المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القدوة القدوة: - مع المعلمين

[-]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ استحضار فضل العلم والتعليم:

- ‌ استشعار المسؤولية:

- ‌ لزوم التقوى بكل حال:

- ‌ الإقبال على القرآن وقراءته بتدبر وتعقل:

- ‌ ملازمة ذكر الله عز وجل

- ‌ وقل ربي زدني علمًا:

- ‌ الإخلاصَ الإخلاصَ:

- ‌ القدوة القدوة:

- ‌ أن هذا هو الواجب عليه:

- ‌ الأمانة العلمية

- ‌ أن ذلك يفتح له باب العلم:

- ‌ أن في ذلك رفعةً للقدر:

- ‌ أن في ذلك إرشادًا للمتعلمين

- ‌ احترام العلماء:

- ‌ البعد عن مواطن الرّيب:

- ‌ ولزملائك عليك حق:

- ‌التعاون على البر والتقوى:

- ‌ أن تسود روح التضحية بين المعلمين:

- ‌ إفشاء السلام:

- ‌ الشورى:

- ‌ الدعاء:

- ‌ أن ندرك أن الاختلاف في الرأي لا يوجب اختلاف القلوب:

- ‌ حسن الخلق:

- ‌ التواضع

- ‌ إلقاء السلام على طلابه:

- ‌ الإصغاء للطالب عند المناقشة:

- ‌ ألا يحتقر الفائدة من طلابه:

- ‌ ألا يزدري أحدًا من الطلاب:

- ‌ السخاء

- ‌ السخاء بالعلم:

- ‌ السخاء بالنصح:

- ‌ السخاء بالمال:

- ‌ السخاء بالوقت

- ‌ السخاء في قضاء الحوائج

- ‌ السخاء بالعرض:

- ‌ السخاء بالصبر والاحتمال والإغضاء:

- ‌ السخاء بالبشر والتبسم

- ‌ التنزه عن الحسد:

- ‌ الاعتدال في الملبس:

- ‌ الاعتدال في المزاح:

- ‌ محاسبة النفس

- ‌ الإقرار بالنقص:

- ‌ أن نعرف عيوبنا:

- ‌ أن نسعى في الخلاص من العيوب:

- ‌ حسن التعاهد للنفس:

- ‌ نجعل إساءة الأمس مسوغةً لإساءة اليوم

- ‌ الاطلاع على الجديد والمفيد فيما يخدم التربية والتعليم:

- ‌ رحابة الصدر وقوة الاحتمال

- ‌ سعة الأفق:

- ‌التغاضي:

- ‌ التدرب على تحمل الطلاب في المناقشة:

- ‌ أن نضع أنفسنا موضع طلابنا:

- ‌ تأجيل الأعمال عن وقتها الحاضر:

- ‌ حسن المنطق:

- ‌ الإصغاء للمتحدث والإنصات للسائل:

- ‌ تدريب الطلاب على أساليب الكلام وآدابه وطرائقه:

- ‌ الترسل في الكلام، والتوسط في رفع الصوت وخفضه:

- ‌ تجنب تكرار الحديث بلا داع:

- ‌ الحذر من إحراج الطالب في السؤال:

- ‌ صيانة الدرس عن اللغط، وتجنبيه البذيء من الألفاظ:

- ‌ لا تتحدث عن نفسك إلا إذا دعت الحاجة:

- ‌ التدرب على البشر والطلاقة وتجنب العبوس والتقطيب:

- ‌ استحضار الأجر المترتب على التبسم:

- ‌ أن تستحضر أن التبسم للحياة دليل على الحزم وقوة العزيمة:

- ‌ طرد الهم ومحاربة الكآبة:

- ‌ ألا نزهد بالسعادة الحاضرة في سبيل السعادة المنتظرة:

- ‌ لا تُجارِ السفهاء:

- ‌ لا تكثر العتاب والانتقاد:

- ‌ لا تنتظر الشكر إلا من خالقك:

- ‌ لا تكثر الشكوى:

- ‌ الحذر من اليأس:

- ‌ علو الهمة، وكِبَرُ النفس:

- ‌ نبذةً من استعمال المداراة في النصيحة

- ‌ الحزم من غير عسف:

- ‌ الرفق من غير ضعف:

- ‌تربية الطلاب على الكمالات:

- ‌تربيتهم على الاعتزاز بالدين:

- ‌ تربيتهم على نبذ التقليد الأعمى:

- ‌ تربيتهم على صحة التفكير والحكم على الأشياء:

