الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة عن القصة:
القصّة فى هذا العصر- كما هى فى كل عصر- أفضل وسيلة للتربية والتهذيب.. فعن طريق العرض القصصى لحوادث القصة وأشخاصها، تتفتح أشواق النفس إلى متابعة هذا العرض، وإلى المشاركة الوجدانية، فى مواقف القصة، وأحداثها، وأزمانها، حتى لكأن القارئ أو المستمع، أو المشاهد- جزء منها، وواحد من أشخاصها، يأخذ الموقف الذي يرتضيه لنفسه من بين مواقفها، ويعيش مع كل حدث من أحداثها، متأثرا به، ناظرا إليه، كلما وقف مثل هذا الموقف من الحياة.. إذ لا تنتهى القصة، حتى يكون المستمع لها، أو القارئ أو المشاهد قد عاش فى تجربة نفسية، وقطع مرحلة، تطول أو تقصر، حسب طول القصة أو قصرها- مرحلة تترك فى كيان الإنسان آثارا عقلية، ووجدانية، وروحية، أشبه بتلك الآثار التي يتركها الصوت على صفحة لوح التسجيل.. بعضها عميق، وبعضها ضحل الغور، حسب قوة الإحساس وضعفه، وتبعا لتلقى القارئ أو السامع، أو المشاهد، وتجاوبه أو تباعده، من القصة.
ولا تبلغ القصة مبلغا من النفس، ولا تصل أحداثها ومؤثراتها إلى وجدان الإنسان ومشاعره، إلّا إذا أحكم تصويرها، وجرت على اتجاه العقل والمنطق، وتجاوبت مع واقع الناس والحياة.. وإلا كانت خرافة، إن جنح بها الخيال، وحلقت فى عوالم لا يعيش فيها الناس ولا يتصورونها.. أو كانت غثّة باردة، إن هى أمسكت بالأمور التافهة، التي لا يلتفت إليها أحد، ولا يعلق بها نظر! والقصة الناجحة، هى التي ينتزع موضوعها من أحداث الحياة وواقع الناس، أو ما يمكن أن يكون من أحداث الحياة وواقع الناس.. ثم يجرى
أشخاصها فى هذا المنطلق، وتوضع كل شخصية فى المكان المناسب لها..
ولا نريد أن نجعل القصة موضوع هذا البحث، فإن الحديث عن القصّة، وما يجب أن يتوفر لها من عناصر النجاح يتطلب بحثا خاصا مستقلا «1» ، ليس هنا موضعه، ولا موضعه.. وإنما تلك إشارة مجملة تشير إلى ما للقصة من أثر فى التربية والتهذيب، وأنها من هذه الناحية أداة قوية من أنجح أدوات التربية فى يد المصلحين والمربين.
والقرآن الكريم- وهو مدرسة المسلمين، وجامعة المجتمع الإسلامى- لم يغفل شأن القصة، فهو يعتمد عليها فى كثير من المواقف، لتكون وسيلة من وسائله الفعّالة، فى تقرير الحقائق، وتثبيتها فى النفوس، وفى تجليتها للعقول، وفى الكشف عن مواطن العبرة والعظة فيها.
وقصص القرآن الكريم، قصص جادّ، مساق للعبرة والعظة، وليس فيه مجال للتسلية واللهو، وليس من غايته ترضّى الغرائز المريضة، أو تملّق الرغبات الفاسدة، التي كثيرا ما تكون مقصدا أصيلا من مقاصد القصة عند كثير من كتاب القصص، الذين يجذبون القراء إليهم بهذا الملق الرخيص للغرائز الدنيا، التي تعيش فى كيان الإنسان، وتترقب الفرصة السانحة التي تستدعيها، وتقدم «الطّعم» المناسب لها.
وعناصر القوة فى القصص القرآنى مستمدة من واقعية الموضوع وصدقه، ودقة عرضه، والعناية بإبراز الأحداث ذات الشأن فى موضوع القصة، دون التفات إلى الجزئيات التي يشير إليها واقع الحال، وتدلّ عليها دلالات ما بعدها
(1) ذلك ما عرضنا له فى كتابنا-: «القصص القرآنى» .