الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.. وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ»
(111: التوبة) فهذا عهد عاهد الله عليه المجاهدين فى سبيله، وقد اتخذ المجاهدون هذا العهد من الله، ووفوا به، فكان شفاعة لهم عند الله من عذاب جهنم..
والإيمان بالله، وبشريعة الله، هو عهد بين المؤمن وربّه، فإذا وفى بما عاهد الله عليه، أنجز الله له ما وعده من رضوانه، وفى هذا يقول الله تعالى:
الآيات: (88- 98)[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 98]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)
التفسير:
الإدّ: الأمر المنكر، الذي يثقل كاهل صاحبه، ويقصم ظهره..
يتفطّرن: يتشققن، خوفا وإشفاقا من هذا البهتان العظيم..
قوما لدّا: أي ذوى لدد وشدّة فى الخصومة، ولجاجة فى الجدل..
الركز: الصوت الخفيض..
وقوله تعالى:
هو عرض لمقولة من مقولات الضالين، وهم تلك الطوائف من اليهود والنصارى، الذين نسبوا إلى الله الولد، فقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله..
وفى الإخبار بقولهم هذا، تهديد لهم، ووعيد شديد، بما سيلقون من وراء هذا الافتراء، الذي فزعت له السموات والأرض، حتى لقد اضطرب كيانهما، فكادت السموات تتشقق، وكادت الأرض تتصدع وتنخسف، وكادت الجبال تنهدّ وتتهاوى..
فمن يمسك على هذه الموجودات وجودها، ومن يحفظ عليها نظامها، إذا كان لله ولد؟ إن إلها يتخذ ولدا لأعجز من أن يقوم على أمر نفسه، فضلا عن أن يدبّر وجود غيره ويحفظه..
- وقوله تعالى: «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» هو ردّ على تلك المقولة المنكرة..
قد نطق به الوجود كلّه، الذي يرى آثار الله فيه، وتدبيره له- نطق به منكرا هذا القول المنكر.. الذي جاء به الضالون، من واردات الإفك والزور.
قوله تعالى:
هو بيان، وتفسير للضمير فى قوله تعالى:«منه» أي تكاد السموات يتفطرن، والأرض تنشق، والجبال تنهدّ، من أن ينسب هؤلاء الضالّون ولدا إلى الله.. إذ ما يصحّ، ولا يجوز أن يتخذ الرحمن ولدا.. فما يتّخذ الولد، إلّا ليسدّ حاجة فى نفس والديه.. والله سبحانه وتعالى فى غنى مطلق عن أن يحتاج إلى شىء، فكل ما فى السموات والأرض ملك لله، خاضع لمشيئته، كلهم عبد، وعابد له..
وقوله تعالى:
«لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً» .
هو بيان لقدرة الله تعالى، وسلطانه على هذا الوجود، وأن كلّ موجود فيه- صغر أم كبر- هو بيد القدرة الممسكة به، العالمة بكل ما فى ظاهره وباطنه.. وكل إنسان سيأتى يوم القيامة فردا، لا يصحبه أهل، ولا ولد، ولا مال، ولا متاع.. فهؤلاء الضالّون محصون فى علم الله، معروفون بذواتهم وأعمالهم، ومعدود عليهم كل نفس يتنفسونه، فلا يقع فى ظنهم أنهم غائبون عن الله، تائهون فى خضمّ هذا الوجود..!
قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» .
وأهل الفوز من الناس جميعا، هم أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات..
فهؤلاء، حين يأتى الناس يوم القيامة، ولا شىء معهم- سيأتون هم ومعهم صالح أعمالهم، التي تقربهم إلى الله، وتدنيهم من رحمته، وتنزلهم منازل مودّته وألطافه..
قوله تعالى:
«فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» .
الضمير فى يسّرناه، يعود إلى القرآن الكريم، الذي لم يجر لهم ذكر فى هذا العرض الذي جاءت به الآيات السابقة.. وفى هذا تنويه بفضل القرآن، وأنه هو المذكور فى هذا الموقف، والملجأ الذي يلجأ إليه الناس، ويجدون فيه الهدى، والنجاة من أهوال يوم القيامة.
فهذا القرآن ليس مما يخفى أمره على من يريد الهدى، ويلتمس النجاة.. إنه لا هدى إلا منه، ولا نجاة إلا بالتعلق به.. وإنه ممهد السبل، واضح المناهج، قريب التناول.. إنه يخاطب القوم بلسانهم الذي يتخاطبون به، فلا غموض فيه ولا إبهام.. إنه ليس سجعا كسجع الكهان، ولا تمتعة كتمتمة السحرة..
ولكنه بلسان عربى مبين.. وهذا الأسلوب الذي جاء عليه القرآن بلسان النبىّ، ولسان قومه، إنما ليكون حجة قائمة على الناس.. يدعوهم إلى الله، وإلى الإيمان به، وامتثال أو امره، واجتناب نواهيه.. فمن آمن، وعمل صالحا، فيا بشراه بما يلقى من نعيم الجنات ورضوان الرحمن.. ومن أبى، وأعرض..
فيا لخسرانه، ويا لحسرته.. يوم لا ينفع مال ولا بنون..!
- وفى قوله تعالى: «وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» إشارة كاشفة إلى تلك الآفة التي حجزت المشركين عن الاهتداء بهذا الهدى، والاستضاءة بذلك النور..
وإن آفتهم لهى هذا اللجج فى الخصومة والجدل، كما يقول سبحانه فيهم:
«بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» (58: الزخرف) .
قوله تعالى:
هو تهديد لهؤلاء المشركين، وأنهم إذا أمسكوا على ما هم عليه من عناد وضلال، فإنهم سيخرجون من هذه الدنيا بأخسر صفقة..
فما هى إلا أيام يعيشونها فى هذه الدنيا، ثم يطويهم التراب، كما طوى أمما وقرونا كثيرة من قبلهم، فأصبحوا ترابا هامدين، لا يذكر لهم أثر، ولا يسمع لهم نبأ! ..