المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (83- 98) [سورة طه (20) : الآيات 83 الى 98] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٨

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌17- سورة الإسراء

- ‌[ما يقال فى تسمية السورة]

- ‌[مناسبتها للسورة التي قبلها]

- ‌الآية: (1) [سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[وقفة مع الإسراء.. والمعراج]

- ‌دواعى هذه الرحلة:

- ‌رحلة فى العالم الأرضى:

- ‌رحلة فى العالم العلوي:

- ‌قصّة المعراج:

- ‌الآيتان: (2- 3) [سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[الحقيقة المحمّدية.. وما يقال فيها]

- ‌الآيات: (4- 7) [سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[بنو إسرائيل.. ووعد الآخرة]

- ‌الآيات: (8- 14) [سورة الإسراء (17) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 22) [سورة الإسراء (17) : الآيات 15 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 30) [سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 39) [سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 44) [سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 47) [سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 47]

- ‌الآيات: (48- 52) [سورة الإسراء (17) : الآيات 48 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 65) [سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 70) [سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 77) [سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 82) [سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 88) [سورة الإسراء (17) : الآيات 83 الى 88]

- ‌الآيات: (89- 96) [سورة الإسراء (17) : الآيات 89 الى 96]

- ‌الآيات: (97- 100) [سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌الآيات: (101- 104) [سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌الآيات: (105- 111) [سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 111]

- ‌18- سورة الكهف

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌أصحاب الكهف

- ‌الآيات: (9- 26) [سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 26]

- ‌«عرض القصة»

- ‌كلمة عن القصة:

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌وقفة أخيرة مع القصة

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 44) [سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 49) [سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 53) [سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 59) [سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 64) [سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 78) [سورة الكهف (18) : الآيات 65 الى 78]

- ‌الآيات: (79- 82) [سورة الكهف (18) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[القضاء.. والقدر.. والإنسان

- ‌ما‌‌ القضاء؟ وما القدر

- ‌ القضاء

- ‌القدر:

- ‌الأسباب والمسببات:

- ‌الآيات: (83- 98) [سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[ذو القرنين.. من هو؟ وما شأنه

- ‌(ذو القرنين)

- ‌[الأسباب التي بين يدى ذى القرنين]

- ‌(مغرب الشمس.. ومطلعها)

- ‌«يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»

- ‌(السد، وما أقيم منه)

- ‌الآيات: (99- 110) [سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 110]

- ‌19- سورة مريم

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 15) [سورة مريم (19) : الآيات 7 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 36) [سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 36]

- ‌الآيات: (37- 40) [سورة مريم (19) : الآيات 37 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 50) [سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 58) [سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 63) [سورة مريم (19) : الآيات 59 الى 63]

- ‌الآيات: (64- 70) [سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 72) [سورة مريم (19) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[جهنم.. هل يردها الناس جميعا

- ‌الآيات: (73- 76) [سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 87) [سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 98) [سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 98]

- ‌20- سورة طه

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة طه (20) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 16) [سورة طه (20) : الآيات 9 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 24) [سورة طه (20) : الآيات 17 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 41) [سورة طه (20) : الآيات 25 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 56) [سورة طه (20) : الآيات 42 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 70) [سورة طه (20) : الآيات 57 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 76) [سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌الآيات: (77- 82) [سورة طه (20) : الآيات 77 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 98) [سورة طه (20) : الآيات 83 الى 98]

- ‌الآيات: (99- 104) [سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]

- ‌الآيات: (105- 114) [سورة طه (20) : الآيات 105 الى 114]

- ‌الآيات: (115- 127) [سورة طه (20) : الآيات 115 الى 127]

- ‌الآيات: (128- 135) [سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

الفصل: ‌الآيات: (83- 98) [سورة طه (20) : الآيات 83 الى 98]

مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ»

(112: آل عمران) .

«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً.. ثُمَّ اهْتَدى» ..

فالله سبحانه وتعالى يمدّ للظالمين، ويمهلهم، ليكون لهم فى ذلك فسحة من الحياة، يراجعون فيها أنفسهم، ويرجعون إلى الله، تائبين مستغفرين..

وعندئذ يجد هؤلاء الراجعون إلى الله أبواب القبول مفتحة لهم، ويد الرحمة ممدودة إليهم..

