الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -
أن نضع أنفسنا موضع طلابنا:
فهذا يدعو لالتماس المعاذير، والكف عن إنفاذ الغضب، والبعد عن إساءة الظن.
فإذا وضعنا أنفسنا موضع طلابنا وجدنا ما يسوغ بعض أخطائهم، فَنُقْصِر بذلك عن الجهل، ونحتفظ بهدوئنا؛ فيوم كنا طلابًا ماذا يدور في خلدنا؟ ومن المعلم الذي يغدو في معاملته بألبابنا؟
إنه ذلك الذي يعذرنا، ولا يسيء الظن كثيرًا بنا.
قال ابن المقفع: أعدل السير أن تقيس الناس بنفسك؛ فلا تأتي إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك. (1)
وقال ابن حزم: من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه؛ فإنه يلوح له وجه تعسفه. (2)
قال الخطابي:
ارض للناس جميعًا
…
مثل ما ترضى لنفسك
إنما الناس جميعًا
…
كلهم أبناء جنسك
فلهم نفسٌ كنفسك
…
ولهم حسٌّ كحسك
(3)
هذه بعض الأمور المعينة على رحابة الصدر، وقوة الاحتمال؛ فإذا أخذ بها المعلم دل ذلك على علو قدره، ونباوة محله، وصار من الموصوفين بالحلم والعلم، ومن اتصف بهذين الوصفين حاز من العلياء كل مكان.
كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الكلمات:
الحلم والعلم خَلَّتا كرمٍ
…
للمرء زينٌ إذا هما اجتمعا
صنوان لا يستتم حُسْنُهما
…
إلا بجمعٍ بذا وذاك معا
(1) الأدب الصغير والأدب الكبير ص73.
(2)
الأخلاق والسير ص80.
(3)
أقوال مأثورة ص456.
كم من وضيع سما به الحلمُ والـ
…
علم فحاز السناء وارتفعا
ومن رفيع البنا أضاعهما
…
أخمله ما أضاع فاتضعا
(1)
(1) الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الخائف الخاشع للملاء، تحقيق د. محمد البورنو 2 / 594.
ومما يحسن تنبيه المعلمين عليه في هذا الشأن أن يتجنبوا ما يلي:
أ - التأخر عن الدرس بلا مسوغ: فذلك ينتج عنه الإخلال بالأمانة، وترك الطلاب فوضى بلا رقيب ولا حسيب.
كما ينتج عنه إضاعة الدرس، وحرمان الطلاب من الفائدة.
ب - الغياب بلا عذر: فلا يجوز أن يغيب بلا عذر؛ لأن في ذلك تفريطًا وإخلالًا، كما أن فيه إحراجًا للزملاء، وإثقالًا عليهم بحمل حصص الانتظار.
جـ -شغل الدرس بما لا ينفع: وذلك كأن يتشعب المعلم في أحاديث لا طائل تحتها، ولا فائدة ترجى من ورائها.
د - قلة الاستفادة من الاجتماعات: فالمعلمون كثيرًا ما يجتمعون، ويلتقي بعضهم ببعض، واللائق بهم أن يكون اجتماعهم غنيمة يتعلم فيها بعضهم من بعض، ويتطارحون المسائل العلمية النافعة، ويتحدثون عن مشكلات الطلاب وحلولها، ومحاولة الارتقاء بالطلاب إلى الأكمل والأمثل، أو ما شاكل ذلك مما ينبغي لهم أن يأخذوا به؛ فهذا هو اللائق بهم، والمؤمل فيهم؛ إذ لا يليق بهم أن تضيع أوقاتهم سدى، فضلًا عن أن تضيع بالقيل والقال، والاشتغال بالناس؛ فذلك مما يَذْهَبُ ببهجة العلم ونوره.
بل يجمل بهم أن يترفعوا عن الاسترسال في أمور الحياة العامة، كالإغراق في الحديث عن النساء، وأخبار المتزوجين، أو الحديث عن الأطعمة، وألوانها.
قال الأحنف بن قيس: جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام؛ إني أبغض الرجل يكون وصَّافًا لفرجه وبطنه. (1)
وقال الشيخ محمد الخضر حسين: وإنه ليعظم في عينك الرجل بادئ الرأي، حتى تحسبه واحدًا من رجال الأمة؛ فما يروعك إلا وقد أخذ يسوق إليك حديث الأطعمة، ويُشَخِّص لك هيئاتها يحللها تحليلًا كيماويًا، ثم يطبخها بلسانه مرة أخرى.
وإن لِفِقْهِ النفس أثرًا عظيمًا في تعديل المخاطبات وتحسين العادات. (2)
(1) سير أعلا م النبلاء للذهبي 4 / 94.
(2)
السعادة العظمى ص270.