الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما ابتلى به هو من تأخير الولد عنه إلى سنّ الشيخوخة، وإلى حمل نفسه على مرارة اليأس من الولد..!
هذا، وسيأتى لإسماعيل ذكر خاص، فى الآيات التالية، كما سنرى..
الآيات: (51- 58)[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 58]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58)
التفسير:
فى هذه الآيات، ذكر لبعض من أنبياء الله ورسله.. هم موسى، وإسماعيل، وإدريس.. ثم هارون باعتباره نبيّا، غير رسول..
وقد وصف الله سبحانه وتعالى موسى بأنه كان مخلصا.. أي أخلصه الله سبحانه وتعالى له، واختصه بكلامه.. ثم وصفه سبحانه بأنه كان نبيا، أي يجمع بين الرسالة والنبوّة، ثم وصفه سبحانه وصفا ثالثا، بأنه نودى من الحق
جلّ وعلا فقال تعالى: «وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا» أي قرب من حضرة الحق جلّ وعلا إلى حيث ناجاه، كما يناجى الخليل خليله.. كما يقول سبحانه فى آية أخرى:
«وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً» (164: النساء) .
وبهذه الأوصاف استحق موسى أن يقدّم على رسل وأنبياء، كانوا أسبق منه زمانا، كإسماعيل، وإدريس.. وهذا التقديم- وإن رفع من قدر موسى- لا ينقص من قدر هذين النبيين الكريمين، «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ» (253: البقرة) .
وفى قوله تعالى عن موسى: «وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا» تكريم، فوق تكريم لموسى، وأنه إذ لم يوهب له الولد، فقد وهب له نبىّ يعمل إلى جانبه، فى الرسالة التي ندب لها..
وفى قوله تعالى عن موسى أيضا: «وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا» .. تحديد للمكان الذي نودى منه موسى، وهو أنه كان بالجانب الأيمن من الطور، حين تلقى نداء الحقّ جلّ وعلا..
والجانب الأيمن من الطور، هو الجانب الغربىّ منه..
وهذا التحديد الجغرافى لمكان النداء، يشير إلى أن موسى كان قادما من مدين فى طريقه إلى مصر، وأنه فى متوجّهه هذا كان يخترق أرض الطور، التي يشرف عليها الجبل المسمى بهذا الاسم فى صحراء سيناء على ساحل البحر الأحمر..
فكان الجانب الغربي من الطور على يمين موسى، والجانب الشرقي على يساره..
وحين ناداه ربه، سمع النداء من جانبه الأيمن، وهو الجانب الغربىّ من الطور، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» (44: القصص) .
قوله تعالى:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا، نَبِيًّا» ..
الصفة البارزة الموصوف بها إسماعيل فى ديوان الأنبياء والمرسلين، هى، أنه «كانَ صادِقَ الْوَعْدِ» ..
والوعد، هو قوله لأبيه:«يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» وذلك حين قال له أبوه: «يا بُنَيَّ.. إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى؟» (102: الصافات) ..
وصدق الوعد فى أنه كان قولا صدقه العمل، فلم يكن قوله لأبيه:«يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ» مجرد قول يقال، ولكنه كان مصحوبا بنية صادقة على إمضاء هذا القول إلى غايته.. وقد تبين هذا حين جاءت ساعة التنفيذ.. فاستسلم إسماعيل لأمر ربه، وأعطى رقبته للسكين.. كما يقول سبحانه وتعالى:«فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» (103- 105: الصافات) :
قوله تعالى:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» ..
إدريس عليه السلام، هو من ذرية آدم الأولين، وهو جدّ أعلى لنوح ولهذا اختصّ بالذكر لأنه ليس من الأنبياء الذين جاءوا من ذرية إبراهيم..
والذين لم يذكروا هنا كعيسى، ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، ففى ذكر إبراهيم ذكر لهما، لأنهما من ذريته.. كإسحاق، ويعقوب، ويوسف..
أما ذكر إسماعيل- وهو ابن إبراهيم- فهو تنويه خاص به، إذ كان من ذريته خاتم النبيين محمد، صلوات الله وسلامه عليه..
هذا، ولم يلحق بإدريس وصف الرسول، إلى جانب الوصف بالنبوة..
فهو- بهذا- نبى، وليس برسول..
قوله تعالى:
الإشارة هنا «أولئك» مشار بها إلى المذكورين فى الآيات السابقة، من النبيين.. وهم موسى، وإسماعيل، وإدريس..
وهؤلاء الأنبياء الثلاثة، يمثلون الصور كلها التي جاء عليها أنبياء الله ورسله..
فموسى يمثل الأنبياء المرسلين، أصحاب الكتب السماوية، والرسالات، الخارجة عن نطاق الأهل والأسرة، إلى القوم، والأمة..
وإسماعيل.. يمثل الأنبياء المرسلين، الذين لم تكن لهم شريعة خاصة، ولم يكن بين أيديهم كتاب سماوى منزل عليهم، وكانت دعوتهم إلى الله مقصورة على آل بيتهم..
وإدريس.. يمثل الأنبياء غير المرسلين..
وهذا يكشف عن بعض السر فى أن ذكرهم فى هذه الآيات لم يجىء على حسب ترتيبهم الزمنى، بل جاء على حسب درجاتهم فى مقام النبوة..