الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما تقضى به.. منه القضاء، وهو الفصل فى الخصومات، ومنه القاضي الذي يفصل بين المتخاصمين.
وقد ذكر القرطبي فى تفسيره:
«أن «القضاء» يكون بمعنى «الأمر» كقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» ..
ويكون بمعنى «الخلق» .. كقوله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ» .
«ويكون بمعنى «الحكم» .. كقوله تعالى: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» ..
«ويكون بمعنى «الفراغ» .. كقوله تعالى: «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ» (41: يوسف) ..
«ويكون بمعنى الإرادة، كقوله سبحانه: «إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (47: آل عمران) .
«ويكون بمعنى «العهد» .. كقوله تعالى: «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ» .. (44: القصص) والذي ينظر فى هذه المعاني التي ذكرها القرطبي «للقضاء» يرى أنها جميعا تنزع منزعا واحدا، وتلتقى عند معنى واحد، هو الفصل، والحسم.
فالأمر.. والخلق.. والحكم.. والفراغ.. والإرادة.. والعهد..
كلها تنبىء عن حسم الأمر وإنجازه.. قولا، أو فعلا.
القدر:
ورد فى القرآن الكريم، لفظ «ق.. د.. ر» مصدرا، وفعلا، واسم فاعل
قال تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (49: القمر) وقال سبحانه:
«وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» (10: فصلت) ومعنى هذا فى المصدر، ومشتقاته: التقدير، ووضع الشيء فى موضعه المناسب له..
عن عكرمة عن الضحاك، قال فى قوله تعالى:«وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» أي أرزاق أهلها، وما يصلح لمعاشهم، من التجارات، والأشجار، والمنافع، فى كل بلدة، ما لم يجعله فى الأخرى..
من ذلك نرى أن دائرة القدر أشمل وأعمّ.. من دائرة القضاء..
فالقدر تدبير.. والقضاء حكم..
القدر تصميم.. والقضاء تنفيذ..
يقول الإمام الغزالي..
القدر: اسم لما صدر مقدّرا عن فعل القادر..
والقضاء: هو الخلق..
«والفرق بين القضاء والقدر، أن القدر، أعمّ، والقضاء، أخصّ..
«فتدبير الأوليات قدر..
«وسوق تلك الأقدار بمقاديرها وهيئاتها إلى مقتضياتها، هو القضاء.
«فالقدر.. إذن.. تقدير الأمر بدءا.
«والقضاء.. فصل ذلك الأمر وقطعه، كما يقال: «قضى القاضي» «1» أما الفيلسوف «ابن سينا» فيرى عكس هذا..
(1) من كتاب فرائد اللآلى من رسائل الغزالي ص 156.
يرى أن القضاء أعمّ من القدر، وسابق عليه..
يقول:
«القضاء.. هو علم الله المتعلّق بالكلّ، على النظام الأكمل الذي يكون فى الوجود.
«والقدر.. هو إفاضة الكائنات على حسب ما فى علمه. فالكلّ صادر عن الله، ومعلوم له، وكلّ ذلك بقضاء وقدر» «1» .
أما ابن عربى.. الفيلسوف المتصوّف، أو الصوفي المتفلسف، فإنه فى التفرقة بين القضاء والقدر، على رأى يتفق ورأى ابن سينا.. فهو يقول:
«القضاء.. حكم الله..
«والقدر.. تقدير ذلك الحكم..
«والتقدير.. تابع للحكم.. والحكم تابع للعلم» «2» ونحن على رأينا، الذي يوافق رأى الإمام الغزالي فى أن «القدر» أعم، و «القضاء» أخصّ.. لأن آيات الكتاب الكريم توحى بهذا الفهم لكل من القضاء والقدر.
ونستطيع أن نتصوّر- مجرد تصوّر- إن صح فهمنا هذا- أن القدر، هو الأسباب التي أودعها الله سبحانه فى المخلوقات، بحيث لو جرت إلى غايتها لنتج عنها مسبباتها التي تلازمها، والتي لا تتخلّف أبدا..
فالنار- مثلا- سبب الضوء، والدفء، والإحراق.. فإذا أوقدت
(1) الملل والنحل للشهرستانى.. جزء 3 ص 153.
(2)
النصوص.. لابن عربى.