الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإليك
نبذةً من استعمال المداراة في النصيحة
.
أ - من المداراة في النصيحة أن تثني على الطالب بما فيه إذا قصدت بذلك أن تحمله إلى ما هو أرفع، وأن تقصره عما هو فيه من القبيح.
ب - ومن ذلك أن تذكر الطلاب بسالف أمجاد المسلمين؛ حتى تبعثهم إلى اتباعهم، والسير على منوالهم.
جـ - ومن ذلك أن تذكر الطالب بسلفه هو، سواء كان أباه، أو جده، إذا كان ذلك السلف ذا فضل وعلم؛ فإن تَرَدُّدَ اسم سلفه الفاضل على سمعه مما يثير همته، ويرهف عزمه لأن يظفر بما ظفر به سلفه من منزلة شامخة، وذكر مجيد.
د - ومن المداراة في النصيحة أن تثير في الطلاب نخوتهم وشيمتهم ومروءتهم.
هـ - ومن ذلك أن تَعْمَدَ إلى إلقاء النصيحة بين الطلاب؛ فلا تستهل حديثك بمواجهتهم بما يكرهون؛ خشية نفورهم وإعراضهم.
وإنما تبتدئ بما يخف عليهم سماعه من المعاني الحائمة حول الغرض، ثم تعبر عن المعنى المراد بلفظ مجمل، ثم تدنو من إيضاحه شيئًا فشيئًا، حتى لا تُفصح عنه إلا وقد ألفته نفوسهم، وهدأت إليه خواطرهم؛ فذلك التدرج من حسن السياسة وجميل المداراة.
و - ومن المداراة بالنصيحة أن تُعَرِّض بالشيء، وأنت تريد غيره، من باب قول العرب في المثل المشهور: إياكِ أعني واسمعي يا جارة. (1)
مثال ذلك: أن تتعمد طالبًا بالنصيحة، فتخشى بادرةَ غضبه إن أنت كاشفته بخطئه، فتسلك في نصحه سبلًا أخرى دون أن تثير غضبه، أو تمسَّ كبرياءه، أو أن تخجله؛ لكونك اطلعت على خطئه، فبدلًا من مواجهته مباشرة بإمكانك أن تداريه، وتوصل له ما تريد بعدة طرق لا يشعر معها أنك تريد نصحه.
ومن تلك السبل أن تذكر له حالة أخرى مشابهة لحالته، وقد حدثت لشخص آخر وقع فيما وقع فيه صاحبك من خطأ، ثم تخلص إلى ذم ذلك الخطأ، وتقبيحه، والتنفير منه، والتحذير من الوقوع فيه.
كأن تقول له: إن أحدًا، أو فلانًا من الناس يتعاطى الدخانَ، والدخان فيه كذا وكذا، ويخشى عليه إن لم يترك الدخان أن يقع له كذا وكذا، ثم تبدأ بذم الدخان، وتقبيحه.
ومن تلك السبل أن تستشير الذي وقع في خطأ في كيفية علاج ذلك الخطأ، فتقول له: إن كثيرًا من الطلاب قد وقعوا في بعض الأخطاء، فما رأيكم إن كانوا مجموعة في كيفية علاج ذلك الخطأ، ثم تنفذ من خلال ذلك إلى التحذير من الخطأ.
(1) الأمثال لأبي عبيد ص65.
ومن تلك السبل أن تستحث من وقع في خطأ ما على نصح فلان من الناس سواء كان ذلك زميله، أو أخاه الصغير أو غيرهما، فتقول لذاك: انصح أخاك أو زميلك؛ لعله يتقبل منك، ويقلع عن ذلك الأمر، ثم تبين له وجه ذلك الخطأ وسبل علاجه.
إلى غير ذلك من الطرق المناسبة التي لا تريد من خلالها سوى لفت نظر منصوحك، وإشعاره بخطئه من طرف خفي.
ز - ومن المداراة في النصيحة أن تثني بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله؛ فهذا داعية إلى الإحسان وترك الإساءة. (1)
ح - ومن المداراة في النصيحة أن تعرف أن ناسًا بأعيانهم قد وقعوا في مخالفة ما، فترغب في إرشادهم، ولفت أنظارهم إلى خطئهم، فتتحامى ذكرهم بأعيانهم، خشية نفورهم أو إحراجهم، أو إعراضهم فتلجأ إلى التعريض من باب: ما بال أقوام
فتشير إلى أن هناك ملاحظةً حول أمر ما، وهي كذا وكذا، أو تقول: إن ناسًا يعملون كذا وكذا وهم مجانبون للصواب، والدليل كذا وكذا.
ويومئ إلى هذا الأسلوب ما كان يفعله النبي " عندما يبلغه أن بعض أصحابه قد وقعوا في خطأ ما، فيسلك عليه الصلاة والسلام هذا الأسلوب في علاجهم أحيانًا.
(1) انظر الأخلاق والسير ص62.
جاء في صحيح البخاري أن النبي " قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة» (1)
وقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله» . (2)
وقال: «ما بال دعوى الجاهلية» (3)
وقال: «ما بال العامل نبعثه، فيأتي فيقول: هذا لك وهذا»
…
. (4)
وبالجملة فالمدارة خصلة شريفة، يُحْكِمُها الأذكياء، ولا يتعدى حدودَها الفضلاء؛ فهي ترجع إلى ذكاء الشخص وحكمته؛ فهو الذي يراعي في مقدارها وطريقتها ما ينبغي أن يكون.
(1) البخاري 1 / 183.
(2)
البخاري 1 / 117.
(3)
البخاري 1 / 60.
(4)
البخاري 8 / 114.