وفى قوله تعالى: «ثُمَّ اهْتَدى» .. إشارة إلى أن التوبة لا تقبل إلّا إذا صحّت نيّة التائب، وصدّق نيّته العمل.. فاستقام على طريق الهدى، ولم يلتفت إلى طريق الضلال الذي قطع مسيرته فيه، وجاء إلى الله تائبا..

‌الآيات: (83- 98)[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 98]

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)

أَلَاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97)

إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98)

ص: 814

التفسير:

وبهذه الآية تختم القصة.. وفى ختامها ينكشف بنو إسرائيل، حيث يرون بأعينهم المنحدر الذي انحدروا إليه، فلقد كفروا بالله، وجعلوا من العجل إلها يعبدونه من دون الله! فما أجدت معهم هذه الآيات، ولا رفعت عن أعينهم ما عليها من الغشاوة، ولا أزاحت عن قلوبهم ما ران عليها من الضلال..!

لقد كان موسى على موعد مع ربّه، ليتلقّى الألواح، وما كتب له فيها..

وفى قوله تعالى:

«وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى» إشارة إلى أن حدثا قد حدث فيهم

ص: 815

من بعده، وأنه وقد جاء يستعجل لهم الخير، قد طعنوه من وراء ظهره، وأفسدوا كل ما أصلحه منهم! ولكنه لم يكن يدرى ماذا حدث..

ولهذا جاء جواب موسى:

«هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي» أي أنهم على ما تركتهم عليه، يسيرون على المنهج الذي رسمته لهم، ويتأثرون خطاى فى طاعتك وابتغاء مرضاتك..

«وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى» - هذا هو الجواب عما سأل الله سبحانه وتعالى موسى عنه.. أما ما سبق ذلك، فهو جواب عما استشعره موسى من ذكر قومه فى سياق هذا السؤال..

وتلقى موسى ما أذهله، وأشعل نار غضبه:

«قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ» .

فهؤلاء هم قومه.. وما أحدثوا.. إنهم ليسوا على أثره كما كان يظن..

لقد ضلوا، ووقعوا فى فتنة عمياء!.

- وفى قوله تعالى: «فَتَنَّا قَوْمَكَ» إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى خلّى بينهم وبين أنفسهم، وما ينضح منها من مكر وضلال، فتركهم ليد السامرىّ يضلّهم ويذهب بهم فى مذاهب الضلال كيف يشاء! ..

«فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ؟ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ؟ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي؟» والأسف، هو الحزين الذي يكاد يقتله الحزن..

والوعد الحسن الذي وعد الله بنى إسرائيل، هو أنه أنزلهم هذا المنزل من جانب الطور الأيمن، وأنزل عليهم المنّ والسلوى..

ص: 816

وفى قول موسى:

«أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ؟» استفهام إنكارى، يراد به أن العهد الذي بينهم وبين الله لم يطل، حتى ينسوه. وأنه ليس هذا عهدا تلقوه عن آبائهم وأجدادهم، بل هو عهد معقود مع هذا الجيل نفسه! فكيف ينسى هكذا سريعا؟

وفى قوله:

«أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ» ؟.

هو إنذار لهم بتلك العاقبة السيئة التي تنتظرهم من هذا الفعل الذي فعلوه، ولم ينظروا فى عواقبه..

وقوله:

«فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي» .. معطوف على محذوف، تقديره، أم ظننتم بي الظنون فأخلفتم موعدى معكم الذي واعدتكم عليه، وهو أن أعود إليكم بعد مناجاة ربى؟ ..

ويجىء جواب القوم فى هذا الأسلوب الخبيث:

«قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا..»

إنهم يلقون التهمة عنهم بهذا الاعتذار الصبيانى: «ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا!» أي بإرادتنا، واختيارنا، فقد كنا إزاء أمر لاخيار لنا فيه.. وإليك ما حدث فاحكم..

«وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ.. فَقَذَفْناها..»

وزينة القوم هى الحلي التي كانوا قد سلبوها من المصريين، ليلة خروجهم من مصر..

والأوزار: الأحمال جمع وزر..

