الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 -
صيانة الدرس عن اللغط، وتجنبيه البذيء من الألفاظ:
فالمروءة تقتضي أن يصون المعلم درسه من اللغط؛ فإن الغلط تحت اللغط. (1)
والمروءة تأمر صاحبها أن ينزه لسانه من الفحش، وأن يطهره من البذاءة، وأن يجله من ذكر العورات؛ فإن من سوء الأدب أن تفلت الألفاظ البذيئة من المرء غير عابئ بمواقعها وآثارها.
والمروءة -كذلك - تحفظ لسان صاحبها من أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:
وحذارِ من سفه يشينك وصفُه
…
إن السفاه بذي المروءة زاري
وعظماء الرجال يلتزمون في أحوالهم جميعًا ألا تبدر منهم كلمة نابية، ويتحرجون من صنوف الخلق أن يكونوا سفهاء أو متطاولين. (2)
قال الإمام النووي: ومما ينهى عنه الفحشُ، وبذاءةُ اللسان.
والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة ومعروفة.
ومعناه: التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانت صحيحة، والمتكلم بها صادقًا.
وينبغي أن يستعمل في ذلك الكناياتُ، ويعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض.
وبهذا جاء القرآن العزيز، والسنن الصحيحة المكرمة.
قال -تعالى -: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (البقرة: 187) .
(1) انظر تذكرة السامع والمتكلم ص75.
(2)
انظر أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ص95 -99.
وقال -تعالى -: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (النساء: 21) .
وقال -تعالى -: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (البقرة: 237) .
والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة.
قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيا من ذكرها بصريح اسمها -الكنايات المفهمة، فَيُكَنِّي عن جماع المرأة بالإفضاء، والدخول والمعاشرة، والوقاع، ونحوها. (1)
قال: وكذلك يُكَنَّى عن البول، والتغوط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة، والبول، ونحوهما.
وكذلك ذكر العيوب كالبرص، والبخر، والصنان، وغيرها -يعبر عنها بعبارات جميلة، يفهم منها الغرض.
ويلحق بما ذكر من الأمثلة ما سواه. (2)
قال القاسمي: إياك وما يستقبح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويؤثب عليك اللئام.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ": «ليس المؤمن بالطَّعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء» (3)
ومما يدخل في ذلك ما كان مستنكر الظاهر، وإن كان معناه سليمًا بعد تدقيق النظر فيه.
(1) الأذكار للنووي ص234.
(2)
الأذكار للنووي ص234.
(3)
أخرجه أحمد 1 / 404، والترمذي (1977) ، والبخاري في الأدب المفرد (232) ، والبغوي في شرح السنة (355)، وابن أبي شيبة 11 / 18 كلهم عن ابن مسعود. وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه الشيخ أحمد شاكر في شرحه للمسند (3839) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (237) .
قال الماوردي: وما يجري مجرى فحش القول وهُجره، ولزوم تنكبه -ما كان شنيع البديهة، مستنكر الظاهر، وإن كان عقب التأمل سليمًا، وبعد الكشف والرويَّة مستقيمًا. (1)
ثم ساق أمثلة لذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا ينبغي التصريح بالعبارات المستكرهة صراحةً ما لم تدع حاجةٌ -كما مر -.
أما إذا دعت الحاجة للتصريح بصريح الاسم فلا بأس بذلك، بل هو المتعين.
قال النووي بعد أن تحدث عن أنه ينبغي تجنب الفحش وبذاءة اللسان: واعلم أن هذا كله إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه؛ فإن دعت الحاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطب يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد -صرح حينئذٍ باسمه الصريح؛ ليحصل الإفهام الحقيقي.
وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا؛ فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا؛ فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرد الأدب وبالله التوفيق. (2)
(1) أدب الدنيا والدين ص284.
(2)
الأذكار ص234 -235.