الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلولا حاجة الناس بعضهم إلى بعض لما اجتمع بعضهم إلى بعض:
ونرتّل قول الحق جلّ وعلا: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ» - فنجد أن هذا الاختلاف بين الناس، هو حكم لازم لا انفكاك لهم منه، إلّا أن يخرجوا عن طبيعتهم البشرية، ويتحولوا إلى عالم الحيوان.. هبوطا، أو عالم الملائكة.. صعودا..
أما وهم فى عالم البشر فلن يكونوا إلا هذا الكون الذي هم فيه.. لكل إنسان مكانه فى الجسد الاجتماعى، كما لكل عضو موضعه من جسد الكائن الحىّ.
- وفى قوله تعالى: «وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ» تأكيد لهذا المعنى، وتقرير له..
إذ كان هذا الاختلاف بينهم ليس أمرا طارئا عليهم، وإنما هو سنّة الخالق فيهم، حكمته التي اقتضت أن تخالف بينهم، ليكون فى هذا الاختلاف نظام حياتهم، وانتظام معيشتهم!
الآيات: (120- 123)[سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
التفسير:
قوله تعالى: «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ» الخطاب للنبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- أي وكلّ هذا الذي نقصّ عليك من أنباء الرسل وأقوامهم، إنما لتجد منه ما يثّبت فؤادك، ويمدّك باليقين والعزم، حيث تجد إخوانك الرسل وقد استقبلهم أقوامهم بالسّفه، ورموهم بالأذى.. فإذا أنت أوذيت من قومك فقد أوذى الرسل قبلك من أقوامهم! «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» (34: الأنعام) ..
قوله تعالى: «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ» .. الإشارة «هذه» إلى أنباء الرسل، أي وجاءك فى هذه الأنباء «الحقّ» ، أي الحق من أخبارها، فهى الصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:«وموعظة وذكرى للمؤمنين» أي وفيما جاءك من تلك الأنباء موعظة وذكرى للمؤمنين، الذين يصدّقونك، ويؤمنون بما نزل عليك.. فهم الذين يجدون العبرة والموعظة فى هذا القصص.
أما الذين لا يؤمنون فإنهم يمرّون عليها وهم عنها معرضون..
قوله تعالى: «وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ» .
العطف هنا على المفهوم من قوله تعالى: «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» أي إن المؤمنين سيجدون فى هذه الأنباء التي جاء بها القرآن عن الرسل وأقوامهم- ما يزيدهم إيمانا إلى إيمان، فقل للذين آمنوا استقيموا على طريقكم، وأبشروا بالرحمة والرضوان من ربكم، وقل للذين لا يؤمنون اعملوا ما بدا لكم أن تعملوه وأنتم على ما أنتم عليه من كفر وضلال.
إنّا عاملون على ما نحن عليه من إيمان.. وانتظروا ثمرة ما تعملون، إنا منتظرون ثمرة ما نعمل.. وسترون ما يطلع عليكم من أعمالكم من بلاء ووبال..
بهذه الآية الكريمة تختم السورة، جاعلة لله سبحانه وتعالى وحده غيب ما فى السموات والأرض.. إذ قد استأثر- سبحانه- بعلم كل ما هو غائب عنّا..
ومناسبة هذا الختام للسورة، هى أنها اشتملت على كثير من أنباء الغيب التي ذكرت فى قصص الأنبياء.. نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب.. عليهم السلام.. وهى أنباء إن يكن عند أهل الكتاب بعض منها، إلا أن كثيرا مما جاء به القرآن الكريم لم يكن عندهم به علم، والذي كان لهم به علم، هو خليط من الصدق والكذب، ومزيج من الواقع والخيال..
أما الذي جاء به القرآن فهو الحقّ المطلق، والصدق المصفّى..
ثم إن هذا القصص كان غيبا بالنسبة للعرب، والذي كان عندهم منه هو أوهام وظنون تلقوها من أهل الكتاب شبه أحاج بعيدة عن الحق، وفى هذا يقول الله تعالى: فى هذه السورة: «تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا» (الآية 49: هود) .
- قوله تعالى: «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» أي إن مصائر الأمور كلها راجعة إليه سبحانه.. فهو- سبحانه- الذي يرسل الأمور، فتجرى فى قدرها المقدور لها، ثم تستقرّ آخر الأمر عند الغاية التي أرادها الله لها.. فهو سبحانه
الذي يجريها، وهو سبحانه، الذي يرسيها.. «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» وإذ كان ذلك هو الله رب العالمين، فهو المستحق وحده لأن يعبد، وأن يعتمد عليه، وأن يعلم المرء زمامه إليه «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» .. فالعبادة هى الزاد الذي يتزود به الإنسان فى طريقه إلى ربّه.. فإذا عبده العابد، وأخلص له العبادة، قويت صلته به، واطمأن قلبه إليه، فتوكل عليه، وأسلم إليه أمره..
- «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» .. إنه رقيب على كل شىء، عالم بكل شىء، لا تخفى على الله خافية فى الأرض ولا فى السماء.. فهو- سبحانه- يحصى علينا أعمالنا، حسنها، وسيئها، ويحاسبنا عليها، ويجزينا بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا. «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» (31: النجم) وهكذا تبدأ السورة بتوجيه الخطاب إلى النبىّ الكريم، وإلفاته إلى الكتاب، الذي نزل إليه من ربّه:«الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ» ثم هى تنتهى بخطاب النبىّ أيضا.. ودعوته إلى عبادة ربّه، الذي أنزل عليه هذا الكتاب، والتوكل عليه.. إذ هو أعرف الناس بربّه، وأولاهم بعبادته والتوكل عليه..
وهو سبحانه رقيب على كل شىء، عالم بكل شىء- يرى المحسنين والمسيئين- ويجزى كلّا بما كسب.. «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»