الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 -
لا تنتظر الشكر إلا من خالقك:
لا ريب أن شكر الناس من شكر الله، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.
ولا ريب -أيضًا - أن شكر المحسن على إحسانه أمر مطلوب، وأنه مما يزيده إقبالًا على عمله.
ولكن قد يحصل في بعض الأحيان أن يُقَابَلَ المحسنُ في عمله، المجدُّ فيما أسند إليه بشيء من جحود الفضل، ونكران الجميل؛ مما قد يضعف عزيمته، ويوهن قواه.
فيا أيها المعلم المفضال، إذا مرت بك تلك الحال، فلم تُنْصَفْ، ولم تُعْطَ قدرك، ورد فضلك باليمين وبالشمال -فلا يحملْك ذلك على قلة الإخلاص، وتَرْكِ إتقان العمل.
بل انتظر الشكر من خالقك؛ فعملك في كتاب عند ربي، لا يضل ربي ولا ينسى.
ثم اعلم أن جمال الشيء فيه لا فيما يقال عنه، أيًّا كان القائلون.
قال ابن حزم بعد أن تحدث عن مذاهب الناس في طرد الهم: وجدتُ العمل للآخرة سالمًا من كل عيب، خالصًا من كل كدر مُوصلًا إلى طرد الهم على الحقيقة.
ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم، بل يُسَرُّ؛ إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عونٌ له على ما يطلب، وزايد في الغرض الذي إياه يقصد.
ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائقٌ لم يهتم؛ إذ ليس مؤاخذًا بذلك؛ فهو غير مؤثر في ما يطلب.
ورأيته إن قصد بالأذى سُرَّ، وإن نكبته نكبةٌ سُرَّ، وإن تعب فيما سلك فيه سُرَّ، فهو في سرور أبدًا، وغيره بخلاف ذلك أبدًا؛ فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم، وليس له إلا طريق واحد وهو العمل لله -تعالى - فما عدا هذا فضلال وسخف. (1)
(1) الأخلاق والسير ص63.