ص: 817

وعبّروا عن الحلىّ، بالأوزار، لأنها كانت كثيرة من جهة، ولأنها كانت نهبا واختطافا من جهة أخرى.. فتحرّجوا من أن يحملوا هذا الحلىّ، وقد رزقهم الله كفايتهم من المنّ والسلوى.. هذا إلى أنه لم تكن بهم من حاجة إلى المال، فى هذا المكان الذي اعتزلوا فيه الناس..

وانتهزها السامري فرصة، فألقى بما فى يديه على هذا الحلي الذي قذف به القوم.. «فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ» أي عجلا مجسدا، فيه حياة وله خوار.. أي يخرج من فمه هذا الصوت المعروف للبقر..

«فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى.. فَنَسِيَ» ..

إنه ما كاد ينظر القوم إلى هذا العجل، الذي خرج من هذا الحلي، حتى فتنوا به، وحتى أطلّ عليهم منه وجه العجل الذي كان يعبده فرعون وقومه..

فقالوا: «هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى» الذي ذهب إليه، ليلقاه هناك بعيدا عنا، فنسى نفسه هناك.. وفاته أن يدرك حظه من لقاء ربه معنا هنا!! وفى الانتقال بالحديث من الخطاب إلى الغيبة، إشارة إلى أن الذين واجهوا موسى أولا بقولهم:«ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها» - هؤلاء هم الذين سبقوا إلى أن يبرئوا ساحتهم.. وأن كل ما فعلوه هو أنهم تخلصوا من هذا الحلي المغتصب الذي كان معهم!! - أما قوله تعالى: «فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ» - فهو مما نطق به لسان الحال، وكشف عنه الواقع..

وهو ردّ على هؤلاء الذين جاءوا فى جلود الحملان الوادعة.. قائلين إنهم لم يفعلوا منكرا، بل فعلوا ما يحمدون عليه.. وهو التخلص من هذا المال الحرام!!

ص: 818

قوله تعالى:

«أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً» .

هو تعقيب على هذا الحدث، وفيه تسخيف لعقول القوم، وتسفيه لأحلامهم وإنهم لو كانت بهم مسكة من عقل لما رأوا فى هذا الحيوان إلها، يعبدونه، ويرجون منه ما يرجو العابدون من ربهم! فهل إذا تحدثوا إلى هذا الحيوان.. يرجع إليهم قولا، ويرد إليهم جوابا؟ وهل لهذا الحيوان حول وطول يقدر به على النفع لعابديه، أو الضر لذابحيه؟ فما أحط الإنسان، وما أنزل قدره، حين يتخلى عن عقله..

قوله تعالى:

«وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي» ..

هو تعقيب أيضا على هذا الحدث، يذكر فيه لهرون موقفه من هذا الأمر المنكر، وأنه وقف للقوم، وأنكر عليهم ما هم فيه، وأنهم وقعوا فى فتنة عمياء، وأن هذا ليس ربهم، وإنما ربهم الرحمن، الذي لو لم يأخذهم برحمته لمسخهم على هذه الفعلة، قردة وخنازير!! ولكن القوم مضوا فى ضلالهم، وأبوا أن يستمعوا لهرون..

وكان ردهم عليه أن: «قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى» .. وإنهم ليقولون هذا، وقد قطعوا من قبل بأن موسى قد ضل طريقه، فهلك، ولن يهود! ومن عجب أن التوراة تذكر فى صراحة أن الذي صنع العجل ودعا القوم إلى عبادته، هو هرون عليه السلام..

ص: 819

تقول التوراة فى الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر الخروج:

«ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ فى النزول من الجبل، اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.. فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي فى آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتونى بها.. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي فى آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا..»

أهذا فعل يكون من نبى من أنبياء الله، ورسول من رسله؟ «سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ» (16: النور) وليس هذا الذي تقوله «التوراة» عن «هرون» إلا واحدة من تلك الشناعات الكثيرة التي سوّد بها اليهود وجه التوراة، بما حملوا إليها من مفتريات وأباطيل، على الله، وعلى أنبياء الله، وعلى عباد الله!! ثم تعود أحداث القصة إلى التحريك من جديد..

فها هو ذا موسى- عليه السلام يتجه إلى أخيه هرون، ويأخذ برأسه وبلحيته فى عنف وقوة.. قائلا:

«يا هارُونُ.. ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ.. أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟» أي ما منعك أن تأخذ الجانب الذي أنا عليه من الإيمان بالله، وأن تنحاز إليه أنت ومن اتبعك؟ «أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟» ..

