الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهؤلاء الأنبياء الثلاثة، موسى، وإسماعيل، وإدريس، يمثلون وجوه النبوة، فى درجاتها الثلاث:
والإشارة إليهم بأولئك، هى إشارة إلى جميع الأنبياء والمرسلين، الذين أنعم الله عليهم من النبيين! وحرف الجر «من» فى قوله تعالى:«مِنَ النَّبِيِّينَ» هو للبيان، وليس للتبعيض.. إذ أن كل النبيين، هم من الذين أنعم الله عليهم، بهذه النعمة الجليلة، التي لا تعدلها نعمة فيما أنعم الله به على عباده من نعم! وهم جميعا ممن هداهم الله، واجتباهم.. هداهم إلى الحق، والإيمان، واختصهم بنعمة النبوة والرسالة، أو النبوة وحدها.
وأما حرف الجر «من» فى قوله تعالى: «من» ذرية آدم و «ممن» حملنا مع نوح.. و «من» ذرية إبراهيم وإسرائيل» - هذا الحرف فى مواضعه الثلاثة للتبعيض.. أي إن هؤلاء النبيين الذين أنعم الله عليهم هم من بعض ذرية آدم، وهم بعض من آمن مع نوح وحمل معه فى السفينة، وهم بعض ذرية إبراهيم وإسرائيل، وهو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم.. إذ ليس كل أبناء هؤلاء وذرياتهم من النبيين، ولا ممن هداهم الله واجتباهم، بل منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى فى الآية التالية لهذه الآيات وهى قوله تعالى:«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» ..
الآيات: (59- 63)[سورة مريم (19) : الآيات 59 الى 63]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَاّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63)
التفسير:
الخلف بسكون اللام، الفاسد، الضالّ من الذرية، على خلاف الخلف، بفتح اللام.. فكأن الخلف خلف يجمع بين الخلف والخلف.. وهذا من الصيغ القرآنية العجيبة، التي تزداد بها اللغة ثراء، وتزدان حسنا..
وقوله تعالى:
هو تهديد لهؤلاء الضالين، الذين خرجوا على سنن الفطرة السليمة، كما خرجوا على واجب الولاء والطاعة لآبائهم المكرمين من عباد الله، واتبعوا الغاوين والمفسدين من الآباء..
- وفى قوله تعالى: «أَضاعُوا الصَّلاةَ» تنويه بشأن الصلاة، ورفع لقدرها إذ كانت الصلاة عماد الدين، فى كل شريعة، وكل ملة..
وقد نوه الله سبحانه وتعالى بإسماعيل عليه السلام، فجعل دعوته بالصلاة فى أهله، رسالة رسول.. «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ» ..
وقوله تعالى: «فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» وعيد بالعاقبة السيئة التي سيؤول إليها أمر هؤلاء الضالين، الذين أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشهوات..
والغىّ: هو الضلال.. وقد جعل فى مقام الهلاك والعذاب فى جهنم، لأن القوم كانوا غواة، وأنهم سيلقون هذا الغىّ، وسيجدونه حاضرا يوم القيامة، وبه سيردون مورد الهلاك، وبه يصلون العذاب! قوله تعالى:
هو استثناء منقطع، و «إلّا» بمعنى «لكن» .. وبهذا الاستثناء يفتح باب النجاة من هذا المهوى الذي هوى فيه الضالون إلى جهنم.. فمن دخل هذا الباب، وتاب عما هو فيه من منكرات وضلالات، وصحّح إيمانه بالله، فهو من عباد الله، الذين سيلقاهم فى الآخرة برضوانه، وبجنات لهم فيها نعيم مقيم..
«فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً..»
وقوله تعالى:
«جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا» .
هو بيان للجنّة، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى فى قوله:«فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» فهى فى سعتها جنات، وإن كانت جنّة واحدة.. وهى جنات عدن، أي خلود وإقامة، لا يتحول عنها أهلها أبدا، وهى التي كانت وعدا تلقّاه المؤمنون بالله من ربّهم فى الدنيا، فآمنوا بهذا الوعد على الغيب، دون أن يروه، وقبل أن يتحققوا منه عيانا.. إنه إيمان بالله، وبكل كلمات الله.. فهو إن يكن وعدا، فإنه حاضر فى يقين المؤمنين، وهم بهذا الوعد أوثق مما فى
أيديهم.. «إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا» أي آتيا، أو يؤتى إليه الموعودون به..
لا يتخلّف أبدا.. إن لم يجئهم جاءوا هم إليه.
وقوله تعالى:
«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» .
هو وصف لهذه الجنة، أو تلك الجنات، وأن أهلها فى أمن وسلام، لا يسمعون فيها كلمة لاغية عابثة، فإن اللغو والعبث هو شغل الفارغين التافهين أما أصحاب الجنة فهم كما وصفهم سبحانه وتعالى:«فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ» (55: يس) وشغلهم هو هذا النعيم الذي يملأ كل لحظة من لحظات وجودهم..
و «إلا» فى قوله تعالى: «إِلَّا سَلاماً» بمعنى لكن، أي لا يسمعون لغوا، ولكن يسمعون سلاما..
- وفى قوله تعالى: «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» إشارة إلى أن أهل الجنّة قد تركوا وما هم فيه من نعيم الجنّة، يطعمون منه، وإنما هم مع هذا محفوفون برعاية الله، آخذون من عطائه، الذي يلقاهم به بكرة وعشيّا.. فكل ما يناله أهل الجنة من صنوف النعيم، هو رزق من رزق الله، المجدّد عليهم، حالا بعد حال.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً» (25: البقرة) ..
قوله تعالى:
«تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» .
الإشارة هنا تنويه بالجنة، التي ذكرت بأوصافها، وأوصاف أهلها فى الآية السابقة..
فهذه الجنّة المشار إليها هنا، هى الجنة السابقة، والتقدير تلك هى الجنّة