- ‌ إذكاء همم النوابغ ومَنْ تُتَوَسَّمُ فيهم العبقرية:

- ‌ تقدير النوابغ:

- ‌ إعطاء النوابغ فرصة للإبداع وإظهار المواهب:

- ‌ مراعاة التوازن في المديح والإطراء:

- ‌ فتح المجال لهم في البحث:

- ‌ مراعاة الميول والتوجيه لما يناسب:

- ‌ معالجة الانحرافات

- ‌ أن نعطي المسيء فرصة لإصلاح نفسه وتصحيح خطئه:

- ‌ التربية بالعقوبة:

- ‌ حسن التعاهد للطلاب:

- ‌ محاولة التعرف على ما يدور في أذهان الطلاب:

- ‌ تجنيبهم أسباب الانحراف:

- ‌ العدل بين الطلاب:

- ‌ العناية بمصالح الطلاب وأحوالهم:

- ‌ الصبر على بعض ما يصدر من الطلاب:

- ‌ احترام الطلاب ومراعاة مشاعرهم:

- ‌ التعرف على أسماء الطلاب:

- ‌ مخاطبتهم بكناهم وأحب الأسماء إليهم:

- ‌ استشارتهم ببعض الأمور:

- ‌ معرفة الطبائع وفهم العقليات:

- ‌ صفاء السريرة للطلاب:

- ‌ أن يستحضر فوائد الغربة، وأن يحرص على الاستفادة منها:

- ‌ أن يكون ذا فطنة مستيقظة:

- ‌ الحرص على إفادة الآخرين:

- ‌ الإحسان إلى الزملاء في الغربة:

- ‌ التودد للناس:

- ‌ لا تخالف الناس فيما لا يضرك في دنياك ولا أخراك:

- ‌ لا تَذْكُرْ بلد غربتك إلا بخير:

- ‌ لا تنس طلابك بعد تخرجهم:

- ‌ وماذا بعد التقاعد

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ القدوة القدوة:

8 -

‌ القدوة القدوة:

فالمعلم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزامًا على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس.

فإذا كانوا كذلك أثَّروا على طلابهم، وانطبع من تحت أيديهم على أخلاق متينة، وعزائم قوية، ودين صحيح.

وإن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلًا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين.

ولقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يستعينون بالعمل على العلم؛ لأن العلم إذا عُمِل به نما، واستقر، وكثرت بركته.

وإذا ترك العمل به ذهبت بركته، وربما صار وبالًا على صاحبه؛ فروح العلم، وحياته، وقوامه إنما هو بالقيام به عملًا، وتخلقًا، وتعليمًا، ونصحًا؛ فالشرف للعلم لا يثبت إلا إذا أنبت المحامد، وجلب السعادة، وأثمر عملًا نافعًا.

ص: 21

ومما يحقق ذلك قوله -تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (الجمعة: 5) .

فانظر كيف ذم الله الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوةً، ثم أحجموا عن العمل بموجبها -في أسلوب بليغ؛ فضرب في وصفهم مَثَلَ الحمار يحمل الأسفار؛ من حيث خلوهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء؛ إذ لا ميزة بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها.

وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علمًا طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه. (1)

قال الإلبيري في العلم:

وإن أوتيت فيه طويلَ باعٍ

وقال الناس إنك قد سبقت

فلا تأمنْ سؤالَ الله عنه

بتوبيخٍ علمت فهل عملتا

فرأسُ العلم تقوى الله حقًّا

وليس بأن يقال: لقد رأستا

إذا ما لم يُفِدْك العلم خيرًا

فخيرٌ منه أنْ لَوْ قَدْ جهلتا

وإن ألقاك فَهْمُكَ في مهاوٍ

فليتك ثم ليتك ما فهمتا

(2)

قال الخطيب البغدادي: فإن العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملًا. (3)

(1) انظر الفتاوى السعدية ص453 -454، وآثار الشيخ محمد البشير 3 / 157 و163، ومناهج الشرف للشيخ محمد الخضر حسين ص29 -30.

(2)

ديوان أبي إسحاق الإلبيري ص27.

(3)

اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ص14.

ص: 22

وقال: فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرًا في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قلَّ نصيبُك منهما. (1)

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيته للمعلمين: ثم احرصوا على أن ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال منطبقًا على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهفُ الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات؛ فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين.

واعلموا أن كل نقشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشًا في نفوسكم فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلًا في أرواحكم - فهو لا محالة ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه؛ لاستنزالهم غير الصدق -فهو باطل.

ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة. (2)

(1) اقتضاء العلم العمل ص14.

(2)

عيون البصائر ص291.

ص: 23

وقال في موطن آخر: وأعيذكم بالله يا أبنائي أن تجعلوا اعتمادكم في تربية الصغار للرجولة على البرامج والكتب؛ فإن النظم الآلية لا تبني عالمًا، ولا تكوُّن أمة، ولا تجدد حياة.

وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية، وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد، وعلى نهج سويٍّ.

أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية -فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها، ويقتبسونها منكم، وما تبثونه في أرواحهم من قوة عزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد، وفي نزعاتهم من إصلاح وتقويم، وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة.

وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء. (1)

وقال: كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال، والأحوال، والأقوال، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال.

وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة من الكذب في الأقوال؛ فالأقوال الكاذبة قد يُحترز منها، أما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز. (2)

(1) آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3 / 163.

(2)

آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3 / 165.

ص: 24

وبعد هذا قد تقول -أيها المعلم الكريم -: أنَّى لي أن أكون قدوةً وأنا مقصر في نفسي؟ وكيف وأنا أعاني من بعض النقائص ونفسي تميل بطبعها إلى بعض الأخلاق المرذولة؟

وكيف أنصح للطلاب وأنا لم أُكمِّلْ نفسي بعد؟ ألا أخشى أن أدخل في وعيد الله بقوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2 -3) .

أليس الحكيم العربي يقول:

يا أيها الرجلُ المعلم غيرَه

هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

تصف الدواء وأنت أولى بالدوا

وتعالج المرضى وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى

بالقول منك ويُقبل التعليم

(1)

والجواب عن ذلك أن يقال لك: ليس من شرط القدوةِ العصمةُ؛ فالعصمة إنما هي للأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون به عن ربهم.

ولا يضيرك تقصيرك ما دمت مخلصًا في نصحك، حريصًا على تكميل نفسك وغيرك؛ فالسعي في التكميل كمال، ومن الذي يخلو من النقائص؟ فأي الرجال المهذب؟

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه

(2)

(1) هذه الأبيات مختلف في نسبتها؛ فهي تنسب لأبي الأسود الدؤلي، وتنسب للمتوكل الليثي، وتنسب إلى سابق البربري، وتنسب إلى أبي بكر العزرمي. انظر جمهرة الأمثال للعسكري 2 / 38، وخزانة الأدب 3 / 618، وحلية المحاضرة 1 / 305، والأغاني 12 / 188 وبهجة المجالس 1 / 413، والحماسة البصرية 2 / 15، وقول على قول ص154.

(2)

ديوان بشار بن برد ص45.

ص: 25

ولو ترك الناس النصح بحجة التقصير لما بقي ناصح على وجه الأرض، ولو كان من شرط القدرة العصمة لما بقي للناس قدوة بعد الأنبياء عليهم السلام.

إذا لم يعِظْ في الناس من هو مذنب

فمن يعظ العاصين بعد محمد

قال ابن حزم فَرْضٌ على الناس تَعَلُّمُ الخير والعمل به؛ فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معًا، ومن عَلِمَهُ ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل به، فخلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا. (1)

وقال: ولو لم يَنْهَ عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه -لما نهى أحدٌ عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي " وحسبك بمن أدَّى رأيه إلى هذا فسادًا، وسوءَ طبعٍ، وذمَّ حال. (2)

وقال: وقد صح عن الحسن أنه سمع إنسانًا يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله.

فقال الحسن: ودَّ إبليس لو ظفر منا بهذه؛ حتى لا ينهى أحد عن منكر، ولا يأمر بمعروف. (3)

ثم إن ميل الإنسان بطبعه إلى بعض النقائص لا ينافي التقوى إذا كان لا يغشى تلك النقائص، وكان يجاهد نفسه على بغضها.

قال ابن حزم: لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب، وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل.

(1) الأخلاق والسير ص92.

(2)

الأخلاق والسير ص92.

(3)

الأخلاق والسير ص93.

ص: 26

بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل.

ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل. (1)

ومع ذلك فكلما اقتربت من الكمال، وحرصت على التخلص من النقائص -عظم الاقتداء بك، وزاد الانتفاع بحكمتك؛ فلا يعني ما سبق أن تبقى على عيوبك دون سعي لعلاجها، ودون مجاهدة للترقي في مدارج الكمال.

(1) الأخلاق والسير ص79.

ص: 27