والأمر الذي أمره به موسى، هو قوله له، حين ذهب لمناجاة ربّه:«اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (142: الأعراف) .. وجاء جواب هرون:

ص: 820

الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي.. إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»

..

إنه لم يلق أخاه بالشدّة التي لقيه هو بها، وإنما عرف لأخيه قدره ومقامه، وأنه كليم الله، وأن هرون وزيره.. فقال فى لطف ورقة: َا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي»

بل أطلق سراحى، ودعنى أبين لك ما حدث..

إنى خشيت أن أعتزل القوم أنا ومن كان معى، ممن لم يرض ما فعله القوم- فتقول لى: إنك فرقت بين بنى إسرائيل، ولم تتبع ما قلت لك حين دعوتك إلى أن تخلفنى فيهم، وأن تصلح، ولا تتبع سبيل المفسدين.. وقد رأيت أن الفرقة بين القوم ستحدث تصدعا وشقاقا، وربما قتالا.. فرأيت أن أدع الأمر على ما هو عليه، بعد أن نصحت واجتهدت فى النصح، حتى تأتى أنت وتعالج هذا الدعاء بما ترى، أو بما يريك الله! ويدع موسى أخاه. ويتلفت إلى السامري:

«قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ؟» أي ما شأنك؟ وماذا فعلت؟

«قالَ «بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ.. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ.. فَنَبَذْتُها.. وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» .

- قوله: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ» .. أي رأيت ما لم ير القوم.. وهو أنى رأيت أثرا من آثار الملك الذي كان يتحدث إليك.. فقبضت قبضة من التراب حيث موضع قدمه.. وعلمت أن الملك روح خالص، وأن فى آثاره على الأرض أثرا من الروح.. هكذا قدرت.. وقد رأيت أن أجرّب الأمر فصنعت من الحلىّ تمثالا على هيئة عجل.. ثم ألقيت فيه بهذا الأثر، فدبت فيه الحياة، وانطلق منه الخوار.. ففتن القوم به.. وعبدوه!

ص: 821

وكان ردّ موسى على السامري:

«قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ» .

هذا هو عقابك فى الدنيا، أن تتحاشى الناس، ويتحاشاك الناس..

وألا تمسّهم، ولا يمسّوك، فإن فعلت أو فعل بك، أصبت بالحمى، أو مسّك شواظ من نار.. وهذا هو عقاب الدنيا.. وهو من جنس عمله، فقد أراد بالعجل الذي صنعه، أن يجمع الناس حوله، وأن يكون ذا سلطان فيهم..

فكان أن حرمه الله هذا السلطان، بل وأخرجه من أن يعيش مع أحد، أو يتصل بأحد، بهذا الداء الذي الذي رماه به..

وقوله: «وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ» .. الموعد، هو الوعد، وهو يوم القيامة.. وهو موعد الناس جميعا للحساب والجزاء.. ومن بين الناس السامرىّ هذا، فإنه سيبعث، ويحاسب، ويجازى على ما كسب.

وقوله: «وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً» .. هو خطاب من موسى إلى السامري، وإلى بنى إسرائيل جميعا.. وخصّ السامرىّ بالخطاب، لأنه رأس الفتنة، ومدبرها، ومخرج هذا الإله للناس، فى العجل الذي صوّره..

فهذا الإله والعجل الذي ظلّ عليه القوم عاكفين، يعبدونه، ويقدمون القرابين إليه- سيمثل به موسى أشنع تمثيل أمام أعينهم.. إنه سيحرقه، ثم يطحنه طحنا، وينسفه نسفا، حتى يصير رمادا.. ثم يلقى به فى اليم.. فهل بمثل هذا يفعل بالإله؟ وهل يكون إلها من لا يدفع عن نفسه ما يفعل به من مكروه؟

وقوله تعالى: «إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» .. هو من قول موسى، تعقيبا على هذا الفعل الذي فعله بالعجل، وأرى القوم منه بأنه ليس إلا شيئا من هذه الأشياء القائمة بينهم، من جماد أو حيوان.. وبأنهم

ص: 822