإبراهيم، وهو فى موقف المجادلة ليتلقّى وهو فى هذا الموقف، الأمر الذي وجهه إليه ربه، بالإعراض عما هو فيه، من مجادلة عن هؤلاء القوم، ودفاع عن جرمهم، وهذا ما جاء فى قوله تعالى:

«يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ» .

والتقدير: فلما ذهب عن إبراهيم الروع، أي الخوف، وجاءته البشرى، ها هو ذا يجادلنا فى قوم لوط!! وفى هذا إنكار على إبراهيم أن يقف فى هذا الموقف، فيجادل عن قوم قد بلغوا من السوء ما أنكرته الأرض عليهم.

ثم لا يكاد إبراهيم يأخذ فى المجادلة حتى يجيئه أمر الله: «يا إبراهيم.. أعرض عن هذا» .

ولو جاء جواب «لمّا» فعلا ماضيا هكذا «جادلنا» لما كان لهذا الأمر،

ص: 1174