الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 -
الحذر من اليأس:
فكثير من معلمينا يبذل النصح، والعلم والتوجيه للطلاب؛ فإذا رأى منهم إعراضًا أو قلة استجابة لنداءات النصح، أو نظر إلى ما غرق فيه بعض أبنائنا من التشبه بالمخالفين في عادات لا تغني من الرقي شيئًا -عدَّ ذلك قضاءً مبرمًا، وتملكه خاطر اليأس، حتى ينتكث من التعرض لأدوائهم ومحاولة إصلاحها.
ولكن الذي يعرف علة هذا التسرع، ويكون قد قرأ التاريخ؛ ليعتبر -يرى الأمر أهون من أن يصل بالنفوس إلى التردد في نجاح الدعوة، بَلْهَ اليأس من إصلاحها.
فلا ينبغي -معاشر المعلمين - أن ينطلي على فطنتكم المتيقظة زخرف تلك القضية:
فسد الزمان ولا دواء له
…
فَتُلْصِقُ بألسنتكم لُكْنَة، وتُطْفِئ من عزائمكم تَوَقُّدًا، فتفقدون منها حِدَّةً ونشاطًا.
بل ينبغي لكل واحد منا أن يعمل ما في قدره، وأن يكون ذا نظرة واسعة متفائلة، وألا يتعجل النتائج، أو يسمحَ لليأس أن يتسلل إلى رُوْعه؛ فاليأس من أكبر المعوقات، وأشد المثبطات.
فإذا لم تظهر نتائج التربية عاجلًا ظهرت آجلًا، وإذا لم يذهب الشر كلُّه خفَّ وقعُهُ، ولم يستطر شرره؛ فالتربية الصحيحة الجادة لا تذهب سدى، وما سطع الإيمان في نفس إلا كانت كالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه؛ فابذر فيها من الحكمة والموعظة الحسنة ما شئت أن تبذر، فلا تُريك إلا نياتٍ صالحةً، وأعمالًا راضيةً {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (الواقعة: 64) .
وكثيرًا ما يستخف الناس بالأمر تلقى له الخطبة، أو تؤلف له المقالة، فإذا تتابع الترغيب فيه أو التحذير منه -ولو مِنَ الناصح الواحد - أخذ الناس يُعْنون بشأنه، ويتداعون إلى العمل به، أو الإقلاع عنه.
ولا ندري -معاشر المعلمين - لعل من بين الطلاب مجددًا أو نابغة؛ فالطالب واحد من رجال الأمة، إلا أنه مستتر بثياب الصبا، فلو كشَفَتْ لنا عنه وهو كانٌّ تحتها لربما رأيناه في مصافِّ الرجال القوامين.
ولكن جرت سنة الله ألا تتَفَتَّقَ أزرار تلك الأستار إلا بالتربية شيئًا فشيئًا، ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه التدريج. (1)
فما علينا إلا أن نبذل الأسباب، وندخل البيوت من الأبواب، ثم بعد ذلك ندع النتائج والتقديرات لرب الأرباب ومسبب الأسباب.
(1) انظر الدعوة إلى الإصلاح لمحمد الخضر حسين ص20، ورسائل الإصلاح 1 / 50، والسعادة العظمى ص321 و 323.
وما اقترن العزم الصحيح بالتوكل على من بيده ملكوت كل شيء إلا كانت العاقبة رشدًا وفلاحًا {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159) .
وما جمع قوم بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب إلا أحرزوا الكفاية لأن يعيشوا أعزة سعداء.
وما بذل أحد جهده، وسعى في الأمور النافعة سعيه، واستعان بالله عليها، وأتاها من أبوابها ومسالكها -إلا وأدرك مقصوده؛ فإن لم يدركه كله أدرك بعضه، وإن لم يدرك منه شيئًا لم يلُم نفسه، ولم يذهب عملُه سدىً خصوصًا إذا ثابر عليه ولم يتضجر.
ولا بُعْدَ في خير وفي الله مطمعٌ
…
ولا يأسَ مِنْ رَوْحٍ وفي القلب إيمانُ