الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بالله، إذ كانت بحيث لا تعقل تلك الدعوة، ولا تجد لها مفهوما، فهى- والحال كذلك- لم تبلغ مبلغ التكليف بعد، وقد تركها تعالج أمورها على ما يقع فى تصورها الطفولىّ، حتى ينضجها الزمن، ويبلغ بها مبلغ الرجال! ولا نقع فيما وقع فيه الذين سبقونا من المفسّرين من الرجم بالغيب حول تحديد المكان الذي غربت عنده، أو طلعت منه، شمس ذى القرنين.. ويكفى أن نشير إلى أنّهما لم يكونا أقصى الأرض غربا، أو أقصاها شرقا.. فقد صرّح القرآن الكريم، بأن ذا القرنين، بعد أن بلغ مطلع الشمس، جاوز هذا المكان، حتى بلغ بين السّدّين.. أي الجبلين، أو الحاجزين، إذ كان كل منهما يحجز ما وراءه عما هو أمامه.. وفى هذا يقول الله تعالى:«ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا» .. وقرىء «يَفْقَهُونَ» بضمّ الياء، وكلا القراءتين على معنى سواء، فى أن القوم ما زالوا فى درجة متأخرة من الإنسانية، وأنهم وإن ارتفعوا قليلا عن هؤلاء القوم الذين صادفهم عند مطلع الشمس إلا أنهم ما زالوا فى مرحلة الصّبا، لا يحتملون تبعات التكاليف، ولهذا كان موقفه منهم موقفا وسطا، فلم يدعهم إلى الإيمان بالله، لأنهم دون مستوى هذه الدعوة، ولم يتركهم وشأنهم، بل أخذهم بشىء من الوقاية والرعاية، حتى يرشدوا ويبلغوا مبلغ الرجال، وهم على وشك أن يبلغوه فأقام لهم هذا السدّ الذي يحميهم من عواصف الشر التي تهبّ عليهم من جيرانهم:
«يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»
.
(يأجوج.. ومأجوج)
لم يشر القرآن إلى يأجوج ومأجوج بأكثر من هذا الوصف الذي يصفهم به جيرانهم، وأنهم مفسدون فى الأرض، وهم لهذا يطلبون من ذى القرنين أن
يجعل بينهم وبين هؤلاء المفسدين سدّا، يدفع عنهم عدوانهم..
- «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ» .. هذا هو كل ما كشف عنه القرآن من «يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» .
ولكن يظهر أن غرابة الاسم «يأجوج» ومزاوجته مع «مأجوج» الذي يشبهه فى غرابته، قد أغرى المفسّرين، وغيرهم من أصحاب السّير بأن يخلعوا على المسمّى من الصفات الغريبة، والأوصاف العجيبة، مالا يكاد يقع لخيال الذين ألفوا ليالى «ألف ليلة وليلة» : فهم- أي يأجوج ومأجوج- بين طويل يبلغ طوله عشرات الأمتار، أو قصير لا يجاوز ذراعا! وقل مثل هذا فى أفواههم، وأسنانهم، ورءوسهم، وشعورهم، مما لا يكاد يكون إلا فى عالم الشياطين والمردة، فى تصورات الذين يتحدثون عنهما..
إن «يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» هذين الاسمين فى غرابتهما، وازدواجهما كانا مادة خصبة لتوليد الصور الغريبة، وتأليف الروايات المختلفة، حتى يستقيم المسمّى على دلالة الاسم، وحتى لقد سمح الخيال بأن يقال: إن هذين الاسمين عربيان، وإن يأجوج، مشتق من أجيج النار، وهو هذا الصوت الرهيب الذي تشهق به النار حين يتأجج وقودها ويندلع لهيبها.. كما أن مأجوج، مشتق من الموج والاضطراب.. يقال ماج البحر: أي اضطرب وهاج..!
ولعلّ أغرب ما قيل فى هذا المقام من مقولات، أن آدم كان قد احتلم، فوقعت نطفته على الأرض، وكان أن تخلّق من هذه النطفة كائن هو الأب الأكبر لهؤلاء القوم!!