الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
40 -
الحزم من غير عسف:
فمما ينبغي للمعلم أن يتصف به، ومما يدل على نجاحه في أداء مهمته -أن يكون حازمًا جادًا؛ لأن في الحزم ضبطًا للطلاب، وكبحًا لما عندهم من جماح، كما أن فيه حفظًا للوقت، وإبقاءً لهيبة المعلم والعلم.
ومما يعين المعلم على الحزم أن يكون حازمًا مع نفسه.
ومن حزمه مع نفسه أن يعد الدرس جيدًا، وأن يلقيه كما ينبغي.
فإذا أعد الدرس جيدًا، وألَمَّ بكل شاردة وواردة فيه -كان من أثر ذلك عليه وثوقُ الطلاب بما يقول، وظهور التجديد فيما يعمل، وتنويع الدرس على ما يحب.
وإذا ألقى الدرس كما ينبغي -كأن يربطه بالدروس السابقة، ويسيرَ فيه خطوةً خطوة، ثم يلخصه بطريقة الأسئلة -ملأ الوقت على الطلاب، فلم يَعُدْ فيه فراغٌ لعبث عابث، ولا تجني سفيه.
وإذا حرك أذهانهم بالتشويق، والتطبيق، والسؤال -لم يصبهم سأم ولا ضيق.
ومن هنا يُشغل المعلمُ طلابَه عن أنفسهم وعن نفسه، فلا يفرغون لاصطياد نكتة، ولا لالتماس غميزة؛ إذ ليس أعون للمعلم على حفظ نظام الفصل من ملء الوقت بالمفيد الممتع، ولا أضمن لجودة شرحه، وحسن استماع التلاميذ من فهم الموضوع وجودة إلقائه.
ومما يعينه على الحزم ألا يسمح لطالب بأن يسيء للفصل أو لأحد من زملائه.
ومن ذلك أن يتابعهم في واجباتهم، وأن ينجز الوعد إذا وعد أحدًا من تلاميذه.
وبالجملة فالحزم مطلوب، وهو من علامات النجاح، ومن مقومات المروءة، بشرط ألا يصل إلى التسلط والاستبداد، والشدة المفرطة، والصرامة المتعدية لأطوارها؛ لأن تلك الطريقة تفسد الجيل، وتغرس فيه رذائل مهلكة؛ إذ تسلب من الطالب جميع عزائمه وسائر إرادته، وتحمله على الكذب والنفاق، وتغرس فيه الجبن والخور، وتُبَغِّض إليه العلم والقراءة، كما أنها تحول بينه وبين عزة النفس، وما يتبعها من قوة الجأش، وأصالة الرأي، وإرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام؛ فيكون ألعوبة بين معاشريه كالكرة المطروحة يتلقفونه رجلًا رجلًا، وآلة يستعملونها فيما يشتهون.
ولئن كانت الشدة مطلوبةً مع بعض النفوس التي لا يَرُدُّ جماحَها غيرُ الشدة -فإن من النفوس ما لا يأسرها إلا الجميل من القول، ولا يُرَدُّ جماحها إلا بزمام الرفق والملاطفة، وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية. (1)
(1) انظر السعادة العظمى ص99، وآثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3 / 163، وفي أصول الأدب للزيات 125.