الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 -
لا تتحدث عن نفسك إلا إذا دعت الحاجة:
فمن آفات المعلمين أن منهم من يجعل الدرس ميدانًا لسرد سيرته الذاتية بمناسبة أو بغير مناسبة، وربما سايره الطلاب وجاملوه، فظن أن ذلك دليلُ فضله، وآية إعجابهم بشخصه.
فلا تحفل -أيها المعلم المفضال - بالحديث عن نفسك، واجعل أعمالك تتحدث عنك؛ فذلك أبلغ وأكرم.
ثم إن كان عندك من فضل فثق بأن الله سينشره، ولن تُظلم فتيلًا.
يخفي محاسنه والله يظهرها
…
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
ثم إن الأصل في مدح الإنسان نفسه المنع؛ لقوله عز وجل: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (النجم: 32) .
وتزكية النفس داخلة في باب الافتخار غالبًا.
فإن وجد ما يقتضي الحديث عن النفس أو تزكيتها -إما لتعريف الإنسان بنفسه، وإما لدفع تهمة، أو لتوضيح أمر مبهم، أو كان المرء بين قوم لا يعرفون مقامه؛ فخشي أن تُصْدَع قناة عزته، أو نحو ذلك -فإن الحديث عن النفس أو تزكيتها -والحالة هذه - جائز لا غبار عليه.
قال النووي: واعلم أن ذكر محاسن نفسه ضربان: مذموم، ومحبوب.
فالمذموم أن يذكر للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميز على الأقران، وشبه ذلك.
والمحبوب أن يكون فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمرًا بالمعروف، أو ناهيًا عن منكرٍ، أو ناصحًا بمصلحة، أو معلمًا أو مؤدبًا، أو واعظًا، أو مذكرًا، أو مصلحًا بين اثنين، أو يدفع عن نفسه شرًّا، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه، ناويًا بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله، واعتماد ما يذكره، وقد جاء لهذا المعنى ما لا يحصى من النصوص. (1)
ثم ساق أمثلة لذلك. (2)
قال ابن المقفع: وإن آنست من نفسك فضلًا فَتحرَّجْ من أن تذكره، أو تبديه، واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل.
واعلم أنك إن صبرت ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف عند الناس.
ولا يخفين عليك أن حرص الرجل على إظهار ما عنده، وقلة وقاره في ذلك -باب من أبواب البخل واللؤم، وأن خير الأعوان على ذلك السخاءُ والتكرم. (3)
قال ابن حزم: إياك والامتداحَ؛ فإن كل من يسمعك لا يصدقك وإن كنت صادقًا، بل يجعل ما سمع منك من ذلك أول معايبك. (4)
(1) الأذكار ص246 -247.
(2)
الأذكار ص247.
(3)
الأدب الصغير والأدب الكبير ص135.
(4)
الأخلاق والسير ص77.